-١- في سبتمبر ٢٠١١ بمنطقة أبيي، اشتعل القتال بين الجيش السوداني وجيش الحركة الشعبية عقب انفصال الجنوب.

كان الطرفان قبل ذلك يستعدان لما هو أسوأ، برفع درجة الاستعداد العسكري، كل طرف يريد ألّا يتفاجأ بالرصاصة الأولى.

وحينما انطلقت تلك الرصاصة، بدأت المعركة على أشدّها بين الطرفين وبرز وقتها سؤال:
مَـن الذي بدأ الحرب قبل الآخر؟!

‏‎وخرج الجيش الشعبي لأجهزة الإعلام ليقول إنّ جندياً مُنفلتاً تسبّب في اندلاع المعركة في منطقة أبيي، حينما قرّر بمفرده – في لحظات فقدان وعي – أن يطلق الرصاصة الأولى التي خرج على إثرها الجيش الشعبي من المنطقة التي دخلها فرحاً عبر بنود بروتوكولات نيفاشا، ليخرج منها مدحوراً بتصرُّفٍ طَائشٍ من أحد جنوده.

-٢-
وفي ذات العام، اندلعت الحرب في ولاية النيل الأزرق، وتساءل الناس هل ما حَدثَ كان فعلاً مُخطّطاً له، باختيار توقيت ولحظة صفر محددة، اختارها أحد الطرفين أم أنه جاء على سبيل الصُّدفة؟!

حينها أوردت الزميلة (الأخبار) أنّ جندياً – مجهول الاسم – أطلق الرصاص على عربة رفضت الامتثال لطلب الإيقاف في إحدى نقاط التفتيش؟!
‏‎فبرصاصات الجندي الاعتراضية، انتقلت ولاية النيل الأزرق لمربع الحرب المفتوحة.

-٣-
وقبل ٤٨ ساعة من اندلاع الحرب الأخيرة بين الجيش ومليشيا الدعم السريع المتمردة، كتبت على صفحتي بـ”الفيسبوك”:

كل الأشياء هناك قابلةٌ للاشتعال وفي انتظار شرارة ما أو رصاصة طائشة الآذان تسترق دبيب النمل، والأعين المُتوتِّرة تبحث عن خيط المُؤامرة الأسود في عتماء الظلام، والأنف المتوجسة تتفحّص الروائح.

وعند هذه الحالة فقط تخرج الحرب من غرف الكبار لتجلس على فوهة كلاشنكوف جندي صغير!!
-٤-
ما حدث قبل عام يختلف عن الذي حدث عام ٢٠١١ في منطقتي أبيي والنيل الأزرق، فلم يكن الأمر مُتعلِّقاً فقط برصاصة ذلك الجندي المجهول.
كانت المليشيا قد فعلت كل ما يؤدي لاشتعال الحريق:
-ذهبت بمدرعاتها وقواتها نحو مطار مروي خارجة عن إمرة الجيش ودون إذنه!!
-ولم تَكتفِ بذلك، بل فرضت حصاراً مُحكماً على المطارات في الأبيض والفاشر ونيالا.

-أدخلت المليشيا، مئات سيارات اللاند كروزر بيك أب المُعزّزة بالراجمات ومضادات الطيران والدروع إلى العاصمة الخرطوم، ونشرت قواتها في الأماكن الحيوية والاستراتيجية.
-وقبل الرصاصة الأولى وفي ليلة ١٤ أبريل، ألقت المليشيا القبض على قائد لواء الباقير مأمون محمد أحمد، حيث ذكر ذلك في تسجيل بثّـته المليشيا بعد أيام من اندلاع الحرب.
-وعلى مقربة من مسكن البرهان حشدت المليشيا نحو ستمائة سيارة عسكرية تقريبًا وحفارات بوكلين، لهدم الحائط الفاصل بين مسكن قائدها وقائد الجيش في انتظار لحظة الصفر.

-٥-
من هنا بدأت الخطوات الأخيرة للانقضاض على قيادة الجيش، في عملية أرادتها المليشيا خاطفة وسريعة تُسيطر من خلالها على السُّلطة، وتفرض حكم آل دقلو على البلاد.
كانت المليشيا تريد واحداً من أمرين:

أولهما/ إرغام قيادة الجيش التوقيع على الاتفاق الإطاري الذي يمنحها خيار الاستقلال عن الجيش الوطني، لتصبح جيشاً مُوازياً طوال الفترة الانتقالية تحت قيادة رمزية مدنية تمتد لأكثر من عشر سنوات.

والخيار الثاني/ وهو ما أخطر به حميدتي زائريه من ممثلي الدول الأوروبية-حسب مصادر مطلعة- بأنه سيلقي القبض على قيادة الجيش ويزج بها في السجن إذا لم تُوقِّع على الاتفاق الإطاري.

