عام على الحرب.. حوار البنادق يتسيّد المشهد السوداني
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
مرَّت سنة على الحرب المستعرة في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية دون اختراق يوقفها وينهي المعاناة الإنسانية.
المعارك بين الجانبين امتدت إلى أجزاء جديدة من البلاد؛ مما زاد من وطأة أزمة إنسانية كارثية ألقت بظلالها على قطاع كبير من الشعب السوداني.
ومنذ منتصف نيسان/ أبريل 2023، يخوض الجيش و"الدعم السريع" حربا خلّفت حوالي 13 ألفا و900 قتيل ونحو 8.
انسداد سياسي
لم تتمكن وساطات إقليمية ودولية من إحداث اختراق ينهي الحرب عبر المفاوضات، إذ باءت كل الجهود بالفشل في وقف الأعمال العدائية.
ورغم نجاح مبادرة سعودية أمريكية، من خلال منبر جدة بالمملكة، في جمع الطرفين أكثر من مرة، إلا أنهما لم يتوصلا إلى اتفاق بشأن وقف حقيقي لإطلاق النار، وسط اتهامات متبادلة بالمسؤولية عن استمرار القتال.
وفي 10 نيسان/ أبريل الجاري، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان توم بيرييلو، في تصريح صحفي، إنه "من غير المرجح أن تُستأنف محادثات السلام في 18 نيسان/ أبريل".
وسبق وأن أعلن بيرييلو أن واشنطن تتطلع إلى استئناف المحادثات في هذا التاريخ.
ويأتي ذلك في وقت صعَّد فيه قادة الجيش و"الدعم السريع" من تصريحات تؤكد تمسك الطرفين باستمرار القتال على أمل الانتصار على الطرف الآخر.
وفي 10 نيسان/ أبريل الجاري، قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، إن "هذه المعركة ضد المليشيا (يقصد "الدعم السريع") ستنتهي بانتصار الدولة والقوات المسلحة والشعب السوداني".
وأضاف البرهان، وهو أيضا قائد الجيش: "ليس لدينا أي حديث إلا بعد انتهاء المعركة مع هؤلاء المجرمين".
وفي اليوم نفسه، قال قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي): "خيارنا واحد، وهو النصر".
وتابع حميدتي، في تسجيل صوتي عبر منصة "إكس": "سننتصر لإرادة شعبنا ولوطننا ولضحايا الحرب والمشردين والمهمشين".
توسع المعارك
وحتى خلال شهر رمضان وأيام عيد الفطر المبارك التي انتهت في 12 نيسان/ أبريل الجاري، استمرت المعارك بوتيرة شرسة بين الجيش و"الدعم السريع" في مناطق عدة.
بل وتوسعت المعارك ودخلت مناطق جديدة، خاصة في قرى ولاية النيل الأبيض (جنوب) وقري ولاية سنار (جنوب شرق).
وحافظت النقاط الساخنة سابقا على وتيرتها من الاشتباكات في الخرطوم والجزيرة (وسط) وولايات دارفور (5 ولايات- غرب) وكردفان (3 ولايات- جنوب).
وتتألف الخرطوم من ثلاث مدن هي الخرطوم وأم درمان وبحري.
وفي أم درمان، تقدم الجيش مؤخرا، وفرض سيطرته على وسط المدينة، ليضاف إلى الناحية الشمالية، بينما تتواجد قوات "الدعم السريع" في جنوبي وغربي المدينة.
وفي الخرطوم، استمرت المعارك دون أن يحرز أي طرف تقدما ملحوظا.
أما في بحري، فتواصلت الاشتباكات في شمالي المدينة، حيث يشن الجيش هجمات متتالية.
ولا يختلف الوضع في ولايات دارفور، فلا زالت قوات "الدعم السريع" تسيطر على عواصم 4 ولايات، هي: شرق وغرب ووسط وجنوب دارفور.
فيما ظلت الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تحت سيطرة الجيش.
وفي ولايات كردفان (جنوب)، خاصة غرب كردفان وكبرى مدنها بابنوسة وهي أكثر نقطة ساخنة منذ أكثر من شهر، تدور معارك ضارية، دون أن تحقق قوات "الدعم السريع" أي انتصار على الجيش المتواجد في المدينة.
