مع دخول الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع عامها الثاني، تفاقمت أزمة إنسانية، وخاصة الأطفال والنساء، بينما أضحت البلاد التي تتمتع بأراض زراعية شاسعة، على حافة المجاعة، وفق وكالات الأمم المتحدة.

ويعاني ملايين السودانيين من مشكلات متعلقة بالحصول على  الغذاء، في وقت تواجه فيه جهود الحل السلمي التفاوضي التي تقودها السعودية بدعم من الولايات المتحدة، تحديات تتعلق بإصرار قادة الطرفين على الحسم العسكري بدلا من الحل السياسي.

جوع ومعاناة 

وأوردت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، شهادات ميدانية لعدد من السودانيين الذي يواجهون صعوبات في الحصول على الغذاء والعلاج والمأوى.

وتحدثت الصحيفة إلى سوداني يدعى حسن طه، يعمل في مهنة إصلاح السيارات في أم درمان، ويعاني في توفير الغذاء لأسرته، قبل أن يتضاعف ألمه ووجه بسبب عجزه عن توفير العلاج لأبنه، بداعي توقُّف معظم المسشتفيات في المدينة التي يفصلها نهر النيل عن العاصمة السودانية، الخرطوم.

وبعد مرور عام على الصراع على السلطة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه السابق محمد حمدان "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع، أصبح السودان في خضم واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث، بحسب الصحيفة.

وقُتل عشرات الآلاف في القتال بين الطرفين، ونزح أكثر من 8.5 مليون سوداني من ديارهم، بما في ذلك مليوني شخص فروا إلى البلدان المجاورة.

ويعيش الكثير من السودانيين في مخيمات النزوح التي لا تتلقى سوى القليل من المساعدة الخارجية. 

عام من الصراع.. كيف توسعت دائرة المعارك في السودان؟ اتسعت دائرة الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ودخلت في المعارك ولايات كانت بمنأى عن القتال الذي اقترب من دخوله عامه الثاني، ما يهدد بزيادة معاناة النازحين الذين اتخذوا من تلك الولايات ملاذا من جحيم الحرب، وفق مختصين وناشطين

وقالت منظمة أطباء بلا حدود، في فبراير الماضي، إنه في مخيم واحد فقط في ولاية شمال دارفور، يموت طفل كل ساعتين بسبب آثار سوء التغذية ومياه الشرب غير الآمنة.

وتحذر وكالات الأمم المتحدة من أن أكثر من 220 ألف طفل سوداني قد يموتون جوعا في الأسابيع والأشهر المقبلة. وبحلول نهاية العام، قد يرتفع هذا العدد إلى 700 ألف، وهو عدد يمكن أن ينافس عدد المجاعة الإثيوبية في الثمانينيات، وفق الصحيفة.

وتعاون البرهان وحميدتي في عام 2019 للإطاحة بنظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، لكن شراكتهما غير المستقرة انهارت وتحولت إلى حرب مفتوحة في 15 أبريل 2023، وذلك بعد أشهر من التوترات بخصوص دمج قوات الدعم السريع في الجيش.

وأسهمت الاحتجاجات التي أطاحت نظام الرئيس السابق، عمر البشير، في إعادة السودان إلى الأسرة الدولية، إذ نسج السودان، علاقات مع الولايات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، لكن الحرب بددت تلك الجهود، وفق صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية. 

وأدى الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى حدوث مجازر وفظائع وانتهاكات ضد المدنيين، وصفت بأنها جرائم حرب.

وأسفرت جولات من محادثات السلام، عقدتها حكومات عربية، عن هدن مؤقتة، دون أن يتلزم الطرفان بالوقف الكامل والصارم لإطلاق النار. 

ومع تصاعد الدمار والموت، تضاءل الوعي الدولي والاهتمام ببؤس السودان، وفق الصحيفة.

قتال وهدن مخترقة وملايين يفرون.. تسلسل لأحداث عام من الحرب في السودان أدت الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى سقوط آلاف القتلى ونزوح أكثر من 8,5 ملايين شخص بحسب الأمم المتحدة.

ولاتزال قوات الدعم السريع تسيطر جزء كبير من الخرطوم، بجانب 4 من أصل 5 ولايات في دارفور، بيتم جرى اتهام عناصرها، ومعظمهم من القبائل العربية، بارتكاب جرائم ضد مجتمعات القبائل غير العربية، وفق صحيفة وول ستريت جورنال. 

