محمد عبدالحافظ يكتب: حشاشين الصباح.. وحشاشين البنا
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
الغالبية العظمى من الناطقين باللغة العربية كانوا يتصورون أن الحشاش هو ذلك الشخص الذى يتعاطى الحشيش ويذهب عقله، ويصبح «مسطولاً»، وتناول الأدباء وكُتاب السيناريو شخصية الحشاش بعدة صور، أشهرها -من وجهة نظرى-فى رواية ثرثرة فوق النيل لصاحب «نوبل» نجيب محفوظ، الذى وصل ببطله الأمر أن طالب بإباحة تعاطى الحشيش ومساواته بالخمر، فطالما أن الاثنين يُذهبان العقل، فلماذا يُجرّم القانون الحشيش ولا يُجرّم الخمر؟!
وظل «المسطول» مرادفاً وحيداً للحشاش، حتى شهر مضى، إلى أن تم عرض المسلسل العبقرى (الحشاشين) الذى أنتجته الشركة المتحدة، ويروى حكاية حسن الصباح (١٠٣٧-١١٢٤) مؤسس أول جماعة إرهابية باسم الدين، وكان يتخذ من قلعه ألموت حصناً له ولجماعته.
- «حساسين» نسبة إلى حسن الصباح مؤسس جماعة القتلة.
- تحريف لكلمة «أساسين» نسبة إلى المؤسسين الأصليين لجماعة قلعة ألموت
(كما قال ماركو بولو) لأن حسن الصباح كان يضع الحشيش لأتباعه ومريديه فى الطعام وفى المباخر أثناء وجودهم فى قلعة ألموت التى كان بها أنهار من العسل واللبن والخمر لإيهامهم بأنهم فى الجنة التى سيدخلونها بعد تنفيذ أوامره.
- نسبة إلى الذين كانوا يتعاطون الحشيش قبل قيامهم بأعمال القتل والنهب، حتى يكونوا غائبين عن الوعى ولا يشعرون بالألم عند إصابتهم.
- تحريف «عساسين» نسبة إلى العسس الذين كانوا يحرسون قلعه ألموت.
- مشتقة من الكلمة الأجنبية (ASSASSIN) التى تعنى الاغتيال أو القتل غدراً، أو القتلة المأجورين.
- نسبة إلى صمود القتلة فى قلعة ألموت، حيث كانوا محاصرين لعدة شهور فى القلعة وكانوا يأكلون حشائش الجبل، بعد نفاد الطعام.
ومهما اختلفت التعريفات فإنها تنطبق على كل إرهابى مغيَّب العقل ومشوَّش الفكر ويكون إلهه هواه.. وكان من الطبيعى أن يواجه المسلسل هجوماً من فلول الإخوان المحتلين أرباب حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المحتلين، ومثلهم كمثل «من على راسه بطحة»، فالاثنان واحد، حسن الصباح وحسن البنا، وأتباعهما متشابهون، منهج واحد، وعقيدة (حياتية) واحدة، ووسيلة واحدة، وأسلوب واحد، وهدف وغاية واحدة، وبيئة واحدة.
«الصباح» نشأ وسط اختلاف وصراع مذاهب وفرَق دينية.. «البنا» نشأ وسط اختلاف وصراع أحزاب ورؤى سياسية متضاربة، فهم يترعرعون فى بيئة الاختلاف وتضارُب المصالح والصراع على السلطة. الاثنان كان منهجهما الإغواء والإضلال لأتباعهما. «الصباح» أسس لمبدأ الاغتيالات والقتل الغدر لمن لا ينضم لجماعته ولأى مسئول يقف عقبة أمام طموحاته، فكان أول من أمر باغتياله من العامة مؤذن فى أصفهان رفض الانضمام لجماعته، وأول مسئول اغتاله كان الوزير «نظام الملك الطوسى»، لأنه كان مؤسساً للمدارس النظامية التى تُدرِّس أصول الدين الصحيح.. و«البنا» ومن بعده مرشدو الإخوان المحتلين سجلُّهم حافل بالاغتيالات من العامة والمسئولين من بينهم أحمد الخازندار (قاضٍ)، ومحمود فهمى النقراشى باشا (رئيس وزراء)، وأحمد ماهر باشا (رئيس وزراء)، بالإضافة إلى مئات عمليات التفجير والحرق والتدمير التى راح ضحيتها ضباط وجنود وشيوخ وقساوسة ومساجد وكنائس (بعد ثورة ٣٠ يونيو).
