الاهتمام العالمي بالحوكمة (2-2)
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
د. علي بن حمدان البلوشي
الحوكمة كما أكد البنك الدولي (2011)، هي ترجمة لقيم الديمقراطية وتمكين أفراد المجتمع من المشاركة في صنع القرارات والتنمية المستدامة وهذا ما أكد عليه أيضا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول أهمية التواصل والتفاعل ومبدأ التشاركية والتعاون بين أطراف العمل المتمثلة في الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، ولذا أصبحت الحوكمة هي الأداة التي تستند عليها المنظمات الدولية لتحقيق أهداف المساعدات المالية والفنية ويأتي في مقدمتها الشفافية والمساءلة والكفاءة في النظم الإدارية مما يضمن توجه وأهداف البنك الدولي الذي يركز على الإصلاح الإداري والتنموي والسياسي المرتكز على القيم الديمقراطية.
نظرا للتطورات الحديثة في الأدوار الحكومية وكذلك الأفكار العلمية والأكاديمية تغير مفهوم الحوكمة متأثرا بعوامل داخلية وخارجية ومنها العولمة وظهور دور المنظمات غير الحكومية التي أكدت على حقوق الإنسان وكذلك دخول التقنية الحديثة والتغيير في دور القطاع الخاص وأهمية مشاركة المجتمع المدني من أجل التنمية المستدامة. إلا أن أهم هذه العوامل هو تفشي ظاهرة الفساد على المستوى العالمي مما استدعى حتمية إيجاد طرق وأدوات تمكن الحكومات للتصدي لهذه الظاهرة. ويكمن الاستنتاج أن المفاهيم الحديثة للتنمية خاصة في حقبة التسعينات أوجدت تحركا عالميا لإعطاء الفرد مزيداً من الحرية والقرار في اختيار الأسواق المستهدفة وبالتالي أدى إلى تحول في السياسات الدولية لتحديد وتغيير أولوياتها وفقاً للعوامل الخارجية.
وكما جاء في تقرير الإسكوا في 2019 حول الحوكمة في المنطقة العربية فإن العوامل الاقتصادية التي ساعدت على ظهور مصطلح الحوكمة الذي تبنته المنظمات الدولية تمثلت في الأزمات المالية العالمية الناتجة عن عدم الثقة في المؤسسات والتشريعات المنظمة لهذه الأعمال والتي بدورها كان لها أثر في العلاقات بين قطاع الأعمال والحكومات مما أدى الى انتشار الفساد بين هذه الشركات على المستوى العالمي وخاصة الشركات الأمريكية الكبرى مثل شركة إنرون. لقد أصبح جشع الشركات واضحًا للتحكم في الأسواق العالمية من خلال ممارسة الاحتكار، الأمر الذي أثر على الاقتصاد العالمي. وعليه كان لزامًا على الحكومات الاستجابة لتبني الأساليب الحديثة في الإدارة والتركيز أكثر على التعليم والمحاسبة لضمان حقوق المساهمين وحقوق المجتمع ليصبح مفهوم الحوكمة أكثر شمولية لمؤسسات المجتمع بأكملها. كما ساهمت العديد من التحولات التي كان لها تأثير على الاقتصاد العالمي في تطوير مفهوم الحوكمة ومنها العولمة المالية والتجارية وتدفق الأموال عالميا مستفيدة من تقنية المعلومات والاتصالات في سرعة إنجاز المعلومات وتحقيق الأرباح لأكبر عدد من المستفيدين. كما ساهمت هذه العوامل في ظهور مؤسسات إسلامية متعددة الجنسيات ولها قدرة تنافسية وقريبة من المجتمع بمختلف شرائحه لتعظيم الفائدة المجتمعية مستفيدة من مبادئ الحوكمة والإدراة الحديثة منهجاً محكماً في تنمية وتطوير المؤسسات العامة والخاصة. أما عن العوامل الاجتماعية التي ساهمت في ظهور الحوكمة هي الفجوة الملاحظة بين الحكومات وإدارتها وبعدها عن المجتمع المدني والحاجة الماسة لسد هذه الفجوة من خلال المشاركة المجتمعية ووجود ممثلين عن المجتمع لنقل متطلباتهم وآرائهم خاصة فيما يتعلق بالسياسات والتشريعات التي تضمن التنمية المستدامة وتخدم مصلحة المجتمع. كما لعبت المنظمات غير الحكومية دورا في تنظيم وتطوير برامج المساعدات التنموية ومساندة الدول النامية في تطوير أنظمتها الإدراية والتشريعية وتثقيف مجتمعاتها لضمان مشاركتها في اتخاذ القرارات وبالتالي تطبيق مبادئ الحوكمة واتباع أساليب الإدارة الحديثة.
نختتم هذا المقال بأن الحوكمة الناجحة تعزز توزيع الصلاحيات وتحديد المسؤولية والمحاسبة، ومعرفة حدود اتخاذ القرارات على كل صعيد ولكل دور، فهي العلاج لمن يتخطى الصلاحيات، وكذلك لمن لا يستخدم صلاحياته، والتطبيق الصحيح يوصل إلى الشفافية والوضوح ويمنع "المحسوبية أو الواسطة" فيكون التعامل بشكل عادل مع الجميع وفقاً لمصلحة المؤسسة وليس الأفراد ويحد من تضارب المصالح ويعزز أخلاقيات العمل. الحوكمة الصحيحة تسرع في الحصول على النتائج وتصحيح المسار والأخطاء فليس الهدف من المحاسبة العقاب فقط وإنما استخلاص الدروس المستفادة ومنع تكرار الأخطاء والرقي بالنظام والإجراءات والخبرات والمهارات إلى مكان نصل عنده إلى تحقيق المنفعة والأهداف والنمو والتركيز على الخدمة الاجتماعية والاستدامة، فضلاً عن زيادة الخدمات وتقليص النفقات وبالتالي زيادة الأرباح. تعتمد المنظمات على السياسات والإجراءات لتنظيم أعمالها وتمكين أجهزتها الرقابية لضمان استمراريتها في تحقيق أهدافها.