لكن في الأسابيع الأخيرة، حقق الجيش، بعد استحواذه على طائرات بدون طيار إيرانية، وانضمام جماعات مسلحة جديدة إلى صفوفه، مكاسب ميدانية، خاصة في مدينة أم درمان.

أزمة اقتصادية

المشكلات المتعلقة بالغذاء والعلاج لا تنحصر فقط في المناطق التي تشهد مواجهات مسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ تتكرر المعاناة بصورة من الصور في مناطق آمنة، وبعيدة عن الصراع.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، قولها "إن هناك مشكلة ضخمة تلوح في الأفق، والسودانيون قريبون جدا من المجاعة، والأطفال يموتون جوعا في دارفور وأجزاء أخرى من البلاد."

وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من ثلث السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وهناك نحو 19 مليون طفل خارج المدرسة، ويعاني ما يقدر بنحو 3 ملايين طفل سوداني من سوء التغذية.

وتواجه المنظمات الدولية مشكلات في إيصال المساعدات إلى جزء كبير من البلاد. 

وأشار تقرير صادر عن لجنة الإنقاذ الدولية إلى أن "القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية تعيق تقديم المساعدة المنقذة للحياة، إذ لم تتم تلبية احتياجات التمويل الإنساني إلى حد كبير"، وفق الصحيفة ذاتها. 

وبحسب وول ستريت جورنال فقد أدت الحرب إلى انهيار اقتصاد السودان الهش، وأثرت في عمليات إنتاج الغذاء. 

وقدر جبريل إبراهيم، وزير المالية، وهو جزء من الحكومة العسكرية المتمركزة في مدينة بورتسودان الساحلية بشرق السودان، أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد انخفض بنحو 40 في المئة عن العام السابق.

أما الحقول في قلب الأراضي الزراعية بولاية الجزيرة، والتي كانت تنتج قبل الحرب نصف إنتاج السودان من الذرة الرفيعة والقمح، فقد تحولت إلى أرض بور. 

 

الحرب في السودان.. من يدعم حميدتي ومن يساند البرهان؟ مع اندلاع صراع مدمر في السودان العام الماضي، سعى الخصمان المتحاربان في البلاد للحصول على الدعم من الخارج في محاولة من كل طرف لحسم الصراع لصالحه.

وتخشى وكالات الأمم المتحدة من أن تصبح عواقب الانهيار أكثر وضوحا في الأسابيع والأشهر المقبلة، وتحديدا عندما يدخل السودان موسم العجاف السنوي الذي يستمر عادة من مايو إلى أكتوبر. 

ويقول الخبراء إنه من المحتمل أن تنزلق أجزاء من البلاد، بما في ذلك النازحون في دارفور والخرطوم، إلى المجاعة، ما بين مايو وأكتوبر.

وقال عمال الإغاثة ونشطاء حقوق الإنسان الذين أجرت صحيفة وول ستريت جورنال مقابلات معهم، إن قوات الدعم السريع، التي سيطرت على جزء كبير من الجزيرة في ديسمبر الماضي، دمرت قنوات الري لمنع الجيش من استخدامها كخنادق في هجومه المضاد الحالي.

وتركزت بعض أعنف المعارك في الحرب في العاصمة، الخرطوم، ما أدى إلى تحويل الأسواق والمباني الحكومية التي كانت تعج بالحركة إلى أنقاض، وتفاقم الاضطرابات في بقية أنحاء البلاد.

وبحسب الصحيفة نفسها، فإن البنوك تواجه صعوبة في الوصول إلى خوادمها في البنك المركزي ومقرها الرئيسي في الخرطوم، ما يجعل من الصعب على العديد من المواطنين والشركات السحب من مدخراتهم أو الحصول على النقد.

وعلى مدار الشهرين الماضيين، شهدت معظم أنحاء السودان انقطاعا شبه كامل للاتصالات السلكية واللاسلكية، ما أدى إلى شل تطبيقات تحويل الأموال التي أصبح الكثيرون يعتمدون عليها في التحويلات المالية من الخارج.

حرب السودان.. الأطفال يعيشون بين المجاعة والموت في دارفور قسمة، المرأة ذات العيون الحزينة والصوت الهادئ، واحدة فقط من بين ملايين الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات نزوح بعد أن أجبروا على الفرار من منازلهم في السودان، حيث اندلعت حرب أهلية قبل عام بين الجيش وجماعة شبه عسكرية مسلحة، فيما تواجه البلاد الآن، ما تقول الأمم المتحدة إنه "أسوأ أزمة جوع في العالم".

