عندما تنظر إلى أحدهم ويملأ قلبك الشك ويدخل إلى نفسك الخوف والنفور، وتتملك منك إحدى الصفات التى تندرج تحت بند الريبة، تهمس لذاتك سرًا أو لصاحبك جهرًا بأن هذا المرء «شمَّام»، وكأن روح أحد المرشدين الذين وكِّل لهم مراقبة «الشمَّامين» والقبض عليهم قد حضرت وتلبستك دون أن تدرى.. فهل اختلف «شمًّامون» الأمس عن «شمَّامين» اليوم؟.
لاحظ الملك فردريك الأكبر «24 يناير 1712–17 أغسطس 1786» تزايد مقادير القهوة التى يحتسيها رعاياه، ولاحظ معها كم الأموال الطائلة التى يجنيها التجار من وراء ذلك، فقام باحتكار استيراد البن والإشراف على طحنه، وقام بتخصيص مجموعة أطلق عليهم اسم «الشمَّامين» وكانت وظيفتهم تُشمَّم روائح البن ومراقبة المطاحن غير المرخصة، وكان يتم منح «الشمَّامين» نصف الغرامات التى يحكم بها على المخالفين، هذا هو حال «الشمَّامين» فى ألماينا من زمن بعيد وهذه الطائفة ليست المقصودة هنا، فقط محطة تاريخية يجب الوقوف عندها للتعرف على لقب «الشمَّامين» الأوائل بمناسبة إلغاء ألمانيا تجريم «الحشيش» واحتفالات أصحاب «المزاج» فى شوارع برلين!
فى مصر الأمر مختلف، فبعد دخول الهيروين البلاد 1916 وحماية تجار «الكيف» الأجانب تحت مظلة الامتيازات الأجنبية، اختلفت صفات «الشمَّامين» وتحولت من وظيفة لضبط مطاحن البن غير المرخصة كما حدث فى ألمانيا منذ قرون إلى لقب يسبق آلاف المشردين الذين يتعاطون هذا السم الأبيض، وأصبح «الشمَّام» والبؤر التى تأويه خطرًا يجب محاربته.
وفى مارس 1930 أسند إلى الضابط حسين أفندى جلال الإشراف على العمل فى نقطة بوليس خاصة بحى «القللي» و«الزهار»، تم ابتكارها خصيصًا لمواجهة بؤر ترويج وتوزيع الكوكايين والهيروين والمورفين، بعد أن أصبح الحى مأوى لكبار اللصوص والأشرار وآلاف المتشردين والعاطلين من عشاق السم الأبيض وضحاياه.
وبدأ حسين أفندى حملته على تلك البؤر بمساعدة عدد من رجال البوليس السرى وبعض سكان الحى المتطوعين فى المساعدة للقبض على هؤلاء «الشمَّامين»، وكان لكل رجلين من رجال البوليس شارع يقوم بمراقبته، ويتم القبض على كل شخص يجدانه متجولًا من غير عمل أو جالسًا بجانب الطريق بشكل يدعو إلى الشبهة سواء كان «شمَّام» أو تاجر مخدرات، ثم يتم تحرير محاضر تشرد «للشمَّامين» الذين لم تضبط معهم مواد مخدرة!.
يقول حضرة الضابط حسين أفندى جلال إن كثيرًا من هؤلاء المتشردين «الشمَّامين» بعد أن يطلق سراحهم يعودون إلى سابق عهدهم فيتم القبض عليهم مرة أخرى، نلاحظ هنا أن التشرد والبطالة من خصال «الشمَّامين»، فهل انتهت واكتملت الصورة عند ذلك؟ الإجابة لا، ونذهب لاستكمال بقية الأوصاف.
كان فى حى «الزهار» سوق لبيع الملابس والأحذية القديمة يعرف بسوق العصر، وهذا السوق هو أحسن مكان يجتمع فيه «الشمَّامون»، فبعد أن ينشل الشمَّام ما تصل إليه يداه من ملابس أو متاع أو طعام طوال النهار يذهب إلى سوق العصر لبيعه هناك، فيقبض ثمن المسروقات باليمين ليسلمها إلى تاجر المخدرات أو أحد أعوانه بالشمال للحصول على «التذكرة »، ثم يفرمسرعًا إلى مكان مقطوع ويبدأ عملية الشمَّ، وكثيرًا ما تصل الجرأة ببعضهم فيشَّم وسط السوق علنًا!!.، ووصل الإجرام بهؤلاء «الشمَّامين» عندما يرون طفلة فى الطريق يسرقون قرطها أو خلخالها، ولا تمرعربة أو سيارة من حى «القللى أو الزهار» إلا ويسرق هؤلاء المجرمون شيئًا منها، أضف هنا السطو والسرقة بالإكراه إلى خصال «الشمَّامين» الذين ذكرناها من قبل.
الطريف فى حدوتة « شمَّامين» الأمس، أن مرشدًا ألقى القبض على أحدهم، واعترف هذا الشمام على التاجر الذى يشترى منه وأرشد عنه، ثم أعطاه الضابط نقودًا وجعله يذهب فى حراسة أحد المرشدين ليشترى هيروينًا من التاجر الذى أرشد عنه للتأكد من صحة كلامه، ففعل الشمَّام ذلك، ولكنه بدلًا من أن يعود بالهيروين إلى نقطة البوليس هرب من المرشد وأخذ يشم الهيروين وهو يجرى، فتبعه المرشد وقبض عليه، فقام الشمام بعضه عضة كان من آثارها أن تسمم ذراع المرشد!!، هنا أضف الخيانة إلى صفات «الشمَّامين» السابقة.
