دور المجتمع في علاج قضاياه
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
د. صالح الفهدي
تساءلتُ في نفسي: ما الذي يمنعُ المجتمع أَن يُعالجَ القضايا التي ترقى إلى ظواهرَ فيه، أو تلك الطارئةُ على وسْطِهِ؟! لَمْ أجدْ مانعًا لذلك حين تكون المبادرة حاضرة من لدن فردٍ أو جماعةٍ منه؛ إذ لا يمكن أن يتحجَّج بالمكانِ؛ فالمسجدُ والجامعُ والمجلسُ كلُّها حاضرة، وقادرة على استيعاب اجتماعاته.
إنني أجدُ أنَّ مبادرات المجتمع لعلاج ظواهرَ فيه أمرًا أساسيًا، فهي تنمُّ عن سعةِ إدراك المجتمع بمسؤوليته أفرادًا وجماعات، وهي تشيرُ إلى اضطلاعه بما يهم المصلحة الوطنية العامَّة من خلال معالجاته لقضاياه.
فلنتصوَّر أن مجتمعَ قريةٍ من القرى أو ولايةٍ من الولايات أو محافظةٍ من المحافظات بحضورٍ من الرُّشداءِ والشيوخ والولاة والمحافظين فيها قد اجتمعوا على مناقشةِ قضيَّة ارتفاعِ معدَّلات الطلاق وآثارها على المجتمع، أو لمناقشةِ الإشكاليات المترتبة على الزواجِ من مهور وتبعات، وتأثيراتها على المجتمع، ثم يخرجُ ذلك الاجتماع بقراراتٍ أو توصياتٍ لأفرادِ المجتمع المحدودِ، سيكون لهذه المبادرة صداها وأثرها على المجتمع نفسه، وعلى سائر المناطقِ والولايات التي ستمضي على نهج المجتمع المبادر في ما يصدرُ من قراراتٍ، وقضايا.
ما الذي ينتظرهُ المجتمع لكي يُعالج قضايا قد أصبحتَ ظواهرَ دخيلةٍ فيه، أو سلوكياتٍ غير سويَّةٍ قد تفشَّت، أو أخلاقيات غير حميدةٍ قد تكاثرت؟! هل ينتظرُ أن تستفحلَ، أم يتركَ الأمر لما تفعلهُ المؤسسات الحكومية، أم ينتظر الوعَّاظَ أو المرشدين، أو المسؤولين؟! إنَّ المجتمعَ بهذه الرؤية إنَّما يعبَّرُ عن عدم اكتراثهِ لما يهدِّد كيانهُ من أخطار، وما يشوب هُويتهُ من خلل، فيقابل ذلك بالتراخي والكسل، انتظارًا للمعالجةِ التي قد تأتي متأخرةً أو لا تأتي!
أمَّا إنْ تحرَّك المجتمع فبدأ يناقشُ قضاياه في مجتمعهِ صغيرًا كانَ ذلك المجتمع أم كبيرًا فإنَّه سيشرك جميع أفراده في المسؤولية لعلاج المشكلة، انطلاقًا من تصوِّره للأبعاد المختلفة لكل مشكلة، وانتهاءً إلى ما يجب على الجميع اتخاذه من إجراءات تعملُ على ردع كل ظاهرةٍ تتهدَّدُ التماسك الاجتماعي، أو تتقصَّدُ إفسادَ الأخلاق، أو ترمي إلى تفكِّكُ عُرى المجتمع.
لقد كان دور "السبلة العُمانية" رائدًا في حلِّ الإشكاليات الاجتماعية؛ حيثُ يجتمع المجتمع القروي فيها ليناقشوا كل ما يتعلَّقُ بالقرية من شؤونٍ وقضايا، أذكرُ هُنا حين كنَّا صغارًا أن خلافًا قد وقع بين مدير المدرسة التي كُنا ندرسُ فيها وبين مجموعة من الطلبةِ وكنَّا في أعمارِ الطفولةِ حيث عقد مجتمع القرية اجتماعًا طُلبَ فيه المدير وكان من جنسية عربيةٍ، يرافقهُ أحد المعلمين العُمانيين، وطُرحت حيثيات القضية أمام مجتمع القرية، واستُمع فيها للطلبة وللمدير فحُلِّت الإشكالية بمجموعةٍ من التوصيات للجانبين.
اليوم.. ليس من مانع أمام المجتمع أن يناقشَ قضاياه على اتساعها، فيدخلُ في هذه الاجتماعات ممثلون عن لجان التوفيق والمصالحة، ومجالس الآباءِ والأُمهات، ولجان الزكاة، والجمعيات والفرق الخيرية، والمختصين وغيرهم من ممثلي كيانات المجتمع، ليُستمع إلى وجهات نظرهم في القضايا المطروحة على بساط التحاور والنقاش.