ونقلت وول ستريت جورنال عن أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي بجامعة تافتس الأميركية، الذي أجرى أبحاثا في تاريخ المجاعات، قوله "ما نراه في السودان مزيج من عدة أنواع مختلفة من الأزمات".

وبالإضافة إلى انهيار الزراعة الآلية المحلية، أدت الحرب إلى إفلاس الشركات التي كانت تستورد المواد الغذائية وغيرها من الضروريات. 

وما يزيد المشكلات تعقيدا، وفق الصحيفة، أن العديد من جيران السودان، مثل تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا، يواجهون أزمات غذائية محلية، بالإضافة إلى التعامل مع تدفق أعداد كبيرة من لاجئي الحرب السودانية.

وتضاعفت أسعار المواد الغذائية الرئيسية، مثل الذرة الرفيعة والقمح والذرة، ثلاث مرات في العديد من المدن مقارنة بالعام الماضي، بحسب شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة، وهي مبادرة أسستها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بعد أزمات الجوع في الثمانينات.

وتركز لجان الأحياء التي كانت تنسق الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية ضد نظام البشير ثم ضد البرهان وحميدتي، على جمع الأموال من المغتربين لإطعام الجياع.

ونقلت وول ستريت جورنال عن عاصم مختار، المتطوع في أحد المطاعم المخصصة لإطعام المحتاجين في الخرطوم، قوله "إن الحياة لا تطاق، ولم يعد بإمكاننا الحصول على الإمدادات، والأسعار لا يمكن تحملها، بينما انعدم الأمن".

وأوضح تقرير واشنطن بوست أن أسعار المواد الغذائية في السودان ارتفعت بأكثر من 110 في المائة منذ بدء الحرب. بينما تواجه المنظمات مشكلات في توزيع المساعدات في مخيمات اللاجئين السودانيين في تشاد وجنوب السودان التي انفصلت حديثا عن السودان، وذلك بسبب ندرة التمويل.

ويقول برنامج الأغذية العالمي إن "جذور مشكلة الجوع ذات شقين، هما الوصول والتمويل"، إذ تعرضت شاحنات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي للحظر والاختطاف والهجوم والنهب والاحتجاز. 

ونقلت الصحيفة عن سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، قولها، "بينما تتجه المجتمعات نحو المجاعة، ومع انتشار الكوليرا والحصبة، ومع استمرار العنف في حصد الأرواح، ظل العالم صامتا إلى حد كبير تجاه أزمة السودان". 

وأضافت "يجب على المجتمع الدولي أن يقدم المزيد، وعليه أن يهتم أكثر".

وبحسب وول ستربت جورنال، انتقدت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وآخرون الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لتعمدهم منع وصول المساعدات الغذائية إلى المحتاجين. 

ويقوم المقاتلون بشكل روتيني باختطاف ونهب الشاحنات والمستودعات المحملة بالأغذية ومنع المساعدات من دخول المناطق التي يسيطر عليها خصومهم. 

ويقول شهود وناشطون محليون إن المسلحين الذين يحرسون نقاط التفتيش يطلبون أموالاً من ناقلي الأغذية أو يسرقونهم.

وفي أم درمان، حيث يعيش حسن طه الذي روى معاناته إلى صحيفة وول ستريت جورنال يبلغ سعر كيس دقيق الدخن الذي يزن 12 رطلا حوالي 20 دولارا، أي أكثر من خمسة أضعاف سعره قبل الصراع. وهو الحال ذاته مع أسعار البنزين والديزل التي تضاعفت أربع مرات.

وكانت أسرة طه فرت إلى مخيم للنازحين في ولاية الجزيرة، لكنها عادت إلى أم درمان بعد أن استعاد الجيش معظم أنحاء المدينة في فبراير. وكان طه يأمل أن يتمكن من العمل في مهنته وهي إصلاح السيارات.

ولكن عندما تحدث إلى مراسل وول ستريت جورنا عبر الهاتف بعد ظهر، الجمعة، كانت الوجبة الأخيرة للعائلة عبارة عن وجبة محلية مكونة من الدخن والماء، صُنعت قبل يومين.

وقال طه للصحيفة: "نحن لا نجد أي شيء نأكله، وننام على بطون فارغة".

وأدى القتال منذ 15 أبريل 2023 إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، في وقت توسعت فيه رقعة القتال بين الطرفين إلى ولايات جديدة بوسط السودان. 

