الجزيرة:
2025-01-19@12:24:53 GMT

يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل

تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT

يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل

تعد أفريقيا، التي تضم 54 دولة، موطنا لمجموعة واسعة من الديانات، وتظهر الكنائس المحلية الأفريقية التي نشأت حديثا المعروفة بـ "الكنائس الخمسينية" بوصفها واحدة من الفئات الدينية الأسرع نموًا في القارة، إذ تشكل حوالي ثلث المجتمع المسيحي في القارة.

وتبدي البنية الأساسية لهذه الكنائس انسجاما أوثق مع العقيدة اليهودية، كما أسلفنا في تقرير سابق، فقد توغلت إسرائيل بالمجتمعات المسيحية شرق أفريقيا ووسطها وجنوبها بالتعاون مع اليهود الأفارقة والكنائس الخمسينية.

ويأتي اليهود الأفارقة طليعة الدفاع عن إسرائيل، متبنين بشكل واسع السردية الدينية الإسرائيلية، وهو ما يسعى التقرير إلى تناوله.

تاريخ يهود أفريقيا

لعبت النصوص الكتابية والنبوءات الدينية دورا مهما في تشكيل الهوية الدينية والثقافية للعديد من المجتمعات الأفريقية، موفرة إطارا لربط اليهود الأفارقة بالعبريين القدماء.

ومن ذلك -تحديدا- الإشارة إلى نفي القبائل المفقودة إلى آشور، وذكر كوش أو إثيوبيا في الكتاب المقدس، ونبوءة إشعياء التي تتحدث عن عودة الشتات إلى صهيون. واعتبروا ذلك دلالة على جذورهم وهويتهم الروحية في العبرانية واليهودية.

وأوائل القرن العشرين، جرت مناقشات دينية بجنوب أفريقيا بين القاضي وعالم اللغات "جيمس إس كالاواي" و"لازاروس مكسابا" المثقف المنتمي لإثنية الزولو، أظهرت كيف استشهد الأخير بتاريخ إسرائيل واليونان القديمة لإعادة بناء تاريخ ديانة الزولو القديمة.

وكان مكسابا ومحيطه مقتنعين بأنهم ينحدرون من القبائل الضائعة لإسرائيل، مشيرين إلى عادات مشتركة كدليل على اتصالات قديمة بين الزولو والعبرانيين.

وفي كتابها "اليهود السود" استعرضت الباحثة إديث برودر عشرات المجموعات التي تدعي اليهودية، وتوضح أن تحليل الحمض النووي للمجموعة كشف عن أصولٍ غير أفريقية على الصعيد الأبوي، مما يشير إلى احتمالية قدوم رجالهم الساميين من خارج أفريقيا وزواجهم من أفريقيات، مما يعزز فكرة أن الهوية اليهودية الأفريقية ليست فقط مسألة تبنّ ديني، ولكنها قد تمتلك أيضا جذورا تاريخية وجينية.

إجراءات خاصة بالفلاشا في أديس أبابا عبر تعليمهم التوراة والاحتفال بالأعياد اليهودية (مواقع التواصل)

وبينما يتمتع يهود الفلاشا من إثيوبيا بشهرة واسعة، توجد مجتمعات يهودية أخرى في أفريقيا كيهود اللمبا أو وا-ريمبا، وهي مجموعة إثنية توجد بشكل أساسي بين زيمبابوي وجنوب أفريقيا، مع وجود ملحوظ في موزمبيق وملاوي، ويُعرفون بتبنيهم التقاليد اليهودية. وفي أوغندا، تبرز مجموعة يهود أبيودايا التي تستمد اسمها من اللغة اللوغندية وتعني "شعب يهوذا".

وفي الكونغو الديمقراطية، يشكل يهود لوبا أو بالوبا تجمعا آخر يدعي ارتباطه بالتقاليد اليهودية. وفي غرب أفريقيا، وتحديدا في تمبكتو بمالي، مجموعة زاخور، التي تعني "تذكر" بالعبرية، وقد أعلنت انتماءها لليهودية في الثمانينيات.

كذلك، في نيجيريا، قبائل من الإيغبو تُعرف نفسها بـ"إيبو بينيسي-إسرائيل". بينما في غانا، تشتهر مجموعة "بيت إسرائيل" التي تمزج بين اليهودية والديانات الأفريقية التقليدية.