«الصباح» وجماعته كانوا يستهدفون، فى المقام الأول، نشر الفكر الإسماعيلى بين أهل القرى والنجوع والبسطاء، لأنهم أقل وعياً وبعيدون عن أعين السلطة الحاكمة.. «البنا» ومن بعده المرشدون والجماعة استهدفوا المهمشين والبسطاء والفقراء، حيث اشتهروا باستقطابهم بزجاجة زيت وكيس سكر!، «الصباح»، قبل ألف عام، اختار قلعة ألموت التى تقع على هضبة تعلو عن سطح الأرض بألفى قدم واستولى عليها لتكون مقراً له ولجماعته، وكانت أعلى نقطة تقع على بحر قزوين وتبعد ١٠٠ كيلومتر عن طهران.. وبنفس التفكير قامت جماعة «البنا» ببناء مقر لها فوق هضبة المقطم التى تعلو عن سطح الأرض بـ١٨٢ متراً، وتُعد أعلى نقطة فى القاهرة!
«الصباح» كان يركز على أن يضمن الولاء المطلق له من أتباعه، وكان اختياراً عبقرياً من مخرج المسلسل عندما بدأه بمشهد قيام أحد أتباع «الصباح» بالصعود إلى أعلى سور فى القلعة وإلقاء نفسه إلى الهاوية ليُثبت الولاء الكامل للصباح أمام أحد رسل أعدائه -وهذا طبعاً بعيد كل البعد عن الدين الإسلامى لأن الانتحار كُفر- وكان افتتاحاً قوياً للمسلسل بيَّن مفتاح شخصية «الصباح» و«البنا» ومن بعده مرشدين لا يسمحون لأحد بالانضمام لهم إلا بعد أداء قسم الولاء والطاعة للمرشد.. وكلاهما لا يمثلان الإسلام ولا الدين من قريب أو بعيد، فالإسلام يأمرنا ألا نعبد إلا الله وألا نقاتل إلا فى سبيل الله وليس فى سبيل أشخاص، بل ويبشر بالجنة مَن مات دون دينه أو وطنه أو ماله أو عرضه، لأنه يصبح شهيداً.. أما الصباح والبنا ومرشدوه فلا وطن لهم، وعلى مريديهم الموت فى سبيل شىء واحد؛ المرشد والجماعة!.. ودعونى أحيلكم إلى المقولة الشهيرة للصباح: «أنا أملك مفتاح الجنة» التى تصدّرت برومو المسلسل، وكانت اختياراً موفقاً ومفتاح شخصية أيضاً.
فكرة المسلسل عبقرية، لأنها استخدمت القوى الناعمة فى سرد تاريخ وتسليط الضوء على حقبة تاريخية هامة (القرن الثانى الميلادى)، وكان وقت الحلقة كافياً -رغم تخلله الإعلانات- ليُشبع رغبة المشاهد فى المعرفة، مع التسلية طبعاً.
اختيار الكاتب موفَّق لأن عبدالرحيم كمال كاتب يملك أدواته جيداً واستخدم لهجة مبسطة تصل إلى الجميع دون إخلال باللغة، ووضع بعض البهارات الدرامية التى لا تجعل المشاهد يمل أو يشعر أنه أمام عمل (وثائقى)، وهذا هو الفرق بين العمل الدرامى والفيلم التسجيلى.. وكما ذكرت فقد استخدم جملاً وأفعالاً حقيقية تكشف عن حقيقة ومكنون كل شخصية، وكما فعلها من قبل العقاد فى عبقرياته، وسماها مفتاح الشخصية.. ولمن لا يعرف فإن عبدالرحيم كمال قد قرأ على الأقل ٥٠ كتاباً وشاهد عشرات الأفلام الوثائقية والتقى بالعديد من أساتذة وعلماء التاريخ ليكتب عن حسن الصباح والحشاشين.