في المقابل، يكتنف الغموض جولة محادثات مرتقبة في 18 أبريل، بمدينة جدة، إذ لم يصدر من الطرفين أي تأكيد على حضورهما هذه الجولة.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: بین الجیش وقوات الدعم السریع صحیفة وول ستریت جورنال قوات الدعم السریع الولایات المتحدة الأمم المتحدة وفق الصحیفة فی السودان فی دارفور التی کانت الحرب فی أم درمان أکثر من

إقرأ أيضاً:

تقرير لصحيفة “ذا تلغراف” البريطانية من داخل جبال النوبة .. أطفال يتحولون إلى جلد وعظام بالمجاعة المنسية فى بلاد مزقتها الحرب

الجوع الحقيقي يجعل الناس يائسين. على مدرج ترابي في جبال النوبة بالسودان، تنخل النساء الرمال بحثاً عن قطع صغيرة من الحبوب، وفي وقت سابق، تم إلقاء مئات الأكياس المحشوة بالذرة والفاصوليا والملح من باب الشحن في طائرة نقل عسكرية سابقة كانت تحلق على ارتفاع منخفض، وبعضها انفتح عندما ارتطمت بالأرض.

تقرير لصحيفة "ذا تلغراف" البريطانية من داخل جبال النوبة
أطفال يتحولون إلى جلد وعظام بالمجاعة المنسية فى بلاد مزقتها الحرب
كل فتات طعام لها أهميتها بالنسبة للملايين الذين يعيشون على حافة المجاعة
ليليا سيبوي مراسل الأمن الصحي العالمي. سيمون تاونسلي مصور فوتوغرافي في جبال النوبة

14 فبراير 2025

الجوع الحقيقي يجعل الناس يائسين. على مدرج ترابي في جبال النوبة بالسودان، تنخل النساء الرمال بحثاً عن قطع صغيرة من الحبوب.

وفي وقت سابق، تم إلقاء مئات الأكياس المحشوة بالذرة والفاصوليا والملح من باب الشحن في طائرة نقل عسكرية سابقة كانت تحلق على ارتفاع منخفض، وبعضها انفتح عندما ارتطمت بالأرض.

تشكل عمليات الإنزال الجوي مثل هذه شريان حياة ضئيلًا في منطقة وعرة وغير مضيافة حيث تم بالفعل إعلان المجاعة.



ولكن هذا لا يكفي لتلبية احتياجات المولودين هنا، ناهيك عن مئات الآلاف الذين نزحوا من المناطق المحيطة بسبب الحرب الأهلية في البلاد .

حصلت صحيفة التلغراف على فرصة نادرة للوصول إلى جبال النوبة، وهي منطقة نائية في السودان تسيطر عليها جماعة متمردة محلية تعرف باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال (SPLM-N).

ويعيش الآن حوالي أربعة ملايين شخص هنا، والجوع منتشر في كل مكان تنظر إليه.

وتقول منى عبد الله، التي فرت من الحرب إلى منطقة آمنة نسبيا، وهي الآن تجمع قطع الحبوب الضالة: "نقوم طوال اليوم بالكنس بهذه العصي تحت الشمس".
ويقول السكان المحليون إن الأسوأ لم يأت بعد.

وفي الأسبوع المقبل، ستتوقف عمليات الإنزال الجوي للمساعدات - والتي لم يكن المقصود منها أبدا أن تكون حلا دائما - مما سيجعل الناس يعتمدون على ما يمكن إحضاره من طعام بواسطة الشاحنات.

ثم في شهر مايو، ستؤدي الأمطار الموسمية إلى جعل الطرق الترابية غير سالكة، مما سيؤدي إلى عزلها عن العالم الخارجي تمامًا.

تنتشر نحو 50 امرأة على طول المدرج، وهن يكنسن وينخلن الطعام. أصغرهن سناً لا يتجاوز عمرها 15 عاماً. ومع ذلك، فإن هذه الوظيفة تشكل امتيازاً، وهو ما قد يعني الفارق بين تناول الطعام وعدم تناوله.

يقول أحد المتطوعين المحليين: "المعيار للعمل هنا هو الضعف - فهؤلاء النساء هن المعيلات الوحيدات لأسرهن" .

اندلعت الحرب الأهلية في السودان منذ أبريل/نيسان 2023، عندما اندلعت أعمال عنف بين رئيس أركان الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق محمد حمدان، أمير الحرب المعروف باسم حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع شبه العسكرية.

