المسيحيون لا يجتمعون إلا على الحيط
تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT
مشهد هو من بين مشاهد كثيرة، حيث جلس مسؤولون في "التيار الوطني الحر" جنبًا إلى جنب مع مسؤولي "القوات اللبنانية" في كنيسة مار جرجس في جبيل في مراسم وداع المغدور باسكال سليمان. أن يجتمع المسيحيون فقط في الجنازات، وبعدها يذهب كل فريق منهم في طريقه، أمر غير عادي، ولا يقبله المنطق السوي ولا يسّلم به. وهل قدرهم أن يتعاضدوا فقط في الاحزان والاتراح، وأن يؤازر الواحد منهم الآخر فقط في الملمات؟
لم يكن هكذا تاريخهم عندما شعروا بأن الخطر يهدّد لبنان ووجودهم كقيمة حضارية وإنسانية في هذه المنطقة، فرأينا الأقطاب الموارنة الثلاثة: كميل شمعون وبيار الجميل وريمون أده يجتمعون في حلف ثلاثي لمواجهة السياسة التي كانت متبعة في ذاك الوقت، والتي رأوا فيها ما يتعارض مع نظرتهم إلى لبنان، على رغم الاختلاف في وجهات نظر هؤلاء الأقطاب الثلاثة.
وكذلك فعل المسيحيون يوم اجتمعوا في جبهة لبنانية واحدة بمبادرة من الاباتي شربل قسيس، ومن بعده الاباتي بولس نعمان، وضمت كلًا من الرئيسين كميل شمعون وسليمان فرنجية، قبل انسحابه منها احتجاجًا على حادثة أهدن، فضلًا عن الشيخ بيار الجميل والنائب أدوار حنين وكلًا من شارل مالك وفؤاد افرام البستاني وجواد بولس، وقد انضم إليهم لاحقًا الشيخ بشير الجميل وداني شمعون.
أمّا اجتماعهم الثاني فكان في "لقاء قرنة شهوان" بمباركة مباشرة من البطريرك الرحل مار نصرالله بطرس صفير، الذي أوكل إلى المطران يوسف بشاره مهمة الاشراف المباشر على هذا التجمّع السياسي، الذي أسس لنداء المطارنة الموارنة في العام 2000، والذي مهدّ لحركة الاستقلال الثاني، على أثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فتطور "لقاء قرنة شهوان" المسيحي إلى لقاء وطني جامع في "البريستول"، أسس لحركة 4 آذار، التي كانت حالة استثنائية في تاريخ العلاقات اللبنانية – اللبنانية.
بداية "انفخات الدف" كانت بانسحاب "التيار العوني" من "لقاء البريستول"، وتفردّه بتوقيع اتفاق مع "حزب الله" سمي "اتفاق مار مخايل"، بالتوازي مع نمو العدائية بين "العونيين" و"القواتيين" على خلفية "حرب الإلغاء". وقد استمرّت هذه الحال إلى أن كان "اتفاق معراب"، الذي توجّ أفاق "أوعى خيّك"، لكن هذا الاتفاق سقط عند أول امتحان لـ "التيار الوطني الحر" في السلطة بعدما تسلم العماد ميشال عون مقاليدها.
لفتني كلام لراعي أبرشية الروم الملكيين الكاثوليك في كندا المطران ميلاد جاويش، الذي قال في احدى المناسبات العامة، إن المسيحيين في لبنان يقوون عندما يقوى الموارنة، ويضعفون عندما يضعف الموارنة. هذا الكلام ذكرّني بكلام مشهور للأرثوذكسي شارل مالك، الذي حدّد بعشرة بنود دور الموارنة في الشرق ولبنان الذي أعطي لهم شعبًا وتراثاً وقيمًا، وقال: "لقد أعطي الموارنة كثيرًا ولذلك يُطلب منهم الكثير:
أُعطوا، أولاً، هذا الجبل العظيم. جبل لبنان اسم من أعطر الأسماء في الكتاب المقدس وفي التاريخ.
أعطوا ثانيا، لبنان شعبًا وتراثاً وقيمًا. لا يمكن فصل شعب لبنان وقيمه وتراثه عن جبل لبنان.
ثالثًا أعطوا بلدًا مجتمعه حر، تعددي، والمسيحية فيه حرة.
أعطوا رابعًا بكركي، هذا المركز الروحي الفريد في الشرق الأوسط.
خامسًا، أعطي الموارنة تراثاً آراميًا سريانيًا عريقاً. يربطهم هذا التراث، تاريخيًا وثقافيًا ودينيًا، بمتبقيّات الحضارة الآرامية العظيمة في هذا المشرق.