اختيار كريم عبدالعزيز ذكى لأنه محبوب وله جمهوره الواسع، الذى سيكون عاملاً من عوامل الجذب لشخصية إرهابية منفرة، واستطاع أن يجسدها ببراعة وإتقان لغوى وجسدى، رغم أننى لم أستطع أن أكره (كريم)، فهو من الممثلين الممتعين والمنضبطين، ولا يستهلك نفسه فى أدوار «تافهة» من أجل المال، ويحظى باحترام جماهيرى وبين زملائه فى الوسط الفنى. أما المهندس أحمد فايز، مصمم الديكور، فنرفع له القبعة على الإبهار الذى متعنا به طوال المسلسل، وأثبت أنه متمكن فى كل زاوية وركن ولم يترك تفصيلة واحدة فى مواقع التصوير إلا اهتم بها، وجعل المشاهد يشعر أنه يعيش فى أجواء كانت من ألف سنة، وأعتقد أن «الحشاشين» سيكون نقطة انطلاقة له نحو العالمية فى الديكور، وجعلنى أتفاءل بمستقبل المبدعين.
أما المخرج بيتر ميمى فسابقة أعماله الدرامية كانت تنبئ بهذا النجاح منقطع النظير، والذى تفوَّق على الأعمال الدرامية الأخرى التى تناولت نفس الموضوع فى بلدان أخرى، وهنا يكمن سر النجاح، عندما تكون هناك مقارنة، ويكون المشاهد المحايد هو الحكم. وظنى أن هذا العمل لم يكن ليخرج إلى النور لولا الرؤية الثاقبة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، فالعمل إنتاج ضخم وأُنفق عليه الملايين، وبخاصة فى الديكور الذى من المؤكد أنها لم تبخل ولم ترفض أى طلب لمصممه، وبخاصة أن هذه الحقبة التاريخية لم يتم تناولها من قبل، من ملابس وأسلحة وديكور وإكسسوارات.. المسلسل يُثبت أن هناك رسالة تقوم بها الشركة دون النظر للتكاليف أو العائد، فنشر الوعى لا يُقدَّر بثمن.
إنا لمنتظرون المزيد من الإبداع والمبدعين والفكر التنويرى الهادف من «المتحدة».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الدراما الميديا قلعة ألموت حسن الصباح نسبة إلى
إقرأ أيضاً:
الحسن عبدالشافي محمد يكتب: فى هِجاء النَّدَم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أخطأتُ مَراتٍ ومراتٍ أَدَرتُ بها شُؤونَ حَياتِيَ الكُبرَىٰ
أقول الآن لا نَدَمٌ
سأحيا ثم أُخطىءُ مرةً أُخرىٰ
لأنِّي لستُ ربًّا
أنت أيضًا لستَ ربًّا يا صديقِي المُصطلِي ثَلْجًا
فَدَع ندمًا يُسَرطِنُ جِسمَ بالكَ
لا تُرَبِّيهِ فليس ابنًا يُضاف إلى عيالكَ
ليس إلا مَحض فِطرٍ قد تَعَشَّبَ في خيالكَ
عِنْدَ ذاكِرَةٍ
تُخَرِّجُ شَعبَهَا للصمتِ
تَدهَسُهُم وُعُولُ تَذَكُّرٍ سَكْرَىٰ
وأبقارٌ لها لونٌ رماديٌّ تَدُكُّ حَوافِرًا في الأرضِ؛ تَركضُ
لا يمينًا
لا يسارًا
لا أمامًا
لا وَرَاْ
ليلٌ ولا قمرٌ هنالكَ
وحدَكَ الآنَ احمرارٌ مُورِقٌ ويديكَ في قدميكَ ظَهرُكَ للصَّدَىٰ
قل كم نَدِمْتَ؛
فهل جَنَيْتَ سِوىٰ مَخَاضٍ زاعِقٍ؟
وهَزَزْتَ جِذعًا لا يُساقِطُ مَرَّةً تَمْرَاْ!
أَرىٰ عَرَقًا تَخَضَّبَ في عيونِكَ يابْنَ عَمِّي
هاتِ كَفَّكَ لا يَزالُ هناكَ مُتَّسَعٌ لنخطئَ مرةً أُخرىٰ
ونخطئَ مرةً أخرىٰ
ونخطئَ مرةً أخرىٰ