السفارات التابعة للإتحاد الأوربي، و بريطانيا تتعامل مع السودان منذ بداية الفترة الإنتقالية، كمقاطعة إستعمارية بإمتياز، من خلال سفراء وبعثاتها الدبلوماسية التي وجدت الخرطوم بلا أي رقيب أو حامل لأجندة وطنية.

سياسات السفارات هذه ليست منفصلة عن تصورات استعمارية موغلة في التطرف إتجاه السودانيين وعززتها تسابق القوى السياسية التي تدعي المدنية و الخطاب الرسمي لحكومة حمدوك من أجل كسب هذه اللوبيهات.

التي توغلت بطريقة جعلت من دواوين الدولة السودانية مجرد حديقة خلفية، لواجهات، التمويل التي كانت تدعم حكومة الفترة الإنتقالية حتى 25 أكتوبر 2021م.

ليست هذه أولى الإتجاهات لسياسات الإتحاد الأوربي الفاسدة فقد بُنيت عملية الخرطوم 2016 على فكرة أن عبء منع الهجرة وإدارتها يجب أن يقع على منطقة المنشأ. تدعم عملية الخرطوم هذه السيطرة على الهجرة من قبل الدول الأفريقية ، بدلاً من إصلاح الجهات الحكومية الأوربية التي يساهم سلوكها في الهجرة.

تعمل عملية الخرطوم على توسيع حدود الاتحاد الأوروبي إلى الدول الأفريقية وتفريغ مسؤولية إدارة تلك الحدود على إفريقيا ، ومكافأة تشديد الضوابط وتقليص عدد المهاجرين الوافدين إلى الاتحاد الأوروبي، من خلال دفع الأموال سواء للحكومات أو تعزيز القوات غير النظامية من خلال الصفقات المشبوهة مع بعض القادة.

ساهمت هذه الأموال في جعل الدعم السريع أكثر قدرة على التجنيد المستقل، مما ساهم في زيادة نفوذ حميدتي، بعدها لتأتي الإمارات بقبوله في حرب اليمن، والتي بدأت منها زيادة رغبات حميدتي في السعي نحو السلطة.

ساهم الإتحاد الأوربي وبريطانيا، في تعزيز سياسات قوى إعلان الحرية و التغيير التي استفاد منها حميدتي بشكل مباشر، ومن هنا أخذت سفارات الإتحاد الأوربي تعزز بشكل غير مباشر دعم حميدتي في الذهاب إلى السيطرة على الدولة. من خلال سياساتها في التعامل مع السودان و الإنتقال.

مع بداية ما يعرف بالعملية السياسية ظلت الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوربي تعمل على زعزعة إستقرار الدولة من خلال فرض رؤى دستورية محددة ساهمت في تشكيل مسارات سياسية مغلقة، حطمت العملية الإنتقالية فهي تعترف بفصائل سياسية دون غيرها و تتحالف معها على خطوات سياسية كان يجب أن تكون للسودانيين فقط كأصحاب قرار.
مع مجيء الحرب في الخامس عشر من أبريل و التي كانت محصلة عملية سياسية فاشلة رعتها الآلية الرباعية و دول الإتحاد الأوربي لم تعي هذه الدول الدرس بالرغم من الإختراق المهم الذي تم من خلال منبر جدة.

أغفل الإتحاد الأوروبي و بريطانيا دور الإمارات عن عمد، و عززت من السرديات السياسية التي تعزز من إنقسام الدولة السودانية وتسريع سيناريوهات التقسيم مما يكشف نوايا الدول الداعية لهذا المؤتمر.

إن دعوة الإمارات لهذا المؤتمر ماهو الا زيادة شرعية دعم دبلوماسية التخريب التي ترعاها الإمارات في المنطقة و إعطاء شرعية القتل وحجب الضمير الإنساني و العالمي عن سياسات الدعم السريع العسكرية التي تستهدف المواطنين و تعمل على تهجيرهم.

يمثل المؤتمر سابقة خطيرة في تعزيز سياسات التقسيم التي من شأنها أن تدخل المنطقة في سيناريوهات قد تشعلها لعقود قادمة. بسبب التغافل عن الحكومة السودانية ومناقشة شأن متعلق بدولة ذات سيادة و تتمتع بكامل عضويتها في الأمم المتحدة.

فرنسا عبر سفارتها في الخرطوم، والتي يتضح من خلال السفيرة الفرنسية في السودان أنها متطرفة و شخصية متعنتة تتخذ مسار دبلوماسي سيء يعمق من الأزمة في إنها تكافئ الدعم السريع على ما قام به خلال عام إتجاه المواطنين في السودان و يقوم به حالياً في الجزيرة و قرى سنار. فلم تصدر الخارجية الفرنسية أي تعليق واضح ضد جرائم الدعم السريع، الا من خلال تعليقات هزيلة.