وفي وسط السودان، أصبحت ولاية الجزيرة ساحة معركة، حيث يشن الجيش هجوما على "الدعم السريع" من ثلاث محاور شرقا وجنوبا وغربا.
كما تشهد ولايتي النيل الأبيض وسنار، المجاورتين للجزيرة، هجمات من "الدعم السريع" على الجيش المسيطر على الولايتين.
هذا التوسع في مناطق الاشتباكات اعتبره مراقبون مؤشرا علي رغبة الطرفين في زيادة الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها كل منهما تمهيدا لاحتمال الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وضع مأساوي
ومع استمرار المعارك، ازداد الوضع الإنساني سواء، وحسب المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني فإن الوضع كارثي، ويتجه نحو الأسوأ.
وفي 12 نيسان/ أبريل الجاري، دعا متحدث منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندماير، في تصريح صحفي، إلى وقف القتال ودخول المساعدات الإنسانية من دون عوائق.
وحذر ليندماير من أنه إذا لم يحدث ذلك فإن "أزمة السودان ستتفاقم بشكل كبير في الأشهر المقبلة وقد تؤثر سلبا على المنطقة برمّتها".
وأفادت شبكة "نظام الإنذار المبكر بالمجاعة"، قبل أيام، بأنه من المتوقع حدوث مستويات كارثية (المرحلة 5 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) بين الأسر في أجزاء من غرب دارفور والخرطوم وبين النازحين.
وحذرت منظمة إنقاذ الطفولة (مقرها بريطانيا)، في آذار/ مارس الماضي، من أن نحو 230 ألف طفل وامرأة حامل وأم جديدة قد يموتون في الأشهر المقبلة بسبب الجوع، ما لم يتوفر التمويل والمساعدات العاجلة المنقذة للحياة.
وتسببت الحرب في إغلاق ما بين 70 بالمئة إلى 80 بالمئة من مستشفيات السودان، وتعاني المستشفيات التي لازالت تعمل من نقص في الاحتياجات والإمدادات الطبية والعاملين، حسب منظمة الصحة العالمية.
وأدت الحرب إلى فرار 8.5 مليون شخص من ديارهم داخليا وعبر الحدود إلى الدول المجاورة، وفق أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
ويتواجد 6.5 مليون نازح في جميع ولايات السودان الـ18، مع أعلى النسب في جنوب دارفور (11 بالمئة) ونهر النيل (11 بالمئة) وشرق دارفور (10 بالمئة).
فيما عبر حوالي 1.96 مليون شخص الحدود إلى الدول المجاورة، مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى وليبيا، بحسب التقرير الأممي.
وفيما يلي تسلسل زمني للأحداث التي أدت إلى الصراع وما تلاه من اضطرابات:
أحداث ما قبل الحرب
19 كانون الأول/ ديسمبر 2018
احتجاج المئات في مدينة عطبرة الشمالية على ارتفاع أسعار الخبز. وسرعان ما انتشرت المظاهرات المدفوعة بأزمة اقتصادية أوسع إلى الخرطوم ومدن أخرى. وترد قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع وإطلاق النار.
6 نيسان/ أبريل 2019
يبدأ مئات الآلاف من المتظاهرين اعتصاما أمام مقر الجيش في الخرطوم. وبعد خمسة أيام، يطيح الجيش بالرئيس عمر البشير ويحتجزه، منهيا بذلك حكمه الذي دام ثلاثة عقود.
17 آب/ أغسطس 2019
قوى مدنية مؤيدة للانتفاضة توقع اتفاقا لتقاسم السلطة مع الجيش خلال فترة انتقالية تفضي إلى انتخابات. ويتم تعيين عبد الله حمدوك الاقتصادي والمسؤول السابق في الأمم المتحدة على رأس الحكومة في وقت لاحق.
31 آب/ أغسطس 2020
تتوصل السلطات الانتقالية إلى اتفاق سلام مع بعض الجماعات المتمردة من إقليم دارفور المضطرب غرب البلاد ومن المناطق الجنوبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، لكن مجموعتين رئيسيتين ترفضان الاتفاق.
