مع دخول الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع عامها الثاني، تفاقمت أزمة إنسانية، وخاصة الأطفال والنساء، بينما أضحت البلاد التي تتمتع بأراض زراعية شاسعة، على حافة المجاعة، وفق وكالات الأمم المتحدة.

ويعاني ملايين السودانيين من مشكلات متعلقة بالحصول على  الغذاء، في وقت تواجه فيه جهود الحل السلمي التفاوضي التي تقودها السعودية بدعم من الولايات المتحدة، تحديات تتعلق بإصرار قادة الطرفين على الحسم العسكري بدلا من الحل السياسي.

جوع ومعاناة 

وأوردت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، شهادات ميدانية لعدد من السودانيين الذي يواجهون صعوبات في الحصول على الغذاء والعلاج والمأوى.

وتحدثت الصحيفة إلى سوداني يدعى حسن طه، يعمل في مهنة إصلاح السيارات في أم درمان، ويعاني في توفير الغذاء لأسرته، قبل أن يتضاعف ألمه ووجه بسبب عجزه عن توفير العلاج لأبنه، بداعي توقُّف معظم المسشتفيات في المدينة التي يفصلها نهر النيل عن العاصمة السودانية، الخرطوم.

وبعد مرور عام على الصراع على السلطة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه السابق محمد حمدان "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع، أصبح السودان في خضم واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث، بحسب الصحيفة.

وقُتل عشرات الآلاف في القتال بين الطرفين، ونزح أكثر من 8.5 مليون سوداني من ديارهم، بما في ذلك مليوني شخص فروا إلى البلدان المجاورة.

ويعيش الكثير من السودانيين في مخيمات النزوح التي لا تتلقى سوى القليل من المساعدة الخارجية. 

عام من الصراع.. كيف توسعت دائرة المعارك في السودان؟ اتسعت دائرة الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ودخلت في المعارك ولايات كانت بمنأى عن القتال الذي اقترب من دخوله عامه الثاني، ما يهدد بزيادة معاناة النازحين الذين اتخذوا من تلك الولايات ملاذا من جحيم الحرب، وفق مختصين وناشطين

وقالت منظمة أطباء بلا حدود، في فبراير الماضي، إنه في مخيم واحد فقط في ولاية شمال دارفور، يموت طفل كل ساعتين بسبب آثار سوء التغذية ومياه الشرب غير الآمنة.

وتحذر وكالات الأمم المتحدة من أن أكثر من 220 ألف طفل سوداني قد يموتون جوعا في الأسابيع والأشهر المقبلة. وبحلول نهاية العام، قد يرتفع هذا العدد إلى 700 ألف، وهو عدد يمكن أن ينافس عدد المجاعة الإثيوبية في الثمانينيات، وفق الصحيفة.

وتعاون البرهان وحميدتي في عام 2019 للإطاحة بنظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، لكن شراكتهما غير المستقرة انهارت وتحولت إلى حرب مفتوحة في 15 أبريل 2023، وذلك بعد أشهر من التوترات بخصوص دمج قوات الدعم السريع في الجيش.

وأسهمت الاحتجاجات التي أطاحت نظام الرئيس السابق، عمر البشير، في إعادة السودان إلى الأسرة الدولية، إذ نسج السودان، علاقات مع الولايات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، لكن الحرب بددت تلك الجهود، وفق صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية. 

وأدى الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى حدوث مجازر وفظائع وانتهاكات ضد المدنيين، وصفت بأنها جرائم حرب.

وأسفرت جولات من محادثات السلام، عقدتها حكومات عربية، عن هدن مؤقتة، دون أن يتلزم الطرفان بالوقف الكامل والصارم لإطلاق النار. 

ومع تصاعد الدمار والموت، تضاءل الوعي الدولي والاهتمام ببؤس السودان، وفق الصحيفة.

