لماذا من غير المرجح أن تؤدي ضربات طهران إلى صراع شامل بين إيران وإسرائيل؟
تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT
نشر أولاً في صحيفة “ذا ناشيونال”- ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”
في وقت متأخر من يوم السبت، أطلقت إيران أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ على إسرائيل. يُعتقد أن هذه الغارة، التي جاءت ردًا على ضربات إسرائيل على قنصلية إيرانية في سوريا أسفرت عن مقتل سبعة من قادة إيران في وقت سابق من هذا الشهر، هي المرة الأولى التي تضرب فيها الجمهورية الإسلامية إسرائيل بشكل مباشر من إيران.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الابتعاد عن ممارستها التي استمرت لسنوات طويلة بالاعتماد على وكلاء عبر المنطقة لشن نزاعات ضد خصومها، فمن المحتمل أن يكون هجوم يوم السبت مجرد رد انتقامي لحفظ ماء الوجه بالنسبة للنظام.
في الواقع، يبدو أن خفض التصعيد مطروح على الطاولة. قال مكتب إيران لدى الأمم المتحدة إن الهجوم سيُعتبر “منتهيًا” إذا لم ترد إسرائيل. قامت كل من الأردن والعراق وحتى إسرائيل بفتح مجالها الجوي.
هذا لا ينبغي أن يكون مفاجئًا تمامًا، بالنظر إلى أن إيران وإسرائيل حافظتا تاريخيًا على تفاهم هش.
هناك قاسم مشترك واحد في المصالح الإقليمية والاستراتيجية للبلدين يتمثل في رغبتهما في الحد من نفوذ القوى العربية في الشرق الأوسط. في هذا السياق، خدمهما غزو العراق عام 2003 الذي قادته الولايات المتحدة. أدى ذلك إلى تحييد العراق كقوة إقليمية مهمة، تاركًا إسرائيل (الدولة) الوحيدة في المنطقة التي تمتلك قدرات نووية ومنحت إيران نفوذًا حاسمًا على بغداد.
على الرغم من أن البعض سيعتبر التصعيد الأخير في سياق حرب غزة المستمرة، فإن الخلاف الأساسي بين إيران وإسرائيل لا يدور حول مستقبل فلسطين، كما تحاول محور المقاومة تصويره. بدلاً من ذلك، يركز على امتلاك الأسلحة النووية.
تسعى إسرائيل إلى الحفاظ على احتكارها الإقليمي كقوة نووية وتهدف إلى تخريب البرنامج النووي الإيراني نفسه قبل أن يصل إلى مستوى التخصيب اللازم للأسلحة النووية. على الرغم من نفيها المتكرر، يسعى النظام الإيراني إلى تطوير أسلحة نووية كضرورة استراتيجية تستحق التضحية برفاهية شعبه من أجلها.
ستكون هذه الأولوية النووية في مقدمة اعتبارات طهران عند استكشاف خيارات الرد في الأيام الأخيرة. وذلك لأنها لا تسعى إلى حرب مع إسرائيل من شأنها أن تمنح الأخيرة، وكذلك الولايات المتحدة، الذريعة لتدمير أو تدهور مفاعلاتها النووية.
اقرأ/ي.. التحالفات الاستبدادية الجديدةهناك سبب آخر يجعل إيران لا تسعى إلى مزيد من التصعيد مع إسرائيل، إلى جانب هجومها بالطائرات المسيرة والصواريخ، هو أنها لا تريد المخاطرة بالتواصل المستمر مع إدارة الولايات المتحدة في عهد الرئيس جو بايدن. لا تزال المحادثات غير الرسمية جارية، بهدف التوصل إلى صفقة كبرى من شأنها إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران.
ثالثاً، تعلم إيران أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي في حالة نشوب حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل، وأنها ستتدخل لصالح إسرائيل. في الواقع، قالت القوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة إنها أسقطت عدة طائرات مسيرة إيرانية تستهدف إسرائيل خلال عطلة نهاية الأسبوع.