25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021
قوات الأمن تعتقل حمدوك والعديد من القيادات المدنية في مداهمات قبل الفجر، وذلك بعد أسابيع من تبادل الاتهامات بين القوى المدنية والعسكرية ومحاولة انقلاب فاشلة. وقائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان يعلن حل الحكومة المدنية.
21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021
بعد خروج عدة مسيرات حاشدة احتجاجا على الانقلاب وتعليق معظم الدعم المالي الدولي للسودان، يعلن القادة العسكريون وحمدوك عن اتفاق لإعادة تعيينه رئيسا للوزراء. لكنه يستقيل بعد أقل من شهرين مع استمرار الاحتجاجات.
5 كانون الأول/ ديسمبر 2022
توقع قوى مدنية جرى تهميشها بسبب الانقلاب على اتفاق إطاري مع الجيش لبدء عملية جديدة للانتقال السياسي لمدة عامين وتعيين حكومة مدنية.
5 نيسان/ أبريل 2023
تأجيل توقيع الاتفاق النهائي للمرحلة الانتقالية للمرة الثانية وسط خلافات حول ما إذا كان الجيش سيخضع لإشراف مدني وحول خطط دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة.
اندلاع الحرب
13 نيسان/ أبريل 2023
يقول الجيش السوداني إن تعبئة قوات الدعم السريع تنطوي على خطر حدوث مواجهة. وبعد يومين، تندلع اشتباكات بين الجانبين في الخرطوم ومدن أخرى.
21 نيسان/ أبريل 2023
عدد السكان الفارين من الخرطوم يتزايد بسرعة مع تصاعد الضربات الجوية التي ينفذها الجيش والاشتباكات وعمليات النهب في العاصمة. الدبلوماسيون والوافدون يهرعون إلى المطارات والحدود ومناطق إخلاء أخرى في الأيام والأسابيع التالية.
20 أيار/ مايو 2023
يتفق طرفا الصراع في محادثات عقدت في جدة على وقف لإطلاق النار لمدة سبعة أيام لكن القتال لم يتوقف. المفاوضات بوساطة سعودية وأمريكية هي الأولى في العديد من المحاولات الدولية التي لم تفلح في تسوية الصراع.
تموز/ يوليو 2023
نطاق الصراع يتوسع ليشمل منطقة دارفور غرب البلاد التي تتمكن فيها قوات الدعم السريع من تحقيق المزيد من المكاسب في الأشهر التالية.
14 كانون الأول/ ديسمبر 2023
الأمم المتحدة تحذر من أن الأسر في مناطق الصراع قد تواجه ظروفا مماثلة للمجاعة في 2024. ويحتاج نحو 30 مليونا، بما يشكل نحو ثلثي سكان البلاد، لمساعدات وهو ضعف العدد قبل الحرب. تتزايد التحذيرات من احتدام الأزمة الإنسانية في الأشهر التالية.
19 كانون الأول/ ديسمبر 2023
الجيش ينسحب مع تقدم قوات الدعم السريع للسيطرة على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة. وتسيطر قوات الدعم السريع بشكل كبير على الخرطوم المجاورة وكل منطقة دارفور تقريبا وأغلب ولاية كردفان بينما يسيطر الجيش على الشمال والشرق بما يشمل الميناء الرئيسي للبلاد على البحر الأحمر. وتقول الأمم المتحدة والولايات المتحدة إن الجانبين ارتكبا انتهاكات.
12 آذار/ مارس 2024
الجيش يقول إنه سيطر على مقر هيئة البث الرسمية في أم درمان المقابلة للخرطوم في إطار أكبر تقدم يحققه على قوات الدعم السريع في أشهر. مصادر تقول إن طائرات مسيرة إيرانية الصنع تساعد الجيش على ترجيح كفة الصراع لصالحه.
