17/ 2/ 2024م.. غرّد الصديق صهيب القصابي على منصة «x» قائلا: (يقول أحد الأطفال: لماذا لا يتدخل الله فيوقف الحرب على غزة؟)، وأحال السؤال إليّ وإلى غيري، وهو سؤال لا يمكن الجواب عليه بعبارة مقتضبة؛ لأنه سؤال وجودي عن القدرة الإلهية، وبالأحرى؛ هو السؤال الأزلي عن القدر. وإن كان القصابي تلقاه من طفل؛ فقد سمعناه مرارا، وطرحه مفكرون وفلاسفة ورجال دين، فهو ليس سؤال الأطفال بقدر ما هو «سؤال العقل الطفولي»، إنه سؤال: الطفل الذي جال في ذهنه، ومَن طرحه على المنصة، ونحن الذين قرأناه، وسؤال الفلاسفة ومُنظرّي الفكر ومؤصلي المعتقدات الدينية.
والسؤال الذي ينبغي طرحه: هل وُجِد جواب لسؤال القدر؟
كثيرة هي الأسئلة التي تواجه الإنسان في مسير حياته ولا يجد لها أجوبة، ورغم ذلك؛ فهو غالبا لا يستنكف عن الإجابة، لاسيما إن كان السؤال متعلقا بمعتقداته، وأحيانا يخجل من الاعتراف بعدم المعرفة فيجيب ليصد وصمة الجهل عنه. إن على الإنسان الاعتراف بعدم امتلاكه الأجوبة، خاصةً إن كان السؤال وجوديا، أو لم يحن الجواب عليه، ولا ضير في ذلك، فالعلم والجهل صفتان طبيعيتان متلازمتان في الإنسان، لا يحملان وصفا بالسلب أو الإيجاب، إلا من حيث سياقهما، فإن كان الجهل بما يلزم الإنسان معرفته والجواب عليه متوفرا فهو منقصة، كمَن يجد الوسيلة لتعلم القراءة والكتابة فيعرض عنها. أو العلم مثلا بخصوصيات الناس من دون مسوّغ أخلاقي؛ فكذلك هذا العلم منقصة.
هناك أسئلة.. يصل الإنسان إلى جوابها بنموه العقلي من الطفولة إلى الرشد، أو بتدرجه المعرفي في سلّم القراءة والبحث والحوار، ولكن يبقى «العقل الطفولي» يلازمنا حتى نودّع الحياة؛ فهي أكبر من أن نجيب على كل أسئلتها، بل هناك أسئلة تنحتها الحياة ولا تمكّن العقل من الجواب عليها. وهنا يأتي دور الدين، عندما يحيل جوابها إلى الله: بأنه على كل شيء قدير، ويفعل ما يريد. والله.. يعلم بأن هذا الجواب لن يسد التساؤل لدى جميع البشر، ولذلك؛ قصَّ القرآن قصص التساؤل العقلي والحوار الوجودي كقصة آدم وإبليس والملائكة، وقصة إبراهيم مع نفسه وقومه، وقصة موسى مع بني إسرائيل، وقرر حقيقة: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا) «الكهف:54»، وسيظل الإنسان يتساءل ويجادل حتى بعدما يتبيّن له الحق، فهما سمة عقلية فيه: (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ) «الأنفال:6».
ذات يوم.. كنت وأسرتي نشاهد التلفاز عند رفع الأذان، وعندما سمع طفلي الداعيَ يبتهل إلى الله بأسمائه الحسنى قائلا: (الجبّار المتكبّر)، قفز وأغلق التلفاز؛ فسألته: لماذا؟ قال بعقله الطفولي: هذا كافر يقول عن الله بأنه جبّار متكبّر. من الصعوبة أن تجيب على تساؤل عقل طري خلو من المقدمات المعرفية والعقلية، فكان عليّ أن أجيبه من منطقة فهمه باستعمال مصطلح «الكفر»، فقلت له: الله جبّار ومتكبّر على الكفار. بدا لي أنه اقتنع، فهو لم يعد يُغلِق التلفاز عندما يحضر الابتهال.
ذلك الحوار الطفولي.. أوقفني في عقبة من التساؤل، وما أدراك ما هذه العقبة، إذ لم أجد نفسي قادرا على اقتحامها دون إعادة التفكير في الموضوع، فكان عليّ أن أنزل إلى مبادئ الفهم الأولى، فجوابي الذي أقنع طفلي مقنع لكثير من المسلمين على طول تأريخهم.. بل مقنع للملايين من كل دين، لكنه قدح في ذهني أسئلة لازمتني طويلا، من مثل: مَن «الكافر» الذي يستحق أن يواجهه الله العظيم بجبروته وكبريائه؟ وهل «الكفر» ما نفهمه من الكتب المنزلة، أم ما قرره علم الكلام، أم أحكام أهل الفقه، أم آراء ذوي النزعة الإنسانية، أم تأويلات المفسرين الذين يعيدون إنتاج معاني النصوص تحت ضغط واقعهم؟ ومهما يكن الجواب فإن «سؤال القدر» يواجهنا دائما: هل كَفَر الإنسان بإرادته دون علم الله وإرادته؟ وإن كان بعلم الله وإرادته.. فلماذا ينزل عليه عقابه؟ فضلا عن نزول المحن بالمؤمن!
إن كان المسلمون على حق.. فلماذا لا ينتصرون على عدوهم؟ لماذا لا يؤيدهم الله بنصره؟ يجيب الله قائلا: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) «البقرة:154-157»، إذاً؛ ما نراه يقع في المسلمين من قتل هو الظاهر فقط، أما هم فأحياء عند ربهم يرزقون، وكل ما يقع عليهم هو للابتلاء فحسب. ولأن الله يعلم بأن هناك جانبا سُننيا على الناس القيام به قال: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) «الأنفال:60»، وهذا أيضا «حل فلسفي» لمن يريد أن يربط بين العمل والتسليم؛ وقد ركّز القرآن عليه كثيرا.
والإنسان.. بجدله المفطور يواصل قائلا: لماذا لا يكون ما يقوم به العدو دليلا على أنه على الحق، وأن المسلمين على باطل؟ يأتي جواب القرآن.. بأن معادلة النصر والهزيمة لا تصلح لإثبات الحق لهذا أو ذاك، فهي من المداولة بين الناس: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) «آل عمران:140».
ويظل التساؤل قائما: لماذا لا يكف اللهُ الناسَ عن أذى بعضهم بعضا؟ لماذا يتقاتلون؟ لم يسكت القرآن عن الجواب، فبيّن أن هذه هي طبيعة الإنسان، وإنما عليه أن يستند إلى العلم الذي هو أثر من روح الله فينا: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) «البقرة:30-33».
هذه أسئلة.. لم تجرِ في ذهني وحده، بل جرت في أذهان عموم البشر، لا أنكر أن هناك ردا حاضرا -غالبا- للجمِ مَن يتساءل بذلك: أيها الإنسان محدود الفهم.. الزم غرزك، فليس لك أن تتساءل فيما أثبته الله في كتبه، فهو لا معقّب لحكمه. ولكن الإنسان لا يملك الكف عن التساؤل؛ فنحن في الدم أبناء آدم، وفي الدين أبناء إبراهيم.
الإنسان.. أعمق من أن تُسبَر كينونته بأداة علمية أو فلسفية أو دينية، ولا يوجد جواب واحد على أسئلته ذات الشُّعَب من الفضول والطموح والأمل والألم والخير والشر. والأجوبة.. على الأسئلة الوجودية لا تنبلج دفعة واحدة، وإنما تنمو بنمو مدارك النوع الإنساني على الأرض، ولا يزال الإنسان في بداية علمه، وجهله محيط هادر بالأسئلة، علينا أن نسلّم بأننا «أطفال في أرض الله»، وقبل أن نجيب إجابةً حاسمةً على أسئلة أبنائنا؛ علينا أن نؤهل أنفسنا بالتدرج في فهم الحياة، وأن السؤال بذاته مطلب عقلي ونفسي ولو لم يحصل جوابٌ عليه. ثم علينا أن نعلّم أطفالنا بأن هناك أسئلة لم يستطع الإنسان أن يجيب عنها.
وصفوة القول.. إن عدم حضور الأجوبة باب واسع قد نبصر منه الوجود بأفق لا نراه من خلال نوافذ الأجوبة الضيقة.
خميس العدوي كاتب عماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين»
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
كيفية حفظ القرآن الكريم ؟ طريقة سهلة مش هتنساه تاني
يسعى الملايين من المسلمين حول العالم إلى حفظ القرآن الكريم رغبة في التقرب لله سبحانه وتعالى وعملاً بسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن الغالبية تواجه صعوبة في كيفية حفظ القرآن بسهولة؛ وهناك من يشتكي ويعاني من نسيان القرآن بعدما حفظوه ويتسألون ماذا نفعل حتى نحفظ القرآن بطريقة سهلة بدون نسيانه؟، موقع صدى البلد يقدم لكم طريقة سهلة لحفظ القرآن دون نسيانه
طريقة سهلة لحفظ القرآن دون نسيانه- وجود النية الصادقة من أجل حفظ القرآن الكريم، وأن تكون الغاية من حفظ القرآن الكريم هي نيل رضا الله عزّ وجلّ، كما أن يتمّ تسخير العقل والرّوح من أجل حفظ القرآن، ومحاولة الابتعاد عن الأمور التي تشغل الإنسان عن حفظ القرآن الكريم، والتي تسبب مضيعة للوقت.
- أن تتوافر لديك الإرادة والعزيمة على هذا الأمر، فيجب ألا تتكاسل، لأنّ الأمر سيكون مرهقًا في البداية، ولكن سرعان ما يسهله الله عليك.
- أن تقوم بتنظيم أمورك من خلال جدول تبيّن فيه السّاعات التي ستستغلها من أجل حفظ القرآن الكريم، كما يجب أن تقوم بالسّيطرة على نفسك من خلال عدد الصفحات التي ستنجزها اليوم في الحفظ .
- طلب العون من الله -عز وجل-، وذلك أثناء الصّلاة، وأنت بين يدي الله أن تسأله يد العون في مساعدتك على حفظ القرآن الكريم، وذلك من أجل الفوز بجنّاته ونيل رضاه، كما يتوجّب الإلحاح على الله في هذا الأمر من أجل أن يساعدك على ذلك.
- استغلال البكور، والبكور يعني أن يحفظ الإنسان القرآن في ساعات الفجر المبكّرة، حيث أنّ هذه السّاعات الأفضل لحفظ القرآن الكريم، والعقل والدّماغ يكونان في حالة نشاط كاملة، كما أنّ القرآن الكريم الذي يحفظه الإنسان في ساعات الفجر المبكرة يبقى لمدّة أطول في الذّاكرة.
- يجب أن تقوم بعمل مراجعة يوميّة لما حفظته خلال النّهار، وأن تكون هذه المراجعة في آخر النّهار بعد الانتهاء من الحفظ، كما أن تقوم بعمل مراجعة أسبوعيّة لما حفظته.
- أن يفهم الإنسان ما يقرأه؛ فالحفظ لا يعني التلقين وحسب، بل يجب أن يتدارس معاني الآيات من أجل حفظها، وهذا الأمر يسهّل الحفظ على الإنسان.
- حاول أن تقرأ ما قمت بحفظه خلال صلاتك، وبهذه الطريقة سوف تحافظ على ما حفظته، وتتأكّد أنّك لم تنسى الآيات التي حفظتها، كما أنّها طريقة جيدة جدًا من أجل مراجعة ما حفظته.
- حفظ صفحةٍ واحدةٍ من القرآن الكريم يوميًا، مع قراءة الجزء الذي يلي الجزء الذي يحفظ منه بالنظر إلى المصحف، فلو بدأ المسلم حفظ جزء عمّ، فإنّه يحفظ في اليوم الأول الصفحة الأولى منه، بالإضافة إلى قراءة جزء تبارك كاملًا، وبما أنّ كلّ جزءٍ في القرآن الكريم يحتوي على عشرين صفحةً فإنه بذلك سيقرأ جزء تبارك عشرين مرة خلال فترة حفظه لجزء عمّ، ممّا يجعله سهلًا عليه في الحفظ، وهكذا يفعل في كلّ جزء من القرآن الكريم.
- تستغرق قراءة الجزء الواحد من القرآن الكريم قرابة النصف ساعة، فيُمكن للحافظ أن يقسّم الجزء الذي يريد قراءته إلى جزئين، فيقرأ نصفه في الصباح، ونصفه الآخر في المساء.
- يمكن استبدال قراءة الجزء بسماعه، والأفضل أن يقرأه المسلم يومًا ويسمعه يومًا، و يمكن للمسلم إن كان وقته ضيقًا أو كان بطيئًا في الحفظ أو غير ذلك أن يحفظ نصف صفحةٍ في اليوم بدلًا من صفحةٍ كاملةٍ، وبذلك يقرأ نصف جزءٍ في اليوم أيضًا لا جزءًا كاملًا.
- ويمكنه أن يجعل يومًا في الأسبوع للمراجعة فقط دون الحفظ.