إن المؤتمر ولد ميت، فهو لن يقوم بفعل جديد بل سيتجه إلى تعقيد الموقف السياسي و يعمق من أزمة المواطن السودان، ويقع على عاتق الدولة السودانية أن تواجه هذا التحالف الوضيع، وإطلاق القدرات الدولية و التحالفات الراسخة مع السودان، لأن تعزز.

فمثل هذه المؤتمرات تؤكد أن الفاعل الخارجي لا يهتم بإستقرار السودان أو حتى شأن المواطن السوداني الذي استباحه الدعم السريع و قام بارتكاب أبشع المجازر في حقه.
عموما يبدو أننا أمام منعطف جديد في تاريخ السودان، و الذي يجب أن يظهر القادة السياسيين في السودان جدية في التعامل مع الأزمة، و ترك مساحات الوهن السياسي وبناء خطوات إستراتيجية نحو إغلاق أي طرق لتقسيم الدولة.
#ParisConspiracy

حسان الناصر

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الإتحاد الأوربی عملیة الخرطوم الدعم السریع فی السودان من خلال

إقرأ أيضاً:

تاح تاح تاح تحسك بالسلاح”: الأغنية السياسية في الحرب (2-2)

ملخص
جاء الغناء عن حب الوطن في السودان مدراراً ومن بابين، الأول هو حب مطلق مثل “أمتي يا أمة الأمجاد والماضي العتيق”، أما الثاني فهو ما نعى فيه المغنيون غربتهم عن الوطن في المهاجر وذاع ذيوعاً كبيراً خلال أيامنا في واقع النزوح الاستثنائي المأسوي بعد الحرب.
أما سيدة الأغنية السياسية ليومنا للقوات المسلحة فهي الفنانة ندى القلعة. فلا يمر يوم إلا ولها عبارة عن طبيعة الجيش من جهة خوضه الحرب العادلة ومؤسسيته مقارنة بـ”الدعم السريع”، أو جغرافيا المعارك وانتصارات الجيش. فميزت القوات المسلحة بميلادها في شرعية الدولة وتخرج ضباطها في الكلية الحربية “مصنع الرجال” في قولهم، واستحقوا صفة “جنابو” بخلاف ضباط “الدعم السريع” الذين نالوا رتبهم كفاحاً بما عرف بـ”رتب الخلاء”:
حبابو
القالو ليهو جنابو
حباب القوة الجايا بالشرعية
حباب الكاكي الدخلو ليه الكلية
وتطرق الفنانة ندى باب التاريخ الوطني لتضع انتصارات القوات المسلحة في سياقها، بل لترد على مزاعم “الدعم السريع” مثل أنه خرج ليقضي على دولة 56 التي ظلمت هامش السودان ظلماً كثيراً، فقالت:
ستة وخمسين دحرنا ظلم وحقب
العلم رفرف وأزهرينا خطب
و”أزهرينا” هو الزعيم إسماعيل الأزهري أول رئيس لوزراء السودان خلال الفترة الانتقالية 1954-1956، والذي اشتهر بأنه رافع علم استقلال السودان. ثم جاءت بواقعتين من نضال السودانيين ضد القوى الأجنبية، فكانت الأولى هي اغتيال المك نمر زعيم شعب الجعليين على النيل الأوسط، لإسماعيل باشا نجل الخديوي محمد علي باشا في 1822. فكان إسماعيل بعد غزو السودان التقى بالمك وطالبه بضرائب أثقلت عليه، ولما احتج رمى إسماعيل بغليونه على وجه المك فأضمرها المك وقبل بدفع ما عليه. وليرضى عنه إسماعيل دعاه لتناول العشاء بداره، وأحسن الطعام لهم والشراب، وكان قومه يزربون ديوانه بالحطب في هذا الأثناء، وبإشارة منه أشعلوا النار فيها لتحرق إسماعيل ومن معه. فقالت ندى “حرقناه فحم”.
أما إشارتها الثانية فكانت إلى مستر هارولد ماكمايكل مفتش شمال مديرية كردفان خلال العشرينيات والسكرتير الإداري للحاكم العام الإنجليزي لاحقاً، الذي أمضى أمراً أغضب الناظر عبدالله وجاد الله، زعيم شعب الكواهلة والمقاتل تحت راية مهدي السودان، فنزع قلم المفتش من يده وكسره. وصار الناظر يعرف بـ”كسار قلم مكميك” (ماكمايكل). وفي فروسيته نظمت مستورة بت كوكو أغنية لا تزال موضع إعجاب كثير. وقالت ندى القلعة عنه “رايو مكملو كسار قلم مكميك”. وللأغنية مطلع:
احترامو وجب
دا شعب صعب
رغم أنو عظيم إلا غضبو كعب (كأب، قبيح).
مين بيقدرنا، “أفارقة زنج عرب”
وتعقد ندى القلعة فتوح القوات المسلحة عقداً في غنائها. فلها أغنية تبدأ بـ”العصا” (أي المطلع) التقليدي لأغنية الفروسية:
أنا يا ليل هوي الليلة
