هل ينجح مؤتمر باريس في معالجة أزمة السودان الإنسانية؟
تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT
باريس- قبل عام واحد، اندلعت الحرب في السودان وانهارت حياة الناس قبل أن تدمر البنية التحتية حيث يواجه قرابة 9 ملايين شخص التشرد بسبب العنف وغياب تام للقانون الدولي الإنساني.
وفي ضوء ذلك، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزراء ومبعوثين خاصين وسفراء لختام المؤتمر الإنساني للسودان ودول الجوار في باريس، أمس الاثنين، في الذكرى الأولى لاندلاع الحرب، وشارك في تنظيمه ألمانيا والاتحاد الأوروبي.
وقال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه خلال افتتاح المؤتمر إنه يهدف إلى "كسر حاجز الصمت وحشد المجتمع الدولي بأكمله"، لكن عمقه قد يكون أكثر طموحا، مثل إنشاء ممرات إنسانية آمنة وضمان وصول المساعدات ووقف إطلاق النار، غير أن هذه التفاصيل اصطدمت مع الحماس العسكري لقادة الصراع في الداخل السوداني.
واعتبرت مديرة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود كلير نيكولي أن أخبار التبرعات تُعد خطوة جيدة ومهمة "لكنها للأسف لن تنجح في تغطية المطلوب ولا تلبي سوى نصف الاحتياجات التي تم الإعلان عنها من قبل المنظمات غير الحكومية".
وأشارت نيكولي في حديثها للجزيرة نت إلى أن الاستجابة الإنسانية في السودان قليلة جدا ويحتاج نصف السكان إلى المساعدة، بسبب الأزمة الغذائية الكارثية التي تتمثل أساسا في معدلات سوء التغذية المرتفعة للغاية، فضلا عن صعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية مع وجود 20% فقط من العاملين في قطاع الصحة في البلاد.
واستنادا إلى عملها الميداني في السودان، سلطت مديرة الطوارئ، التي شاركت في فعاليات مؤتمر باريس، الضوء على الارتفاع الحاد في الأسعار في الأسواق واستحالة التنقل بسهولة من مكان إلى آخر، بما في ذلك عبور الشاحنات للبلاد وخطورة الانتقال من نقطة إلى أخرى.
ووفقا لوزارة الخارجية الفرنسية، لم يتم تمويل سوى 5% فقط من الهدف البالغ 3.8 مليارات يورو في النداء الإنساني الأخير للأمم المتحدة هذا العام. وخلال هذا المؤتمر، تعهد المانحون بتقديم نحو ملياري يورو للسودان.
وتعليقا على ذلك، يرى منسق منتدى المنظمات غير الحكومية الدولية في السودان أنتوني نيل أن الأموال التي تم التعهد بتقديمها خلال المؤتمر "ستنقذ ملايين الأشخاص إذ انتقلنا من نسبة تمويل لا تتجاوز 5% إلى حوالي 50% من التمويل المطلوب، لكن ذلك متوقف على التنفيذ الفعلي لجميع هذه الوعود".
وأكد للجزيرة نت أن "الأمر الحاسم هو التأكد من وصول التمويل إلى الأشخاص الذين يقدمون المساعدة الإنسانية على الأرض بسرعة وخلال الشهرين المقبلين لأن أمامنا وقت قصير جدا، قبل أن نشهد أزمة غذائية ضخمة في السودان إذا لم تُتخذ الإجراءات المناسبة فورا".
ويمثل المنسق أنتوني نيل 64 منظمة عضوا في منتدى المنظمات غير الحكومية الدولية الذي يوجد فعليا في جميع ولايات السودان الـ18.
سودانيون في باريس يهتفون ضد قيادات #تقدم ، خلال مشاركتهم في #موامرة_باريس اليوم.#السودان pic.twitter.com/XKuTtwcC1J
— Sudan News (@Sudan_tweet) April 15, 2024
غياب التمثيلورغم مساعي المؤتمر المعلنة بتوفير الدعم الإنساني والوساطة السياسية فإنه أثار جدلا داخل المجتمع السوداني، حيث استنكر كثيرون وجود ضيوف ينتمون إلى قوات الدعم السريع وقوى الثورة المضادة المعادية للمجتمع المدني.
ويتزامن عقد هذا المؤتمر مع وقت يضطر فيه ملايين السودانيين إلى ترك منازلهم بحثا عن ملجأ آمن، داخل السودان أو خارجه وفي مخيمات لا تقل خطورة.
وفي السياق، يستنكر أستاذ العلوم السياسية توماس غينولي تنظيم الجلسة المغلقة بين ممثلي المجتمع المدني السوداني دون وسطاء، متسائلا "ما المعايير التي حكمت اختيار هؤلاء الممثلين؟ وهل يمكن التشكيك في شرعية وأهمية عقد مؤتمر حول الأزمة الإنسانية في السودان دون حضور الجهات الفاعلة المحلية والمتدخلة مباشرة على الأرض؟".