إنَّ من الأسباب التي تُعزى لها المشكلات هي ما اعترى المجتمع من تغيُّرات سريعة مقابل ضعف الترابط بين فئات المجتمع، وغياب رقابة المجتمع، وعدم مبادرة المجتمع لحلِّ مشكلاته الاجتماعية، ولو أنَّ المجتمع قد بسَطَ أمامه قضايا لها تأثيراتها على كيانه لاستطاع أن يحلَّ الكثير من القضايا الاجتماعية المزمنة ومن ذلك ما يتعلَّقُ بالزواج من مهور ومظاهر ومتطلبات، وكيفية حل ارتفاع نسب الطلاق، والشكاوي الكيدية، والخلافات الاجتماعية، والإشكالات التربوية، فإِنْ بادَرَ المجتمع بإخلاصٍ وصدقٍ وعزمٍ فإنَّ آثار ذلك ستبينُ في جملةِ أُمور:
أولًا: ستقوي مبادرة المجتمع في لقاءاته لحمتهُ الاجتماعية، التي هي بحاجةٍ إلى التعاضد والتآزر فـ "المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا" رواه البخاري، وأذكرُ هُنا مبادرة أهل محافظة ظفار في جمعهم لنصف مليون ريال عُماني لفكِّ كربةٍ إثنان من أبناء المحافظة سُجنا بسبب تعسُّر وفائهما بدينٍ إثرِ تراكم الديون عليهما، وهو ما يعزِّزُ التآزر والتلاحم بين أفراد المجتمع لحلِّ قضيَّةٍ من قضاياه.
ثانيًا: يرسِّخ المجتمع الشعور بالمسؤولية في نفوس الجميع لمواجهة الإشكاليات التي يتعرَّضَ لها ذلك المجتمع، وأنَّ عليه أن يواجهها بروحٍ من المسؤولية والواجب الوطني حتى يقضي على أسبابها.
ثالثًا: سيكون لهذه المبادرات الاجتماعية أثرها في القضاء على الظواهر المستفحلة، والقضايا الطارئة التي إن تُركت ستعمُّ آثارها السلبية الجميع، ولن يسلم منها أحد، أما إن تصدَّى لها المجتمع فسيتم معالجتها بمختلف الوسائل.
ختامًا.. إنِّني أُشدِّدُ على الأهمية الكامنة في دور المجتمع لمعالجة قضاياه وإشكالياته وذلك لا يتمُّ إلا من خلال المبادرة الاجتماعية للاجتماعِ واللقاء والنقاشِ سعيًا للخروجِ بما يتوجَّب عمله إزاء ظاهرةٍ معينةٍ، أو مشكلةٍ عارضةٍ، ولسوف يجني المجتمع أَثر هذه المبادرة التي تؤشِّر على رُشد المجتمع ووعيه في وقوفه بروحٍ من المسؤولية أمام ما يتقصَّدُ إشاعة الخلل، وإفشاء العِلل في مكوِّناته بغيةَ تفكيكه وانحلاله.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة الاجتماعية على خلفية فقدان 60 في المائة وظائفهم
حذرت لجنة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، من تفاقم أزمة اجتماعية بسبب انعدام الأمن الاقتصادي، ومستويات التفاوت المذهلة، وتراجع الثقة الاجتماعية.
وبحسب تقرير للجنة، فإن « حوالي 60 في المائة من الناس على مستوى العالم يشعرون بالقلق من فقدان وظائفهم، وعدم قدرتهم على العثور على وظائف جديدة، في حين ما يزال الكثيرون على حافة الفقر بالرغم من المكاسب الكبيرة التي تحققت في هذا المجال ».
وأضاف المصدر ذاته، أنه في الوقت نفسه، يعيش 65 في المائة من سكان العالم في بلدان تشهد زيادة في تفاوت الدخل، ما يزال جزء كبير من إجمالي تفاوت الدخل يعزى إلى التفاوت على أساس خصائص مثل العرق والطائفة ومكان الميلاد والخلفية الأسرية.
وفي هذا السياق، أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن « التفاوت وانعدام الأمن والثقة أضحى يتفشى بشكل عميق في جميع أنحاء العالم، في حين تستمر الصدمات الاقتصادية والصراعات والكوارث المناخية في محو المكاسب التنموية التي تحققت بصعوبة ».
من جهته، أشار وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، » لي جونهوا »، إلى أن « التقرير يدعو إلى تقييم نهج السياسات، بالاضافة إلى أن الحفاظ على التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة يتطلب كسر الحلقة المفرغة المتمثلة في انعدام الأمن، وتدني الثقة وتقلص الحيز السياسي ».
ودعت اللجنة إلى اتخاذ إجراءات سياسية فورية وحاسمة لمعالجة هذه الاتجاهات المقلقة، مشيرة إلى أن مؤتمر القمة العالمي الثاني للتنمية الاجتماعية، المزمع انعقاده في العاصمة القطرية الدوحة، سيوفر منصة حاسمة للحكومات لتقييم التقدم المحرز واتخاذ إجراءات ملموسة للتصدي لهذه التحديات الاجتماعية الحرجة.
كلمات دلالية الأزمة الاجتماعية الامم المتحدة تقرير فقدان الشغل