ومع تدفق الأموال والأسلحة إلى الجانبين من قبل قوى بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وإيران وروسيا، انفجرت أعمال العنف - حيث قُتل حوالي 150 ألف شخص وفر 12 مليون شخص من منازلهم في ما وصفته الأمم المتحدة بـ "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

وفي يناير/كانون الثاني، اتهمت الولايات المتحدة قوات الدعم السريع بارتكاب إبادة جماعية، لكن الخبراء يقولون إن الجوع هو الذي من المتوقع أن يتسبب في أكبر الخسائر، حيث يواجه 638 ألف شخص "خطر المجاعة الوشيك" .

وفي منطقة جبال النوبة، تنتشر الأدلة على سوء التغذية الشديد في كل مكان، ويتأثر الأطفال بشكل خاص.

يرقد صلاح البالغ من العمر عامين في مستشفى في غرب المنطقة وقد فقد حياته تقريباً. يبرز عنقه وعظام وجنتيه من الخارج، وتتدلى ثنايا جلده من أطرافه النحيلة.

يشتبه الأطباء في أن حالته تتفاقم بسبب مرض السل، وهو مرض يجعلك سوء التغذية أكثر عرضة للإصابة به وغير قادر على محاربته .

يقول الدكتور الأمين عثمان، المدير الطبي في مستشفى توجور بمديرية دالامي على الأطراف الغربية لجبال النوبة، إن كل طفل يراه تقريباً يعاني من سوء التغذية الحاد.
ويقول لصحيفة التلغراف: "معظم هذه الحالات تأتي في مراحل متأخرة، وخاصة مع القيء والإسهال"، ولكن لا يوجد سوى القليل من المساعدة المتخصصة.
ويقول إن "برامج معالجة سوء التغذية لدى الأطفال لم تصل منذ فترة".

وفي مخيم حجر الجواد في جبال النوبة الغربية، حيث تشتد حدة الجوع يعيش حوالي 2800 شخص جنبًا إلى جنب في أكواخ من القش تُعرف باسم "توكول" تنتشر في المناظر الطبيعية وتوفر الراحة الوحيدة من أشعة الشمس الحارقة.

لم يكن هناك أطفال يلعبون هنا. بل كانت الأسر تتجمع في جيوب مظللة، حتى أنها كانت تفتقر إلى الطاقة لإبعاد الذباب. وكان البعض يغلي الأعشاب من الأدغال المحيطة لإخماد جوعهم.

معظم البالغين في المخيم هم من النساء – وقد قُتل العديد من الرجال، وتم استهدافهم عمداً من قبل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في محاولة لإضعاف جيش المتمردين المحلي.

هالة فضل الله، 35 عامًا، حامل في شهرها التاسع، لكن حجم بطنها بالكاد يعادل حجم كرة قدم صغيرة.

"أشعر بضعف شديد"، تقول، مضيفة أن أطفالها الأربعة الآخرين يضطرون الآن إلى القيام برحلة يومية تستغرق ثلاث ساعات ذهاباً وإياباً لجمع المياه لها.

وقال أرنو نغوتولو لودي، السكرتير الأول للإدارة المدنية في المنطقة، إن الجوع يفرض ضريبة نفسية قاسية على الناس في المخيم.

"يفكر الناس في الطعام الحقيقي، والآن يأكلون أوراق الشجر. إنه أمر صعب للغاية"، كما يقول. وقد وردت تقارير عن وفاة أطفال صغار بعد تناولهم عن طريق الخطأ أعشاب برية سامة لتجنب الجوع .

يُكسر الصمت من حين لآخر بصرخات عالية النبرة تأتي من أحد الأكواخ.

ويقول جيزمالا ديجوجو، نائب رئيس المخيم، وهو يشير إلى نحو 15 طفلاً هزيلاً ــ جميعهم أصغر من خمس سنوات ــ يرقدون على حصيرة من القش، وهم ضعفاء للغاية ولا يستطيعون الحركة: "هؤلاء هم الأطفال الأكثر معاناة من سوء التغذية".

وتترك الدموع آثارها على وجوههم ورؤوسهم التي تبدو كبيرة للغاية بالنسبة لأجسادهم - وهي علامة على الضرر الناجم عن سوء التغذية.

وقد نبتت لدى البعض منهم خصلات هشة من الشعر المحمر، وتبرز بطونهم الكروية من تحت ملابسهم القذرة - وهي أعراض مرض كواشيوركور، حيث يؤدي نقص البروتين إلى احتباس السوائل وانتفاخ بطونهم.