وهي التي يرقص الرجال “العرضة” على وحي حماستها رقصة يبدون فيها على مشية الصقر الفخور.
وتحصي في أغنياتها المدن التي استردها الجيش من “الدعم السريع” كل بصفتها، فأم درمان مثلاً “بناسها مركز الفراسة”. وقالت عن مدينة مدني، خشو (أي “الدعم السريع”) مدني غلطة وكانت أكبر ورطة.
وتعود في أخرى لتطلع فيها بـ”عزة تفخر بأولادها”، و”عزة” هذه عائدة إلى شاعر الحركة الوطنية خليل فرح الذي تقدم ذكره، فـ”عزة” عنده هي الوطن. ومضت ندى القلعة تعدد متحركات القوات المسلحة الأخيرة التي فكت الحصار عن معسكرات القوات المسلحة، فتذكر أنه بفضل هذه المتحركات “الإشارة (سلاح) قالدت القيادة”. ونوهت بتسلم الجيش لمصفى الجيلي. وتذكر أسلحة الجيش واحداً بعد واحد، المدفعية والعمل الخاص وأمن يا جن (هكذا يصف أفراد جهاز الأمن والاستخبارات مؤسستهم). ووثقت لاندياح الجيش شمال مدينة الخرطوم بحري:
شرق النيل دي بجيها جية
بخش الشمس حية
دي بحري بجيها جية
شمبات دي بجيها جية
وللدعامة غرزة وكية
وتتسرب عبارات القوات المسلحة إلى غنائها، فذاع في أوقات حصول الجيش على تسليح أحدث جاء في وقته عرف بـ”العدة الجديدة”، فقالت ندى:
أديك النجيضة
وكلو بالعدة الجديدة
بل وتتوقف عند لحظات درامية في المعركة. فكان الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقف في فيديو راج عند كبري بيكة بمدينة مدني، وقال إنه قال للطيار إن كان بوسعه أن يرسل صاروخاً يدخل في فجوة في الجسر اختفى فيها جماعة من “الدعم السريع”، ففعل. فقالت ندى:
طيارنا سويت البدع
صاروخك بالملي بيقع
سوخوينا (السوخوي) والميج الطلع
الدعامي من صوتو اتخلع
لا أعتقد أن مساعي المجتمع الدولي لإيقاف الحرب في السودان عدت هذه الأغاني السياسية التي تغذي الحرب باستنفار بوسيط الإبداع لقيم الفروسية في المحاربين وغير المحاربين. وليست هذه التعبئة قاصرة على القوات المسلحة. فبين قوات “الدعم السريع” جنس من غناء الفروسية تضطلع بها نساء عرفن بـ”الحكامات” (مفردها حكامة). بل ذاع قبل مدة أن واحدة منهن خلعت لباسها وقالت إنها لن ترتديه إلا حين يأتي لها فرسانها وعليهم غار النصر. بل كان أول الالتفات لدور هؤلاء الحكامات خلال نزاع دارفور في العقد الأول من هذا القرن. فعادة ما حملت مقررات مجالس الصلح التي سعت إلى طي الخلاف توصية بإقناعهن بالتوقف عن تلك الحماسة الضارة للرجال. فالحرب لا تخاض في ميدانها، إنها تخاض غناء كذلك. فلهؤلاء الفنانات قول حتى في أدق دقائق الحرب. فلما حمل المجتمع الدولي على القوات المسلحة لتفاوض خرجت الفنانة ميادة قمر الدين بأغنية “ملوك القل”:
تاح تاح تاح تحسم بالسلاح
ما في مفاوضات ودا الكلام الصاح
للحرب القائمة في السودان ثقافة، وهي ثقافة للحماسة واستحقار الموت للقضية. فترى جنود القوات المسلحة والمستنفرين والجمهور “يعرضون” على وقعها متشربين معانيها ريثما يعودون للميدان من جديد. وهي ثقافة محجوبة عن “المبعوث الخاص” الذي يعتقد أنه يعرف كيف يطوي صفحة حربنا بأمر تكليفه العالي.

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • صحة السودان تتابع المستشفيات التي دمرتها الدعم السريع
  • السودان.. الجيش يتقدم شرق الخرطوم
  • السودان.. حرب الهويات والغنيمة
  • مجـ.ـزرة في مستشفى .. قصف قوات الدعم السريع يودي بحياة 6 ويصيب 38 في الخرطوم
  • السودان.. مصرع 6 أشخاص في قصف مليشيا الدعم السريع مستشفي بالخرطوم
  • مصادر: مقـ.تل قائد كبير لميليشيا الدعم السريع
  • تاح تاح تاح تحسك بالسلاح”: الأغنية السياسية في الحرب (2-2)
  • معركة الفاشر هل تكون فاصلة ؟
  • وزير الخارجية السوداني: جيشنا في طريقة لتحرير الخرطوم وحسم الحرب
  • السودان يتعرض لأكبر عملية نهب وسرقة تتم في العالم في القرن الواحد والعشرين