الضربة الإيرانية لإسرائيل هي أول مواجهة عسكرية مباشرة بين طهران وتل أبيب على الإطلاق، على الرغم من وجود حرب باردة بين الطرفين مستمرة منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ولذلك فإن الأبعاد الاستراتيجية لهذه المواجهة الأخيرة أهم بكثير من نتائجها المباشرة والفورية، كما أنها تشكل تطوراً بالغ الأهمية على مستوى المنطقة.
الأبعاد الاستراتيجية لهذه المواجهة الأخيرة أهم بكثير من نتائجها المباشرة والفورية
ما حدث فجر الأحد الرابع عشر من أبريل/نيسان هو أن إيران أطلقت من أراضيها بشكل مباشر أكثر من 300 قذيفة، تنوعت بين طائرات مسيرة وصواريخ موجهة نحو إسرائيل، وهو أول هجوم من نوعه، رداً على قصف إسرائيلي استهدف يوم الأول من أبريل مبنى ملحقا بالسفارة الإيرانية في دمشق، وهو المبنى الذي يبدو أنه كان يشهد اجتماعاً رفيع المستوى، حيث أسفر القصف عن مقتل قائد كبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وهو العميد محمد رضا زاهدي إضافة إلى سبعة ضباط آخرين في الحرس الثوري الإيراني.
في السابق كانت إيران ترد على الاعتداءات الإسرائيلية بشكل غير مباشر، وأحيانا كان يدور الحديث عن هجمات إلكترونية تقوم بتعطيل بعد الخدمات داخل إسرائيل، أو تقوم بتكبيد الاحتلال بعض التكاليف المالية والاقتصادية، لكن هذه المرة أعلنت طهران أن «عصر الصبر الاستراتيجي قد انتهى»، وهو ما يعني أنها اعتبرت استهداف سفارتها في دمشق تجاوزاً للخطوط الحمر، وأن الرد على هذا الاعتداء يجب أن لا يكون ضمن القواعد المعتادة.
وواقع الحال أن القانون الدبلوماسي الدولي يعتبر السفارات في كل العالم جزءا من أرض الدولة التي تتبع لها السفارة، وعليه فإن للسفارات أحكام خاصة، وهو ما يعني أن القصف الإسرائيلي على السفارة الإيرانية في دمشق، لم يكن استهدافاً للأراضي السورية، وإنما هو ـ وفقاً لهذه القاعدةـ استهداف مباشر للأراضي الايرانية، وعليه فإن الإيرانيين قرروا الرد بالمثل، وهذا ما يُفسر إعلانهم بأن ما فعلوه كان منسجماً مع القانون الدولي، وكان على قاعدة الدفاع عن النفس التي تقرها الشرائع والقوانين الدولية.
الرد الإيراني على الاعتداء الإسرائيلي، بغض النظر عن نتائجه الفورية والتكتيكية، فإنه يعني أن المنطقة تشهد تحولاً استراتيجياً بالغ الأهمية، وفي ما يلي أبرز ملامح هذا التحول ومعاني الرد الإيراني:
إسرائيل ستحسب ألف حساب من الآن فصاعداً لأي ضربة تستهدف إيران
أولاً: ثمة رسالة إيرانية واضحة لإسرائيل والعالم مفادها، رفع مستوى الرد على أي اعتداء يستهدف المصالح الإيرانية، وهذا يعني أن إسرائيل ستحسب ألف حساب من الآن فصاعداً لأي ضربة تستهدف إيران، والدليل على أن إسرائيل فهمت هذه الرسالة، هو أن مجلس الحرب الإسرائيلي ظل طيلة يومين مجتمعاً للبحث في الرد الممكن على القصف الإيراني، وشهد خلافات حادة، بينما كان قرار مثل هذا يحتاج لساعات، وربما لدقائق من أجل اتخاذه في إسرائيل، ما يعني أن حسابات الإسرائيليين أيضاً تغيرت، بعد أن أصبحت لدى طهران قابلية لأن ترد بضربة عسكرية مباشرة.
