ما تمر به سلطنة عُمان من تقلبات في الأنواء المناخية بين فترة وأخرى ممثلة في هطول الأمطار ليس استثناءً، بل إنه يمثل تغيُّرا في تركيبة المناخ التي تمر بها دول الشرق الأوسط ودول الخليج منذ قرابة 6 سنوات، حيث تلاحقت الأعاصير على سلطنة عُمان من جهتي بحر العرب جنوبا وشرقا وهي المنطقة المفتوحة على المحيط الهندي، بدءا من جونو وفيت ومكونو وشاهين وغيرها.
وكان المفهوم السائد لدينا «أن المطر حالة استثنائية» نظرا لموقع هذا الإقليم في المنطقة الحارة والجافة وقليلة الأمطار، لكن هذا المفهوم بدأ يتغيّر لدى الكثير من العلماء والمهتمين بأحوال الطقس وأصبحت الأعاصير والأمطار نتيجة التقلبات المناخية أمرا أقرب منه للواقع.
ذلك يعني أن التعامل مع الحالات المناخية يترتب عليه وعي أكبر من السابق ولم تعد الحالة استثنائية بل جزء من المعايشة اليومية، خاصة أن تقدم العلم يعطي فرصة أكبر لمعرفة أضرار تلك الأحوال على كامل مساحة سلطنة عمان، لكن تلك التوقعات الاستباقية في بعض الأحيان يشوبها عدم الدقة على ضوء المعطيات الحسابية ومعرفة الواقع، وهذا أيضا استثناء لا يعني أنها تنطبق على كل الحالات.
اليومان الماضيان تعرضنا فيهما لحالة ماطرة في شمال البلاد وزهقت نتيجة عدم التقديرات الدقيقة أرواح عدد من طلبة المدارس الأبرياء. وهذا لا يعود لسبب مباشر بل لأسباب شاركت فيها أطراف عدة لعل أبرزها وعي هذه الأطراف بخطورة الحالة، التي ما زالت لدى البعض لا تعدو كونها حالة ماطرة عادية وتمر بينما هي مخالفة لذلك المفهوم.
الوعي الذي نحتاج له -بما أننا نتعرّض لمثل هذه الحالات باستمرار- هو مبدأ السلامة كسلوك وممارسة، ليس على الطلبة فقط بل ولمستخدمي الطرق والموظفين في جميع المؤسسات، وعبور مجاري الأودية؛ فـ«العنتريات» لا تُجدي مع قوة التيارات المائية المندفعة، والحرص على عدم خروج الأطفال والنساء خارج المنازل والبقاء في الأماكن الآمنة حتى عبور الحالة، واختيار أماكن السكنى بعيدا عن مسارات الأودية وكذا إقامة منشآت المؤسسات التعليمية والخدمية، والحرص على الابتعاد عن الأماكن التي قد تسبب كارثة إنسانية وذلك من خلال شروط رفع مستوى المباني.
من المهم إعادة صياغة مفهوم الوعي لدى الفرد والمؤسسة خلال المرحلة المقبلة، وغرس ذلك كمبدأ في الناشئة ومقدمي الخدمات للجمهور والتركيز على أن السلامة لا للمساومة فيها ولا تساوي شيئا أمام احتياجات الإنسان الآنية، ولا يمكن مفاضلتها بين المصالح لأنها أساس بقاء الإنسان على قيد الحياة، يعمّر في هذا الوطن ويشارك في الحضارة الإنسانية.
سالم الجهوري كاتب صحفي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
السودان: الأمل الضائع في مواجهة الأزمات المستمرة والحروب المتجددة
بقلم: د. إبراهيم عمر(صاروخ)
منذ الاستقلال، واجه السودان سلسلة من الأزمات السياسية المتلاحقة والحروب الداخلية المستمرة، مما أعاق قدراته على تحقيق الاستقرار والنمو والتنمية. شهدت الأوضاع السياسية والأمنية تقلبات كبيرة، ما بين انقلابات عسكرية وثورات شعبية وحروب أهلية وقبلية. أدت هذه الأزمات والمشكلات إلى استمرار حالة دائمة من التشظي السياسي، وتفتيت النسيج الاجتماعي، والاستقطاب الإثني والجهوي، مما حال دون تحقيق الوحدة القومية والتكامل السياسي.
رغم الجهود المضنية والمتكررة للوصول إلى تسوية سياسية سلمية، وجد السودان نفسه في دوامة جديدة من الحروب الدموية والصراعات المميتة والفوضى العارمة. وفي ظل الأحداث المأساوية والمتسارعة، تزايدت المخاوف لدى السودانيين من مستقبل قاتم وغير آمن. يتجلى ذلك بشكل خاص مع إصرار مليشيا الدعم السريع والأطراف المتحالفة معها على تشكيل حكومة موازية. في المقابل، تصر القيادة العسكرية والمجموعات المتحالفة معها على أن لا مجال لوقف الحرب أو إجراء أي حوار بشأن الأزمة الجارية إلا بتحقيق النصر على الخصم أو الاستسلام.
هذا التموضع والتمترس يشيران إلى أن هدف طرفي الحرب هو تحقيق مكاسب خاصة بعيداً عن مصلحة الوطن والمواطن، مما يزيد من معاناة الشعب السوداني ويهدد وحدة البلاد ومصيرها. إن الإصرار على استمرار الحرب بلا هوادة يطرح تساؤلات ملحة حول كيفية الخروج من هذه الأزمة المركبة والنفق المظلم. فمن الواضح أن استمرار هذه الحرب الكارثية سيهدد مستقبل كيان الدولة السودانية وشعبه.
تحت وطأة هذا التعنت واللامبالاة، يتعرض المواطنون يومياً لانتهاكات جسيمة في حقوقهم بالنهب والسلب، بما في ذلك القتل الممنهج والدمار الشامل. للخروج من هذه الورطة، يتطلب الوضع تفكيراً جاداً مدعوماً بإرادة وطنية حقيقية لإيجاد حلول جذرية ودائمة للأزمة القائمة. إن العمل من أجل إنهاء الحرب يحتاج إلى أكثر من مجرد اتفاقات وتحالفات مرحلية وسطحية غير المجدية؛ بل يستوجب الأمر تقديم تنازلات من أجل مصلحة البلاد وشعبها.
من حق الشعب السوداني أن يعيش حياة مطمئنة وآمنة وكريمة، خالية من العنف والتنكيل والقتل والدمار. لتحقيق هذا الهدف، يجب على جميع فئات الشعب على مختلف توجهاتهم أن تتكاتف وتضع مصلحة الوطن فوق أي مصالح شخصية، حزبية، طائفية، قبلية وجهوية. إن الوضع الراهن لا يحتمل التأخير، بل يتطلب تحركاً عاجلاً وعملاً دؤوبا وجاداً للوصول إلى سلام شامل ومستدام ينهي مسلسل الحروب ومعاناتها.
رغم الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة الماثلة أمام الجميع، يبقى الأمل قائماً في الوصول إلى السلام الشامل المستدام. ولكن هذا الأمل يتطلب دفع جهوداً مشتركة وتنازلات وحواراً مستمراً لتجاوز هذه المراحل الحرجة من تاريخ بلادنا الحبيبة. إن المستقبل الأفضل الذي يتمناه الجميع يتطلب من الجميع تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والوطنية والإنسانية والمساهمة الفعالة من أجل أن يكون السودان حراً، مستقراً، مزدهراً وموحداً أرضاً وشعباً.
ibrahimsarokh@gmail.com