** أستاذ مساعد بالكلية الحديثة للتجارة والعلوم
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«الرعاية الصحية» تطلق ورشة عمل للتدريب على مفاهيم الحوكمة الإكلينيكية بالسويس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أطلقت الهيئة العامة للرعاية الصحية ورشة عمل مكثفة للتدريب على مفاهيم الحوكمة الإكلينيكية والتدريب على معايير التسجيل الطبي السليم، وذلك لمقدمي الخدمة الصحية بمحافظة السويس.
تأتي ورشة العمل في إطار التزام الهيئة العامة للرعاية الصحية بالتأكد من أن جميع الخدمات الصحية التي تقدم من خلال شبكة مقدمي الخدمات الصحية التابعة لها، هي خدمات صحية آمنة وعالية الجودة وتقدم طبقا لأعلى المعايير الدولية للجودة والسلامة، مع تأكيد استمرارية العمل على تطوير جودة الخدمة وكفائتها.
وأوضح بيان الهيئة تضمنت ورشة العمل المكثفة بمحافظة السويس التدريب على مفاهيم الحوكمة الإكلينيكية وسلامة المرضي وبعض السياسات الهامة لضبط الأداء الطبي بالمستشفيات، وكذلك تفعيل الهيكل التنظيمي للحوكمة الإكلينيكية بالمحافظة تحقيقاً للاستدامة من خلال العمل المؤسسي المتكامل الذي يجمع كافة محاور الحوكمة الإكلينيكية، ذلك بالإضافة إلى التدريب على أساسيات ومعايير التسجيل الطبي السليم سواء الورقي أو الإلكتروني، وأنظمة التكويد العالمي للأمراض والتدخلات الطبية.
وتابع البيان: تهدف ورشة العمل إلى تمكين المشاركين من اكتساب المعارف والمهارات اللازمة لتطبيق أحدث الأنظمة والأساليب في ضمان السلامة والجودة للرعاية الصحية المقدمة للمرضى وذلك من خلال المحاضرات العلمية والجلسات التفاعلية ؛ حيث شملت التدريب على معايير سلامة المرضي والسلامة الجراحية والسلامة الدوائية وآليات مكافحة العدوى سواء العدوى المكتسبة من المنشأت الطبية خلال تقديم الخدمة أو عدوي المواضع الجراحية، وكيفية إدارة الأحداث العكسية بالمستشفيات من خلال التعريف بها وكيفية الإبلاغ بها واتخاذ الإجراءات التصحيحية والتعلم منها والعمل على تجنب حدوثها مرة أخري، وكذلك آليات المراجعة الطبية لحالات المراضة والوفيات والمراجعة الإكلينيكية بشكل موضوعي ومؤسسي وموحد على مستوي المستشفيات التابعة للهيئة العامة للرعاية الصحية ، وأيضا دور المعلومات في تطبيق الحوكمة الإكلينيكية.
فيما تناولت ورشة العمل شرح لأساسيات التسجيل الطبي السليم سواء الورقي أو الإلكتروني ومعايير الجودة والاعتماد الخاصة به الصادرة من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية، والشرح لمختلف النماذج الطبية المستخدمة ومنظومة استكمالها، وأنظمة التكويد العالمي للتشخيصات (ICD-11) والتداخلات الطبية (ICHI)، وأنظمة إدارة السجلات الطبية والهياكل التنظيمية الخاصة بها في المستشفيات.
وشهدت ورشة العمل التي استمرت 3أيام بمحافظة السويس، مشاركة فعالة من قيادات فرع الهيئة بمحافظة السويس ومديري مستشفيات المجمع الطبي وحوض الضرس بالمحافظة، بالإضافة الي الفئات المستهدفة بالتدريب من مقدمي الرعاية الصحية المعنيين بتطبيق منظومة الحوكمة الاكلينيكية من مديرين طيبين وأطباء بشريين وتمريض ومسئولي الجودة ومكافحة العدوي والسجلات الطبية ونظم المعلومات بالفرع والمنشآت.
هذا، وقد قام بالتدريب خلال ورشة العمل كل من دكتور مجدي بكر، مستشار رئيس الهيئة للشئون الفنية ورئيس اللجنة العليا للحوكمة الإكلينيكية واللجنة العليا للسجلات الطبية برئاسة الهيئة، دكتورة رحاب قنصوة منسق اللجنة العليا للحوكمة الإكلينيكية والسجلات الطبية برئاسة الهيئة، دكتورة كريمان صلاح عضو اللجنة العليا للحوكمة الإكلينيكية والسجلات الطبية برئاسة الهيئة، دكتور أسعد صادق مدير عام مكافحة العدوى برئاسة الهيئة، دكتورة هبة النقودي عضو إدارة الدواء والصيدلة الإكلينيكية برئاسة الهيئة، دكتور وسام طاهر عضو بالإدارة العامة للجودة وسلامة المرضى برئاسة الهيئة، وذلك بحضور ومشاركة كل من دكتور إسماعيل الحفناوي مدير فرع الهيئة بمحافظة السويس، دكتور أحمد عبد الرحمن نائب مدير فرع الهيئة العامة للرعاية الصحية، دكتور محمد نبيل أبو النجا مدير مجمع السويس الطبي، دكتورة لمياء مصطفي محمد المدير الطبي بمجمع السويس، دكتورة إسراء أحمد محمد مسئول إدارة التدريب بالمجمع.