بغض النظر عن تفاخرها، لا يمكن لإيران أن تنتصر في حرب ضد القوة الأمريكية-الإسرائيلية المشتركة. إن رفع سقف خطابها شيء، لكن الدخول في حرب مع إسرائيل وسط تحذيرات إدارة بايدن سيكون بمثابة انتحار للنظام.
تدخل مبررات إيران الحذّرة في عدد من الاعتبارات الأخرى. يملي الحكمة أن يمتنع حكامها عن أي إجراء يمكن أن يخفف الضغط المتزايد على إسرائيل بسبب معاملتها اللاإنسانية وغير القانونية للمدنيين في غزة. ربما تريد طهران تجنب اتخاذ أي إجراء من شأنه تحويل مشاعر إدارة بايدن الحالية تجاه إسرائيل من الغضب إلى التعاطف. أخيرًا، لم تتوقف المفاوضات بين إسرائيل وحماس تمامًا ويمكن أن تنجح في وقت قريب، وبالتالي تنقذ حماس، وهو هدف مهم لطهران ومحور المقاومة.
على الجانب الآخر، أشارت كل من روسيا والصين إلى إيران بأنه لاتوجد مبررات للصراع المباشر. كلتا القوتين ترفضان اندلاع حرب عالمية، حيث تضع كل منهما أولوية لمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية. لا يرغبان في أن يقودهما حليفهما الإيراني إلى حيث لا يكون لهما رأي في تطور الأحداث أو خاتمتها.
تبذل إدارة بايدن أقصى جهد للمناورة بحذر عبر هذه المياه المضطربة. لقد حرصت على إيصال رسالة إلى إيران مفادها بأنها لم تُعلم مسبقًا بالهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق وأن واشنطن لا تزال ملتزمة بمفاوضاتها السرية مع طهران. بالإضافة إلى ذلك، شعرت الإدارة بأنها ملزمة بتأكيد التزامها بحماية حليفها الإسرائيلي في حالة نشوب حرب مباشرة مع إيران، مع الاستمرار في تحذير إسرائيل من تداعيات أي سلوك متهور، خاصة فيما يتعلق بعملية رفح المخطط لها.
تسعى الإدارة أيضًا إلى الحفاظ على التوازن وسط الضغوط المتصاعدة من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة. على اليسار، هناك معارضة لاستمرار الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، إلى جانب الاستياء من الانتهاكات الإسرائيلية. وعلى العكس من ذلك، يزعم اليمين أن السيد بايدن يقدم فعليًا شريان حياة لحماس ويتجاهل سياسة إيران في استخدام وكلاء لها في الشرق الأوسط يخدمون أجندتها التوسعية ويشكلون تهديدًا للمصالح الأمريكية.
حقيقة الأمر أن المنطقة عالقة بين قيادة دولة (إسرائيل) تواصل السير على طريق الاستفزاز والتهور، وأخرى (إيران) تجرأت على الحديث عن السيادة في الهجوم على القنصلية في دمشق، على الرغم من وجود غرفة عمليات داخل المنشأة كانت تديرها قوات قدس (التي تشرف على مهام وكلاء إيران في المنطقة).
ومع ذلك، فإن إدارة بايدن تحافظ على إيمانها بالدبلوماسية، مفضلة الحوار على المواجهة. وبالتالي، فإن التوقع هو أن تقلل القوتان المتنافستان من خطاباتهما وتقاوما المزيد من التصعيد.
اقرأ/ي.. تجاوز حدود حرب الظل.. إسرائيل وإيران تدفعان الشرق الأوسط إلى لحظة خطيرة (تقرير خاص)لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةWhat’s crap junk strategy ! Will continue until Palestine is...
الله يصلح الاحوال store.divaexpertt.com...
الله يصلح الاحوال...
الهند عندها قوة نووية ماهي كبسة ولا برياني ولا سلته...