9 نيسان/ أبريل 2024 القتال يصل إلى ولاية القضارف الزراعية التي كانت تنعم قبل ذلك بالهدوء ويحتمي فيها ما يصل إلى نصف مليون نازح.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الحرب السودان الجيش الدعم السريع السودان الجيش حرب الدعم السريع المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع الأمم المتحدة أبریل الجاری کانون الأول فی الخرطوم فی الأشهر أبریل 2023
إقرأ أيضاً:
الجيش يتقدم على الدعم السريع.. هل لا يزال الحل السلمي خيارًا؟
تصاعدت مرة أخرى الدعوات المطالبة بتشكيل حكومة منفى من عدد من القوى المنضوية تحت لواء تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية المعروفة بـ (تقدم) برئاسة عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السابق المستقيل.
وكان هذا المقترح قد طُرح من قِبل بعض أعضاء "تقدم" في اجتماعات هيئتها القيادية التي انعقدت في مدينة عنتيبي الأسبوع الماضي، لكنه لم يجد رواجًا بل عارضته بعض القوى داخل التنسيقية نفسها، ومن ثَم خلا البيان الختامي للاجتماعات من أي إشارة إليه ضمن مخرجات ما تم الاتفاق عليه، وهو ما اعتبره المراقبون وقتها استبعادًا للاقتراح.
لكن وعلى نحو مفاجئ تجددت هذا الأسبوع الدعوات لتشكيل حكومة منفى.
ويبدو أنّ الوضع العسكري الميداني قد دفع بشكل ما بهذا المقترح إلى الواجهة مرة أخرى، حيث تشير التقارير الواردة في هذا الصدد إلى تقدم كبير ومتسارع للجيش السوداني والقوات المتحالفة معه في كل جبهات المواجهة مع قوات الدعم السريع، خاصة في الجبهات الساخنة كالفاشر، ونيالا، والجنينة، والخرطوم بحري، وولاية الجزيرة، وهي الأكثر سخونة، حيث تتقدم القوات الحكومية فيها من 3 جهات؛ لتطوق قوات مليشيا الدعم السريع المتواجدة بكثافة في مدينة (ود مدني) عاصمة ولاية الجزيرة، منذ ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.
إعلانوتزامن مقترح تشكيل حكومة المنفى مع مقترح آخر لتشكيل سلطات إدارية في مناطق سيطرة الدعم السريع. قدم هذا المقترحَ عددٌ من مستشاري قوات الدعم السريع المتحالفة مع تنسيقية (تقدم)، وقد تم تنفيذه بالفعل في بعض المناطق في نيالا والجنينة وبعض قرى ومدن ولاية الجزيرة.
ولكن هذه السلطات بلا فاعلية وتستند إلى شرعية الأمر الواقع فحسب، وتديرها عناصر عسكرية تابعة للدعم السريع، ليست مؤهلة لممارسة العمل الإداري، فضلًا عن تورط عناصرها في انتهاكات وعمليات قتل وتعذيب واعتقال في حق المدنيين بهذه المناطق والتجنيد القسري للشباب، ومصادرة ممتلكات الأهالي، وإجبارهم على مغادرة منازلهم، واتخاذها ثكنات عسكرية ومخازن للسلاح.
ويأتي تجدد الدعوة لهذين المقترحين متزامنًا مع تزايد الحديث عن مفاوضات مزمعة بين الدعم السريع والجيش على خلفية "اتفاق جدة" الذي تمَّ التوقيع عليه في 11 مايو/ أيار 2023، والذي ألزم الدعم السريع بالخروج من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين والتجمع في نقاط تم تحديدها مسبقًا، وهو ما لم تنفذه الدعم السريع، فأصبح الاتفاق معلقًا، وفي حكم المجمد، وتحول إلى عقبة تواجه كل المحاولات اللاحقة لتسوية الأزمة، حيث تصرّ الحكومة السودانية على تنفيذ الدعم السريع لهذا التعهد كشرط للدخول في أي صيغة تسوية.