قتال وهدن مخترقة وملايين يفرون.. تسلسل لأحداث عام من الحرب في السودان أدت الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى سقوط آلاف القتلى ونزوح أكثر من 8,5 ملايين شخص بحسب الأمم المتحدة.

ولاتزال قوات الدعم السريع تسيطر جزء كبير من الخرطوم، بجانب 4 من أصل 5 ولايات في دارفور، بيتم جرى اتهام عناصرها، ومعظمهم من القبائل العربية، بارتكاب جرائم ضد مجتمعات القبائل غير العربية، وفق صحيفة وول ستريت جورنال. 

لكن في الأسابيع الأخيرة، حقق الجيش، بعد استحواذه على طائرات بدون طيار إيرانية، وانضمام جماعات مسلحة جديدة إلى صفوفه، مكاسب ميدانية، خاصة في مدينة أم درمان.

أزمة اقتصادية

المشكلات المتعلقة بالغذاء والعلاج لا تنحصر فقط في المناطق التي تشهد مواجهات مسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ تتكرر المعاناة بصورة من الصور في مناطق آمنة، وبعيدة عن الصراع.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، قولها "إن هناك مشكلة ضخمة تلوح في الأفق، والسودانيون قريبون جدا من المجاعة، والأطفال يموتون جوعا في دارفور وأجزاء أخرى من البلاد."

وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من ثلث السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وهناك نحو 19 مليون طفل خارج المدرسة، ويعاني ما يقدر بنحو 3 ملايين طفل سوداني من سوء التغذية.

وتواجه المنظمات الدولية مشكلات في إيصال المساعدات إلى جزء كبير من البلاد. 

وأشار تقرير صادر عن لجنة الإنقاذ الدولية إلى أن "القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية تعيق تقديم المساعدة المنقذة للحياة، إذ لم تتم تلبية احتياجات التمويل الإنساني إلى حد كبير"، وفق الصحيفة ذاتها. 

وبحسب وول ستريت جورنال فقد أدت الحرب إلى انهيار اقتصاد السودان الهش، وأثرت في عمليات إنتاج الغذاء. 

وقدر جبريل إبراهيم، وزير المالية، وهو جزء من الحكومة العسكرية المتمركزة في مدينة بورتسودان الساحلية بشرق السودان، أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد انخفض بنحو 40 في المئة عن العام السابق.

أما الحقول في قلب الأراضي الزراعية بولاية الجزيرة، والتي كانت تنتج قبل الحرب نصف إنتاج السودان من الذرة الرفيعة والقمح، فقد تحولت إلى أرض بور. 

 

الحرب في السودان.. من يدعم حميدتي ومن يساند البرهان؟ مع اندلاع صراع مدمر في السودان العام الماضي، سعى الخصمان المتحاربان في البلاد للحصول على الدعم من الخارج في محاولة من كل طرف لحسم الصراع لصالحه.

وتخشى وكالات الأمم المتحدة من أن تصبح عواقب الانهيار أكثر وضوحا في الأسابيع والأشهر المقبلة، وتحديدا عندما يدخل السودان موسم العجاف السنوي الذي يستمر عادة من مايو إلى أكتوبر. 

ويقول الخبراء إنه من المحتمل أن تنزلق أجزاء من البلاد، بما في ذلك النازحون في دارفور والخرطوم، إلى المجاعة، ما بين مايو وأكتوبر.

وقال عمال الإغاثة ونشطاء حقوق الإنسان الذين أجرت صحيفة وول ستريت جورنال مقابلات معهم، إن قوات الدعم السريع، التي سيطرت على جزء كبير من الجزيرة في ديسمبر الماضي، دمرت قنوات الري لمنع الجيش من استخدامها كخنادق في هجومه المضاد الحالي.

وتركزت بعض أعنف المعارك في الحرب في العاصمة، الخرطوم، ما أدى إلى تحويل الأسواق والمباني الحكومية التي كانت تعج بالحركة إلى أنقاض، وتفاقم الاضطرابات في بقية أنحاء البلاد.