ويقول السيد ديجوجو "إنهم يواصلون الوعد بوصول الطعام، لكننا لم نتلقه".
وأضاف أن آخر توزيع للمساعدات المتمثلة في علبتين من الذرة لكل أسرة كان في سبتمبر/أيلول.
"لم يبق في قلوبنا شيء، نحن نعتمد فقط على الله."

هناك العديد من العوامل التي تلعب دوراً في المجاعة في السودان - ضعف الحصاد، والاضطرابات الواسعة النطاق في الزراعة وتسليم المساعدات، وهجمات الجراد، كل ذلك أثر بشدة على إمدادات الغذاء.

وفي جبال النوبة، اتُهمت القوات المسلحة السودانية بتعمد عرقلة المساعدات المخصصة للمنطقة، فضلاً عن سرقة ما يصل إليها عن طريق الغارات المسلحة.
وقد عرضت صحيفة التلغراف نتائج إحدى هذه الهجمات.

في يوم 13 يناير/كانون الثاني، حوالي الساعة الرابعة صباحاً، قامت القوات المسلحة السودانية بمداهمة مخازن الأغذية في حجر الجواد.

وقال العديد من شهود العيان إنهم شاهدوا مجموعة من نحو 20 جنديا اقتحموا المخيم وأطلقوا النار من بنادقهم وأشعلوا النار في العديد من الأكواخ الخشبية أثناء توجههم إلى المخزن.

يقول أجالاي محمد، وهو حارس أمن، وهو يشمر عن أكمامه ليكشف عن العلامات التي تركتها الضربات على ذراعيه: "طلبوا مني أن أحضر المفتاح وضربوني ببنادقهم".
ثم يقول: «أطلقوا النار على الباب وطردوني، وهم يصرخون في وجهي بأن لا أعود».

وبمجرد دخولهم إلى الداخل، بدأ الجنود في نقل كل ما استطاعوا حمله، بما في ذلك أكثر من 1000 كيس من الذرة، و324 كيساً من الفاصوليا الحمراء، وستة جالونات من زيت الطهي الثمين، ومكملات غذائية متخصصة للأطفال والنساء الحوامل. وحتى النوافذ انتزعها الناهبون من إطاراتها.

ويقول السيد محمد: "لقد أخذوا كل شيء، حتى البطانيات التي نستخدمها للنوم .

وفي اليوم الذي زارت فيه صحيفة التلغراف المخيم، كانت ثقوب الرصاص لا تزال ظاهرة على أبواب المستودع، وكانت هناك بقع داكنة حيث سكب الجنود بعض الزيت على الأرض لاستفزاز سكان المخيم.

ونفت القوات المسلحة السودانية أن تكون قواتها مسؤولة عن السرقة، وزعمت أن سكان المخيم قاموا بمداهمة متاجرهم بأنفسهم.

واتهمت القوات المسلحة بشن العديد من الغارات في مختلف أنحاء المنطقة، ويعتقد كثيرون أن لديها جواسيس داخل المخيمات للإبلاغ عن موقع مخازن المساعدات.

ويقول جمري عثمان، الذي شهد الغارة على معسكر حجر الجواد في يناير/كانون الثاني الماضي: "إنهم يأتون بملابس مدنية حتى تعتقد أنهم أخوك" .

تخوض الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال معارك متقطعة ضد الحكومة في الخرطوم منذ عام 1983 ـ تمرداً ضد فرض الإسلام واللغة العربية على القبائل الأصلية في الجنوب.

وقال الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال ورئيس وفدها لمفاوضات السلام، عمار أمون: "نتوقع أن تقوم القوات المسلحة السودانية بقصفنا في أي وقت".
وأضاف السيد أمون أن الحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال ليست صديقة لقوات الدعم السريع، على الرغم من أن لديهم عدوًا مشتركًا.

وقال لصحيفة التلغراف: "لا يمكننا أن نعرف نتيجة [الحرب]، ولكن أيا كان الفائز، سيكون لدينا خياران: إما القتال ضدنا، أو التفاوض. ونحن مستعدون لكليهما".

ويرى جمعة بلة، القائم بأعمال محافظ المنطقة، المعروفة محليًا باسم الجبال الغربية، أن الغارات على مخازن الأغذية تتناسب مع نمط ثابت.
وأضاف أن "القوات المسلحة السودانية استخدمت التجويع كسلاح وسياسة لفترة طويلة، وهو أمر مأساوي، فقدنا الكثير من الأرواح" .

