أثر المواجهة المحتملة بين إيران وإسرائيل على تركيا
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
بعد الرد الإيراني بعشرات الصواريخ والطائرات المسيرة، على مقتل قائدان في فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني و5 مستشارين عسكريين، مع مطلع الشهر الجاري، في هجوم إسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وعلى الرغم من أن أمريكا ردت من أول لحظة على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بأنها لم تكن على علم بالضربة، لكنها ومع بداية الرد الإيراني على إسرائيل كانت الدفاعات الأمريكية حاضرة لحماية تل أبيب وأجواء فلسطين المحتلة، وهو ما تفاخر به نتنياهو، في شكل من اشكال التطمين، بقوله إن كل الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية تم إسقاطها خارج أجواء إسرائيل، لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أكد أن "الحدث" لم ينتهي بعد، وقد يشير تصريح الرجل إلى ما انتهى إليه مجلس الوزراء المصغر في إسرائيلي بتفويض نتنياهو ووزير دفاعه للرد على الضربة الإيرانية وهو ما يعني مزيد من التصعيد في المنطقة على الرغم من تأكيد الرئيس الأمريكي لنتنياهو، نقله أحد مسئولي البيت الأبيض، بأن أمريكا ستعارض أي هجوم إسرائيلي على إيران، وستسعى مع شركائها "الإقليميين" لتهدئة الأوضاع في المنطقة.
وفي ظل هذه الأوضاع التي تزيد من حالة التوتر في المنطقة بعد ما يقارب السبعة أشهر من العدوان على غزة وتداعياته في البحر الأحمر بقصف ميليشيا الحوثي سفن الاحتلال الإسرائيلي، أو من يمدها بالبضائع والمارة في البحر أو باب المندب، وهو الإجراء الذي أربك حسابات سلاسل الإمداد في العالم، وينذر بمزيد من التوتر بعد الضربات التي وجهتها كل من أمريكا وبريطانيا لمصادر الصواريخ وتجمعات الحوثي التي تغير على السفن وتوقفها، ما أثر مباشرة في دول المنطقة مثل مصر التي خسرت خلال السبعة أشهر الماضي ما إجماليه 30% من واردات قناة السويس، كما أن تداعيات هذه التوترات التي لم تكن في الحسبان على تركيا، رغم محاولات أنقرة منذ اللحظة الأولي للعدوان على غزة وقف الحرب، إلا أن حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً كان صوب أعينها مع توالي الأيام وعدم تحقيق أي من أهداف الحرب في غزة سعت إلى توسيع رقعة الحرب سواء على الجبهة الشمالية في لبنان أو الذهاب لأبعاد من ذلك بإدخال إيران في الحرب.
تتشكل العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإيران من خلال تفاعل معقد من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية والثقافية. فتاريخياً، يتشارك البلدان الحدود والمصالح المتبادلة التي أثرت على سياساتهما التجارية والاقتصادية..تتشكل العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإيران من خلال تفاعل معقد من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية والثقافية. فتاريخياً، يتشارك البلدان الحدود والمصالح المتبادلة التي أثرت على سياساتهما التجارية والاقتصادية، ويكفي أن نشير إلى أنه في عام 2023، وعلى مستوى الميزان التجاري، بلغت قيمة التجارة البينية إلى 5.49 مليار دولار، حيث بلغت صادرات تركيا إلى إيران 3.31 مليار دولار، والتي شملت الآلات وقطع الغيار والمواد البلاستيكية والمنتجات الكيماوية والمنتجات الزراعية، فيما بلعت ووارداتها 2.18 مليار دولار تمثلت في الغاز الطبيعي والمنتجات المعدنية والمنتجات الزراعي، فيما بلغ السياح الإيرانيين لتركيا 2.5 مليون زائر في عام 2023.