وأضاف غينولي للجزيرة نت أن انتقادات الجالية السودانية ستركز على الطريقة التي تم بها تنظيم المؤتمر وقائمة الضيوف "لأننا رأينا حضور أفراد من قوات الدعم السريع، وهي مليشيا تواجه الجيش السوداني ومتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور".
وتابع أن ذلك "قد ينبئ بتشكيل نقطة تحول جديدة في السياسة الخارجية الفرنسية وإضفاء نوع من الشرعية على هذه المليشيا ويخنق فيما بعد التطلعات الديمقراطية للسودانيين".
كما اعتبر المحلل السياسي أن ذلك يأتي مغايرا للمؤتمر الذي استضافته باريس قبل 3 سنوات حول التحول الديمقراطي في السودان حيث تمت دعوة نشطاء شاركوا في الثورة.
وأوضح أن "ماكرون استقبل حينها قوى الحرية والتغيير ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك الذي كان يجسد الأمل في التغيير المدني والديمقراطي بعد 30 عاما من الدكتاتورية العسكرية".
وقد تم تداول عدة مقاطع فيديو لأفراد من الجالية السودانية المقيمة في باريس يسألون السياسيين السودانيين الذين شاركوا في المؤتمر فور خروجهم من معهد العالم العربي "بكم بعتم دماءنا؟".
أزمة منسيةووفق خطة الاحتياجات والاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2024، يحتاج أكثر من نصف الشعب السوداني (ما يعادل 27 مليون شخص) إلى المساعدة الإنسانية، بينما يعاني 18 مليونا آخرون من انعدام الأمن الغذائي الحاد مع توقف شبه تام للبنية التحتية للرعاية الصحية.
وقال أنتوني نيل إن "القصص التي نسمعها من أفراد منظماتنا غير الحكومية الدولية التي تقدم المساعدة في أماكن مثل شمال وغرب دارفور مروعة حقا"، مستذكرا ما أعلنته منظمة أطباء بلا حدود قبل شهرين عندما ذهبت إلى مخيم سما الشام في شمال دارفور، وقدرت أن "طفلا واحدا يموت كل ساعتين لأسباب تتعلق بسوء التغذية".
وأكد نيل أن "الناس يعانون من انعدام الأمن الغذائي لدرجة أنهم يضطرون إلى الاعتماد على نبات القراص أو الأعشاب الضارة التي يمكنهم العثور عليها لطهي وجبة بأنفسهم، ويتناولون وجبة واحدة فقط في اليوم في أحسن الأحوال".
بدورها، لفتت مديرة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود إلى العوائق التي يواجهونها لإيصال المساعدات "فمثلا، لا نستطيع اليوم الذهاب إلى الخرطوم والمدن المجاورة لها بسبب العقبات والتراخيص التي تفرضها علينا الحكومة".
وأضافت نيكولي أن الوضع الحالي في السودان "يكشف مدى تعقد الإجراءات للحصول على تصاريح الدخول وتوفير الموارد التي تساعدنا على العمل هناك، فضلا عن التضييقات الإدارية التي تمنعنا في أحيان كثيرة من إنجاز مهمتنا الإنسانية بشكل كامل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات غیر الحکومیة فی السودان التی تم
إقرأ أيضاً:
أبرز ما شهده مؤتمر باريس بشأن سوريا
سوريا – اختتمت أعمال مؤتمر باريس بشأن سوريا امس الخميس، بتعهد نحو 20 دولة عربية وغربية المساعدة على إعادة بناء سوريا وحماية المرحلة الانتقالية بوجه التحديات الأمنية والتدخلات الخارجية.
وفي التفاصيل، انطلقت يوم الخميس، أعمال “مؤتمر باريس بشأن سوريا”، بمشاركة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ومبعوثين من الدول الصناعية السبع، وهي بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة، ودول عربية وتركيا.
جاء ذلك في أول زيارة رسمية للشيباني إلى دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، بعد سقوط النظام السوري السابق.
وفي بيان اتفقت على صياغته 20 دولة، بما في ذلك سوريا ومعظم الدول العربية والغربية، باستثناء الولايات المتحدة، حيث قال دبلوماسيون إن الإدارة لا تزال ترسم سياستها تجاه دمشق، أكد المشاركون أنهم سيعملون على “ضمان نجاح الانتقال إلى ما بعد الأسد في إطار عملية يقودها السوريون وتخصهم جوهرها المبادئ الأساسية لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254”.
وأضاف البيان أن الدول الموقعة “ستقدم الدعم اللازم لضمان عدم قدرة الجماعات الإرهابية على خلق ملاذ آمن لها مجددا في الأراضي السورية”.
من جانبه، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ختام المؤتمر، إن بلاده مستعدة لدعم سوريا في المرحلة الانتقالية عقب الإطاحة بنظام الأسد، مذكرا بأن سوريا تحررت من نظام “هجّر شعبه وقتله”، كما أعرب عن رغبته في بناء “سوريا التي تسهم بصورة مباشرة في استقرار المنطقة وأمن الجميع من خلال مكافحة الإرهاب”.
وبين ماكرون الإدارة الجديدة تواجه تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية وإنسانية صعبة، وتحديات تتعلق بعودة اللاجئين.