وبحسب الصحيفة نفسها، فإن البنوك تواجه صعوبة في الوصول إلى خوادمها في البنك المركزي ومقرها الرئيسي في الخرطوم، ما يجعل من الصعب على العديد من المواطنين والشركات السحب من مدخراتهم أو الحصول على النقد.

وعلى مدار الشهرين الماضيين، شهدت معظم أنحاء السودان انقطاعا شبه كامل للاتصالات السلكية واللاسلكية، ما أدى إلى شل تطبيقات تحويل الأموال التي أصبح الكثيرون يعتمدون عليها في التحويلات المالية من الخارج.

حرب السودان.. الأطفال يعيشون بين المجاعة والموت في دارفور قسمة، المرأة ذات العيون الحزينة والصوت الهادئ، واحدة فقط من بين ملايين الأشخاص الذين يعيشون في مخيمات نزوح بعد أن أجبروا على الفرار من منازلهم في السودان، حيث اندلعت حرب أهلية قبل عام بين الجيش وجماعة شبه عسكرية مسلحة، فيما تواجه البلاد الآن، ما تقول الأمم المتحدة إنه "أسوأ أزمة جوع في العالم".

ونقلت وول ستريت جورنال عن أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي بجامعة تافتس الأميركية، الذي أجرى أبحاثا في تاريخ المجاعات، قوله "ما نراه في السودان مزيج من عدة أنواع مختلفة من الأزمات".

وبالإضافة إلى انهيار الزراعة الآلية المحلية، أدت الحرب إلى إفلاس الشركات التي كانت تستورد المواد الغذائية وغيرها من الضروريات. 

وما يزيد المشكلات تعقيدا، وفق الصحيفة، أن العديد من جيران السودان، مثل تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا، يواجهون أزمات غذائية محلية، بالإضافة إلى التعامل مع تدفق أعداد كبيرة من لاجئي الحرب السودانية.

وتضاعفت أسعار المواد الغذائية الرئيسية، مثل الذرة الرفيعة والقمح والذرة، ثلاث مرات في العديد من المدن مقارنة بالعام الماضي، بحسب شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة، وهي مبادرة أسستها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بعد أزمات الجوع في الثمانينات.

وتركز لجان الأحياء التي كانت تنسق الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية ضد نظام البشير ثم ضد البرهان وحميدتي، على جمع الأموال من المغتربين لإطعام الجياع.

ونقلت وول ستريت جورنال عن عاصم مختار، المتطوع في أحد المطاعم المخصصة لإطعام المحتاجين في الخرطوم، قوله "إن الحياة لا تطاق، ولم يعد بإمكاننا الحصول على الإمدادات، والأسعار لا يمكن تحملها، بينما انعدم الأمن".

وأوضح تقرير واشنطن بوست أن أسعار المواد الغذائية في السودان ارتفعت بأكثر من 110 في المائة منذ بدء الحرب. بينما تواجه المنظمات مشكلات في توزيع المساعدات في مخيمات اللاجئين السودانيين في تشاد وجنوب السودان التي انفصلت حديثا عن السودان، وذلك بسبب ندرة التمويل.

ويقول برنامج الأغذية العالمي إن "جذور مشكلة الجوع ذات شقين، هما الوصول والتمويل"، إذ تعرضت شاحنات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي للحظر والاختطاف والهجوم والنهب والاحتجاز. 

ونقلت الصحيفة عن سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، قولها، "بينما تتجه المجتمعات نحو المجاعة، ومع انتشار الكوليرا والحصبة، ومع استمرار العنف في حصد الأرواح، ظل العالم صامتا إلى حد كبير تجاه أزمة السودان". 

وأضافت "يجب على المجتمع الدولي أن يقدم المزيد، وعليه أن يهتم أكثر".