أما على مستوى الاستثمارات الكلية فقد عقدت منذ وصول العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا، عدة اجتماعات لتعزيز الحوار السياسي والتعاون القطاعي، ووقع البلدان على كثير من الاتفاقيات لتعزيز التجارة الثنائية بهدف رفعها إلى 30 مليار دولار سنويا، مع التركيز على قطاعات مثل البنوك والجمارك وتنمية التجارة الحدودية والأهم هو قطاع والطاقة، وقد لعبت آليات التعاون الثنائي، مثل اللجنة الاقتصادية المشتركة ومجلس الأعمال التركي الإيراني، أدواراً محورية في تعزيز العلاقات الاقتصادية، وهو ما يشير إلى فهم نمو التجارة البينية بين لاعبين إقليميين مهمين في المنطقة، فمشهد الطاقة في تركيا المعقد يتأثر بالديناميكيات الجيوسياسية، حتى مع التقدم المحرز من حكومة العدالة والتنمية في تنويع مصادر الطاقة، وسعيها إلى تخفيف الاعتماد على إيران، من خلال مشاريع إقليمية مشابهة مع روسيا مثلاً، المتمثل في خط السيل التركي، أو مع أذربيجان، المتمثل في خط(TANAP) الذي ينقل الغاز الطبيعي من حقل شاه دنيز، مع ذلك لا تزال إيران مورداً كبيراً، لا يمكن تجاهله بالنسبة إلى تركيا، وعليه فلقد كان موقف تركيا من العقوبات الأمريكية على إيران معقداً ومتعدد الأوجه، فحاولت تركيا الحافظ على موقفها التاريخي ضد العقوبات الأحادية الجانب، متمسكة بأن العقوبات الأحادية تضر بالاستقرار والسلام الإقليميين، لدرجة أنه كانت هناك حالات قام فيها أفراد وكيانات تركية بالتحايل على العقوبات الأمريكية، مما أدى إلى تداعيات من الحكومة الأمريكية ضد هذه الكيانات، ما أحرج الحكومة التركية.
وعلى الجانب الآخر، فقد شهدت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل نمواً ملحوظاً على مر السنين، حيث بلغت صادرات تركيا إلى إسرائيل 7 مليارات دولار في عام 2022، فيما بلغت صادرات إسرائيل إلى تركيا 2.33 مليار دولار في عام 2022. وتشمل قطاعات الاستثمار الرئيسية بين تركيا وإسرائيل مجموعة متنوعة من الصناعات، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، حيث تجذب صناعة التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل المستثمرين الأتراك المهتمين بالأمن السيبراني والأجهزة الطبية وتطوير البرمجيات. وعلى العكس من ذلك، يوفر الاقتصاد التركي المتنامي فرصاً في قطاعات البناء والبنية التحتية والسياحة، وهي قطاعات أبدى المستثمرون الإسرائيليون اهتماماً بها، بينما يشهد قطاع الاستثمار في الطاقة نشاطاً كبيراً، خاصة مع اهتمام تركيا بصادرات الغاز الطبيعي الإسرائيلي، ثم إنَّه لا تزال الزراعة قطاعاً حيوياً، يستثمر البلدان في تكنولوجيتها لتحسين الإنتاجية والاستدامة، ويأتي في مرتبة معتبرة من اهتمامات المستثمرين في البلدين، تأتي صناعة السيارات، حيث تمتلك تركيا قاعدة صناعية كبيرة، فيما تواصل صناعة المنسوجات والملابس في تركيا، جذب مزيد من الاستثمارات، بالإضافة إلى قطاع المعادن، بما في ذلك تجارة قضبان الحديد الخام والمنتجات المعدنية الأخرى.
لا شك أن المناخ السياسي لعب دوراً مهماً تاريخياً في تشكيل التفاعلات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل. وغالباً ما أدت فترات التوتر السياسي إلى فتور في العلاقات الاقتصادية وتراجع في الاستثمارات، وفي السنوات الأخيرة، لعبت ضغوط لوبي المال والأعمال لا سيما في تركيا دوراً كبيراً في الضغط على الحكومة التركية، بالأساس والإسرائيلية في المقابل إلى بذل مزيد من الجهود لفصل المصالح الاقتصادية عن الخلافات السياسية، مما سمح باستمرار الاستثمار في القطاعات الرئيسة مثل التكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية، وهو ما انعكس على مجالات التكنولوجيا المتقدمة والطاقة، لا سيما في ظل خطة الحكومة لتنويع مصادر التمويل في هذا القطاع الحساس، كما أن السياحة مثلت نشاطاً اقتصادياً مهم ومشترك بين البلدين بعد فتاوى تركيا بوجوب زيارة المسجد الأقصى لمساندة المرابطين فيه من الفلسطينيين وتنمية مواردهم، فيما يرى الإسرائيليون في تركيا بلداً جذاب ورخيص.