وأكد الرئيس الفرنسي أن بلاده ستمنح اللاجئين السوريين أذونا خاصة لزيارة بلادهم، كخطوة تشجيعية لمن يرغب بالعودة إلى سوريا، حيث أوضح قائلا: “سنمنح أذون عبور للاجئين السوريين للعودة إلى سوريا ثم الرجوع إلى فرنسا”، وفق ما نقلت وكالة “رويترز”.
وأضاف أن الإدارة السورية الجديدة “تحمل أملا كبيراً للسوريين”، لافتا إلى أن فرنسا “ستقدم 50 مليون يورو لجهود الاستقرار في سوريا”.
وشدد الرئيس الفرنسي على “ضرورة احترام سيادة سوريا”، مستطردا: “لهذا ندعو إلى وقف إطلاق النار في كل الأراضي السورية، بما في ذلك الشمال والشمال الشرقي، وإلى إنهاء التدخل الأجنبي في الجنوب”.
وأشار ماكرون إلى أن فرنسا “مستعدة لبذل المزيد من الجهود لمحاربة الجماعات الإرهابية في سوريا”، مشددا على أنه “لا ينبغي أن تشهد سوريا عودة جماعات تابعة لإيران”.
وشدد على أن يتم دمج” قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الجيش السوري، معتبرا أن ذلك الدمج “سيساعد على مواجهة الإرهاب في المنطقة”.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن البيان الختامي للمؤتمر “يشهد على اقتناع الشركاء بأن نجاح سوريا مصلحة الجميع”.
ولفت بارو خلال المؤتمر، إلى أن بلاده تعمل مع الاتحاد الأوروبي باتجاه “رفع سريع” للعقوبات الاقتصادية على سوريا، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية “سانا”.
وأضاف بارو: “هدفنا في المؤتمر هو مساعدة السوريين، ونريد سوريا حرة وذات سيادة وموحدة ومستقرة، ولهذا السبب نحتاج إلى إرساء بيئة تسهم بإحلال السلام، وبالتوحد من جديد وبإعادة دمج سوريا في المنطقة، ونحن جاهزون لدعم الإدارة الانتقالية السورية من أجل تحقيق أهدافها”.
وبين أن التحديات كبيرة ويجب العمل بسرعة وبشكل منسق من أجل السماح بتدفق المساعدات الإنسانية التي ما زال السوريون في حاجة إليها، وتسهيل التدفقات المالية والاقتصادية لإعادة إعمار البلاد وتشجيع الاستثمار، مبيناً أنه لهذا السبب “تعمل باريس مع نظرائها الأوروبيين من أجل رفع سريع لعدد من العقوبات الاقتصادية، لكن مع وجود ضمانات لرفعها”.
وأوضح وزير الخارجية الفرنسي أن العقوبات الاقتصادية ساهمت في إسقاط نظام الأسد، لكن ليس يُسمح بأن تشكل عائقا بعد اليوم أمام نهضة سوريا.
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي خصص أكثر من 35 مليار يورو منذ عام 2011 من أجل سوريا والدول المجاورة لها، وهو مستعد للمشاركة في جهود إعادة الإعمار ومساعدة الشعب السوري، وأيضا في دعم جهود عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
ورأى بارو أن الحوار الوطني الذي أطلقته سوريا مهم ويلبي احتياجات السوريين، وأنه يجب إسكات جميع الأسلحة في كل أنحاء البلاد بما فيها الشمال والشمال الشرقي، وإلا هناك خطر عودة تنظيم “داعش”، مشيرا إلى أنه “لا يمكن لسوريا أن تكون ملاذاً للتنظيمات الإرهابية التي تهدد بشكل مباشر أمن جيران سوريا والدول الأوروبية”.
واستطرد: “الحوار الوطني الذي أعلنته سوريا والذي نأمل بأن يبدأ قريبا هو مؤشر مهم جداً، شرط أن يجيب عن تطلعات جميع السوريين بصرف النظر عن الديانة أو اللغة أو المجتمع أو النوع الاجتماعي، إضافة إلى ذلك تم الإعلان عن لجنة للإعداد لمؤتمر الحوار الوطني، وبأن الحكومة التي ستشكل في أول آذار القادم ستعكس تنوع المشهد السوري”.
وأكمل وزير الخارجية الفرنسي: “نحن لن نفرض أي شيء ولا أي طلبات غير واقعية، لكن نود أن نواكب السوريين بأفضل طريقة، ومن أجل ذلك نحن نحتاج إلى روزنامة واضحة للمرحلة الانتقالية، على أن تواكب الأمم المتحدة هذه المرحلة، فالانتقال الناجح هو الذي يسمح بإعادة الأمن بسرعة لجميع السوريين ولجميع شركاء سوريا”.
كما عقد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في إطار مؤتمر باريس بشأن سوريا، لقاءات ثنائية بين وزراء جمعته مع كل من وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ووزير الدولة القطري للشؤون الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي، ووزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي، ونائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون.
والتقى الشيباني بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية جان نويل بارو.
المصدر: RT + وكالات