بوابة الوفد:
2024-12-29@03:13:18 GMT

«الشمَّامين»

تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT

عندما تنظر إلى أحدهم ويملأ قلبك الشك ويدخل إلى نفسك الخوف والنفور، وتتملك منك إحدى الصفات التى تندرج تحت بند الريبة، تهمس لذاتك سرًا أو لصاحبك جهرًا بأن هذا المرء «شمَّام»، وكأن روح أحد المرشدين الذين وكِّل لهم مراقبة «الشمَّامين» والقبض عليهم قد حضرت وتلبستك دون أن تدرى.. فهل اختلف «شمًّامون» الأمس عن «شمَّامين» اليوم؟.

. إليك الإجابة.

لاحظ الملك فردريك الأكبر «24 يناير 1712–17 أغسطس 1786» تزايد مقادير القهوة التى يحتسيها رعاياه، ولاحظ معها كم الأموال الطائلة التى يجنيها التجار من وراء ذلك، فقام باحتكار استيراد البن والإشراف على طحنه، وقام بتخصيص مجموعة أطلق عليهم اسم «الشمَّامين» وكانت وظيفتهم تُشمَّم روائح البن ومراقبة المطاحن غير المرخصة، وكان يتم منح «الشمَّامين» نصف الغرامات التى يحكم بها على المخالفين، هذا هو حال «الشمَّامين» فى ألماينا من زمن بعيد وهذه الطائفة ليست المقصودة هنا، فقط محطة تاريخية يجب الوقوف عندها للتعرف على لقب «الشمَّامين» الأوائل بمناسبة إلغاء ألمانيا تجريم «الحشيش» واحتفالات أصحاب «المزاج» فى شوارع برلين!

فى مصر الأمر مختلف، فبعد دخول الهيروين البلاد 1916 وحماية تجار «الكيف» الأجانب تحت مظلة الامتيازات الأجنبية، اختلفت صفات «الشمَّامين» وتحولت من وظيفة لضبط مطاحن البن غير المرخصة كما حدث فى ألمانيا منذ قرون إلى لقب يسبق آلاف المشردين الذين يتعاطون هذا السم الأبيض، وأصبح «الشمَّام» والبؤر التى تأويه خطرًا يجب محاربته.

وفى مارس 1930 أسند إلى الضابط حسين أفندى جلال الإشراف على العمل فى نقطة بوليس خاصة بحى «القللي» و«الزهار»، تم ابتكارها خصيصًا لمواجهة بؤر ترويج وتوزيع الكوكايين والهيروين والمورفين، بعد أن أصبح الحى مأوى لكبار اللصوص والأشرار وآلاف المتشردين والعاطلين من عشاق السم الأبيض وضحاياه.

وبدأ حسين أفندى حملته على تلك البؤر بمساعدة عدد من رجال البوليس السرى وبعض سكان الحى المتطوعين فى المساعدة للقبض على هؤلاء «الشمَّامين»، وكان لكل رجلين من رجال البوليس شارع يقوم بمراقبته، ويتم القبض على كل شخص يجدانه متجولًا من غير عمل أو جالسًا بجانب الطريق بشكل يدعو إلى الشبهة سواء كان «شمَّام» أو تاجر مخدرات، ثم يتم تحرير محاضر تشرد «للشمَّامين» الذين لم تضبط معهم مواد مخدرة!.

يقول حضرة الضابط حسين أفندى جلال إن كثيرًا من هؤلاء المتشردين «الشمَّامين» بعد أن يطلق سراحهم يعودون إلى سابق عهدهم فيتم القبض عليهم مرة أخرى، نلاحظ هنا أن التشرد والبطالة من خصال «الشمَّامين»، فهل انتهت واكتملت الصورة عند ذلك؟ الإجابة لا، ونذهب لاستكمال بقية الأوصاف.

كان فى حى «الزهار» سوق لبيع الملابس والأحذية القديمة يعرف بسوق العصر، وهذا السوق هو أحسن مكان يجتمع فيه «الشمَّامون»، فبعد أن ينشل الشمَّام ما تصل إليه يداه من ملابس أو متاع أو طعام طوال النهار يذهب إلى سوق العصر لبيعه هناك، فيقبض ثمن المسروقات باليمين ليسلمها إلى تاجر المخدرات أو أحد أعوانه بالشمال للحصول على «التذكرة »، ثم يفرمسرعًا إلى مكان مقطوع ويبدأ عملية الشمَّ، وكثيرًا ما تصل الجرأة ببعضهم فيشَّم وسط السوق علنًا!!.، ووصل الإجرام بهؤلاء «الشمَّامين» عندما يرون طفلة فى الطريق يسرقون قرطها أو خلخالها، ولا تمرعربة أو سيارة من حى «القللى أو الزهار» إلا ويسرق هؤلاء المجرمون شيئًا منها، أضف هنا السطو والسرقة بالإكراه إلى خصال «الشمَّامين» الذين ذكرناها من قبل.