وبالانتقال إلى شرق أفريقيا، يُعرف يهود قبائل التوتسي في رواندا وبورندي بـ"العبرانيين التوتسي من هافيلا". وفي زيمبابوي، يهود روسابي بالمثل، حيث يعتبرون جزءا من هذا الطيف المتنوع.

والقاسم المشترك بين هذه المجموعات هو كونهم جميعا من "الأفارقة السود" ويدعون الانتماء إلى اليهودية.

التحولات الثقافية والدينية

اكتسبت المجتمعات اليهودية تأثيراً كبيرًا رغم عددها الضئيل عبر ارتباطها بالكنائس الخمسينية الأفريقية، أما مسار احتضان الهوية اليهودية ضمن بعض الفئات الأفريقية فقد انبثق عبر مراحل مختلفة من حيث المدة الزمنية والتأثير، إذ استغرق الأمر ما يزيد على مئة عام حتى يُقبل يهود الفلاشا من إثيوبيا كجزء من الشتات اليهودي. وفي حالة اللمبا، استلزم قرابة عقدين للإقرار بهم كيهودٍ من أصول أفريقية.

يقول تيودور بارفيت، الرحالة والمؤرخ ذو الاختصاص في الدراسات اليهودية الذي قدر تعداد يهود اللمبا بما يقارب 70 ألفا عام 2010، إن تقاليدهم الشفهية تروي أن أجدادهم كانوا من اليهود القادمين من سيناء إلى جنوب أفريقيا.

وخلال الآونة الأخيرة، وفي ظل تزايد الاهتمام بالهويات الدينية لليهود الأفارقة، عملت مجتمعات غربية على نسج أواصر القبول بين اليهود الأفارقة مع المجتمعات المسيحية بأفريقيا، من خلال مؤسسات بارزة مثل مشروع "أفريقيا-إسرائيل" النرويجي، ومنظمة "المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل" (سي يو إف آي) بأميركا.

ومن هذا المنطلق، أتيحت لليهود الأفارقة فرصة التقارب مع المسيحية المحلية، مع ترويج رؤية إسرائيلية تعتبرهم شعب الله المختار، وذلك في سياق مجتمعي معزز بإغراءاتٍ روحانية أخرى مثل الحج المسيحي إلى القدس كعربون معنوي.

وعبر هذا النهج، تحولت إسرائيل إلى رمزٍ ديني، قبسًا من الأمل في منظورهم، حيث يُعتبر التأييد لليهود كتأييد للذات الإلهية، مع الإيمان بأنّ دعم إسرائيل يجلب البركات السماوية. وهذا النظر غير النقدي لإسرائيل فتح المجال لتوسع نفوذها الروحي في أفريقيا.

وفي هذا السياق، يُمكن الإشارة إلى تصريح جدعون بهار، رئيس مكتب أفريقيا في وزارة الخارجية الإسرائيلية سابقًا، والذي قال "نعطي أولوية للعلاقات مع الجماعات الدينية والعرقية والسياسية سواء.. غير أن الزيادة في حجم وتأثير المجتمعات الدينية بأفريقيا في الآونة الأخيرة الداعمة، تسهم تلقائيًا في تعميق الصلات مع إسرائيل وتنمية الإقبال على التواصل معنا..".

دور يهود أفريقيا في دعم إسرائيل

ومن خلال التأثير على القساوسة ذوي النفوذ الكبير في المجتمعات المسيحية، بالإضافة إلى مجموعات ضغط دينية تسعى لكسب دعم النخب الحاكمة لإسرائيل ومواقفها دوليًا، أصبح اليهود قوةً داعمةً يعززون الرواية الإسرائيلية في أفريقيا.

وفي جنوب أفريقيا مثلا، سعت إسرائيل والاتحاد الصهيوني الجنوب أفريقي "إس إيه زد إف" بشكل مستمر للتعاون مع الكنيسة المسيحية الصهيونية القديمة "زد سي سي" وهي جماعات إيمانية ناشطة، في محاولة لمواجهة الدعم السياسي لفلسطين والحدّ من الزخم الشعبي لحملة المقاطعة والعقوبات.

"أعينونا على مقاومة هذه الظاهرة والجنون الذي استولى على الحزب الحاكم.. إذْ نحن لا نرغب في أن تطالنا اللعنات الناتجة عن هذه الممارسات، بل نطمح لأن نجلب البركات التي تستحقها جنوب أفريقيا بالفعل" بهذه الكلمات طلب رئيس الاتحاد الصهيوني بن سوارتز دعم الحاضرين بشغفٍ، في مؤتمر مؤيد لإسرائيل نُظم في جوهانسبرغ عام 2018، في إشارةٍ منه إلى دعم حكومة رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا للقضية الفلسطينية.