– وفي أول لقاء تلفزيوني مع قائد المليشيا يوم إندلاع الحرب قال: خلال ساعتين إما أن يقتل البرهان أو يلقى القبض عليه وأضاف أن كل المطارات قد تم تحييدها.

-٦-
-لو أراد الجيش أن يبدأ الحرب، لكانت درجة الاستعداد في كل الأجهزة العسكرية والأمنية في مستواها الأقصى ١٠٠٪؜.

-ولو أراد الجيش الحرب، لما تمكّنت المليشيا من أسر المئات من قادته في الساعة الأولى من اندلاعها.

-ولو أراد الجيش الحرب، لما ترك الضباط أسرهم بحي المطار على مقربة من منزل قائد المليشيا المُدجّج بالأسلحة، والمحتشد بالقوات، لتصبح تلك الأسر رهائن في مُتناول قبضته.
-ولو أراد الجيش الحرب، لما انتظر قائده، المليشيا لتقتحم عليه غرفة نومه لولا بسالة حراسه التي أنجدته من الموت والأسر بأعجوبة.

-٧-
أما نظرية الطرف الثالث، فهي مُحاولة قديمة ومُكرّرة ومُعَادَة، مُستلفة من أرشيف السياسة السودانية، لذا فهي غير قابلة للتسويق.

‏‎حينما أُعدم كبار ضباط الجيش في بيت الضيافة عام ١٩٧١ في انقلاب هاشم العطا، قالوا إنّ طرفاً ثالثاً هو مَن فعل ذلك، رغم أنّ كل القرائن والاعترافات والمعلومات كانت تُؤكِّد أنّ التصفية تمّت بتوجيهٍ مُباشرٍ من أبو شيبة قائد الحرس..!

وعندما قُتل شباب الاعتصام في ليلة العيد أمام قيادة الجيش عام ٢٠١٩م، قالوا إنّ طرفاً ثالثاً مَن فعل ذلك، رغم أنّ كل الفيديوهات والمعلومات أكّدت أنّ فَضّ الاعتصام تَمّ بتخطيط وتنفيذ قوات الدعم السريع وإشراف عبد الرحيم دقلو شخصيّاً..!
-٨-
-لو أراد الإسلاميون إشعال الحرب، لما كان خيارهم فقط إطلاق رصاصة واحدة في المدينة الرياضية، لسعوا لمُحاصرة المليشيا في كل الأماكن التي يتواجدون فيها.

-لو أراد الإسلاميون الحرب، لقاموا بتأمين قياداتهم في كل مكان، ولما تَمّ القبض على اثنين من أهم القيادات أنس عمر والحاج آدم بسهولة ويسر في منزلهما، والأخير تم إطلاق سراحه بعد وساطة قبلية.

-لو أراد الإسلاميون الحرب، لقاموا بتهريب قيادتهم من السجون والمستشفيات بالتزامن مع إطلاق الرصاصة الأولى، ولما مكثوا أكثر من ١٠ أيام في أماكنهم.

-ولو أراد الجيش أو الإسلاميون الحرب وبادروا بها، لفرض المنطق أنّ من يُهاجم في منزله وغرفة نومه هو حميدتي وليس البرهان..!

-والأهم من ذلك أنّ اعتماد رواية الطرف الثالث، تعني عملياً بطلان ما ظَلّت تُردِّده المليشيا وأعوانها بأنّ قيادة الجيش تتحرّك بإمرة علي كرتي، وهذا يعني أنّ الرجل ليس في حاجة لطرف آخر ليُنفِّذ له ما يريد طالما أنه يملك زمام أمر القيادة.

ولكن يظل السؤال الذي يحتاج لإجابة واضحة من قيادة الجيش :
رغم كل تلك المؤشرات القوية التي تكشف نوايا المليشيا لماذا ظل الجيش في درجة منخفضة من الاستعداد وما تلك الرهانات الخاسرة التي كان يراهن عليها ؟!

-أخيراً-
لكل ذلك وغيره ، تتراجع أهمية ما حَدَثَ في المدينة الرياضية أمام كل تلك التّطوُّرات الحربية التي اتّخذتها المليشيا والحرب في تعريفها البسيط تتكون من أربعة أركان:
تقدم
هجوم
ودفاع
انسحاب.

إذن مُحاولة اعتبار أنّ الحرب بدأت من المدينة الرياضية ، مُحاولة احتياليّة لصرف الأنظار عن كل ما فعله وما قاله آل دقلو قبل الشروع في تنفيذ مُخَطّطهم الإجرامي صبيحة ١٥ أبريل .

