مقابر مؤقتة وجثث مجهولة.. الوجه الآخر لحرب السودان
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
الخرطوم- امتحنت الحرب التي أغلقت عامها الأول غالبية السودانيين في أعز ما يملكون (أحبابهم)، وبأحوال صار معها التشييع للمقابر غير متاح، مرة بسبب المعارك ومرات ضمن تدابير عقابية خاصة في مواقع سيطرة قوات الدعم السريع، مما جعل المقابر المؤقتة ظاهرة منتشرة.
وبسبب الحرب لم يعد هناك من سبيل للدفن في المقابر المعلومة كالسابق، فقد أقيمت أخرى جديدة ومؤقتة لتمنح الموتى الذين يغادرون ضمن خسائر الحرب من المدنيين وسكان الأحياء، رقدتهم الأخيرة دون التعرض لمخاطر تشييع الجنازات، وكأن الحرب قررت أن تقتلهم مرتين.
أصبحت إقامة مراسم الدفن عملية معقدة، بعد أن كانت تتم للسكان في مقابر الأجداد بالجمرية أو البكري أو حمد النيل، بالنسبة لسكان أم درمان، أو مقابر الفاروق والرميلة وبري لسكان جنوب الخرطوم وشرقها ووسطها، أو مقابر البنداري لشرق النيل والحاج يوسف، أو شمبات لأهل بحري.
ويقول المواطن محمد أحمد عيسى للجزيرة نت إن الموتى يُدفنون بمناطق أمبدة في مدرسة الحميراء الأساسية للبنات، موضحا أن الفضاء الطرفي بالمدرسة امتلأ فانتقلوا إلى آخر خلف مسرح النشاط، فيما أقيمت مقبرة أخرى إلى جوار شارع إسفلت رئيسي قبالة الحارة السابعة تسمى مقابر الهضبة المؤقتة بجوار المدرسة النموذجية قبالة الحارة الثانية.
ولا يملك عيسى تصورا حول مستقبل تلك المدافن لكنه أوضح أن كثيرا من أقارب المتوفين يلجؤون لها في ظل ظروف الحرب ومخاطرها، واستعرض حادثة محاولة تشييع جثمان إلى مقابر الجمرية بالقرب من السوق الشعبي حيث تعرض موكب التشييع لإطلاق نار من قناصة عاد بسببها المشيعون بـ3 جثث من حاملي الجنازة ليُدفنوا معا.
مقابر منزليةوبعد أن تحسنت الأحوال قليلا وتيسر الانتقال خاصة في أم درمان القديمة ومساحات من شرقها وغربها بعد التطور الميداني بتراجع قوات الدعم السريع أمام الجيش السوداني، كشفت جولة ميدانية للجزيرة نت عن وجود حالات دفن في بعض المنازل الخالية والميادين والشوارع ومحطات المياه، مثلما اكتشفه عمال في محطة مياه أمبدة الحارة الثانية وكما حدث بالحارة الخامسة.
وكشف مواطن تحدث للجزيرة نت عن أن سكان المنطقة لاحظوا انبعاث روائح كريهة فاكتشفوا وجود جثة متحللة، مضيفا أن غالبية الجثث التي تُكتشف تعود لأشخاص من غير سكان الحي.
ورجح أن يكونوا من بعض ضحايا قوات الدعم السريع سواء من المقاتلين أو من بعض الذين تختطفهم تلك القوات وتخضعهم لعمليات استجواب وتحرٍّ، حيث شهدت المنطقة سابقا انتشارا لها واستغلالها بعض المنازل التي غادرها سكانها لبعض الأنشطة التي تتضمن إيواء جرحى في بعض الأحيان.
وأكد أنهم كانوا يضطرون كمواطنين لدفن بعض الجثث في موقع تحللها وأن أغلبها يصعب التعرف عليه ولا يتم العثور معها على أوراق ثبوتية لتحديد هويتها.
يبدي الخبير القانوني نبيل تاج السر قلقا كبيرا بشأن ترتيبات ما بعد الحرب حول المقابر المؤقتة، ويقول للجزيرة نت إن الذين دُفنوا بتلك المقابر -خاصة الذين قُتلوا بالرصاص أو بالقصف أو بأي سبب يتعلق بالحرب بغض النظر عن صفة الجهة الفاعلة- يجب أن يخضعوا لإجراءات حصر وتحديد الوقائع.