العلاقة التركية مع كل من إيران وإسرائيل، في ظل اقتصاد نامي للبلد أورو ـ آسيوي، تعد معقدة ومتشابكة، فتركيا تحتاج كلا البلدين، وإن كانت كفة إيران أرجح لتركيا بحكم الجوار والتاريخ والثقافة، إلا أن التزامات تركيا السياسية والعسكرية تجعلها مدفوعة لحكم الأمر الواقع إلى الميل إلى الكفة الأمريكية المساندة بطبيعة الحال لإسرائيل، حتى لو شكل ذلك لها خسائر على المستوى الاقتصادي، ففي حالة السيناريو الافتراضي لاندلاع حرب بين إيران وإسرائيل، يمكن لأمريكا أن تقدم لتركيا التعاون والمساعدة الاستراتيجية. فلدى الولايات المتحدة مصلحة راسخة في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وضمان حرية الملاحة عبر الممرات المائية الحيوية، وحماية إمدادات الطاقة، ومنع تصاعد النزاعات المحلية إلى أزمات عالمية، وهو الموقف مستبعد في ظل حكم العدال والتنمية، ما يعني أن تركيا ستنحاز إلى موقف أكثر اعتدالاً يدفع إلى مزيد من التعاون مع الولايات المتحدة نفسها لتعزيز الأمن الإقليمي، والحد من التهديدات العسكرية، إذ صرح ارئيس أردوغان في أكثر من مناسبة إلى استعداد بلاده للعب دور في تهدئة الصراع في المنطقة، ويبدو أن هذا الدور يمكن أن يدشن خلال الأيام القادمة لعدم رغبة واشنطن في توسيع رقعة الصراع، على الأقل حتى إنهاء أزمة أوكرانيا.
وتسعى تركيا إلى لعب دور رجل الإطفاء في المنطقة من عدة منطلقات، أولها الصراع المحتدم على زعامة الإقليم، وهو ما سينعكس على تموضوعها السياسي الإقليمي والعالمي، ومن ناحية أخرى الحد من التأثير المحتمل في الاقتصاد التركي في حال اندلاع حرب بين إيران وإسرائيل، إذ أنَّه من المرجح أن تتأثر الديناميكيات التجارية، وستتعطل تدفق السلع والخدمات، كما سيتأثر موقع تركيا الاستراتيجي كممر للطاقة بعدم الاستقرار الإقليمي، مما قد يؤثر على أسعار النفط والغاز التي يمكن أن تؤثر بدورها في التضخم وتكلفة المعيشة للمواطنين الأتراك، يضاف إلى ذلك تأثر السياحة، أحد موارد الدخل القومي التركي، ثم إنَّ المنطقة ستكون مناخ طارد للاستثمار الذي تسعى تركيا جاهدة لجلبه بعد سنوات عجاف شهدها اقتصاده لعوامل كثيرة، ستسعى حكومة العدالة والتنمية تجنبها، بكل قوة، لا سيما بعد نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، التي كانت أحد أسباب نتائجها كان الاقتصاد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإيراني إسرائيلي تركيا العلاقات إيران إسرائيل تركيا علاقات رأي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاقتصادیة بین ترکیا العلاقات الاقتصادیة إیران وإسرائیل ملیار دولار فی المنطقة فی ترکیا مزید من لا سیما فی عام وهو ما
إقرأ أيضاً:
الحوثي الطلقة الأخيرة لمدفعية إيران
أعلنت الحكومة اليمنية، الجمعة، عن مخطط حوثي وصفته بـ"الخطر" والهادف إلى عودة التصعيد في البلاد لتحقيق اختراق ميداني صوب المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، وفي مقدمها محافظة مأرب الاستراتيجية.
وحذرت الحكومة خلال بيان نشره وزير الإعلام والثقافة معمر الإرياني من اجتماعات يجريها وفد حوثي في لبنان مع "الحرس الثوري الإيراني وأذرعه في المنطقة بهدف تصعيد قادم في الجبهة اليمنية". وكشفت عن أن قيادات عسكرية تابعة للحوثيين لا تزال موجودة في العاصمة اللبنانية بيروت، وأنها تعقد اجتماعات مكثفة مع قيادات في الحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" اللبناني و"الحشد الشعبي" العراقي، وتوصلت إلى "اختيار اليمن ساحة رئيسة للتصعيد مع تكثيف نقل الأسلحة والخبراء العسكريين من الحرس الثوري و(حزب الله) إلى مناطق الانقلابيين الحوثيين". وهو ما اعتبرته "تطوراً خطراً يكشف عن نوايا المحور الإيراني لتعويض خسائره في المنطقة تركزت على وضع خطة تصعيدية للمرحلة المقبلة".
