رحلة عمرها 24 سنة إلى حطام تيتانيك.. كيف نجا «جيلين» من الموت في المحيط؟ (خاص)
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
لم تكن رحلة الأمريكي مايكل جيلين إلى حطام سفينة تيتانيك قبل أكثر من 24 عامًا مجرد مغامرة للاستكشاف والاستمتاع فحسب، بل هي ساعات واجه خلالها الموت، إذ سافر إلى حطام السفينة بمشاعر متناقضة بين الخوف والقلق والمغامرة، ليكون شاهدًا على واحدة من أغرب الأماكن في العالم، وأشهر حادثة بحرية في التاريخ.
«جيلين» أول صحفي يسافر إلى حطام سفينة تيتانيك الغارق في قاع المحيط الأطلسي على مسافة تصل إلى 4000 متر، وأول إعلامي في التاريخ يقدم تقريرًا مباشرًا من سفينة تيتانيك الغارقة، يقول: «عندما تلقيت الدعوة راودني على الفور شعورين متناقضين، الأول هو الخوف من الماء، والآخر الفضول والمغامرة، فقبلت الدعوة في النهاية لأرى الحطام، وأرى ما فعله المحيط بهذه السفينة التي كانت في يوم من الأيام صرح عظيم».
وغرقت سفينة تيتانيك يوم 15 أبريل عام 1912، وكانت تُعرف حينها بـ«الأضخم»، كما سماها البعض «غير القابلة للغرق»، لكن الجبل الجليدي، وفقًا للروايات، كان سببًا في غرقها بالكامل، وراح ضحيتها أكثر من 1500 شخص كانوا على متنها، في الكارثة المحفورة في الأذهان لأكثر من قرن من الزمان.
استعد جيلين للرحلة بقلب قلق ومغامر، واحتضنته الغواصة الروسية مير 2، التي صُممت خصيصًا للصمود أسفل قاع المحيط حيث الضغط الهائل، والذي يمكن أن يؤدي إلى انفجارها، وهي غواصة يوجد منها عدد قليل فقط في العالم، وتتسع لـ3 أشخاص، وخلال الرحلة كان معه قائدها الروسي «فيكتور»، وصديقه البريطاني «بريان»، وفقا لما رواه مايكل جيلين لـ«الوطن».
دخل جيلين الغواصة هو وبقية الطاقم، وكانت صغيرة للغاية، فاستلقى هو و«بريان» على بطونهما، وأمامهما نافذة صغيرة مستديرة يرون بها كل شيء حولهما، بينما جلس القائد على مقعد بينهما.
كانت الغواصة «مير 2» موجودة على سفينة، وتم إلقاءها بعد صعود الطاقم في مياه المحيط، وبدأوا في النزول ببطء بسرعة ميل واحد في الساعة تقريبًا، واستغرقوا ساعتين للوصول إلى حطام «تيتانيك»، وكان الظلام يسيطر على رحلة الهبوط بالكامل، إلا بعض الأوقات كان يشعل قائد الغواصة الأضواء: «عندما كان يشعل فيكتور الأضواء كنت أرى القليل من الأسماء البحرية، وأيضًا قطع صغيرة تشبه الثلوج تتساقط فوقنا، وهو مشهد كان رائعًا لكن المثير هو أن هذه القطع التي تشبه الثلوج هي فضلات الأسماك والكائنات البحرية».
وبينما كان الطاقم ينتظر الوصول، سمعوا صوت ارتطام هادئ، فقام القائد بتشغيل الأضواء الخارجية للغواصة، وحينها ظهر كل شيء.
الوصول إلى «تيتانيك»رأى «جيلين» رمالًا لونها فاتح، وعدد قليل من الكائنات الحية، نجوم البحر الصغيرة والحساسة التي تتميز باللون الأبيض الساطع والأسماك الطويلة النحيلة، واستمر قائد الغواصة في التحرك.
وبعد دقائق رأى جدارًا معدنيًا أسود عليه أزرارًا ضخمة مستديرة تشبه المسامير المعدنية: «في البداية كنت في حيرة، لم أكن أعلم ما هو الجدار المعدني، لكن بعدها سمعت صوت فيكتور يصرخ ويقول، تيتانيك، لقد وصلنا إلى حطام السفينة».
ظلام وبرودة.. وسور «تيتانيك»كان الظلام يسيطر على المنطقة بجوار حطام سفينة تيتانيك، فأشعة الشمس تخترق مياه البحر لمسافة من 400 إلى 600 قدم فقط، وكانت الغواصة تتعرق من الداخل، بسبب برودة أعماق المحيط والتي تعمل على تكثيف رطوبة الهواء داخل الغواصة: «عندما وصلنا إلى حطام السفينة، كنا في الجزء السفلي من مقدمتها، وببطء، عندما وصلنا إلى الجزء العلوي، رأينا السور الشهير، إنه السور الذي تراه غالبًا في الصور وفي فيلم تيتانيك».