وبحسب وول ستربت جورنال، انتقدت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وآخرون الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لتعمدهم منع وصول المساعدات الغذائية إلى المحتاجين. 

ويقوم المقاتلون بشكل روتيني باختطاف ونهب الشاحنات والمستودعات المحملة بالأغذية ومنع المساعدات من دخول المناطق التي يسيطر عليها خصومهم. 

ويقول شهود وناشطون محليون إن المسلحين الذين يحرسون نقاط التفتيش يطلبون أموالاً من ناقلي الأغذية أو يسرقونهم.

وفي أم درمان، حيث يعيش حسن طه الذي روى معاناته إلى صحيفة وول ستريت جورنال يبلغ سعر كيس دقيق الدخن الذي يزن 12 رطلا حوالي 20 دولارا، أي أكثر من خمسة أضعاف سعره قبل الصراع. وهو الحال ذاته مع أسعار البنزين والديزل التي تضاعفت أربع مرات.

وكانت أسرة طه فرت إلى مخيم للنازحين في ولاية الجزيرة، لكنها عادت إلى أم درمان بعد أن استعاد الجيش معظم أنحاء المدينة في فبراير. وكان طه يأمل أن يتمكن من العمل في مهنته وهي إصلاح السيارات.

ولكن عندما تحدث إلى مراسل وول ستريت جورنا عبر الهاتف بعد ظهر، الجمعة، كانت الوجبة الأخيرة للعائلة عبارة عن وجبة محلية مكونة من الدخن والماء، صُنعت قبل يومين.

وقال طه للصحيفة: "نحن لا نجد أي شيء نأكله، وننام على بطون فارغة".

وأدى القتال منذ 15 أبريل 2023 إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، في وقت توسعت فيه رقعة القتال بين الطرفين إلى ولايات جديدة بوسط السودان. 

في المقابل، يكتنف الغموض جولة محادثات مرتقبة في 18 أبريل، بمدينة جدة، إذ لم يصدر من الطرفين أي تأكيد على حضورهما هذه الجولة.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: بین الجیش وقوات الدعم السریع صحیفة وول ستریت جورنال قوات الدعم السریع الولایات المتحدة الأمم المتحدة وفق الصحیفة فی السودان فی دارفور التی کانت الحرب فی أم درمان أکثر من

إقرأ أيضاً:

الدعم السريع … شبح الحكومة من أجل الشرعية

كارثة سقوط المدن عسكرياً تمهيد لفصل إداري للمدن وليس فصل سياسي للأقاليم (5)


مقدمة
في ظل الحرب في السودان المستمرة منذ أبريل 2023، أصبح الصراع على الشرعية السياسية أكثر تعقيدًا مع محاولات كل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني تشكيل حكومة مدنية في المناطق الخاضعة لسيطرتهما. وبينما يسعى الدعم السريع إلى فرض نفوذه من خلال حكومة مدعومة بتحالف سياسي منشّق، يتحرك الجيش السوداني لتشكيل حكومة أخرى تستمد شرعيتها من المؤسسات السيادية المتبقية. فكيف يمكن قراءة هذه الخطوات في ظل التنافس على الشرعية؟ وما تداعياتها على مستقبل السودان؟

خطوة الدعم السريع نحو تشكيل حكومة
أفادت تقارير بأن قوات الدعم السريع تخطط لإعلان حكومة مدنية هدّدت بها منذ أشهر طويلة في المناطق التي تسيطر عليها، مستندة إلى تحالف مع مجموعة منشقة عن تحالف "تقدم". هذه الخطوة تأتي في وقت يسعى فيه الدعم السريع إلى تقديم نفسه كقوة سياسية إلى جانب كونه قوة عسكرية، بعد أن تمكن من السيطرة على مساحات واسعة في غرب السودان.