الطريف فى حدوتة « شمَّامين» الأمس، أن مرشدًا ألقى القبض على أحدهم، واعترف هذا الشمام على التاجر الذى يشترى منه وأرشد عنه، ثم أعطاه الضابط نقودًا وجعله يذهب فى حراسة أحد المرشدين ليشترى هيروينًا من التاجر الذى أرشد عنه للتأكد من صحة كلامه، ففعل الشمَّام ذلك، ولكنه بدلًا من أن يعود بالهيروين إلى نقطة البوليس هرب من المرشد وأخذ يشم الهيروين وهو يجرى، فتبعه المرشد وقبض عليه، فقام الشمام بعضه عضة كان من آثارها أن تسمم ذراع المرشد!!، هنا أضف الخيانة إلى صفات «الشمَّامين» السابقة.

مع مرور الأيام، تنوعت فئات «الشمَّامين» وتبدلت صورهم واختلفت هيئاتهم وتغيرت أنماط حياتهم.. فقط التفت يمينًا أو يسارًا، انظر حولك لتجد أحدهم فى ثوبه الجديد، ليبقى الموروث الثقافى والمخزون التاريخى اتجاه هؤلاء المشردين والعاطلين والأشرار البوصلة التى تجعلك تحكم ثم تنطق همسًا أو صمتًا بأن هذا يتبع طائفة «الشمَّامين» رغم علو مكانته أو تدنيها.

والخلاصة.. من يعتبر «الهلس» رسالة، ومن يتخذ من آلام الناس وأوجاعهم تجارة، من يسرق قوت يومهم ويضع يده على «شقا» عمرهم، ومن يخون الأمانة، من يتوهم أن الأوطان مغنم، ومن يعتقد أن تغييب الوعى حرفة وأن التضليل صنعة، يمكنك أن تهمس سرًا أو جهرًا بأنه يتبع طائفة «الشمَّامين».

في النهاية .. تعددت الخصال وتنوعت الثياب والشمَّام واحد!

[email protected]

 