سادسًا، أعطوا طقسًا ليتورجيًا عظيمًا.
سابعًا، أعطي الموارنة هذا الارتباط الوثيق بروما.
ثامنًا، أعطوا تاريخًا موحّدًا، منفصلاً، قائمًا في حد ذاته، محدّد المعالم. لا تتمتع أي فئة أخرى في لبنان، بل لربما في أوسع من لبنان، بهذه الصفة المُعطاة.
تاسعًا: بسبب سريانيتهم، أعطي الموارنة، فوق إمكان ربط أنفسهم بالعالم السرياني الحي، أن يكون أقرب الناس، مزاجيًا وتراثيًا، الى العرب واليهود معًا. اللغة أهم ظاهرة حضارية، لأنها بأعمق معانيها هي الحياة، تُعيّن الجذور والأصول والتراث، تُعيّن وشائج القربى.
عاشرًا: أعطوا القدرة على العطاء، فمن من أسهم في النهضة العربية الحديثة في المئتي سنة الماضية في شتى الحقول أكثر من الموارنة؟
وختم: "ليس أسهل من تبيان نقائص الموارنة، وهم أنفسهم في تبيانها كل يوم مسرفون. وأحيانًا أشفق عليهم في تمزيقهم لأنفسهم".
ما حصل في انتخابات نقابة مهندسي بيروت أكبر دليل على ما خلص إليه كبير من بلادي اسمه شارل مالك.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
المسيحيون في سوريا.. ما وراء رواية نظام الأسد
مع بدء "قمة الحرية الدينية الدولية" في واشنطن العاصمة، يضغط المدافعون عن حقوق الإنسان، مطالبين بحماية الأقليات الدينية والعرقية في المشهد السياسي المتطور في سوريا.
محنة المسيحيين في سوريا لا ترتبط فقط بحكم الأسد أو المتمردين
ومن بين الحاضرين البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، مما يشير إلى أهمية حماية المجتمعات المسيحية في سوريا، حسبما أفاد رئيس ومؤسس المنظمة العالمية لحقوق الإنسان ADFA في مقاله بموقع مجلة الأمريكية. المسيحيون بعد الأسدقبل شهرين، احتفلت المنظمة العالمية لحقوق الإنسان بالذكرى السنوية العاشرة لتأسيسها في السويد، لكن المناسبة طغت عليها الأخبار المحزنة من سوريا. فمع رحيل بشار الأسد، سيطر المتمردون على مناطق معينة، مما أجبر العديد من المسيحيين على الاختباء.
كان الخوف نابعاً من تجارب سابقة مع الفصائل الجهادية مثل "هيئة تحرير الشام" وارتباطاتها التاريخية بتنظيم "داعش" و"القاعدة".
A delegation of Syrian Christians from across #Syria met with the new Damascus government. It is wonderful to see Bishop Hanna Jallouf the catholic bishop of Aleppo and a friend of @syrianetf for over a decade alongside Christian leaders from Damascus finally able to practice… pic.twitter.com/AXShiRdKZP
— Mouaz Moustafa (@SoccerMouaz) December 31, 2024وعلى الرغم من أن المتمردين أعلنوا لاحقاً التزامهم بتطبيق "المساواة في الحقوق"، ظلت الشكوك قائمة. عاد بعض المسيحيين بحذر إلى ديارهم للاحتفال بعيد الميلاد، لكن عدم اليقين كان يلوح في الأفق بشأن مستقبلهم في سوريا التي مزقتها الحرب والتي تحكمها الآن مجموعات معارضة موزعة.
الاضطهاد من جبهات متعددةوقال الكاتب إن محنة المسيحيين في سوريا لا ترتبط فقط بحكم الأسد أو المتمردين الذين خلفوه، مشيراً إلى معاناة العديد من المسيحيين على أيدي النظام والفصائل المتطرفة.
وسلط الكاتب الضوء على إحدى الحالات المروعة، وهي حالة رزوق، اللاجئ السوري الذي فر بعد أن واجه الاضطهاد من قبل قوات الأمن التابعة للأسد والمتشددين الأصوليين. ومن المؤسف أن زوجته وبناته غرقوا أثناء محاولتهم الوصول إلى بر الأمان عبر طرق التهريب.
وتؤكد مثل هذه القصص على التهديدات المزدوجة التي يواجهها المسيحيون في سوريا: القمع في ظل حكم الأسد والوحشية على أيدي الفصائل المتطرفة.
هناك اعتقاد خاطئ شائع بأن المسيحيين في سوريا كانوا يدعمون حكومة الأسد بشكل موحد. ويدحض الكاتب هذا الاعتقاد، مؤكداً أن العديد من المسيحيين قاوموا النظام بنشاط.