إن المجاعات مثل تلك التي شهدتها جبال النوبة لا يتم الإعلان عنها إلا في ظروف استثنائية، فقد حدثت أربع مرات فقط خلال هذا القرن.

ولكي يتم تصنيف أزمة الجوع على أنها مجاعة، يجب أن يموت شخصان على الأقل من كل 10 آلاف شخص بسبب الجوع الصريح أو التفاعل بين سوء التغذية والمرض، وفقاً للتصنيف المتكامل لمرحلة الأمن الغذائي (IPC)، وهو جهاز مراقبة الجوع العالمي المدعوم من الأمم المتحدة والذي يصنف المناطق التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد على مقياس من خمس درجات.

ويقول التصنيف الدولي لتصنيف الأمن الغذائي إن المجاعة "هي المظهر الأكثر تطرفاً للمعاناة الإنسانية [...] فهي ليست مجرد نقص في الغذاء بل انهيار عميق في الصحة وسبل العيش والبنى الاجتماعية، مما يترك مجتمعات بأكملها في حالة من اليأس .

والخطوة الأولى نحو معالجة هذه الأزمة الشديدة هي أن تقبل الحكومة المضيفة الإعلان.
ولكن الحكومات قد تكون مترددة في القيام بذلك ــ فقبول الإعلان هو بمثابة اعتراف بالفشل ــ وهذا هو الحال حتى الآن في السودان.

وفي ديسمبر/كانون الأول، أكدت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للجنة التخطيط المتكامل أن جبال النوبة الغربية كانت أحدث منطقة تنزلق إلى "أزمة مجاعة متفاقمة" في السودان. وأضافت أن مخيمين آخرين للنازحين في الفاشر، عاصمة شمال دارفور المحاصرة، يواجهان نفس السيناريو. كما وجدت اللجنة أن المجاعة، التي تم تحديدها لأول مرة في أغسطس/آب، لا تزال مستمرة في مخيم زمزم في شمال دارفور.

لكن القوات المسلحة السودانية نفت بشدة صحة التقارير، بل وأعاقت عمل لجنة السلام الدولية، مما أدى إلى تأخير إعلان المجاعة في مخيم زمزم المترامي الأطراف لعدة أشهر .

أعلنت القوات المسلحة السودانية انسحابها التام من منظمة مراقبة الجوع العالمية عشية صدور التقرير الأخير، مدعية أن المنظمة أصدرت "تقارير غير موثوقة تقوض سيادة السودان وكرامته".

وبالإضافة إلى عدم رغبتها في الاعتراف بأنها خذلت شعب السودان، فإن الحكومة تشعر بالقلق أيضاً من أن يؤدي ذلك إلى ضغوط دبلوماسية لفتح معبر حدودي رئيسي لشحن المساعدات من تشاد. وتزعم الحكومة أن القيام بذلك قد يمهد الطريق لمزيد من الدعم الأجنبي لقوات الدعم السريع .

ولكن رفض الحكومة التعاون مع مجموعات المراقبة له عواقب وخيمة. فقد أضر بالجهود الإنسانية الرامية إلى الحد من الأزمة، ويتناقض مع وفرة الأدلة التي جمعتها المنظمات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة وشبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة (التي توقفت الآن بسبب الأمر التنفيذي الأخير للرئيس الأميركي دونالد ترمب بتجميد جميع المساعدات الأجنبية) والتي تظهر بوضوح أن ظروف المجاعة موجودة.

وفي مختلف أنحاء السودان، يواجه ما لا يقل عن 638 ألف شخص حالياً أعلى فئة من انعدام الأمن الغذائي، وفقاً للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.

ويتوقع التقرير أن يواجه 24.6 مليون شخص ــ أي ما يقرب من نصف السكان ــ انعداما حادا في الأمن الغذائي في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول 2024 ومايو/أيار 2025 .

وقال نيكولاس هان، عضو لجنة مراجعة المجاعة (FRC)، التي تم تنشيطها للتحقق من نتائج المجاعة التي ينتجها المحللون الفنيون: "إذا كانت [قوة المهام الإنسانية] تشعر بالقلق من عدم حدوث المجاعة، فإن أسهل طريقة لحل هذا النقاش هي منح العاملين في المجال الإنساني إمكانية الوصول غير المقيد لجمع البيانات حول الرفاهة البشرية في وقت نحتاج فيه إلى المعلومات الأكثر موثوقية ودقة".

