فرض الضرائب على الملوثين هو مفتاح العدالة المناخية
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
بعد سنوات من تجنب أي ذكر صريح للسبب الرئيسي لتغير المناخ، توصل المفاوضون في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي استضافته دبي العام الماضي (مؤتمر الأطراف 28) أخيرًا إلى اتفاق يدعو إلى «الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري». لكن هناك سؤال آخر غير مريح لا يزال يلوح في الأفق: كيف سيتم تمويل هذا التحول؟ وكما لاحظ مؤخرًا سايمون ستيل، مسؤول المناخ في الأمم المتحدة «إن من الواضح بشكل صارخ أن التمويل هو العامل الحاسم الذي سيقرر النجاح أو الفشل في معركة المناخ العالمية».
سوف يكون تمويل المناخ القضية الأكثر أهمية في مؤتمر تغير المناخ (مؤتمر الأطراف 29) بأذربيجان هذا العام، وفي مؤتمر تغير المناخ (مؤتمر الأطراف 30) بالبرازيل في عام 2025، وعلى الرغم من التعهدات الأخيرة بتقديم الأموال لإنشاء صندوق جديد «للخسائر والأضرار» لمساعدة البلدان النامية على التعامل مع تغير المناخ، فإن التمويل الحالي أقل بكثير مما هو مطلوب، حيث تشير تقديرات الاتحاد الأوروبي إلى أنه يتعين عليه استثمار 1.5 تريليون يورو (1.63 تريليون دولار أمريكي) سنويًا اعتبارًا من عام 2031 لتحقيق صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2050 كما من المتوقع أن تحتاج البلدان النامية (باستثناء الصين) إلى 2.4 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2030.
سوف يكون على البرازيل وحدها إيجاد 200 مليار دولار إضافية لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات لعام 2030. لا توجد حلول سهلة. إن تباطؤ النمو والظروف النقدية الصعبة في أعقاب الجائحة يعني أنه حتى الدول الغنية تعمل بقدرات مالية محدودة، وعلى الرغم من أن هناك حاجة إلى المزيد من رأس المال الخاص في كل مكان، فإن دوره سيكون أقل في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وذلك بسبب الأقساط الكبيرة التي يتوجب عليها دفعها عندما تقترض للمشاريع الخضراء.
إن الأمر يتطلب سياسات جديدة جريئة لحشد التمويل العام، وهناك أسباب قوية تدعونا لفرض ضرائب تصاعدية على الأنشطة كثيفة الكربون والثروات المفرطة، وكلاهما من شأنه أن يعمل على تحقيق العائدات بالإضافة إلى تعزيز مبدأ «المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة» ليشمل الصناعات والأفراد. الضرائب هي الأداة المعيارية التي تستخدمها الدول لجمع الأموال بشكل يمكن التعويل عليه وعلى نطاق واسع، وبالتالي الالتزام بخطط الإنفاق والاستثمار الطويلة الأجل. أما بالنسبة للبلدان النامية، على وجه الخصوص، فإن القدرة على التنبؤ بشأن الضرائب تجعلها أكثر فائدة من التمويل الميسر. علاوة على ذلك، يمكن للضرائب الجديدة أن تحقق موارد إضافية للدول لتخصيصها في الاستثمارات المرتبطة بالمناخ، مما يغنيها عن الاضطرار إلى إعادة تخصيص التمويل الشحيح ضمن الميزانيات القائمة، وعلى المستوى العالمي، فإن فرض ضريبة على المعاملات المالية بنسبة 0.1% من الممكن أن تجمع ما يصل إلى 418 مليار دولار سنويًا، في حين أن ضريبة متواضعة نسبيًا تبلغ 5 دولارات عن كل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الممكن أن تحقق 210 مليارات دولار سنويًا. لقد دعا صندوق النقد الدولي منذ فترة طويلة إلى فرض الضرائب على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون واستخراج الوقود الأحفوري، كمصدر لتمويل المناخ ولتشكيل الحوافز وذلك من خلال التحقق من قيام الملوثين بالدفع. إن العائدات الإضافية من هذه الضرائب من شأنها أن تساعد البلدان ذات الدخل المرتفع (المصدر التاريخي الرئيسي للانبعاثات) على الوفاء بالتزاماتها الأخلاقية تجاه البلدان الأكثر فقرًا والأكثر ضعفًا، وفي ظل الظروف الراهنة فإن المساعدات المالية التي تقدمها الدول الغنية للدول النامية لابد أن تكون ذات حجم أكبر من التعهد الحالي الذي يبلغ 100 مليار دولار سنويًا.