وعارضت "المنظمة الديمقراطية الآشورية" الأسد منذ بداية انتفاضة عام 2011، وانضمت إلى "الائتلاف السوري المعارض".
ولعبت شخصيات مسيحية بارزة مثل جورج صبرا أدواراً قيادية في حركة المعارضة.
While the warmongers cheer Assad being overthrown, Christians will now be persecuted under sharia law which has now been declared in Syria.
Damascus is one of the earliest places where Christianity began.
I’m praying for them. ????
pic.twitter.com/ughE9YrMnj
بالإضافة إلى ذلك، تحالف "حزب الاتحاد السرياني" مع "قوات سوريا الديمقراطية" - وهو تحالف عرقي مدعوم من الولايات المتحدة - ضد الأسد وتنظيم "داعش". وفي عام 2012، اقتحم نشطاء "حزب الاتحاد السرياني" السفارة السورية في ستوكهولم للاحتجاج على وحشية النظام.
وتم القبض على أحد قادتهم الرئيسيين، سعيد ملكي كوثر، في القامشلي في عام 2013 وما يزال مفقوداً.
ولم يسلم رجال الدين المسيحيون البارزون. اختُطف رئيس أساقفة الروم الأرثوذكس بولس يازجي ورئيس أساقفة السريان الأرثوذكس يوحنا إبراهيم في حلب، وما يزال مصيرهما مجهولاً. ويتساءل الكاتب عما إذا كان نظام الأسد قد لعب دوراً في اختفائهما، حيث انتقد كلاهما حكمه.
المقاتلون المسيحيون في الثورةوعلى عكس الادعاءات بأن المعارضة كانت يهيمن عليها السُنّة حصرياً، يشير الكاتب إلى أن المسيحيين قاتلوا أيضاً من أجل سوريا الديمقراطية. وانضم العديد منهم إلى "الجيش السوري الحر"، وهو تحالف علماني في البداية ضم السنة والأكراد والدروز. وواصل ناشطون مسيحيون مثل عبد الأحد أستيفو وسنحاريب ميرزا الدعوة إلى سوريا التعددية.
التأثير المدمر للحرب في المجتمعات المسيحيةقبل عام 2011، كانت سوريا موطناً لحوالي 1.5 مليون مسيحي. واليوم، بقي أقل من 300 ألف مسيحي. فقد دمرت الحرب المجتمعات المسيحية المزدهرة.
وانخرط تنظيم "داعش" والفصائل التابعة له في التطهير العرقي، وأجبر الآشوريين على الخروج من منطقة الخابور، والأرمن من كسب، والسريان من حمص. حتى المسيحيين الأرثوذكس اليونانيين، أكبر طائفة مسيحية في سوريا، عانوا تحت حكم المتمردين.
المناصرة الدولية لحقوق المسيحيين وأكد الكاتب على الحاجة إلى مزيد من الاهتمام الدولي بمحنة المسيحيين في سوريا. ودعت ورقة بحثية قدمتها الجهات المعنية في "قمة الحرية الدولية الدينية" إلى إدارة ترامب، إلى ضمان المساواة في الحقوق للمسيحيين والدروز والعلويين والأقليات الأخرى، مؤكدةً أهمية حقوق المرأة في استقرار سوريا في المستقبل.وتأمل المنظمة العالمية لحقوق الإنسان وحلفاؤها في تأمين الحماية للمسيحيين والأقليات الأخرى من خلال الجهود التشريعية، من أجل الاعتراف بوضعهم الأصلي في سوريا وضمان حقهم في التعايش مع المجتمعات الدينية والإثنية المتنوعة في البلاد. لحظة حاسمة لمسيحيي سوريا وقال الكاتب: لا يمكن تجاهل مصير المسيحيين في سوريا. لم تبدأ معاناتهم باستيلاء المتمردين، ولم يكن الأسد حامياً لهم ولحقوقهم. لقد ناضل المسيحيون السوريون لفترة طويلة من أجل دولة تعددية وديمقراطية.
وأضاف أن المسيحيين في سوريا هم أمة ديمقراطية. والآن، بينما تخضع سوريا لتحول سياسي آخر، يتعين على العالم أن يضمن عدم نسيانهم. وفي "قمة الحريات الدينية الدولية"، يأمل المدافعون عن حقوق الإنسان أن يتخذ المشرعون الأمريكيون خطوات ملموسة لدعم الأقلية المسيحية، وضمان بقائهم وحقهم في المواطنة المتساوية في مستقبل سوريا.