ورأينا مثله من ردود هجومية إسرائيلية على جنوب أفريقيا عقب رفعها قضية جنائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، والتي قامت بها بعد استشهاد ما يزيد على 21 ألف فلسطيني نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وهكذا، ورغم نسبتهم القليلة في القارة، استطاع اليهود الأفارقة التأثير بشكل ملحوظ على الرأي العام في أفريقيا. لكن، يظل الإنجاز الأخطر هو قدرتهم على جعل الكنائس الخمسينية في أفريقيا تُعبّر عن قناعاتهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات جنوب أفریقیا فی أفریقیا

إقرأ أيضاً:

كيف أعاد اليمن تشكيل معادلات البحر الأحمر وأربك إسرائيل وحلفاءها دعماً لغزة؟

يمانيون/ كتابات/ ماجد حميد الكحلاني

في ظل تحولات إقليمية ودولية عميقة، فرض اليمن حضوره كقوة مؤثرة في البحر الأحمر، ليفاجئ العالم بقدرته على تغيير قواعد الأشتباك والمعركة.

مع انطلاق معركة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، بدأ اليمن بتنفيذ عمليات عسكرية نوعية أربكت الاحتلال الإسرائيلي وحلفاءه وأثّرت بشكل مباشر على الملاحة البحرية في المنطقة.

هذه العمليات لم تكن مجرد ردود أفعال عشوائية، بل كانت استراتيجيات مدروسة أظهرت أن اليمن، رغم العدوان والحصار، قادر على إعادة تشكيل المشهد السياسي والعسكري في المنطقة، داعماً غزة ومحور المقاومة، وموجهاً رسائل قوية للخصوم.

حين أعلن رئيس المجلس السياسي الأعلى، المشير مهدي المشاط، أن اليمن نجح في فرض حظر كامل على السفن المرتبطة بالكيان الإسرائيلي، لم يكن ذلك مجرد خطاب بروتوكولي. فالشركات العالمية، مثل “ميرسك” و”هاباج لويد”، سارعت إلى تصديق هذا الإعلان بعد أن أصبحت الملاحة في البحر الأحمر خطراً كبيراً.

وأكدت التحذيرات الأمنية والتقارير الدولية أن السفن تواجه تهديدات حقيقية في هذا الممر الحيوي. وقال متحدث باسم “ميرسك”: “الوضع في البحر الأحمر لم يعد آمناً. اضطررنا إلى تحويل مساراتنا إلى طرق أطول وأكثر تكلفة”.

تأثير هذه العمليات تجاوز حدود البحر الأحمر، حيث عانت إسرائيل من عزلة اقتصادية غير مسبوقة. صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية وصفت الوضع بقولها: “ميناء أم الرشراش (إيلات) أصبح شبه معزول، والسياحة تراجعت بشكل كبير، فيما يخيم القلق والخوف على المدينة”.. فيما أكد البنك المركزي المصري انخفاض إيرادات قناة السويس بنسبة 61.2% بين يوليو وسبتمبر 2024، بسبب توقف السفن الإسرائيلية وحلفائها عن استخدام هذا الممر البحري.

ما يزيد الصورة وضوحاً هو تصريحات شركات الملاحة العالمية، حيث أكدت “هاباج لويد” الألمانية أن المخاطر المرتبطة بالهجمات اليمنية جعلت البحر الأحمر منطقة يصعب على السفن التحرك فيها بأمان. هذه المخاوف دفعت خطوط الشحن العالمية إلى انتظار “ضوء أخضر” من اليمن لإعادة الحركة إلى طبيعتها، مما يعكس مدى التأثير المباشر للعمليات اليمنية على الاقتصاد العالمي.

المواجهة لم تقتصر على السفن التجارية فقط، بل امتدت لتشمل حاملات الطائرات الأمريكية التي طالما اعتبرت رمزاً للهيمنة العسكرية. القوات المسلحة اليمنية، وفقاً لما ذكره السيد عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير حول مستجدات العدوان الإسرائيلي على غزة وآخر التطورات الإقليمية والدولية مساء الخميس١٦ يناير ، نجحت في إخراج حاملات الطائرات الأمريكية “روزفلت” و”لينكولن” من المعادلة، بينما أصبحت “ترومان” مجرد سفينة هاربة في عرض البحر، تتجنب الاقتراب من السواحل اليمنية بأكثر من ألف كيلومتر. وأكد الحوثي أن “الأمريكيين الذين اعتادوا تهديد العالم، وجدوا أنفسهم يهربون من المواجهة، ويطوّرون تكتيكات للهروب بدلاً من الهجوم”.

حالة الخوف والارتباك لم تقتصر على الأمريكيين، بل امتدت إلى الأوروبيين. فرقاطة “هيدرا” اليونانية، التي شاركت في المهمة البحرية الأوروبية، وصفت مهمتها بأنها أشبه بـ”العودة من الجحيم”، حيث أطلق طاقمها النار على النجوم ظناً أنها طائرات مسيرة يمنية، في مشهد يعكس حالة الرعب التي أحدثتها العمليات اليمنية.

ورغم كل المحاولات الدولية لاحتواء الوضع، إلا أن الأثر السياسي للعمليات اليمنية كان واضحاً. حيث لم يقتصر دعم اليمن للقضية الفلسطينية على الشعارات لحسب، بل امتد إلى عمليات عسكرية غيّرت قواعد المواجهة.

وأوضح السيد عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير أن “الملاحة الإسرائيلية لن تكون آمنة طالما استمر الاحتلال، وأن الشعب اليمني، رغم العدوان، لن يتخلى عن دوره في معركة الأمة”.

تداعيات هذه العمليات دفعت إسرائيل إلى الاعتراف بفشلها في حماية ممراتها البحرية. صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية قالت بوضوح: “الحوثيون هم من يقررون متى وأين تبدأ الهجمات. إسرائيل لم تعد تمتلك حرية الحركة، سواء في البحر أو الجو”.

حتى الرئيس الأمريكي المنتهيه ولايته جو بايدن، في محاولة يائسة لتهدئة الوضع، أقرّ بصعوبة حماية السفن في البحر الأحمر، قائلاً: “رغم حشدنا لأكثر من 20 دولة، إلا أننا نواجه تحدياً حقيقياً بسبب الهجمات اليمنية المستمرة”.

في نهاية المطاف، بات واضحاً أن البحر الأحمر لم يعد كما كان. اليمن، الذي اعتقد كثيرون أنه منشغل بعدوان داخلي وحصار خارجي، أثبت أنه لاعب محوري في المنطقة، قادر على إرباك أكبر القوى العالمية.

هذه العمليات حملت رسالة واضحة: لا أمان لإسرائيل في البر أو البحر، والمقاومة قادرة على قلب الموازين، مهما بلغت التحديات.

اليمن العزيز، الذي تحول إلى حجر عثرة في وجه الهيمنة الإسرائيلية والغربية، أعاد تعريف مفاهيم الصراع في البحر الأحمر. هذا البحر، الذي كان يوماً منطقة نفوذ مفتوحة للقوى الكبرى، أصبح اليوم رمزاً لصمود شعب يؤمن بعدالة قضيته. ومع استمرار العمليات، يبدو أن الهيمنة الغربية في هذا الممر الحيوي باتت على المحك، فيما يواصل اليمن كتابة فصول جديدة في معركة التحرر والنضال من أجل الأمة.

مقالات مشابهة

  • اشتراطات مراكز ضيافة الأطفال ودور كبار السن.. إتاحة المواقف وواجهات دون ملصقات
  • " ملوك الكيبولان" للكاتبة هناء حماد يشارك في معرض الكتاب 2025
  • دوري أبطال أفريقيا.. عمر الساعي في تشكيل الأهلي الأساسي أمام أورلاندو بايرتس
  • كيف أعاد اليمن تشكيل معادلات البحر الأحمر وأربك إسرائيل وحلفاءها دعماً لغزة؟
  • دوري أبطال أفريقيا.. تشكيل الأهلي المتوقع لمباراة أورلاندو
  • ثلاثي يقود تشكيل الأهلي المتوقع أمام أورلاندو في دوري أبطال أفريقيا
  • باحثان إسرائيليان: ما يحدث في غزة إبادة جماعية ستلطخ تاريخ اليهود للأبد
  • إسرائيل ستفرج عن مستوطنين يهود محتجزين إدارياً رداً على اتفاق غزة
  • أبرز عمليات تبادل الأسرى التي جرت فلسطينيا مع إسرائيل
  • برج الحمل| حظك اليوم الجمعة 17 يناير.. سيطر على مشاعرك وعواطفك