مشروع متخيل للدعم السريع في بناء مؤسسات اقتصادية
قمت بطرح سؤال لـ محمد حسن التعايشي عبر لقاء في منصة الدكتور عزام عبد الله حول كيفية تشكيل مؤسسات في المناطق التي يقترحوا تشكيل حكومة فيها "حكومة متخيلة حسب تقديري" وكيف تنفيذ كل الأداء بما فيها إنشاء قطاع مصرفي. أوضح التعايشي أن خطتهم تشمل إنشاء بنك مركزي ونظام مصرفي جديد، وصرّح بسخرية أن الإيرادات التي يوفّرها وزير المالية جبريل إبراهيم من مناطق سيطرة الجيش تجعل من السهل جذب إيرادات من مناطق سيطرة الدعم السريع

مستقبل المناطق الجغرافية لوضع حكومة الدعم السريع
بعد التقدمات التي أحرزها الجيش في ولاية الجزيرة ومحلية بحري في العامة الخرطوم، أصبحت فكرة إعلان حكومة من الخرطوم شيئًا من ضرب الخيال. بات الجيش قريبًا من تحقيق النصر داخل ولاية الخرطوم، مما عقد على الدعم السريع المضي قدمًا في فكرة تشكيل الحكومة وفق الحدود الجغرافية التي كانت محددة قبل ثلاثة أشهر. ربما باتت القيمة الاستراتيجية الأهم للدعم السريع الآن هي إسقاط ولاية شمال دارفور، وخاصة الفاشر، التي حشد لها أكبر القوات من الجنود لإسقاطها، حتى يتمكن من فرض سيطرته الكاملة على الإقليم. في حال تحقق ذلك، فإن الدعم السريع قد يسعى إلى تقديم نفسه كإدارة إقليمية ذات مشروعية عسكرية، مدعومًا بحدود مشتركة مع أربع دول يمكنه استخدامها لتعزيز موقفه سياسيًا ودبلوماسيًا.

الانقسام داخل تحالف تنسيقية تقدم

شهد تحالف "تقدم" انقسامًا داخليًا حادًا بين جناحين رئيسيين بعد أن حاول رئيس التحالف حمدوك توسيع الجبهة السياسية لمقاومة خطاب الحرب عبر اجتماعات نهاية شهر يناير، إلا أن الانقسام قد حدث فعليًا داخل التحالف
1-الجناح المؤيد للتفاوض السلمى و تكوين الجباه السياسية الفاعلة بقيادة د عبد الله حمدوك رئيس تقدم و المؤتمر السوداني و التجمع الاتحادي و حزب الامة كقوى بارزة مكتفية بالحياد من موقف الحرب و محاولة نزع فتيل الازمة العسكرية بالضغط علي الاطراف وهي مجموعة مخالفة تماما للمبدأ حول تشكيلة حكومة منحازة لاحدي الطرفين .
2- الجناج المنشق من تقدم الداعم للدعم السريع : و يتكون من اعضاء الجبهة الثورية مثل نائب كتلة تقدم "الهادي ادريس" و الجناح المنشق من العدل و المساوة بقيادة " صندل" و شخصيات بارزة مثل محمد حسن التعايشي عضو مجلس السيادة السابق .

هذا الانقسام ...و بالرغم من انه سيضعف تحالف تقدم الا انه قد حدد بشكل قاطع وضع القوى السياسية من الاطراف , و هو أمر مؤسف رغم التفاهمات التي قادها رئيس التحالف "حمدوك" الا ان الأمر قد يبدو مجهزاً له , فهذا الانقسام اتاح للدعم السريع غطاء سياسي حقيقي لتقديمه للمجتمع الدولي لدعم اكبر في تشكيل الحكومة في مناطق السيطرة , وهو امر سيتفيد منه " محمد حمدان دقلو" بالتأكيد ان يجد مجموعة من السياسين ان يدعموه , الا انني برأيي الجزرى حول معارضتي للفكرة فقد و وصفتها ب(الانتحار السياسي).