ويضيف أن هذا من صالح أهالي الضحايا خاصة مع الاتجاه العام داخليا وخارجيا لمحاسبة المتهمين، موضحا أنه من المرجح أن يطالب بعض الأهالي بنقل رفات ذويهم إلى المقابر المعروفة وفق الضوابط الشرعية والقانونية المعلومة.
وأشار تاج السر إلى إمكانية أن تتطلب الحاجة نقل بعض القبور المؤقتة من المدارس والأعيان المدنية والمنازل الخاصة بالمواطنين، مشيرا إلى أنه في السنوات الأخيرة سبق أن تكررت أعمال نبش ونقل جثث لمقابر أخرى.
ويضيف أن هناك قواعد صارمة بين النيابة والشرطة والطب الشرعي تنسق مثل هذه الأعمال، وأشار إلى جانب آخر يتعلق بالشق الخاص بالتكييف القانوني لبعض الحالات خاصة مع غياب الشرطة والنيابة "بسبب تعطيل قوات الدعم السريع أعمال تلك المؤسسات في المناطق البعيدة عن سيطرة الجيش والدولة".
ويرى الخبير أنه مفهوم ومقبول أن تتم حالات دفن مواطنين معلومين بواسطة أحبابهم باعتبارهم شهداء وقتلى حرب، لكن هذا يجب أن لا يُسقط أو يُقلل من أهمية إخضاع الأمر للقانون ولو لاحقا.
ونوه إلى أن ظروف السيولة التي أفرزتها الحرب، قد تحتمِل -في جانب الدفن غير النظامي للجثث- حالات مثل عثور مواطنين على جثة في مكان لا سلطات فيه، إلا أنها قد تتضمن حالات أخرى لشبهات استغلال البعض لظرف الحرب لارتكاب بعض الأحداث.
وأكد تاج السر ضرورة أن تنتبه السلطات لتنوير المواطنين بحالات الدفن التي تمت خاصة للأشخاص غير المعلومين للسكان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات قوات الدعم السریع للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
هل تقلل الأسواق المالية من خطورة الحرب التجارية التي أشعلها ترامب؟
تشير تقارير اقتصادية حديثة إلى أن الأسواق المالية قد تقلل من خطورة الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسط حالة من التفاؤل الحذر في أسواق وول ستريت.
ورغم أن المكسيك وكندا حصلتا على تأجيل لمدة شهر قبل فرض تعريفات بنسبة 25%، فإن هذه الهدنة قد تزيد من حالة التراخي وعدم الاستعداد لاحتمال اندلاع حرب تجارية شاملة، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال.
تفاؤل الأسواق وثقة مبالغ فيهاوعلى الرغم من المخاوف المتزايدة من حرب تجارية عالمية، فإن الأسواق المالية لم تشهد تقلبات حادة بعد إعلان ترامب عن تعريفاته الجديدة. فقد سجل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أمس الاثنين انخفاضا بنسبة 0.8%، في حين تراجع مؤشر الأسهم الأوروبية ستوكس 600 بنسبة 0.9%، لكن التأثير ظل محدودًا.
وتشير البيانات إلى أن أسهم الشركات المتأثرة مباشرة بالتعريفات، مثل فورد وجنرال موتورز -التي تصنّع سياراتها في المكسيك قبل بيعها في الولايات المتحدة-، لم تنخفض بشكل كبير، في حين استعاد الدولار الكندي والبيزو المكسيكي بعضا مما خسراه بعد الإعلان عن التأجيل.
ويقول التقرير إن المستثمرين في وول ستريت يرون في تهديدات ترامب مجرد تكتيكات تفاوضية لانتزاع تنازلات بشأن قضايا مثل الهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات، حيث أكد أحد المحللين أن "الأسواق لم تستوعب بعد التداعيات الحقيقية لهذه التعريفات".