حقول نفط مأرب
تأتي تحذيرات اليمن من المخطط الإيراني الجديد بالتزامن مع تصعيد ميداني للميليشيات على خطوط تماس جبهات القتال مع الجيش اليمني في محافظة مأرب النفطية (شرق) في مسعى جديد إلى اختراق هذه الجبهة منذ سنوات.
وحول الأهداف من وراء هذا التصعيد قال الوزير اليمني إنه يسعى إلى "تعويض الخسائر ورفع معنويات جمهور المحور الإيراني بعد خسارتهم لجبهتي سوريا ولبنان وإظهار قدرة إيران على إدارة العمليات العسكرية في المنطقة على رغم الضغوط الدولية والاستهداف المتكرر". كما يهدف إلى "محاولة تحقيق تقدم عسكري باتجاه حقول النفط بمأرب لإعادة ترتيب الأوراق الميدانية لصالح الحوثيين بعد قرار الإدارة الأميركية بتصنيفهم منظمة إرهابية أجنبية".
وأمام هذه التطورات الخطرة حث الأرياني المجتمع الدولي على تحمل مسؤوليته في وقف التصعيد الحوثي، مطالباً بموقف دولي حازم يضمن وقف الدعم الإيراني للميليشيات الحوثية.
وأخيراً لوحظت مشاركة قيادات حوثية بارزة في تشييع أمين عام "حزب الله" السابق حسن نصرالله في لبنان بوفد ضم عدداً من القادة يتقدمهم مفتي المناطق الواقعة تحت سيطرتهم. وأثارت مشاركة قيادات من الحوثي في مراسم تشييع نصرالله وخلفه هاشم صفي الدين في لبنان تساؤلات عن الوفد الكبير الذي غادر اليمن على رغم العقوبات والتصنيف الأميركي والرسائل والأهداف المتوخاة.
وعرف عن الحوثيين علاقتهم بـ"حزب الله" اللبناني وإيران منذ فترة التسعينيات، إذ اتخذوا من الضاحية الجنوبية ساحة ميدانية لتدريب عناصرهم تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، مستندين إلى التقارب الفكري والأيديولوجي الطائفي الذي يضفي القداسة على "آل بيت النبوة" الذين يدعون الانتساب إلى نسل الحوثي.
ولم يُخفِ الحوثيون تقديم أنفسهم خلال لقاءات متلفزة مع وفدهم كوريث لفكر ومشروع زعيم "حزب الله" مستغلين المخزون البشري الكبير الذي يسيطرون عليه في المناطق الخاضعة لهم، إضافة إلى استغلال التضاريس الجبلية الوعرة لتلك المناطق وإطلالتهم على المياه الدولية في البحر الأحمر".
الرهان على كهوف اليمن
وعقب السقوط المتتابع للأذرع الإيرانية في لبنان وسوريا حذر عديد من المراقبين اليمنيين والدوليين من اتخاذ إيران لليمن ساحة بديلة عن لبنان وسوريا لمشروعها لتأتي تلك الاجتماعات تأكيداً لما تم الحديث عنه سابقاً لاعتبارات عدة، منها جاهزية الميليشيات الحوثية ووقوعها في الخاصرة العربية التي تسعى إيران من خلالها إلى ابتزاز المنطقة والعالم، إضافة إلى امتلاكها ترسانة عسكرية نهبتها من معسكرات الجيش اليمني، علاوة على تلك المتطورة التي حصلت عليها من حليفها الإيراني.
وجاءت التأكيدات من جانب النظام الإيراني نفسه لتكشف بوضوح عن انتهاج سياسة جديدة تكرس تدخلات مختلفة تهيئ المنطقة العربية لجولة أخرى من الصراع لإحياء مشروعها الذي تعرض لضربات مميتة. وجاءت تصريحات النظام الإيراني المتتالية متوعدة بالانتقام الضمني والصريح مع التوقع بعدم الاستقرار في سوريا، إضافة إلى ما جاء على لسان وزير الخارجية عباس عراقجي الذي تنبأ "بمواجهات عسكرية شاملة في سوريا"، وهي المقابلة التي قال فيها، وفق وكالة "تسنيم" الإيرانية، إن بلاده "دعمت وستواصل بكل قوتها دعم الحوثيين الذين قالوا إنهم لا يحتاجون إلى أية مساعدة ويعتمدون على أنفسهم"، ساخراً من جميع الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق السلام في اليمن وتجنيب المنطقة كارثة المواجهة العسكرية.