حين وصل إلى أعلى السفينة، طلب «جيلين» من القائد التوقف للصلاة الصامتة على أرواح من فقدوا حياتهم على متنها: «لقد كان عاطفيًا جدًا التجربة التي جعلتني فجأة أشعر أن هذا لم يكن مجرد حطام سفينة، ولكنها مقبرة مائية».
تآكل أجزاء من «تيتانيك»في بداية رحلته إلى الحطام، كانت الأمور تسير بسلاسة شديدة، إذ تدرب على رحلته لأيام طويلة، وخلال تفحص السفينة، فوجئ بتآكل أجزاء عديدة منها، وهي بكتيريا تسمى هالوموناس تتغذى على المعدن الصدئ.
بدأ «جيلين» وطاقمه في التحرك إلى الجزء الخلفي، والذي يبعد 600 متر تقريبًا عن الجزء الأمامي من السفينة، وبينهما منطقة تسمى «حقل الحطام»، فبعد تحطم السفينة، سقطت جميع محتوياتها وأدوات الركاب في القاع.
مواجهة الموتوحانت اللحظة التي لم تكن في الحسبان، علقت الغواصة «مير 2» بعد أن اصطدم في جزء حديدي بالسفينة، وسقطت قطعة ضخمة من المعدن الصدئ عليهم، يحكي: «أدركت على الفور أننا في وضع حياة أو موت، نظرت أنا وبريان إلى بعضنا البعض، لكننا لم نتحدث إلى القائد فيكتور، كان يركز ويحاول إخراجنا من المأزق».
محاولات عديدة استمرت لإخراج الغواصة، استمر الأمر أكثر من نصف ساعة، حينها شعروا بأنهم سيموتون مع حطام السفينة: «قولت لنفسي بأن الأمر قد انتهى، سنموت، تخيلت نفسي أنضم إلى جثث كل من فقدوا حياتهم على متن تيتانيك، الذي ما زال ميتًا حتى يومنا هذا في قاع المحيط الأطلسي، شعرت بقشعريرة، وفكرت في زوجتي الشابة، كانت ذكرى زفافنا بعد أيام فقط، كان قلبي ثقيلًا من الحزن وبدأت في الاستسلام لمصيري».
الخروج من المأزقوبعد فترة قصيرة، تغيرت الأمور، نظر إليهم «فيكتور» قائلًا بابتسامة ارتياح لن ينساها طوال حياته: «حسنًا.. لا مشكلة»، هنا بدأت الغواصة بالتحرك وخرجوا بأمان من المأزق: «بعد أن عدنا إلى سطح البحر، تحدثنا عن ما حدث، وعلمت أنه كان يتمتع بخبرة كبيرة كغواص، واعتاد أن يكون في مثل هذه المواقف، وبفضل مهارة فيكتور العظيمة الآن أنا على قيد الحياة».
كيف وصف جيلين الضغط في قاع المحيط؟أحضر جيلين معه خلال الرحلة قرصًا مضغوطًا للموسيقى التصويرية لفيلم تيتانيك الشهير، والقهوة وأكواب ورق، ولمعرفة مدى تأثر الضغط الشديد أسفل قاع المحيط، يقول «جيلين» إن الأكواب تحولت من حجمها الكبير نسبيًا إلى حجم مضغوط صغير: «أحضرت هذه الأكواب إلى المنزل، وحتى يومنا هذا، كلما سألني أحد عن مدى خطورة ضغط المياه الذي واجهته في قاع المحيط الأطلسي، كل ما أفعله هو أن أريهم أحد هذه الأكواب، كما يقول المثل الصورة تساوي ألف كلمة».
مشاعر متناقضة في أثناء رحلة جيلين التي رواها لـ«الوطن» خلال رحلته إلى حطام سفينة تيتانيك الشهيرة، التي راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص، وهي رحلة لا ينوي تجربتها مرة أخرى، فذكرياتها ستدوم معه مدى الحياة: «هذا هو المكان الذي فقد فيه عدد لا يحصى من الناس حياتهم أو شاهدوا أحبائهم يفقدون حياتهم في تلك الليلة المظلمة والمأساوية، لقد صدمني بشدة الخراب في وسط اللامكان، في فم هذا البحر الهائج الذي لا يرحم، كان مشهد السفينة آخر شيء شاهده الضحايا قبل وفاتهم».