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

عودة غير مكتملة و166 ألفاً لا يزالون نازحين

كتبت" الاخبار": عقب إعلان وقف إطلاق النار، فرغت معظم مراكز الإيواء التي خصصتها الدولة للنازحين. فما بين الإعلان في السابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي والسابع عشر من الجاري، عاد ما يقرب من 829 ألف نازح إلى ديارهم، غير أن هذه العودة لم تكن كاملة، إذ بقي أكثر من 165 ألف نازح يقيمون خارج بيوتهم، النسبة الغالبة منهم في بيوت للإيجار أو لدى بيوت مضيفة، فيما 4261 نازحاً لا يزالون يقيمون في مراكز جماعية في معظم المحافظات اللبنانية. وتعود هذه الأرقام إلى التقرير الذي أصدرته أخيراً المنظمة الدولية للهجرة ووحدة إدارة مخاطر الكوارث الحكومية عن النزوح، سواء ما يتعلّق بالعائدين إلى بيوتهم أو الذين لا يزالون في «وضعية» النزوح. وهذا التقرير هو الأول منذ ما بعد وقف إطلاق النار ويغطي المدة الممتدة من 27 تشرين الثاني وحتى الـ18 من الجاري، ويتناول شقين: أولهما عدد العائدين وأماكن تواجدهم وثانيهما عدد النازحين وأماكن تواجدهم.
في الشق الأول من العودة، ونتيجة لرصد حركة عودة النازحين داخلياً، تستعيد محافظة النبطية بعضاً من سكانها، وتحديداً في قضاء النبطية، حيث سجّل عودة ما يقارب 245 ألفاً، أما ما يعادل 30% من إجمالي عدد العائدين، تليها محافظة الجنوب وبالتحديد قضاء صور، حيث عاد حوالى 137 ألف شخص، فيما بلغ عدد العائدين إلى قضاء بعلبك في محافظة بعلبك ـــ الهرمل ما يقارب 132 ألفاً ومن ثم صيدا مع عودة 126 ألفاً تقريباً ومن بعدها بعبدا في محافظة جبل لبنان مع رجوع 86 ألفاً. يذكر أن 90% من العائدين سجلت عودتهم من خمس مناطق أساسية، أولها منطقة بيروت، حيث قدرت النسبة بـ54%، أي ما يقارب 445 ألفاً وزحلة بنسبة 13% (108 آلاف) و10% من الشوف (87 ألفاً) و7% من صيدا (54 ألفاً) و6% من بعلبك (51 ألفاً)، فيما 10% كانوا موزعين على 15 منطقة أخرى.
لكن، رغم زخم العودة، إلا أنه لا يمكن اعتبارها عودة دائمة ونهائية، إذ يظلّ جزء لا بأس به من هؤلاء في حالة تنقّل. والحديث هنا عن عدد يقارب الـ166 ألفاً (على وجه التحديد 165428) لا زالوا ضمن وضعية النزوح، وهم من هدّمت بيوتهم أو تضرّرت بشكل كبير، وكان الخيار أمام هؤلاء إما الإقامة في «أماكن استضافة»، مع عائلات غير نازحة من الأقرباء أو الأصدقاء (39%) أو استئجار البيوت (56%) أو الإقامة في مواقع جماعية. ويحصي التقرير وجود 48 موقعاً جماعياً جرى تسجيلها حتى الثامن عشر من الجاري، ويقيم فيها بحدود 4261 نازحاً (2%)، وتتوزع هذه المراكز الجماعية في معظم المحافظات، النسبة الأكبر منها في محافظة بعلبك ــ الهرمل (39%) تليها محافظة البقاع (25%) وبيروت (6%) و2% على التوالي للمراكز الجماعية في النبطية والجنوب والشمال، فيما سجل رقم 1% ضمن خانة خيارات «أخرى»، التي تشمل اللاجئين إلى المباني غير المكتملة أو الخيام أو الحدائق وحتى الشوارع. بغض النظر عمن عادوا إلى بيوتهم أو من بقوا خارجها، لم تنقطع بعد حاجة هؤلاء إلى المساعدة، فالجدران التي تؤوي لا تطعم، ولذلك تعمد وحدة إدارة المخاطر والكوارث الحكومية لاستكمال البرنامج الذي بدأته مع المنظمات الدولية خلال الحرب من أجل توفير الاحتياجات الضرورية من مساعدات عينية ومواد غذائية. ويضغط رئيس الوحدة، وزير البيئة ناصر ياسين، على المنظمات للإبقاء على الآلية السابقة عبر التواصل مع المحافظين واتحادات البلديات للاطلاع على احتياجات هؤلاء والالتزام تالياً برقم محدّد للتمويل، مع مراعاة قاعدة أساسية وهي الأخذ في الحسبان اللوائح المرفقة من اتحادات البلديات والمحافظين لمعرفة دقيقة بالواقع وبمن هم بحاجة «إذ لا تقتصر الحاجة على من بقوا خارج بيوتهم وإنما أيضاً من هم في البيوت»، تقول مصادر اللجنة. ومن جهة أخرى، ثمة حاجة ملحّة إلى انخراط وزارات أخرى في ورشة ما بعد الحرب في إطار توفير الاحتياجات التي باتت أكثر إلحاحاً اليوم مع الشح في المساعدات، ومن بينها وزارة الشؤون الاجتماعية لإعادة النظر بلوائحها في ما يخص تقديراتها للأسر الأشد فقراً والعمل مع المنظمات الدولية لتوفير احتياجات هؤلاء.

مقالات مشابهة

  • وقفة صامتة في برلين لتكريم الشهداء الذين قضوا في الثورة السورية
  • عودة غير مكتملة و166 ألفاً لا يزالون نازحين
  • من هم الذين يأكلون النار في بطونهم كما وصفهم القرآن؟.. احذر فعلين
  • الحديث النبوي: من هم الذين تحرم عليهم النار؟
  • تركيا تكشف عن العدد المهول للطلاب السوريين الذين تخرجوا من الجامعات التركية
  • محمد أحمد فؤاد امين الخبير العقاري يكتب: الهرم المقلوب: كيف قاد ياسر شاكر أورنج مصر نحو التميز؟
  • تعميم من مصرف لبنان... هؤلاء سيحصلون على دفعتين شهريتين
  • تقرير: معظم الشباب والمراهقين الذين يحاولون الهجرة عبر مضيق جبل طارق يأتون من شمال المغرب
  • أخلاق المشتركة
  • على بابا حرامى!!