مع مرور الأيام، تنوعت فئات «الشمَّامين» وتبدلت صورهم واختلفت هيئاتهم وتغيرت أنماط حياتهم.. فقط التفت يمينًا أو يسارًا، انظر حولك لتجد أحدهم فى ثوبه الجديد، ليبقى الموروث الثقافى والمخزون التاريخى اتجاه هؤلاء المشردين والعاطلين والأشرار البوصلة التى تجعلك تحكم ثم تنطق همسًا أو صمتًا بأن هذا يتبع طائفة «الشمَّامين» رغم علو مكانته أو تدنيها.
والخلاصة.. من يعتبر «الهلس» رسالة، ومن يتخذ من آلام الناس وأوجاعهم تجارة، من يسرق قوت يومهم ويضع يده على «شقا» عمرهم، ومن يخون الأمانة، من يتوهم أن الأوطان مغنم، ومن يعتقد أن تغييب الوعى حرفة وأن التضليل صنعة، يمكنك أن تهمس سرًا أو جهرًا بأنه يتبع طائفة «الشمَّامين».
في النهاية .. تعددت الخصال وتنوعت الثياب والشمَّام واحد!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
هذا عدد أسرى الاحتلال الذين قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة
كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، اليوم السبت، عن عدد أسرى الاحتلال الإسرائيلي الذين قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، منذ بداية حرب الإبادة الجماعية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2023.
وذكرت الصحيفة أن "41 أسيرا إسرائيليا من بين 251 أسرتهم حماس في غزة، قُتلوا في الأسر، بعضهم قُتل بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية التي شنتها على غزة".
وأضافت أن "الخرائط العسكرية تؤكد أن موقع مقتل 6 من الأسرى على يد الجيش الإسرائيلي في أغسطس/ آب الماضي، كان ضمن مناطق العمليات المحدودة".
وأشارت الصحيفة إلى أن "الجيش الإسرائيلي عندما نشر تحقيقه حول مقتل الأسرى الستة، قال إنه لم يكن يعلم بوجودهم في المنطقة"، مؤكدة في الوقت ذاته أن الجيش "كان على علم بالخطر الذي يحدق بالأسرى عندما عمل في المنطقة التي قُتل فيها الرهائن الستة".
يشار إلى أن الأسرى الإسرائيليين الستة الذين تم قتلهم هم: هيرش جولدبرج بولين، أوري دانينو، إيدن يروشالمي، أليكس لوبانوف، كارميل جات، وألموج ساروسي.
ولفتت الصحيفة العبرية إلى أنه "رغم قرار وقف نشاط الجيش الإسرائيلي في مدينة خانيونس (جنوب) بقطاع غزة، بسبب المخاوف على حياة الأسرى، إلا أنه بعد توقف ليوم واحد فقط، قرر الجيش مواصلة عملياته هناك بهدف تحديد مكان زعيم حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار".
وأشارت إلى أنه "بحسب مصادر أمنية إسرائيلية، تقرر أن العثور على السنوار كان أكثر أهمية من إنقاذ أرواح الأسرى الإسرائيليين (لم يتم تحديد مكانه في حينه)".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2024 أي بعد نحو عام على بدء عملية "طوفان الأقصى" وما تبعها من حرب إسرائيلية مدمرة ضد قطاع غزة، اغتيل السنوار بمدينة رفح جنوب القطاع برصاص الجيش الإسرائيلي وهو يقاتل.
ورغم تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة من المسؤولية عن مقتل أسرى إسرائيليين في قطاع غزة وتحميل حركة حماس مسؤولية ذلك، إلا أن المعارضة الإسرائيلية تحمله مسؤولية مقتل عدد كبير من الأسرى جراء عرقلته لأشهر طويلة التوصل إلى صفقة لإعادتهم خوفا من انهيار ائتلافه الحكومي، الذي كان وزراء من اليمين المتطرف به يضغطون لمواصلة حرب الإبادة على غزة.
ومطلع آذار/ مارس الجاري، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وتبادل الأسرى التي استمرت 42 يوما، فيما تنصلت إسرائيل من الدخول في المرحلة الثانية التي تشمل إنهاء الحرب.
ويريد نتنياهو، مدعوما بضوء أخضر أمريكي، تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين دون تقديم مقابل أو استكمال الاستحقاقات العسكرية والإنسانية المفروضة في الاتفاق خلال الفترة الماضية.
مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف النار، أغلق الاحتلال الإسرائيلي مجددا جميع المعابر المؤدية إلى غزة لمنع دخول المساعدات الإنسانية، في خطوة تهدف إلى استخدام التجويع كأداة ضغط على حماس لإجبارها على القبول بإملاءاتها، كما تهدد إسرائيل بإجراءات تصعيدية أخرى وصولا إلى استئناف حرب الإبادة الجماعية.
وبدعم أمريكي ارتكب الاحتلال بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.