ما بقى على الخم غير ممعوط الذنب ... لاي مكانه وصلنا يا عرب و...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: بین إیران وإسرائیل الولایات المتحدة أضرار جانبیة على الرغم من إدارة بایدن الحوثیین فی فی الیمن
إقرأ أيضاً:
التفاوض بين إيران وأميركا.. دوافعه وتحدياته ومآلاته المتوقعة
في ظل التحولات المتسارعة التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، يعود ملف التفاوض بين إيران وأميركا إلى واجهة الأحداث، وسط تساؤلات ملحة بشأن أسبابه وإمكانياته ومآلاته المحتملة، خاصة في ضوء المتغيرات التي فرضتها مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وطوفان الأقصى.
وفي قراءة معمقة نشرها عبر حسابه بموقع "إكس"، تتبع عبد القادر فايز، مدير مكتب الجزيرة في طهران والصحفي المتخصص في الدراسات الإيرانية، مسار التفاوض بين الجانبين عبر تحليل دقيق يستعرض العوامل التي تدفع الطرفين للجلوس إلى الطاولة مرة أخرى، والتحديات التي تعترض طريقهما نحو اتفاق جديد.
فمنذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، ظلت العلاقة بين طهران وواشنطن محكومة بمعادلة "لا حرب ولا سلام"، لكن مع مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، برزت محاولة لفرض معادلة جديدة تقوم على إما الحرب أو السلام الكامل، وهو ما وضع التفاوض أمام منعطف مصيري.
بالمقابل، سعت إيران إلى صياغة معادلة خاصة بها عبر تثبيت مفهوم "لا حرب ونصف سلام"، في محاولة لشراء الوقت وترسيخ مكتسباتها الإقليمية دون الانخراط في مواجهة مباشرة مع القوة العظمى.
دوافع التفاوض
ويُجمع المراقبون، وفق قراءة فايز، على أن الضرورة الأمنية شكلت المحرك الأساسي لكل جولات التفاوض بين الجانبين، حيث دفعت الضرورات الأمنية والمصالح العليا كل طرف إلى تبني الحوار كأداة لتفادي الصدام المباشر باهظ التكلفة.
إعلانوتاريخيا، خاضت طهران وواشنطن 6 جولات تفاوضية مهمة، بدءا بمحاولة إبقاء العلاقات قائمة بعد الثورة، مرورا بأزمة الرهائن وصفقة "إيران-كونترا"، وصولا إلى المحادثات النووية التي أثمرت اتفاق 2015، وكلها كانت مدفوعة بالضرورات الأمنية.
ومع التحولات الأخيرة، بدا واضحا أن نمط المفاوضات تغير بشكل جذري، إذ لم تعد المسألة مجرد تفاوض دبلوماسي بين إدارات، بل أصبحت عملية تفاوض بين رأس النظام الإيراني والرئيس الأميركي بشكل مباشر، مما أكسبها طابعا أكثر حساسية وتعقيدا.
منطلقات مختلفةوتشير قراءة عبد القادر فايز إلى أن المفاوضات الحالية انطلقت دون شروط مسبقة، حيث لم تعد واشنطن تشترط العودة إلى الاتفاق النووي، ولم توقف طهران تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، مما خلق أرضية تفاوضية انطلقت من الواقع القائم بدلا من محاولة الرجوع إلى الوراء.
كذلك، تتسم الجولة الراهنة بطابع تفاوضي ثنائي مباشر بصيغة 1+1 بين إيران وأميركا، مع استمرار دول مثل روسيا والصين والترويكا الأوروبية بلعب أدوار خلف الستار عبر قنوات اتصال غير مباشرة.
ومن اللافت أن المفاوضات الراهنة تجاوزت مرحلة التمهيد الطويل، إذ لم تسبقها جلسات تمهيدية مطولة، بل انطلقت مباشرة بقرارات سياسية عليا، في دلالة على حجم الضغوط الداخلية والخارجية التي تحيط بالجانبين.