ضياء الدين بلال

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الرصاصة الأولى قیادة الجیش

إقرأ أيضاً:

روسيا تُعلن مقتل 1275 عسكريا في الجيش الأوكراني

أصدرت وزارة الدفاع الروسية بياناً، اليوم الخميس، أكدت فيه استمرار تقدم قواتها على جميع محاور القتال في أوكرانيا.

اقرأ أيضاً.. صحف عبرية: حماس تعمدت إذلال إسرائيل في مراسم تسليم الأسرى

وأشار بيان الجيش الروسي إلى مقتل 1275 عسكرياً في الجيش الأوكراني، وإعطاب عشرات الدبابات والمدرعات والأسلحة  خلال 24 ساعة.

وتضمن البيان قيام  قوات الشمال بتعزيز مواقعها في مقاطعة خاركوف شمال شرق أوكرانيا، وتمكنت من تكبيد القوات الروسية 50 قتيلاً ودمرت له ناقلة جند و3 مركبات ومدفع.

وأضاف البيان :"عززت قوات الغرب الروسية مواقعها في مقاطعة خاركوف، وكبدت الجانب الأوكراني 320 قتيلا ودمرت له مدرعتين و10 مركبات و8 مدافع غربية ومستودعا للذخيرة".

وذكر البيان أن قوات الجنوب عززت مواقعها في جمهورية دونيتسك وكبدت القوات الأوكرانية 175 قتيلا ودمرت له 4 مدرعات ومركبتين ومدافع غربية ومستودع ذخيرة.

وتضمن البيان الإشارة لتعزيز قوات روسيا مواقعها في دونيتسك وكبدت القوات الأوكرانية 550 قتيلا ودمرت له مدرعتين و6 مركبات ومدفعين.

كما واصلت قوات الشرق تقدمها في دونيتسك وكبدت القوات الأوكرانية 125 قتيلا ودمرت له 3 مركبات و5 مدافع.

كما تمكنت قوات "دنيبر" خسائر كبيرة بالجيش الأوكراني في مقاطعة زابوروجيه وصدت هجوما للجيش لأوكراني وكبدته 55 قتيلا ودمرت له مركبتين.

وقامت القوات الروسية أيضاً بإسقاط 61 مسيرة، إسقاط  قنبلتين موجهتين "هاميير" فرنسيتين، و4 صواريخ "هيمارس" أمريكية.

بدأت حرب روسيا وأوكرانيا في 24 فبراير 2022، عندما شنت روسيا هجومًا عسكريًا واسع النطاق على أوكرانيا، وهو التصعيد الأكبر في النزاع الذي بدأ في عام 2014 بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. الهجوم الروسي كان مدفوعًا بالعديد من العوامل السياسية والعسكرية، أبرزها مقاومة أوكرانيا للنفوذ الروسي في المنطقة وسعيها للتقارب مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي. الحرب أسفرت عن نزوح ملايين الأوكرانيين، وتدمير واسع للبنية التحتية في العديد من المدن الأوكرانية، لا سيما في كييف، خاركيف، وماريوبول. كما تعرض المدنيون لأسوأ الانتهاكات من القصف العشوائي، مما جعل الأزمة الإنسانية في أوكرانيا واحدة من أكبر الكوارث في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

من جانبها، قدمت الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، دعمًا كبيرًا لأوكرانيا من خلال إرسال أسلحة ومساعدات مالية، فضلاً عن فرض عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا. هذه الحرب أثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، حيث أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وأثار قلقًا بشأن الأمن العالمي في ظل تهديدات متبادلة باستخدام الأسلحة النووية. ورغم محاولات التفاوض والوساطات الدولية، لا تزال الحرب مستمرة مع استمرار الخسائر البشرية والمادية على الجانبين.

 

 

مقالات مشابهة

  • داعية يمني يصف قيادات الدولة في بلاده بالمتسولين ويقول: اليمن يمتلك رجال لكن بلا قيادة وطنية
  • زي النهارده.. توقيع معاهدة سلام تورون التي أنهت الحرب البولندية الليتوانية التوتونية
  • وصول الدفعة الأولى من مُصابي الحرب إلى رفح للعلاج في مصر
  • هدد بإسقاط حكومة نتنياهو.. سموتريتش يتوقع عودة الحرب على حماس
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
  • أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى الجيش الروسي إلى 837 ألف جندي منذ بدء الحرب
  • رقعة حرب واحدة استعاد فيها الجيش زمام المبادرة بشكل كامل بينما تنهار المليشيا
  • يمن اليوم .. حسين الأمس
  • 3 كليات بعين شمس تحقق المراكز الأولى في مبادرة 100 يوم رياضة
  • روسيا تُعلن مقتل 1275 عسكريا في الجيش الأوكراني