توجيه ضربة عسكرية مباشرة لإسرائيل يعني أن لدى إيران القابلية لشن مغامرة عسكرية مع أي دولة في المنطقة
ثانياً: الرد بهذه الطريقة نقل النفوذ الإيراني في المنطقة إلى مستوى آخر مختلف، حيث أن توجيه ضربة عسكرية مباشرة لإسرائيل يعني أن لدى إيران القابلية لشن مغامرة عسكرية مع أي دولة في المنطقة، ما يعني أن حسابات المنطقة بأكملها تغيرت، وأن أي تهديد للمصالح الإيرانية من قبل أي دولة حليفة لإسرائيل قد يعني أن هذه الدولة قد تتعرض لهجوم إيراني بشكل أو بآخر.
ثالثاً: هذه المواجهة بين إيران وإسرائيل جعلت المنطقة أكثر وضوحاً في انقسامها بين محور مؤيد لإيران ومقاوم للمشروع الأمريكي، ومحور آخر مؤيد لإسرائيل ومتماه مع المشروع الصهيوني.
وقد بدا ذلك واضحاً في البيان الإسرائيلي الذي تحدث عن أن ثلاث دول غربية ودولتين عربيتين شاركت في التصدي للهجوم الإيراني، بينما انطلقت بعض المسيرات والصواريخ من لبنان والعراق واليمن، وهو ما يعني أن المواجهة كانت بين المعسكرين ولم تكن محصورة بين إيران وإسرائيل.
هذه المواجهة كشفت مجدداً الانكفاء الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط
رابعاً: هذه المواجهة كشفت مجدداً الانكفاء الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وتراجع دور واشنطن، ما يؤكد أن المنطقة اليوم ليست كما كانت في نهاية القرن الماضي، عندما دفع العراق ثمناً باهظاً ثمناً لقصفه إسرائيل بصواريخ «كروز»، وهذا الانكفاء الأمريكي قرأته إيران جيداً ومن خلفها روسيا، وتحركت على أساسه.
أما ما يؤكد هذا الانكفاء، فهو أن الولايات المتحدة أبلغت تل أبيب فور الهجوم بأنها لن تشارك في أي عملية عسكرية إسرائيلية مضادة، وفي الوقت نفسه حذرت الإيرانيين من التعرض للقواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة، وهنا كانت الرسالة واضحة، وهي أن واشنطن لن تحارب بالنيابة عن إسرائيل، ولن تخوض أية معارك لصالحها، وأن عدم استهداف الأمريكيين من قبل إيران يعني إبقاء الولايات المتحدة على الحياد من هذا الصراع.
بقيت الإشارة إلى أن ثمة الكثير من الأسئلة بلا شك التي تولدت لدى الجمهور، وهي أسئلة منطقية في كثير من الأحيان، من بينها سبب انكشاف موعد الضربة مسبقاً، والسبب في أنها لم تحدث أضراراً كبيرة ولم تسبب خسائر بشرية، والجواب على ذلك في أمرين، الأول أن إيران أبلغت جيرانها وحلفاءها مسبقاً من أجل التنسيق وضبط الموقف وضمان عدم خروج المشهد عن السيطرة، والثاني أن إيران كانت حريصة – كما هو واضح – على عدم الدخول في حرب، وأن تقتصر عمليتها على رد عسكري محدود، كما أن من المهم الإشارة إلى أن السبب الرئيس في عدم وقوع خسائر كبيرة لدى الإسرائيليين هو أن التصدي للصواريخ والمسيرات تم قبل وصولها بمئات الكيلومترات، ما جعل عدداً قليلاً جداً يصل إلى الهدف المقرر له.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال الولايات المتحدة الولايات المتحدة الاحتلال التصعيد الهجوم الايراني مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عسکریة مباشرة هذه المواجهة فی المنطقة ما یعنی أن
إقرأ أيضاً:
التايمز: إيران معرضة للخطر.. وتخشى من انتقام إسرائيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية أن إيران تعاني من حالة من القلق إزاء احتمال شنّ إسرائيل هجمات انتقامية، بعد أن قللت طهران من أهمية الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت العاصمة طهران في أواخر أكتوبر الماضي، ووصفت إيران الغارات بأنها "محدودة"، لكنها تعهدت بالرد "بحسم".