في مقال نشره نهاية العام الماضي على وقع الضربات التي تلقاها حلفاء إيران، ممثلة بالنظام السوري و"حزب الله" اللبناني، قال السفير اليمني لدى بريطانيا ياسين نعمان إن حالة الصمت الإقليمي التي ترافق التطورات الهائلة التي تعيشها المنطقة قد تركت مساحة مريحة لإيران للتحرك تكتيكياً لإنقاذ مشروعها الذي تعرض لنكسات ضخمة في أهم حلقاته، مثل "حزب الله"، والنظام السوري بقيادة الأسد، ناهيك عما تتعرض له ميليشياتها في العراق من ضغوط الدولة العائدة، كما يبدو، برافعة وطنية بعد سنوات من الانهيار.
من السقطة إلى الوثبة
وبتلك الإجراءات يحاول النظام الإيراني في هذه المساحة من الفراغ، وفق السفير نعمان، أن "يحول السقطة إلى وثبة"، كما يقول المثل اليمني، باتباع سياسة مخاتلة مزدوجة من خلال: احتواء الانكسارات والمهادنة في جبهات الهزيمة، وتعظيم المواجهة في الجبهات التي لا يزال يراهن على استخدامها للمناورة، ومنها جبهة اليمن الحوثية.
وأشار إلى أن النظام الإيراني يسعى إلى ترسيخ هذه السياسة التي تؤسس لجولة أخرى من إحياء مشروعه في المنطقة العربية، "فهو من ناحية يهدئ اللعبة في لبنان، ويطلب من (حزب الله) أن يرخي عضلاته تجاه الخارج، وأن يبقي العين الحمراء في الداخل ويتقبل الصفعات ويتجرع السم، عملاً بمقولة الخميني، للحفاظ على ما يبقيه حاضراً في المشهد الداخلي ومؤثراً فيه". وفي الوقت ذاته "يحث الخطى على تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق الجديدة وإعادة فتح سفارته لدى دمشق وكأنه لم يصنع الخراب في هذا البلد لسنوات طويلة، كما أنه يطلب من ميليشياته في العراق أن تقبض على الجمر بانتظار ما ستسفر عنه التغيرات التي سيشهدها الإقليم وفقاً لتنبؤات المرشد".
ومع هذا النهج الإيراني الجديد يأتي الدور، وفق السياسي اليمني، على "الجبهة الأخرى، أي جبهة الحوثي، التي أبقاها النظام الإيراني مشتعلة. فما كدَّسه في مستودعات الحوثي ومخازنه وأنفاقه وكهوفه من الصواريخ والطائرات المسيرة كافٍ للقيام بمهمة رفع الروح المعنوية لأذرعها المنهارة، من خلال زج اليمن في معادلة الردع التي تخص النظام الإيراني وحده"، وهي المعادلة التي "لم تعد فيها إيران تتجرأ أن تطلق صاروخاً واحداً من أراضيها، فما دام هناك من يتكفل بتولي المهمة ويتحمل ما سيسفر عنها من خراب نيابة عنها، فلا بأس أن تواصل سياستها المزدوجة تلك بانتظار ما ستسفر عنه المتغيرات".
فالحوثي، بحسب السفير نعمان، "الذي لا يعنيه من أمر اليمن شيئاً، هو الطلقة الأخيرة في مدافع آيات الله والحرس الثوري الإيراني، الذين أخذوا يناورون به في عملية مكشوفة، في ما عرف بالتعويض النفسي للضرر الجسيم الذي تعرض له الاستثمار الإيراني المكلف في مشروع فاشل، والذي كان على حساب الحياة المعيشية للشعب الإيراني".
مركز تجمع عسكري
يضيف نعمان، "حتى لا يتساءل الشعب الإيراني عن المليارات التي أُنفقت في هذا المشروع الفاشل، والذي بسببه عاش أكثر من ثلثي الشعب تحت خط الفقر، فقد أبقى النظام جبهة الحوثي مشتعلة بتلك الكيفية العشوائية التي يُراد لها تغطية الفشل الذريع لهذا المشروع. وهي الجبهة التي تعمل تل أبيب اليوم على توظيفها في إقناع العالم بأن ما يحيط بها من أخطار يضعها في مواجهة دائمة مع هذه المنطقة التي لا تنتج غير العنف والإرهاب".
