تشو شيوان **

زار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الصين خلال الأيام الماضية، واجتمع بكل من الرئيس الصيني شي جين بينغ، ووزير الخارجية الصيني وانغ يي؛ الأمر الذي يجذب أنظار العالم خاصة في ظل زيارة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين إلى الصين في نفس الفترة، فلماذا اختار لافروف هذا الوقت للزيارة؟

سوف أحاول الإجابة على هذا التساؤل والحديث عن العلاقات الصينية الروسية انطلاقاً من زيارة لافروف هذه المرة.

في البداية يجب الإشارة إلى أن هذا العام يوافق الذكرى الـ75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وروسيا، ونجد أن هذه السنوات قد رسمت طريقًا جديدًا من التعايش المتناغم والمربح للجانبين، وكان لكلا البلدين تأثير قوي في السلم العالمي، وفيما يخص زيارة وزير الخارجية الروسي إلى الصين فإنها تمثل تقليدًا إيجابيًا منذ فترة طويلة؛ حيث إن لافروف زار الصين أكثر من عشرين مرة منذ توليه منصبه كوزير للخارجية الروسية، وقد زار عددًا من المدن الصينية إضافة إلى بكين، وكانت آخر زيارة قام بها في منتصف أكتوبر من العام الماضي، قبل انعقاد الدورة الثالثة من منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي. وفي ذلك الوقت، قال لافروف إن العلاقات الصينية الروسية حافظت على زخم إيجابي للتنمية، وأصبحت مبادرة الحزام والطريق منصة مهمة لتعزيز التعاون الدولي. ومن هنا لاحظنا أن زيارته الحالية أقل من 6 أشهر منذ زيارته الأخيرة، وأعتقد أن هناك سببين رئيسيين وراء هذه الزيارة.

أولًا: فوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بالانتخابات مرة أخرى، ومن المقرر أن يتولى منصبه في مايو المقبل لبدء ولايته الخامسة، فكيفية تعزيز التنمية المستدامة والصحية والمستقرة والعميقة لشراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا في العصر الجديد كانت محور زيارة لافروف هذه المرة. وبعد فوز بوتين بالانتخابات في مارس من هذا العام، قال إنه سيواصل تعزيز العلاقات بين روسيا والصين، مشيدًا بالعلاقات القوية والتكاملية بين البلدين باعتبارها عامل استقرار على الساحة العالمية. ومن جانبه، أرسل الرئيس شي على الفور رسالة لتهنئة بوتين على إعادة انتخابه؛ الأمر الذي يدل على الصداقة الوثيقة والثقة السياسية المتبادلة بين قادة البلدين. وعندما حضر بوتين اجتماعًا مع مختلف الأحزاب في البرلمان الشهر الماضي، صرح بأنَّه يدرس بجدية اقتراح جعل الصين أول دولة أجنبية يزورها في ولايته الجديدة، وفي هذا الصدد، زيارة لافروف هذه ليست مستبعدة لتمهيد الطريق لزيارة بوتين المحتملة للصين في مايو القادم، ولإجراء التنسيق التمهيدي لها.

إنَّنا نعرف أن الدرجة العالية من الثقة السياسية المتبادلة، والالتزام المشترك بمبادئ المساواة والاحترام المتبادل، والمعارضة المشتركة للهيمنة هي من أسرار الحفاظ على علاقات طيبة بين بكين وموسكو. وعلى أساس المبادئ المذكورة أعلاه، فقد شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، حيث تجاوز حجم التجارة الثنائية 240 مليار دولار أمريكي في العام الماضي، مما أكمل الهدف المتوقع بشكل مبكر. وبالإضافة إلى ذلك ستتولى الصين الرئاسة الدورية لمنظمة شانغهاي للتعاون في النصف الثاني من العام، وستعقد قمة البريكس التي تستضيفها روسيا في كازان في أكتوبر، ومن المؤكد أن تغتنم الصين وروسيا هذه الفرص لتعزيز التعاون الشامل وإطلاق المزيد من الإمكانات.