استغرقت صحيفة التلغراف ما يقرب من أسبوع للوصول إلى مركز المجاعة في جبال النوبة عن طريق البر، حيث سارت على طول مسارات ترابية متعرجة سوف تتحول قريبا إلى أنهار مع وصول الأمطار الموسمية.
وتشكل عزلة المنطقة أحد أكبر التحديات التي تواجه جهود الإغاثة.

وفي محاولة لتجنب مجاعة أشد خطورة، تعمل منظمات الإغاثة جاهدة على إيصال الغذاء إلى المنطقة قبل هطول الأمطار .

حصلت إحدى المنظمات غير الحكومية الدولية على إذن بإرسال الغذاء إلى جبال النوبة الغربية عن طريق البر، لكن هذا لا يمثل سوى جزء ضئيل مقارنة باحتياجات المنطقة.

وقال يوهانس بليت، الرئيس التنفيذي لوحدة تنسيق جنوب كردفان التي تنظم المساعدات في النوبة، إن الوقت هو الآن العامل الأكثر أهمية، مضيفاً أنه يتوقع أن تصل المجاعة إلى ذروتها خلال الشهرين المقبلين.
وأضاف أن "الحصاد المقبل لن يأتي قبل أكتوبر/تشرين الأول 2025. وهذا يعني أنه في العديد من المناطق لن يكون هناك طعام متاح لمدة ستة أشهر على الأقل بمجرد استنفاد الإمدادات الحالية .

ويشكل تعليق المساعدات الأميركية أيضًا تهديدًا لجهود الإغاثة.

وقال السيد بليت "لا نستطيع إلا أن نأمل في أن تتدخل دول أخرى لتوفير المساعدة العاجلة التي يحتاج إليها الناس في جبال النوبة وغيرها من المناطق المتضررة في السودان".

ولا توجد أي مؤشرات على تراجع الصراع بين الحكومة وقوات الدعم السريع.

استعادت القوات المسلحة السودانية زخمها في الصراع وتقول أنها على وشك استعادة العاصمة الخرطوم لكن نهاية الحرب لا تلوح في الأفق .

في هذه الأثناء، عرقلت روسيا، التي تسعى إلى إنشاء قاعدة بحرية على البحر الأحمر بالقرب من بورتسودان التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية، أحدث مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف إطلاق النار.

ويؤدي القتال في شمال البلاد إلى نزوح المزيد من الناس من منازلهم، ويزيد من موجة النازحين داخلياً الذين يصلون إلى جبال النوبة.

وتدفع أعمال العنف المتزايدة الناس أيضاً إلى النزوح من منازلهم داخل المنطقة نفسها - فقد اندلعت اشتباكات عنيفة في مدينة كادوقلي في جنوب كردفان الأسبوع الماضي، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 80 مدنياً وإصابة العشرات، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي مخيم حجر الجواد بجبال النوبة الغربية ، والذي لا يزال يعاني من آثار الهجوم على مخازن المساعدات، يستعد المسؤولون لإجلاء سكانه إلى كوليندي، على بعد نحو 200 كيلومتر.

وقال السيد ديجوجو نائب رئيس المخيم "في العام الماضي توفي تسعة أشخاص بسبب الجوع". والخوف هذا العام هو أن يكون عددهم بالآلاف  

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني ينجح في استعادة مقرات المخابرات العامة من أيدي ميليشيا الدعم السريع
  • الجيش السوداني يسيطر على مقرات جهاز المخابرات العامة في الخرطوم بحري
  • قوات الدعم السريع ترحب بانطلاق المؤتمر الإنساني لدعم السودان
  • الجيش السوداني ينفي مزاعم أمريكية بامتلاك «أسلحة كيميائية».. والأمم المتحدة تكشف «خطتها» للدعم
  • الدعم السريع) تبحث مع المبعوثين الدوليين في مؤتمر ميونخ قضايا الحرب في السودان
  • تقرير لصحيفة “ذا تلغراف” البريطانية من داخل جبال النوبة .. أطفال يتحولون إلى جلد وعظام بالمجاعة المنسية فى بلاد مزقتها الحرب
  • قوات الدعم السريع تهاجم مخيما يعاني من المجاعة في السودان
  • سيوثق التاريخ بأن الدعم السريع( شر أهل الأرض)
  • الإمارات تدعو إلى "هدنة إنسانية" في السودان خلال رمضان  
  • آلاف الأشخاص مهدّدون بالجوع في السودان بعد تجميد المساعدات الأميركية