ويبدو المشهد الآن غاية في التعقيد، والخيارات أكثر ضيقًا أمام الدعم السريع بالنظر إلى وضعها العسكري الحرج. فالقبول بتنفيذ اتفاق جدة يبدو صعبًا للدعم السريع في هذا التوقيت لسببين:
الأول هو أن الحكومة السودانية تتمسك بتطبيق اتفاق جدة فقط على المناطق والأعيان المدنية التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع وقت توقيع الاتفاق (قبل أكثر من عام ونصف)، بينما تستثني المناطق التي سيطرت عليها القوات لاحقًا، مما يعني عدم شمول هذه المناطق في الاتفاق، وهو ما تعتبره قوات الدعم السريع خسارة كبيرة لمكاسبها الميدانية التي حققتها خلال الحرب. والثاني هو الوضع الميداني الضعيف للدعم السريع بحيث سيكون قبولها بتنفيذ اتفاق جدة وهي في هذا الحال استسلامًا وإذعانًا يشبه الهزيمة. إعلانويأتي تعقيد إضافي يمثل قيدًا آخر على خطوات الحكومة السودانية نحو القبول بخيار التفاوض مع الدعم السريع وجناحها المدني "تقدم"، ألا وهو تنامي تيار جماهيري شعبي آخذ في التصاعد يدعو إلى خيار الحسم العسكري على الأرض، ويعتبر أن أي ميل للتفاوض والتسوية بمثابة طوق نجاة للدعم السريع ينقذها من هزيمة وشيكة.
كما أنه يعيد قوات الدعم السريع وحليفها المدني إلى المشهد السياسي والحياة العامة في السودان بعد كل تلك الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها في حق المدنيين، والدمار الذي أحدثته في البنية الأساسية، للدولة طال حتى الموروث التاريخي القومي للسودان، والشرخ الاجتماعي العميق الذي خلفته هذه الجرائم، مما أحدث حاجزًا نفسيًا كبيرًا يصعب معه القبول بأي دور محتمل لهذا التحالف في مستقبل الحياة العامة بالسودان.
في ضوء ما سبق، فإن دعوات تشكيل حكومة منفى تضيف تعقيدًا جديدًا يجعل التوصل إلى حل سلمي للأزمة احتمالًا بعيد المنال؛ فتشكيل حكومة منفى يعني نزع الشرعية عن الحكومة السودانية وإغلاق الباب في وجه أي مساعٍ للحل التفاوضي.
وكما قلنا، فقد وُوجهت هذه الدعوة بالرفض حتى من بعض مكونات تنسيقية "تقدم"، التي ترى أن تشكيل حكومة منفى في هذا التوقيت هو مغامرة غير محسوبة النتائج، وستواجه بتحدٍّ كبير، وهو نيل الاعتراف الدولي في ظل وجود حكومة معترف بها دوليًا بالفعل وتسيطر على معظم إقليم الدولة.
كما أن الاعتراف الدولي بحكومة كهذه يعني عدم وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى مستحقيها، حيث لا قدرة لحكومة منفية أن تقدم تسهيلات ودعمًا لوجيستيًا لمنظمات الإغاثة.
هناك مخاوف أيضًا أن يفضي تشكيل حكومة منفى في نهاية المطاف إلى تقسيم البلاد، وبالتالي حدوث فوضى غير مرغوب فيها، وتصعب السيطرة عليها، مما يهدد الاستقرار الإقليمي، ويمتد أثره إلى السلم والأمن الدوليين، خاصة أن المنطقة تمور بالمشاكل وفي حالة غليان ولا تحتمل المزيد.
إعلانأما تشكيل إدارة مدنية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، فهو خيار غير عملي، ولن يكون مجديًا في ظل استمرار القتال والحصار الذي يضربه الجيش على هذه المناطق، وتفوقه الواضح عبر سلاح الطيران، وبالوضع الهجومي الذي يتخذه هو والقوات المتحالفة معه، كما أنه من البديهي ألا تقبل الحكومة بوجود سلطة داخل الدولة تنازعها شرعيتها، وبالتالي ستكون هذه المناطق أهدافًا مشروعة لنيران أسلحتها المختلفة.
وهكذا يبدو المشهد السوداني قاتمًا، تزداد تعقيداته يومًا بعد يوم، وتأخذ الأزمة فيه شكل مباراة صفرية تتضاءل فيها فرص التسوية السياسية والحل السلمي، ويبرز بقوة خيار الحسم العسكري على الأرض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية