جوزيب بوريل: لا لمحاربة التطلعات الديمقراطية في السودان بالسلاح
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
قالت صحيفة "لاكروا" الفرنسية إن جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، أطلق اليوم صرخة إنذار أمام المؤتمر الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا للمطالبة بتقديم مساعدات إنسانية للسودان، والدعوة إلى إنهاء الحرب هناك.
وقال بوريل -في مقال مشترك مع الدبلوماسي السلوفيني جانيز لونارسيتش- إن "الأزمة الأكثر خطورة وتعقيدا وقسوة في العالم" تحدث في السودان دون أن تظهر في أخبار التلفزيون رغم وجود ما يقرب من 9 ملايين نازح داخل البلاد، نصفهم من الأطفال، وما يقرب من مليوني لاجئ في الخارج.
وأسوأ من ذلك -حسب الصحيفة- أن القتال أدى إلى تعطيل موسم الزراعة في أكثر المناطق خصوبة في البلاد، ليواجه ما يقرب من 20 مليون شخص، أي قرابة نصف السودانيين، انعدام الأمن الغذائي الحاد في بلد كان منتجا رئيسيا للغذاء، قبل هذه الحرب التي تدخل اليوم عامها الثاني.
المسؤولان معروفانوأوضح المقال أن المسؤول عن هذه الكارثة معروف، منذ الانقلاب العسكري المشترك عام 2021، عندما أخذت القوات المسلحة وقوات الدعم السريع التطلعات الديمقراطية للثورة السودانية رهينة، قبل أن ينهار التحالف بينهما، ويدخلا في حرب منذ 15 أبريل/نيسان 2023.
وفي جميع أنحاء السودان اليوم -كما في المقال- يتم حجب المساعدات الإنسانية عمدا من قبل المتحاربين اللذين يمنعان عمال الإغاثة من الوصول إلى السكان الذين يواجهون صعوبات، مما دعا لفرار مئات الآلاف من السودانيين إلى البلدان المجاورة، بما فيها تشاد وجنوب السودان، وهما بلدان يواجهان أصلا أزمات إنسانية وغذائية، رغم أن هذه المعاناة سببها بشري بالكامل ويمكن أن تنتهي اليوم.
وأشار الكاتبان إلى أن الرعاة الخارجيين الذين يجلبون المال والسلاح هم من يؤججون القتال، حيث تقوم جهات مثل إيران بتزويد القوات المسلحة السودانية بالأسلحة، كما تتمتع الإمارات بنفوذ مباشر على قوات الدعم السريع، يجب أن تستخدمه لإنهاء الحرب، في حين تلعب روسيا على كلا الجانبين على أمل الوصول إلى البنية التحتية والموارد الإستراتيجية، وخاصة الذهب والمعادن.
حتى يصبح الاجتماع لصالح السلامودعا المسؤول الأوروبي إلى مواصلة الحوار مع الأطراف المتحاربة، واتخاذ موقف محايد لصالح السلام واحترام حياة وحقوق المدنيين، من أجل أن يصبح اجتماع باريس اليوم نقطة التقاء من أجل السلام، حيث يجب أن يكون نقطة انطلاق لمزيد من العمل العالمي المتضافر والهام من جانب أوروبا وأفريقيا والمجتمع الدولي لصالح السودان.
ومع أن الهدف الأول اليوم يجب أن يكون تجنب المجاعة التي تهدد السودان، ودعم البلدان والمجتمعات التي رحبت باللاجئين الفارين من الحرب، فإن المساعدات المتاحة، التي يمنعها المتحاربون لأسباب سياسية، يجب أن تصل إلى المحتاجين أينما كانوا، لأن مثل هذه التكتيكات تنتهك القانون الدولي وقد تشكل جرائم حرب.
تحذير من رفض وقف المذبحةوتوقع الكاتبان أن يسمع زعيما الطرفين المتحاربين، الفريق أول عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، أخيرا الدعوات لوقف هذه المذبحة والجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإلا فلن يبقى الرفض دون عواقب.
وخلص المقال إلى أنه في السودان كما هو في أوكرانيا أو أي مكان آخر، لا تنبغي محاربة الطموحات الديمقراطية بالسلاح، وذلك ما يطالب به الشعب السوداني منذ نزوله إلى شوارع الخرطوم قبل 5 سنوات. ولهذا السبب، يقول الكاتبان "ندعو بلا كلل ودون تأخير إلى وقف إطلاق النار، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وعودة السودان إلى طريق التحول الديمقراطي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات ترجمات یجب أن
إقرأ أيضاً:
الشهادة السودانية كرقصة التانغو (1-2)
عبد الله علي إبراهيم
ملخص
تفجر حول انعقاد هذه الامتحانات الجزئية نقاش شخصه خصوم الحكومة حتى بين التربويين باستخدام الحكومة لها كـ"سلاح التعليم" لتعزيز سلطانها في البلاد. فقالت قمرية عمر، من نقابة المعلمين، إن هذا قرار حكومة الأمر الواقع، حكومة بورتسودان، وهو سياسي ومرتجل وهدفه الادعاء في مواجهة الطرف الآخر بأن السودان آمن، وأن الحياة تسير بصورة طبيعية.
شغلت منصات التواصل رحلة الـ2000 كيلومتر للطالبة شمس الحافظ عبدالله من بلدة أبشي في تشاد إلى عطبرة بولاية النيل بالسودان، للجلوس لاختبار الشهادة السودانية في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وهو الامتحان الذي تأجل بسبب الحرب وكان مقرراً له يونيو (حزيران) 2023.
وبدا أن قصة عبور شمس فوق الهول لمجرد الجلوس لاختبار، الملحمة في حد ذاتها، ليست نسيج وحدها. ففي بلد القطينة في ولاية النيل الأبيض، التي تحتلها قوات "الدعم السريع"، كان هناك من تحدى الطبيعة والحرب للامتحان. فركبت جماعة من الطلاب القوارب ليعبروا لمدينة الدويم ليجلسوا للامتحان.
وليست هذه أول مرة تكون فيها الامتحانات في عين عاصفة حروب السودان الأهلية. فسبق لطالبة من دارفور نفسها أن غادرت منطقة احتلتها حركة مسلحة حظرت الامتحان لتركب هولاً أصغر إلى مدينة الضعين لتجلس للامتحان.
جلس طلاب الشهادة الثانوية لعام 2023 لاختباراتها المؤجلة لظرف الحرب في الـ18 من ديسمبر (كانون الأول) 2024. واقتضى ظرف الحرب أن تجرى الامتحانات بصورة أساس في ولايات كسلا والقضارف والبحر الأحمر والشمالية والنيل الأزرق، بينما تقام في ولايات نهر النيل والنيل الأبيض وكردفان بصورة جزئية علاوة على 15 دولة أجنبية نزح إليها الطلاب. واضطرت وزارة التربية والتعليم في هذا العام إلى تعديل توقيت الامتحانات ليبدأ عند الساعة الثانية والنصف ظهراً بدلاً من الثامنة صباحاً تقديراً لظروف الطلاب الذين جلسوا للاختبار في مصر. وعددهم أكثر من 27 ألف طالب وطالبة من جملة 49 ألف طالب وطالبة يجلسون للاختبارات من خارج السودان، لاعتذار وزارة التربية في مصر بأنها لا تستطيع عقد الامتحانات في الفترة الصباحية.
وجلس للاختبار 120724 طالباً وطالبة من الولايات تحت قوات "الدعم السريع" في مراكز الولايات التي تحت سلطة القوات المسلحة. وتكفلت حكومات الولايات باستضافتهم وإعاشتهم. وكان من المفترض، بحسب وزارة التربية والتعليم، أن يجلس للامتحانات المؤجلة أكثر من 343 ألف طالب وطالبة يمثلون 70 في المئة من إجمال الطلاب المسجلين البالغ عددهم نحو 500 ألف، إلا أن العدد تقلص بسبب سقوط آلاف أرقام الجلوس، وتأجيل الامتحانات في ولايتي جنوب وغرب كردفان. وكانت لجنة المعلمين السودانيين، وهي غير التي في داخل السودان، قد قالت إن إجراء الامتحانات في شرط الحرب كما سيحدث سيؤدي إلى حرمان 60 في المئة من إجمال الطلاب الذين استوفوا شروط الجلوس للاختبارات قبل الحرب. وتخلف، وفق تقارير سودانية، عن الجلوس قسراً نحو 157 ألف طالب وطالبة في ولايات تقع تحت سيطرة قوات "الدعم السريع".
تفجر حول انعقاد هذه الامتحانات الجزئية نقاش شخَّصه خصوم الحكومة حتى بين التربويين باستخدام الحكومة لها كـ"سلاح التعليم" لتعزيز سلطانها في البلاد. فقالت قمرية عمر، من نقابة المعلمين، إن هذا قرار حكومة الأمر الواقع، حكومة بورتسودان، وهو سياسي ومرتجل وهدفه الادعاء في مواجهة الطرف الآخر بأن السودان آمن، وأن الحياة تسير بصورة طبيعية. وساقت جزئية الامتحان معارضة الحكومة وغيرها للقول بأنها مما سيغبن الجماعات التي انحرم طلابها من الامتحان ويمهد "لتفتيت البلاد وتهتك نسيجها الاجتماعي".
وذهب آخر إلى أن هذا التفكيك للبلاد هو الهدف من إجراء هذا الامتحان الناقص. فالقرار، في قوله، ليس قراراً إدارياً بريئاً، بل يعكس إستراتيجية تتبناها هذه السلطة، التي تسيطر عليها عناصر من النظام المباد، لاستغلال التعليم كأداة لتعزيز نفوذهم السياسي والاجتماعي في مناطقهم المعروفة بـ"دولة النهر والبحر"، وهي تقريباً الولايات التي جرى فيها الامتحان. فتفاوت الفرص فريضة في صفوة هذه الدولة بعواقبه الوخيمة على وحدة السودان.
واتفق مع هذا التطيُّر من الامتحانات رئيس الحزب الاتحادي الموحد، محمد عصمت يحيى، الذي قال إن انعقاد اختبارات الشهادة السودانية في هذا التوقيت هو بداية لانفصال البلاد وخطوة من "خطوات المشروع الانفصالي لسلطة الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني وواجهاتهما تمضي بإجراء امتحانات الشهادة السودانية قدماً في الشهر الذي شهد اندلاع ثورة ديسمبر (2018)"، كأنه لا تثريب على انعقادها في غير هذا الشهر.
قالت النقابية قمرية في نقد الامتحانات الجزئية إن الشهادة السودانية حدث قومي له وزنه وهيبته. ولا غرو أن جاء هذا القول الفصل من مثل قمرية في علو كعبها في التعليم والنقابية. لكنه مما يصدر من مثلها عن "عادة المعارضة" للحكومة. فلم ير الناس من النقابة مشروعاً مستقلاً لانعقاد اختبارات الشهادة. وكان سامي الباقر من نقابة المعلمين قال إنهم ناشدوا طرفي الحرب إعلاناً بوقف إطلاق النار خلال فترة الامتحانات، وفتح طرق آمنة لتمكين الطلاب والطالبات والمعلمين من الوصول إلى مراكز الامتحانات، وأن ترعى الأمم المتحدة هذه الهدنة التربوية مع قادة الأطراف. ولم يفصل سامي في مساعيهم للغرض، واستجابة الأطراف. وخلافاً لهذا العمل البناء استغرقت النقابة في نقد غير راحم للحكومة لأنها قامت بوظيفة من وظائفها لم نر من النقابة اعتراضاً عليها، بل سعت، في قولها هي ذاتها، بطريقتها إلى تأمين انعقاد الامتحانات بسلامة ولم توفق. ونواصل
ibrahima@missouri.edu