ووفقا لتقرير "التايمز"، فإن هذا التهديد الإيراني قد لا يتجسد على أرض الواقع، فقد كشفت مصادر غربية مطلعة على الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية الإسرائيلية، وأن الضربات دمرت جميع بطاريات الدفاع الجوي الروسية من طراز إس-٣٠٠، بالإضافة إلى العديد من منشآت الرادار على طول مسارٍ يعرض إيران لهجمات إسرائيلية مستقبلية.
وأوضح المسئول الغربي بحسب الصحيفة أن "إعادة بناء الدفاعات الجوية الإيرانية ستستغرق عامًا كاملًا، وهذا سيُرغم طهران على التفكير مليًا قبل شن أي هجوم على إسرائيل".
وجاءت الغارات الجوية الإسرائيلية ردًا على إطلاق إيران مئات الصواريخ الباليستية على أهداف عسكرية إسرائيلية. وقد سبق هذا الهجوم الإيراني اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ومسئول عسكري إيراني كبير، خلال هجوم إسرائيلي على ميليشيات مدعومة من إيران.
وأثار هذان الاغتيالان إحراجًا كبيرًا لطهران، حيث واجهت انتقادات حادة من أنصارها بسبب عدم تدخلها الفعّال.
وتشير "التايمز" إلى أنّ التفاوت في القوة بين إسرائيل وإيران أصبح واضحًا بشكلٍ كبير. فقد نجحت إسرائيل، في غارة جوية واحدة، في شلّ الدفاعات الجوية الإيرانية وعرقلة برنامجها لتصنيع الصواريخ.
ومع ذلك، فإن إيران تخشى أنّ الضربة الإسرائيلية التالية قد تكون أكثر جرأة، خاصة مع إشارات إسرائيلية مُحتملة إلى استهداف منشآتها النووية.
وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع بأن إحدى الضربات التي نفذت في أكتوبر الماضي، استهدفت "مكونًا" في البرنامج النووي الإيراني، في إشارة إلى منشأة بارشين، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية نفت أن هذه المنشأة نووية.
مخاوف إيرانوأشارت الصحيفة إلى أن مخاوف إيران تتجاوز برنامجها النووي، فقد حث نتنياهو، في خطابين مسجلين بالفيديو، الشعب الإيراني على الثورة ضد النظام الحاكم، مستغلًّا التوترات الداخلية في إيران، وخاصةً مسألة الخلافة المقبلة للمرشد الأعلى آية الله خامنئي (٨٥ عاما).
ويفيد التقرير أن خامنئي يفضل ابنه مجتبى للخلافة، بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية في وقت سابق من هذا العام، ويضيف أن الصراع مع إسرائيل في ظل التحضيرات للخلافة يُزيد من حدة التوترات الداخلية.
وتبين "التايمز" أن النظام الإيراني يواجه صراعًا على جبهتين: جبهة خارجية ضد إسرائيل من خلال وكلائها الذين تضاءلت قوتهم، وجبهة داخلية ضد غالبية الشعب الإيراني الذين يعارضون حكمه الإسلامي المتشدد.
وشهدت إيران موجةً من الاضطرابات الاجتماعية بعد وفاة مهسا أميني في عام ٢٠٢٢، إضافةً إلى أزمة اقتصادية حادة ناتجة عن إعادة فرض العقوبات الأمريكية، وزيادة الضرائب، وعجزٍ كبير في الميزانية، مما أدى إلى ارتفاع التضخم إلى ما يقارب ٤٠٪. كما سجّلت الانتخابات الأخيرة رقمًا قياسيًا في انخفاض نسبة المشاركة، بسبب دعوات المعارضة إلى المقاطعة.