محاولة استنساخ النموذج الليبي في أقليم دارفور
الإعجاب الشديد بالنموذج الليبي جعل التعايشي (منظَر حكومة الدعم السريع) ، المنظّر لحكومة الدعم السريع ومستشاريه، يتجاهلون الأهمية الاستراتيجية لمدينة بنغازي، التي تمثل مركزًا اقتصاديًا ومحورًا لتحالفات قوية تميز الإدارة المدنية هناك فعندما ضرب التعايشي مثالًا بالانقسام الحكومي في ليبيا، سعى إلى تبرير فكرة الحكومة التي يطمحون إلى تشكيلها، مدعيًا أنها لن تؤدي إلى تقسيم السودان، بل ستساهم في فرض التوازن داخل البلاد غير أن هذا الطرح يتجاهل التناقضات التاريخية العميقة بين السودان وليبيا، فضلًا عن المغالطات التي تجعل الاستشهاد بالتجربة الليبية أمرًا صعب التطبيق.
في ليبيا، ورغم الانقسام السياسي، لا تزال هناك قوة اقتصادية كامنة ومصادر تمويل محلية يمكنها دعم الإدارات المتنافسة، فالوضع مختلف تمامًا فالإقليم مثل دارفور عانى من حروب مستمرة لأكثر من 17 عامًا، أفقدته القدرة على المساهمة التمويلية مما يجعله بحاجة إلى موارد مالية ضخمة لإدارة شؤونه أو حتى مجرد التفكير في مشاريع استثمارية داخل الإقليم. وبالتالي، فإن محاكاة التجربة الليبية في السودان، وبالأخص في دارفور، ليست سوى طرح نظري يفتقد للواقعية.
أما في السودان، فإن فكرة "الانفصال الإداري" لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد، نظرًا للطبيعة الخاصة للإنفاق العام والانتشار الجغرافي الواسع، إضافةً إلى التأثير السلبي على الحركة الاقتصادية والأسواق الكبرى في محليات دارفور حيث تركيبة و طبيعة السلع فيها نوع من الصعوبة ان تسوق في مناطق جديد باختلاف طبيعة العلاقات التجارية للاقليم , مما سيسبب اعتراضات كبيرة من التجارة المستوردين و المصدرين .
هذا السيناريو يكشف حقيقة واضحة: الميليشيات ليست مؤهلة لبناء دولة في السودان، بل تمثل نموذجًا لدولة غارقة في الفوضى، تنهكها الصراعات الداخلية والانقسامات المتزايدة.

إلى أين يتجه الصراع على الشرعية؟
-تفتيت السلطة والانقسامات بدلًا من توحيدها
الصراع المستمر بين الجيش والدعم السريع حول الشرعية لا يسهم في إنهاء الأزمة، بل يدفع نحو تفتيت السلطة وانقسامها، مما يفتح الباب أمام تعدد الحكومات بدلًا من توحيدها. إن وجود حكومتين متنافستين لن يؤدي فقط إلى تعقيد المشهد السياسي، بل سيدفع السودان نحو مرحلة أكثر خطورة من الانقسام، قد تتطور مستقبليًا إلى بوادر أزمة تتعلق بنواة للانفصال السياسي.
هذا السيناريو لا يعزز الاستقرار، بل يساهم في إفقار البلاد نتيجة سوء الإدارة وضعف الموارد. فتعدد السلطات وتنازع الشرعيات لن يكون مجرد أزمة سياسية، بل سيمتد ليؤثر على الاقتصاد الوطني، حيث سيؤدي انعدام التنسيق الحكومي إلى تدهور الخدمات، ضعف الاستثمارات، وزيادة الأعباء المالية، مما يسرّع من انهيار الدولة بدلًا من تحقيق أي توازن سياسي أو إداري.