ضمانات ممكنة
ورغم ذلك، تبقى مسألة الضمانات العقبة الكبرى أمام أي اتفاق، إذ تطالب أميركا بضمانات مادية تمنع إيران من تطوير سلاح نووي، في حين تصر طهران على ضمانات ملموسة بعدم انسحاب واشنطن مجددا من أي اتفاق يتم التوصل إليه.
ويرصد فايز في قراءته أفكارا مطروحة لحل معضلة الضمانات الإيرانية، تتمثل في دور موسع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى جانب إشراك روسيا والصين كضامنين، أو حتى تأسيس صيغة إقليمية لتخصيب اليورانيوم بمشاركة دول حليفة لواشنطن.
إعلانأما الضمانات الأميركية الممكنة، فتشمل عرض الاتفاق على الكونغرس لتحويله إلى اتفاقية ملزمة قانونيا، والدخول في استثمارات اقتصادية داخل إيران، ومنع فرض عقوبات جديدة ترتبط بملفات أخرى، رغم صعوبة ضمان النقطة الأخيرة.
عوامل مؤثرةوفي سياق آخر، رصدت القراءة مستجدات نوعية مؤثرة في سير المفاوضات، أبرزها تبدل الموقف الإقليمي، حيث باتت إسرائيل تقف وحيدة نسبيا في معارضة الاتفاق، لكنها أصبحت أكثر جرأة في التلويح بالخيار العسكري المباشر ضد إيران.
وفي المقابل، راكمت إيران قدرات نووية مهمة منذ 2015، شملت تخصيب اليورانيوم بنسب تصل إلى 60%، وزيادة أعداد وأصناف أجهزة الطرد المركزي، مما منحها أوراق ضغط إضافية على طاولة المفاوضات.
ومع ذلك، أضعفت التطورات العسكرية الأخيرة في غزة وسوريا ولبنان واليمن نفوذ إيران الإقليمي خارج نطاق قدراتها النووية، مما انعكس سلبا على موقفها التفاوضي، وفرض معادلات جديدة لا يمكن تجاهلها.
كما تغير موقف روسيا والصين مقارنة بمفاوضات 2015، حيث يبدو أن موسكو وبكين تدفعان اليوم بجدية نحو إنجاح التفاوض، انسجاما مع أهدافهما الإستراتيجية في تحجيم النفوذ الأميركي بالمنطقة.
وتتداخل معطيات الداخل الإيراني بدورها في رسم ملامح التفاوض، فالضغوط الاقتصادية والاجتماعية أصبحت اليوم محددا مركزيا وليس هامشيا، مما يزيد من إلحاح القيادة الإيرانية على رفع العقوبات وتحقيق انفراجة اقتصادية سريعة.
ويضاف إلى ذلك عامل الوقت الضاغط على كلا الطرفين، إذ يسعى ترامب إلى إنجاز اتفاق شامل خلال فترة قياسية، في حين تحتاج طهران بشدة إلى تخفيف الضغط الاقتصادي قبل حلول مواعيد مفصلية قريبة مثل تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وانتهاء بعض بنود اتفاق 2015.
مآلات متوقعة
تشير المعطيات، وفق تحليل عبد القادر فايز، إلى أن كلا الطرفين مضطران للوصول إلى صيغة اتفاق جديدة، تتيح الخروج من معادلة "لا حرب ولا سلام"، وتفتح الباب أمام ترتيب مشهد إقليمي مغاير لما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
إعلانففي الوقت الذي يأمل فيه ترامب تسويق الاتفاق كإنجاز تاريخي يغير خريطة الشرق الأوسط دون طلقة واحدة، تسعى إيران لإعادة تموضع داخلي وخارجي ينسجم مع المعطيات الجديدة، ويحصنها أمام الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة.
ويبدو أن نجاح هذا المسار، أو إخفاقه، سيتحدد في غضون أشهر قليلة، مع دخول مفاوضات الوقت الحرج، وسط مراقبة دقيقة لكل إشارة تصدر عن طهران وواشنطن، ولأي تحرك على رقعة الشطرنج النووي التي باتت أكثر تعقيدا من أي وقت مضى.