جملة واحدة يصف رحلته إلى «تيتانيك»يصف الصحفي الأمريكي رحلته إلى حطام السفية في جملة واحدة، قائلًا: «لقد كدت أن أموت في أثناء فحص أنقاض ما كان المهندسون يتباهون به ذات يوم، يقولون إنها سفينة غير قابلة للغرق، رحلتي إلى تيتانيك أظهرت لي هشاشة الحياة وغطرسة البشرية».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: تيتانيك حطام تيتانيك غرق تيتانيك المحيط الأطلسي فی قاع المحیط حطام السفینة رحلته إلى إلى حطام أکثر من
إقرأ أيضاً:
ما الذي يدفع مايكروسوفت إلى إغراق خوادمها في قاع المحيط؟
مشروع "ناتيك" (Natick) هو مشروع بحثي أطلقته شركة مايكروسوفت بهدف فهم فوائد وتحديات نشر مراكز البيانات تحت الماء التي تعمل بالطاقة البحرية المتجددة.
وبدأ المشروع عام 2015 حين ألقت مايكروسوفت بحاوية "ناتيك" التي تحوي خوادم قبالة سواحل كاليفورنيا لعدة أشهر، وذلك بهدف معرفة ما إذا كانت الخوادم ستنجو من هذه الرحلة، وقد كانت حاوية دائرية تعمل بالطاقة المتجددة ومقاومة للضغط وعوامل الطبيعة.
واستمرت هذه الجولة من التجارب مدة طويلة بهدف إثبات قدرة الشركة على إنجاز هذه المهمة على نطاق عملي يمكن تصنيعه وإنتاجه للاستخدام في العالم الحقيقي.
وكان التحدي الأول الذي واجهته مايكروسوفت هو إنشاء مركز بيانات لا يتطلب إشرافا مباشرا، لأنه في حال وجود أفراد فسيتطلب الأمر مراعاة عوامل مثل الأمن والأكسجين والبيئة والإضاءة، لذلك قررت استخدام نظام إضاءة معزول لتشغيل مركز البيانات عن بُعد، أما التحدي ثاني فيتمثل في إمكانية إزالة الخوادم وإعادة تدويرها أو استبدالها بعد انتهاء عمرها الافتراضي.
وفي عام 2018 أغرقت مايكروسوفت مركز البيانات بشكل كامل بخطوط كهربائية وألياف ضوئية على عمق 35 مترا في قاع البحر الأسكتلندي، وكان يحوي 864 خادما و27.6 بيتابايتا من البيانات -مع العلم أن 1 بيتابايت يساوي مليون غيغابايت- وبعد عامين أعلنت مايكروسوفت عن نجاح تجربتها واستخرجت حاوية "ناتيك" مغطاة بالطحالب والأعشاب البحرية من قاع البحر الأسكتلندي.
إعلانوأكدت مايكروسوفت أن حاوية محكمة الإغلاق في عمق البحر يمكن أن تكون أكثر عملية من مراكز البيانات على اليابسة، لأنه على اليابسة قد يحدث تآكل وصدأ نتيجة الرطوبة وتقلبات الحرارة والصدمات والأخطاء الناتجة عن استبدال المكونات المعطلة، وكل هذه عوامل تساهم في تعطل المعدات.
وتدعي مايكروسوفت أن معدل فشل مراكز البيانات تحت الماء كان ثُمن نسبة الفشل على اليابسة، مما يُعد إنجازا كبيرا، ويجب الوقوف عند هذه النقطة نظرا لصعوبة وصيانة الخوادم محكمة الإغلاق في قاع البحار.
مستقبل مراكز البيانات تحت الماءلا يزال مشروع "ناتيك" في مرحلة الدراسة في الوقت الحالي، وتخطط مايكروسوفت لنشر مراكز البيانات تحت الماء لمدة تصل إلى 5 سنوات نظرا لعمر الخوادم الافتراضي، وبعد كل دورة مدتها 5 سنوات ستستخرج الحاوية وتزودها بخوادم جديدة وتعيدها لقاع البحر، وتعمل مايكروسوفت على تشغيل مراكز بيانات بعمر افتراضي لا يقل عن 20 عاما، بحيث يكون المركز مصمما لاستخراجه وإعادة تدويره.
ويتمثل مستقبل مراكز البيانات تحت الماء في تقليل استهلاك الطاقة واستخدام الطاقة المتجددة وزيادة الاستدامة، وهذه فرصة رائعة للشركات لنشر مراكز بيانات تحت الماء صديقة للبيئة وتعمل بكفاءة أكبر.