ومن شأن ضرائب التلوث أن تساعد أيضًا في معالجة أوجه عدم المساواة داخل البلدان علمًا أنه حتى في تلك الاقتصادات التي سجلت انخفاضًا تاريخيًا في الانبعاثات ومن حيث نصيب الفرد، لا تزال هناك فجوة كبيرة بين معظم الانبعاثات الصادرة عن السكان والجهات التي تعتبر أكبر مصدر للانبعاثات. يرى الخبير الاقتصادي لوكاس شانسيل أن «التفاوت في الكربون» أكبر داخل البلدان نفسها مقارنة بين بلد وآخر، وأنه يرتبط بالتفاوت في الدخل والثروة، وهذا ينبغي ألا يكون مفاجئًا على الصعيد العالمي، فإن أغنى 1% من سكان العالم يبثون نفس حجم الانبعاثات التي يبثها أفقر 66% مجتمعين.
إن المواطنين العاديين يدركون هذا الظلم، وفي واقع الأمر يهدد هذا الظلم على نحو متزايد قدرتنا على بناء واستدامة الإجماع السياسي على سياسات مناخية فعّالة. إن الضرائب التي تهدف إلى ضمان أن أولئك الذين يملكون أكبر الإمكانيات وأعلى الانبعاثات يدفعون حصتهم العادلة من شأنها أن تلعب دورًا كبيرًا في إقناع عامة الناس بأن «الانتقال العادل» ليس مجرد شعار فارغ. لكن على الرغم من قوة الأسباب لفرض مثل هذه الضرائب من الناحية النظرية، فقد ثبت أن تبنيها وتنفيذها أمر بالغ الصعوبة. يتحرك رأس المال والناس (وخاصة الأثرياء) والانبعاثات بسهولة عبر الحدود، مما يقوض كفاءة الأنظمة الضريبية الوطنية أو الإقليمية، وعلى الرغم من أن التعاون عبر الحدود في مجال الضرائب ليس بالأمر السهل على الإطلاق، فإن الاتفاق الدولي من شأنه أن يمنح البلدان المزيد من النفوذ على مواردها الخاصة، مما يسمح لها بحماية من هم في أمس الحاجة. إن النظام المتعدد الأطراف سيكون في مصلحة كل دولة. إن هناك دلائل مشجعة تشير إلى أن المحرمات السياسية ضد فرض الضرائب بدأت تضعف. لقد دعا النص الذي وافقت عليه جميع الأطراف في مؤتمر الأطراف 28 صراحةً إلى «تسريع الدعم المستمر لمصادر تمويل جديدة ومبتكرة، بما في ذلك الضرائب».
وفي نوفمبر الماضي، أصدرت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قرارًا لإنشاء اتفاقية إطارية بشأن التعاون الضريبي الدولي، مما يمهد الطريق لنهج أكثر عدالة في وضع القواعد العالمية. والآن، تدرس مجموعة العشرين، بقيادة البرازيل، فرض حد أدنى عالمي من الضريبة على ثلاثة آلاف ملياردير في العالم، الذين يدفعون حاليًا معدل ضريبة فعليًا أقل بكثير من بقية السكان. تشير تقديرات مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي إلى أن فرض ضريبة سنوية بنسبة 2% على ثرواتهم ــ إذا تم تنسيقها بشكل صحيح ــ من الممكن أن تجمع 250 مليار دولار سنويًا. وللاستفادة من هذا الزخم، أطلقت مجموعة متنوعة من البلدان قوة مهام جديدة على مستوى العالم ومختصة بالضرائب، وتتلخص مهمة قوة المهام التي يترأسها بشكل مشترك زعماء كينيا وبربادوس وفرنسا، في استكشاف السياسات الضريبية القادرة على جمع ما يعادل 0.1% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لتمويل التنمية المستدامة والعمل المناخي. إن الفكرة هنا لا تكمن في وصف حل واحد لكل البلدان، بل في تقييم العقبات السياسية والفنية التي تعترض العديد من الخيارات المعقولة، بالاعتماد على مجموعة متنوعة من الخبراء ووجهات النظر.
إن هناك العديد من الخيارات المطروحة، بما في ذلك الضرائب على الطيران والشحن واستخراج الوقود الأحفوري والمعاملات المالية. سوف تسعى قوة المهام إلى تعزيز فهمنا لكيفية تطبيق هذه الضرائب بشكل عادل، وربما يمهد هذا الطريق للاتفاق على سياسات معينة. إن من الممكن أن تكون الضرائب العادلة أداة قوية لتسريع عملية التحول العادل، ومن خلال المساهمة بنتائج تجريبية جديدة وتعزيز الثقة والتعاون بين البلدان، يمكن لقوة المهام الجديدة أن تساعد الجميع على التصدي لأوجه الظلم المرتبطة بأزمة المناخ وتوفير الموارد التي يحتاجون إليها لمعالجتها. إن تخفيف العبء الواقع على الناس والبلدان الأكثر فقرًا ليس مجرد التزام أخلاقي فحسب، بل من الضروري أيضًا كسب دعمهم لعملية انتقالية لا يمكن أن تتم بدونهم.
لورانس توبيانا هي الرئيس التنفيذي لمؤسسة المناخ الأوروبية (ECF) وأستاذة في معهد العلوم السياسية في باريس
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مؤتمر الأطراف دولار سنوی ا ملیار دولار فی مؤتمر الرغم من
إقرأ أيضاً:
لماذا التعنت الصهيوأمريكي؟ .. غزة هي مفتاح الحل
يمانيون../
في ظل تسارع التطورات التي تشهدها المنطقة والعالم، بفعل العدوان الصهيوأمريكي المُستمر على قطاع غزة، ومع اتساع رقعة النار إلى البحر الأحمر بما فيه العدوان الامريكي الهمجي على اليمن، وهو التصعيد الذي قد تكتوي بناره العديد من دول المنطقة، يبقى ايقاف العدوان على غزة هو الحل الوحيد للحيلولة دون اندلاع حرب إقليمية واسعة، قد تتسع لتصبح حرباً عالمية، وهذا ما يدعو إليه حكماء العالم، وترفضه أمريكا وكيان العدو الصهيوني؛ لانهما، على ما يبدو، خارج التوقيت الحضاري للإنسانية ويتخفون خلف أحلام تلمودية عقيمة.
ورغم اليقين الدولي بأن إيقاف العدوان على غزة هو “الوصفة الفورية” لإنهاء التوترات، فإن واشنطن و”تل أبيب” ترفضان الفكرة من أساسها، بحجة أنَّ وقف الحرب بغزة يصُب في مصلحة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” كمبرر عقيم وشماعة صفراء في محاولة للهروب من المسؤولية، على الرغم من أن اتساع الحرب يمُثل تهديداً مباشراً لمصالح واشنطن وحلفائها؛ لكن على ما يبدو أن مشروع “اسرائيل الكبرى” يبقى هدفا صهيونيا وأمريكيا واضحا.
وفي هذا السياق، يمثل العدوان على اليمن تصعيدا أمريكيا خطيراً على أمن المنطقة علاوة أن هذا التصعيد سيفشل وستبقى شوكة اليمن أقوى من همجيته، لكن هذا التصعيد من شأنه أن يُعيد تعريف الصراع على أساس إقليمي، وهذا فعلا ما أصبح الحال عليه، فاليمن عازم على مواصلة حصار ملاحة العدو الصهيوني، واستهداف البحرية الأمريكية والبريطانية المساندة له، ولن يتخلى عن مساندته لأبناء فلسطين في قضيتهم العادلة مهما كان الثمن كموقف اسلامي انساني أخلاقي.
ورداً على التصعيد الأمريكي، جددت العديد من دول العالم، تأكيدها أن الحل الوحيد لإنهاء التوترات يتمثل في إيقاف العدوان على غزة، وانسحاب جيش العدو الصهيوني من القطاع بالكامل ومحاسبته على جرائمه، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة وكيان العدو بشكل قاطع باعتبارهما مجرما حرب.
ودائمًا ما يكرر رئيس الوزراء الصهيوني مجرم الحرب، بنيامين نتنياهو، حديثه عن أهدافه من الحرب، والتي يلخصها بإطلاق سراح الأسرى وإجبار المقاومة على إلقاء سلاحها ونفي قادتها للخارج، وتهجير باقي سكان القطاع تنفيذا لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ وهي أهداف تستهدف في حقيقتها القضاء على ما تبقى من المقاومة وتهجير ما تبقى من السكان وتمدد “اسرائيل الكبرى”؛ فكيف لمحتل بربري أن يطلب من أبناء الأرض إلقاء أسلحتهم وترك أرضهم والهجرة من بلدهم وتركها لقطعان من المجرمين المحتلين؟!
وتأكيداً على أن التوترات الإقليمية ليست في حقيقتها سوى امتداد للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، يؤكد مراقبون أن حماية أمن البحر الأحمر تبدأ بحل أزمات المنطقة، وأولها القضية الفلسطينية وإزالة الاحتلال الصهيوني.. وأن الطريق إلى أمن البحر الأحمر يبدأ بوقف العدوان على غزة، وإلزام العدو الصهيوني بمبادئ القانون الدولي ومعاقبته على جرائمه ضد الإنسانية وحرب الإبادة الجماعية التي ينفذها بدعم أمريكي مطلق منذ أكثر من 17 شهرا على امتداد القطاع، علاوة على ما يمارسه من جرائم موازية في الضفة الغربية والقدس، وقبل كل ذلك انهاء الاحتلال؛ مالم فالمقاومة قادرة على اجباره على ترك الأرض والرحيل بعصاه.