ثانيًا: السبب الآخر لهذه الزيارة هو كيفية تعميق التنسيق الإستراتيجي لمواجهة التحديات الدولية في الوقت الراهن. وقد شهدنا الأزمة الأوكرانية المستمرة، وتنفيذ "استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ"، والأوضاع المتوترة في الشرق الأوسط. وخلال زيارة لافروف للصين، اجتذب موضوع الأزمة الأوكرانية اهتمامًا خاصًا من العالم الخارجي. نعرف أنَّ الصين نشرت مبادرة مؤلفة من 12 بندًا لتسوية الأزمة الأوكرانية العام الماضي، وقال لافروف الأسبوع الماضي إن المبادرة التي اقترحتها الصين هي الخطة الأكثر وضوحا ومعقولية حتى الآن. وذكرت وزارة الخارجية الصينية أن الصين تتمسك دائمًا بموقف موضوعي وعادل وتصر على تعزيز السلام والمحادثات لحل الأزمة. وتؤيد الصين عقد مؤتمر دولي للسلام في الوقت المناسب تعترف به روسيا وأوكرانيا، بمشاركة متساوية من قبل روسيا وأوكرانيا وجميع الأطراف لإجراء مناقشة جميع خطط السلام بشكل عادل. وعلاوة على ذلك، تواصل الولايات المتحدة وحلف الناتو توسيع نفوذها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ الأمر الذي يدفع بلدان آسيا والمحيط الهادئ إلى المواجهة العسكرية والسياسية، ويخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة. وتهدف زيارة لافروف إلى تعزيز التعاون مع العديد من الدول والآليات الإقليمية المتعددة الأطراف، وتوحيد المزيد من الجنوب العالمي، والاستجابة بشكل أفضل للتحديات الإقليمية والعالمية.

ويمكننا القول إنَّ العلاقات بين الصين وروسيا قد دخلت أفضل مرحلة تاريخية، كما قال الرئيس شي إن الصين تُولي دائمًا أهمية كبيرة لتنمية العلاقات مع روسيا، وإنها مستعدة لتعزيز التواصل الثنائي معها، وتعزيز التنسيق الاستراتيجي متعدد الأطراف في إطار مجموعة البريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون، وتعملان على إظهار المزيد من المسؤولية، وتوحيد دول الجنوب العالمي في ظل روح المساواة والانفتاح والشفافية والشمول، وتعزيز إصلاح نظام الحوكمة العالمية، وقيادة بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية بقوة.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

السفير محمد عرابي لـ صدى البلد: ما يحدث بالضفة الغربية لا يقل خطورة عن غزة

اختتمت أمس الأربعاء ندوة "مشروعات التهجير والقضية الفلسطينية" المنعقدة ضمن فعاليات مؤتمر “غزة ومستقبل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط” .

ما يحدث في الضفة الغربية لا يقل خطورة عن ما يحدث في غزة 

 في هذا الصدد قال السفير محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق ورئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، الأربعاء، لابد أن نعلم أن الأخطار الموجودة في الضفة الغربية لا تقل خطورة وقسوة عن ما يحدث في قطاع غزة وهذا يعني ان المخطط مستمر ودائم من الجانب الإسرائيلي في تصفية القضية الفلسطينية عن طريق تهجير أو دفع السكان الفلسطينيين حتى يتركوا منازلهم .

واضاف خلال تصريحات خاصة لــ"صدى البلد " يجب أن نعلم ان الأحداث في غزة تحدث ايضا في جنين وغيرها من من الأماكن في الضفة الغربية وبالتالي يجب أن نكون حريصين حرص شديد في التعامل مع الموقعين سواء الضفة الغربية او غزة ونتعامل معها بنفس الاهتمام والحماس .

وتابع: اما عن أوراق الضغط العربي على إسرائيل خاصة عند مصر ودول الخليج فهناك بالطبع أوراق ضغط وهي عندما يتحدث العرب بلغة واحدة وباستراتيجية واحدة  وبالتالي هذه  أداة الضغط ، كما ان التاريخ الحديث شاهد على ذلك عندما توحدت المواقف العربية كان هناك فعلا قبول لهذه المواقف من جانب دول العالم بأكمله.