ويشير إلى أن التصريحات التي أطلقها وزير خارجية إيران تؤكد مواصلتهم دعم الحوثيين وتمسكهم بالنهج العدواني تجاه اليمن والمنطقة بصورة عامة وخرق الاتفاق السعودي - الإيراني الذي نص على اتباع منهج سلمي يضمن استقرار المنطقة. كما يعني أن "خيار النظام الإيراني قد استقر عند تحويل ذلك الجزء من اليمن الذي يقع في قبضة الحوثيين إلى مركز تجمع عسكري لأذرع إيران، وهو المركز الذي سيشكل بؤرة حرب في خاصرة المنطقة، وسيُعزز بالإمكانات التي كانت تقدم للجبهات الأخرى، وستوكل إليه المهام اللوجيستية التي كان يقوم بها "حزب الله" في لبنان.
الزعيم الخَلَف
لم يصدر عن الحوثيين أي رد حتى الآن على التهم الحكومية ضدهم، ولكنهم يؤكدون تبعيتهم وتأييدهم المطلق للمحور الإيراني.
وبحسب مراقبين، فإنه منذ مقتل نصرالله وقادة الصف الأول لحزبه يسعى زعيم الميليشيات اليمنية عبدالملك الحوثي إلى تقديم نفسه خليفة لزعيم "حزب الله" في إطار "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، وهو ما أكده في خطابات قادة جماعته التي دخلت منذ يومين حيز قرار أميركي بتصنيفها على لوائح الإرهاب العالمي. إذ كان الحوثي القيادي الوحيد التابع للمحور الإيراني الذي يحرص على إلقاء خطب أسبوعية منتظمة يتناول فيها بإسهاب تطورات المنطقة، وثنائه الدائم على ما يسمى "محور المقاومة"، ومنها ترديد ما قاله المرشد الإيراني علي خامنئي بأن "مهما ارتكبت إسرائيل من جرائم إبادة فإن ذلك لن يغير المآل الحتمي لها، وهو الهاوية والزوال المحتوم".
وبينما حملت خطاباته التي يغلب عليها لغة الوعيد والتهديد بانتهاج العنف بأسلوب مشابه لأسلوب نصرالله يسعى زعيم الحوثيين إلى تقديم نفسه قائداً للمحور الإيراني من خلال تسويق اليمن والقوات التي تحت إمرته كجبهة إيرانية متقدمة، متحاشياً مسألة البعد الجغرافي بين اليمن وإسرائيل، كما هي الحال بتجاهله هو وقادة جماعته تفسير صمت الأذرع المسلحة الإيرانية الأخرى التي تلاصق حدود إسرائيل، ولكنها لم تتصدَّ لشن عمليات عسكرية ضدها. ولهذا ظل يردد في كل خطبه أن "جبهات الإسناد تتجه نحو تصعيد أكبر ضد إسرائيل" ضمن مشروع "وحدة الجبهات" والسعي إلى تطوير قدراتها في التصدي لها، من خلال "وجود جبهات إسناد في لبنان والعراق واليمن".
الميدان مؤشر آخر
وعلى الصعيد الميداني تتأكد النيات الحوثية مواصلة التصعيد من خلال ما أعلنت عنه وزارة الدفاع اليمنية التي قالت إن قواتها أحبطت مساء الخميس محاولات عدة للحوثيين في الجبهة الجنوبية لمحافظة مأرب تزامناً مع الرد على مصادر نيران معادية في عدة جبهات.
وذكرت الوزارة في بيان أن "القوات المسلحة أحبطت محاولة تسلل للميليشيات في قطاع البلق"، مشيرة إلى تكبيدها عدداً من القتلى والجرحى، إضافة إلى تدمير عدد من آلياتها.
وفي منطقة الأعيرف في الجبهة ذاتها قالت وزارة الدفاع إن "الميليشيات الحوثية واصلت أعمالها العدائية باستهداف مواقع قواتنا باستخدام المدفعية الثقيلة، مما أسفر عن مقتل جندي"، كما صعدت جماعة الحوثي "أعمالها العدائية باستخدام القصف المدفعي وقذائف الدبابات والطيران المسيَّر وصواريخ الكاتيوشا في جبهات عدة جنوب وشمال وشمال غربي المحافظة".