ويرى خبراء الاقتصاد أن سياسات ترامب التجارية الحالية أكثر تطرفا بكثير من تلك التي فرضها خلال ولايته الأولى، حيث كان التركيز آنذاك على ممارسات التجارة غير العادلة والأمن القومي، مع فرض تعريفات على الصين وبعض القطاعات مثل الصلب والألمنيوم بجرعات تدريجية سمحت للشركات بالتكيف.
إعلانأما الآن، إذا رفضت الدول المستهدفة تقديم تنازلات، فقد تصل معدلات التعريفات الجمركية الأميركية إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاثينيات القرن الماضي، مما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة التضخم، فضلًا عن تعطيل سلاسل التوريد العالمية التي أثبتت جائحة كورونا هشاشتها بالفعل.
كندا ترد بقوة وسط إجماع سياسي نادرعلى الرغم من أزمتها السياسية الداخلية، فإن كندا استجابت للتهديدات الأميركية بتوحيد صفوفها، حيث أظهر التقرير أن هناك إجماعًا سياسيا غير مسبوق بين حكومة جاستن ترودو من يسار الوسط، ومعارضيه من اليمين المحافظ.
وقرر رئيس وزراء أونتاريو دوغ فورد، الذي كان يُنظر إليه سابقًا على أنه مقرب من ترامب، اتخاذ إجراءات انتقامية، مثل إزالة المشروبات الكحولية المصنعة في الولايات المتحدة من الأسواق المحلية، وإلغاء عقد الإنترنت العالي السرعة مع شركة "ستارلينك" التابعة لإيلون ماسك.
تداعيات على الأسواق العالميةوفقًا للتقرير، فإن المنتجين الأميركيين قد يواجهون تداعيات طويلة الأمد نتيجة هذه السياسة الحمائية، حيث قد يتحول المستهلكون في الدول المتضررة إلى بدائل محلية أو أوروبية.
ويضيف التقرير أن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي واجهت تحديات مماثلة، إذ أدى عدم اليقين بشأن المفاوضات التجارية الطويلة إلى تراجع الاستثمارات في قطاع الأعمال، وهو ما قد يتكرر مع الولايات المتحدة في حال تصاعد الحرب التجارية.
هل هناك فوائد اقتصادية محتملة؟يرى بعض الاقتصاديين أن التعريفات الجمركية قد تعود بفوائد على المدى الطويل إذا تم تطبيقها بشكل انتقائي لدعم الإنتاج المحلي، كما حدث في بعض الدول الآسيوية في القرن العشرين.
فعلى سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة فرض تعريفات لحماية صناعة السيارات الكهربائية كما فعلت الصين سابقًا، مما قد يعزز قدرتها التنافسية عالميًا. لكن في الوقت نفسه، يُحذر الخبراء من أن السياسات الحمائية الشاملة غالبًا ما تؤدي إلى نتائج عكسية كما حدث في أميركا اللاتينية في الخمسينيات والستينيات.
إعلان من "أميركا أولا" إلى "التعريفات أولا"؟تشير الصحيفة إلى أن سياسات ترامب التجارية تفتقر إلى رؤية اقتصادية واضحة، إذ إن فرض تعريفات واسعة النطاق دون أهداف محددة قد يؤدي إلى ركود صناعي بدلًا من تحفيز الاقتصاد.
ويضيف التقرير أن المستثمرين في الأسواق المالية قد يساهمون دون قصد في تصعيد الأزمة، إذ إن تجاهلهم للتداعيات المحتملة قد يشجع الإدارة الأميركية على اتخاذ خطوات أكثر تشددًا، مما يزيد من مخاطر حدوث أزمة تجارية عالمية.
ومع تصاعد الحمائية الاقتصادية الأميركية، يتزايد القلق من أن الأسواق المالية تقلل من خطورة الوضع وسط تفاؤل مفرط بأن التعريفات مجرد أداة تفاوضية.
لكن الواقع يشير إلى أن الحرب التجارية قد تتحول إلى أزمة حقيقية إذا لم تتمكن الدول المتضررة من إيجاد بدائل، مما قد يؤدي إلى موجة من عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي.
ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الأسواق التكيف مع عالم تقوده سياسة "التعريفات أولا"؟