جانب من الندوة كلمة السفير محمد العرابي خلال الندوة 

قال السفير محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق ورئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، الأربعاء، إن القضية الفلسطينية تتعرض لأكبر هجمة شهدتها في تاريخها منذ عام 1948، لافتًا إلى إنه في الوقت الحالي نشهد مرحلة تفكيك القضية الفلسطينية وإعادة تركيبها مرة أخرى بمفاهيم شاذة بعيدة عن تطلعات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وغيرها من الدول المهتمة بالسلام، ولا تعبر عن النظام العالمي الذي نتمسك به في ظل القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والأعراف الدولية، مشيرًا إلى أن الموقف المصري كان حاسمًا وصارمًا منذ 8 أكتوبر 2023 برفض تهجير الشعب الفلسطيني سواء من قطاع غزة أو الضفة الغربية.

وكان قد أعرب «العرابي» في كلمته الافتتاحية، خلال مؤتمر «غزة ومستقبل السلام والاستقرار في الشـرق الأوسـط»، امس الأربعاء، عن سعادته بهذا الجهد المشترك بين المركز المصري للفكر والدراسات لاستراتيجية والمجلس المصري للشؤون الخارجية، قائلا إن التعاون بين المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية والمجلس المصري للشؤون الخارجية جاء في محله، وفي التوقيت الحاسم لكي تعبر مؤسسات المجتمع المدني عن موقفها كانعكاس لإرادة الشعب المصري الذي قرر وعزم على مساندة القضية الفلسطينية.

وأكد «العرابي» أن الرؤية المصرية للتنمية تقوم على 3 أعمدة، هي السلام والاستقرار والتنمية، وما يجري في الإقليم الآن هو عبث بقدرات الإقليم وبما يعوق قدرته على تحقيق التنمية ويساعد شعوبها على أن تحيا حياة بها قدر من الرفاهية، موضحًا أننا في مرحلة تفكيك القضية الفلسطينية وإعادة تركيبها مرة أخرى بمفاهيم شاذة بعيدة عن تطلعات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وغيرها من الدول المهتمة بالسلام، ولا تعبر عن النظام العالمي الذي نتمسك به في ظل القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والأعراف الدولية.

وتابع: «يجب أن ننظر إلى ما يجري في الضفة الغربية، فهو في نفس خطورة الأوضاع المتفاقمة في قطاع غزة، ويبدو أن إسرائيل خرجت عن محددات الإقليم بطريقة من الصعوبة قبولها في هذا الإقليم، ويجب أن نؤكد على الأفكار الخاصة بالسلام وإقامة الدولة الفلسطينية، فهو مطلب مشروع يعالج الأمور من جذورها».

وواصل السفير محمد العرابي، أن المؤتمر يمثل بداية لأفكار سريعة وحاسمة تتوافق مع المخططات المصرية في موضوع إعادة إعمار غزة بكامله وبسواعد الفلسطينيين وبدعم عربي ودولي، ومن المؤكد أن الرأي العام في مصر والعالم العربي يتطلع لنتائج هذا المؤتمر الذي يقام توقيت حاسم؛ إذ إنه من المهم أن يكون هناك رأي لمنظمات المجتمع المدني، وهو شاهد على إرادة مصرية حقيقية لدعم القضية الفلسطينية.

مؤتمر غزة ومستقبل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط

واستهل مؤتمر غزة ومستقبل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط الذي نظمه المركز المصري للفكر والدراسات، فعالياته بعزف السلام الوطني لجمهورية مصر العربية.

وتناول المؤتمر عدة قضايا من بينها تجارب تسوية الصراع في أفريقيا وأوروبا والشرق الاوسط، كما تناقش مشروعات التهجير التي واجهتها القصية الفلسطينية ، في اطار محاولات تصفيتها .

والموقف الأمريكي هو الاخر لم يكن بعيدا عن القضايا المطروحة للنقاش في المؤتمر، في إطار العديد من المسارات، منها التجارب الامريكية في تسوية الصراعات وكذلك التحيزات في التغطية الإعلامية لازمة غزة، بالإضافة إلى المواقف الامريكية من القضية الفلسطينية ناهيك عن تداعيات مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

كما ناقشت الجلسات تداعيات مشروعات التهجير وإعادة التوطين على الامن الاقليمي في ضوء تأثيرات التغيير الديموجرافي على ازمات الشرق الأوسط وتأثير قضايا التهجير على امن الخليج.

وشارك في الجلسات الدكتور خالد عكاشة مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية واللواء محمد ابراهيم الدويري، نائب مدير المركز ورئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير محمد العرابي والدكتور محمد مجاهد الزيات، عضو الهيئة الاستشارية للمركز، بالإضافة الى عدد من الخبراء والأكاديميين المتخصصين.

جانب من الندوة بالأمس أبرز ما جاء في البيان الختامي 

وكان أبرز ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر "غزة ومستقبل السلام والاستقرار في الشـرق الأوسـط"؛ 

• رفض أي خطط لتهجير السكان من قطاع غزة، معتبرين أنها ليست فقط غير منطقية وغير مسؤولة وتتجاهل حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وإنما تخالف أيضا الأعراف والقوانين الدولية، وتعد جريمة تطهير عرقي وجريمة ضد الإنسانية يتعين منعها والوقوف ضدها بل ومحاسبة المسئولين عنها.

• طرح المشاركون خبرات إعادة الإعمار وتسوية الصراعات بعد انتهاء الحروب في مناطق عديدة حول العالم والتي ارتكزت على إعادة اللاجئين والنازحين إلى أماكنهم الأصلية، وأن عمليات إعادة الإعمار لا تتعارض بالأساس مع وجود السكان.

• لا يجب التعامل مع المقترحات المطروحة مؤخراً بشأن تهجير سكان غزة من منطلق منظورها الضيق المرتبط بإعادة إعمار القطاع فقط، وإنما النظر إليها من منظور أوسع يعكس محاولات تصفية القضية الفلسطينية، والتي تتماشى في مجملها مع المخططات الإسرائيلية المطروحة في هذا الشأن منذ أكثر من ثماني عقود.

• الإشادة بالموقف الحاسم للقيادة السياسية المصرية التي رفضت كافة المحاولات الرامية للتهجير لسكان غزة مع التأكيد على أن محاولات التهجير إلى سيناء هي خط أحمر لن تقبل الدولة المصرية ومؤسساتها بتجاوزه، وهو الموقف الذي نال دعمًا شعبيًا من مختلف الأطياف السياسية في المجتمع المصري.

• بلورت القيادة المصرية رؤية ومشروعًا متكاملًا يستند إلى مبدأ إعادة إعمار القطاع دون تهجير سكانه، على أن يطرح هذا المشروع في القمة العربية الطارئة التي ستعقد في القاهرة في الرابع من مارس المقبل، ليحصل على الدعم الجماعي العربي.

• ثمن المشاركون الدور الأمريكي وجهوده الحثيثة في التوصل لوقف إطلاق النار في غزة، وأعربوا عن تطلعهم إلى دور قيادي أمريكي في عملية السلام في الشرق الأوسط، وأهمية تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار.

مقالات مشابهة

  • بوتين يحذر أوروبا من تقويض التقارب بين أمريكا وروسيا
  • بريطانيا: ندرس إرسال قوات لحفظ السلام في أوكرانيا
  • السفير محمد عرابي لـ صدى البلد: ما يحدث بالضفة الغربية لا يقل خطورة عن غزة
  • لين جيان: المحاولات الأمريكية لبث الفرقة بين الصين وروسيا لن تنجح
  • تايوان تهاجم الصين في بيان شديد اللهجة
  • أبرز بنود البيان الختامي لمؤتمر غزة ومستقبل السلام والاستقرار في الشـرق الأوسـط
  • انطلاق فعاليات مؤتمر غزة ومستقبل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط
  • بث مباشر.. انطلاق فعاليات مؤتمر «غزة ومستقبل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط»
  • أبعاد زيارة لافروف إلى طهران
  • ماذا تحمل زيارة لافروف إلى طهران؟