-التأثير على الحل السياسي والتفاوض
إذا نجح الدعم السريع في تشكيل حكومة وتحالف سياسي، فقد يتمكن من كسب دعم أطراف دولية وإقليمية لديها مصالح في السودان أو المنطقة، وترى فيه جهة يمكنها تنفيذ أجنداتها. هذا الدعم المحتمل قد يمنح الدعم السريع شرعية دبلوماسية محدودة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويعزز حالة الانقسام بدلًا من دفع الأطراف نحو حل شامل للأزمة.
في المقابل، يسعى الجيش بقيادة البرهان إلى تعزيز موقعه عبر تحركات دبلوماسية نشطة منذ بداية العام، شملت زيارات إلى دول مؤثرة داخل الاتحاد الإفريقي في محاولة لإعادة السودان إلى المنظمة بعد تعليقه في أعقاب انقلاب أكتوبر 2021. ويراهن الجيش على المؤسسات الحكومية عبر (حكومة الأمر الواقع) كأداة ضغط لدفع الدول إلى إعادة الاعتراف بحكومته داخل الاتحاد الإفريقي، أو على الأقل منع الاعتراف بحكومة الدعم السريع في حال تشكيلها.
هذا التجاذب بين الطرفين حول الشرعية الدولية والإقليمية قد يؤثر بشكل مباشر على مسار الحل السياسي والتفاوض، حيث سيؤدي إلى تعقيد أي جهود وساطة ويعزز حالة الاستقطاب الإقليمي بين القوى الداعمة لكل طرف او الاطراف المحايدة و الطارحة للحلول ، مما يجعل الحلول السياسية أكثر بعدًا عن التحقيق و ستكون معقدة للغاية .

خاتمة: السودان إلى أين؟
إن تشكيل حكومة من قبل قوات الدعم السريع قد يؤدي إلى إضفاء طابع سياسي على الصراع العسكري، في حين أن مساعي الجيش لإنشاء حكومة موازية قد تعمّق الانقسام بدلًا من معالجته. في ظل هذه التطورات المتسارعة، يبقى السودان أمام مفترق طرق خطير إما الانزلاق نحو مزيد من التفكك والانقسام، أو البحث عن حلول وسط تضمن الاستقرار وإعادة بناء الدولة.
لكن السؤال الأهم :هل يدرك الطرفان أن الصراع على الشرعية قد يدفع السودان إلى حالة دائمة من الانقسام والتشرذم؟ لقد حذّرتُ شخصيًا من هذه السيناريوهات منذ نوفمبر 2023، عندما أطلقت على هذا المشهد مصطلح "الانفصال الاداري" , حيث رصدتُ بوادره المبكرة و نظَرت إمكانية حدوثه ضمن سياق صراع الشرعية والشرعية المتخيلة.
اليوم، نحن أمام حقبة جديدة من التاريخ السياسي، أفرزتها الحرب، وأعادت رسم معادلات السلطة والنفوذ، لتجعل من إعادة توحيد السودان سياسيًا وإداريًا تحديًا أكبر مما كان متوقعًا.

dr_benomer@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • حميدتي يعترف بخسارة قوات الدعم السريع مناطق لصالح الجيش (شاهد)
  • حميدتي يعترف بخسارة قوات الدعم السريع مناطق لصالح الجيش
  • السودان.. حميدتي يقر بخسارة "الدعم السريع" مناطق لصالح الجيش
  • الدعم السريع … شبح الحكومة من أجل الشرعية
  • «7» قتلى في قصف على مخيم أبوشوك بدارفور غرب السودان
  • مستقبل القبائل العربية بعد هزيمة الدعم السريع في السودان
  • السودان: قصة ناجٍ من الموت بين مطرقة الدعم السريع وسندان الجيش 
  • تعرف على سبب اغتيال الدعم السريع لقائده جلحة
  • مرتزقة من 13 دولة يشاركون في الحرب بالسودان نهبت 27 ألف سيارة وسرقوا و26 بنكاً وقوات الدعم السريع تدمر المعلومات والأدلة
  • منظمة أممية: الهجمات الأخيرة لقوات الدعم السريع تسببت بنزوح الآلاف في شمال دارفور