أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنبر الولادة القيصرية (4)
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
وثقت رسامة الكاريكاتير الفلسطينية أمية جحا في يومياتها ذات الـ10 أجزاء التي تنشرها الجزيرة نت، الأوضاع الإنسانية القاسية التي تدور أحداثها خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لا سيما محيط مستشفى الشفاء، الذي وصفته منظمة الصحة العالمية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في تقريرها الدوري بأنه "منطقة موت".
بين يديك عزيزي القارئ الحلقة الرابعة من اليوميات، التي تنشر تباعا على مدى الأيام المقبلة وتروي فيها سيدة فلسطينية من حي النصر، برج زغبر بمدينة غزة، ما شاهدته من أحداث، وقد نزحت إلى مستشفى الشفاء بغزة (حتى آخر تواصل معها قبل اقتحام المستشفى للمرة الثانية يوم 18 مارس/آذار 2024)، وافترشت بلاط المستشفى البارد في انتظار النجاة.
الأحد 29 أكتوبر/تشرين الأولاستيقظ أغلب نساء عنبر القيصرية 3، على صوت أمل، وهي تطلب منهم الاكتفاء بالنوم، وإزاحة فراش النيام وأغراضهم التي في الممرات، ليتسنى لها تنظيف المكان. فالساعة الآن الثامنة صباحا. لا تعرف أمل أن أغلب النازحين ناموا سويعات قليلة، بسبب أخبار القصف في أحياء الشيخ رضوان والشاطئ وتل الهوى، وكلها أحياء فيها أقارب لهم، كما أنها تعد محيطة بالمستشفى. أمل عاملة نظافة، تجمع في شخصيتها بين الشدة والحزم، وبين بشاشة الوجه، حتى وهي غاضبة، لذلك تلقى قبولا من الجميع.
تعمل أمل في تنظيف القسم من الساعة السابعة صباحا وحتى السابعة مساء. وأحيانا بالعكس. شابة أخرى تُدعى تكوين، عاملة نظافة أيضا، تقوم بالدور ذاته في يوم آخر، ترتسم الابتسامة دوما على شفتيها، حتى وهي تحمل كيسا ضخما من القمامة. وهذا النظام تم العمل به في حالة الطوارئ، التي يمر بها مستشفى الشفاء، منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. هذا ما أخبرتني به المسؤولة عن عاملات النظافة، السيدة كفا محسن (أم العبد).
أم العبد وكل العاملات يُقمن في المستشفى كنازحات أيضا في فترة الحرب فقط، إذ يصعب عليهن العودة لبيوتهن البعيدة عن المستشفى، بعد الانتهاء من العمل. كثيرات منهن تعرضت بيوتهن للقصف، أم العبد ذاتها فقدت اثنين من أحفادها، وأصيب عدد اخر من أفراد عائلتها. يتقاضى عامل النظافة ما بين 25 إلى 30 شيكل في اليوم الواحد. إنهم يبذلون جهدا مضاعفا عشرات المرات فترة الحرب، مقارنة بما قبلها. لقد كانت مسؤولية التنظيف قبل الحرب، تنحصر في غرف المرضى فقط، أما الآن، فهم يتحملون تنظيف ما يخلّفه النازحون أيضا، الذين يزاحمون المرضى حتى في غرفهم وحماماتهم.
لقد كنت مع كثيرين غيري من النازحين، نقوم بمسؤولية التنظيف في أماكن إقامتنا، فكان النازحون يكنسون ويمسحون البلاط، حتى الصغار كانوا يقومون بتجميع القمامة ووضعها في أكياس، ثم تسليمها لعاملة النظافة. كان الصغار يلبسون القفازات الجلدية وهم يجمعون القمامة. كان من الأهمية بمكان اهتمام النازحين بأمر النظافة الشخصية في المستشفى، تفاديا لانتشار الحشرات والأمراض بينهم، خاصة مع وجود آلاف الأطنان من القمامة على أبواب المستشفى، وداخلها وخارجها، التي تراكمت بسبب تعطيل الاحتلال لكثير من مركبات البلدية، من خلال القصف والقتل العمد لعمال البلدية.
هذا عدا طفح المجاري، التي كانت تتسبب بانتشار الروائح الكريهة جدا في أرجاء المستشفى، خاصة في ساعات المساء. أم العبد مسؤولة عاملات النظافة، تقول إنه رغم مشاحنات بعض النازحين، فإن التعليمات من إدارة المستشفى كانت بضرورة استيعاب كل أمزجة النازحين، ومراعاة ما يمرون به من ظروف قاسية.
أقسى ما كان يمر به النازحون هو الافتقار لنظافة أغلب الحمامات لعدة أسباب:
كون تلك الحمامات داخل غرف المرضى، بلا شبابيك خارجية، تُدخل النور والشمس حال انقطاع الكهرباء. مما يجعل أمر الدخول فيها وقت الظهيرة، أشبه بدخول نفقٍ حالك الظلام. مما يستدعي جلب كشافات إنارةٍ خاصة لكل نازح يريد قضاء حاجته.
كان في تلك الحمامات شفاط الهواء الكهربائي لشفط الروائح الكريهة، وهذا أيضا لا يعمل خلال الساعات الطويلة لقطع الكهرباء.
انقطاع المياه أيضا لساعات طويلة تجعل المراحيض في حالة يُرثى لها، إلى أن تتوفر المياه في ساعة متأخرة من المساء، ومن ثم يتم تنظيفها.
ترك بعض الأمهات لصغارهن، أن يقوموا بقضاء حاجتهم بأنفسهم، دون مرافقتهم، والتأكد من نظافة المكان وراءهم. ورغم ذلك، كان كثير من النازحات يتطوعن لتنظيف الحمامات، بل ويقمن بشراء المنظفات، مما جعل لهن نوعا من الأولوية دون بقية النازحين لاستخدامها، في أي وقت شاؤوا.
قبيل المغرب، كنت قد جلست مكاني بعدما قام النازحون بتنظيف أماكنهم وبسط فراشهم. والعاملة أمل تقوم بتنظيف المطبخ، الذي يستعمله أغلب النازحين، كانت بالوعة المطبخ قد تعرضت للانسداد، بسبب تراكم بقايا الطعام، مما جعل أمل تنفذ تهديدها المتكرر بإغلاق المطبخ -الذي هو بالأصل خاص بالممرضين في العنبر- في حال لم يلتزم النازحون بتنظيفه جيدا بعد استعماله.
أنا لم أستعمل هذا المطبخ مطلقا طيلة مكوثي في المكان، بل لم أدخله. أنا أريد دخول مطبخي الذي كان، قبل أن يدمر الاحتلال كل مقومات الحياة لي ولشعبي الذي لا يبحث عن الطعام، بقدر ما يبحث عن الحرية والكرامة فوق أرضه.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
حماة تكتب صفحة جديدة.. احتفالية النصر بذكرى الثورة في ساحة العاصي
حماة ذكرى الثورة 2025-03-16sanaسابق ارتفاع عدد ضحايا انفجار حي الرمل الجنوبي في اللاذقية إلى 16 قتيلاً و18 جريحاً انظر ايضاً أهالي حمص في ذكرى الثورة: الشعب السوري واحدحمص-سانا واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد، شعار لطالما صدحت به حناجر السوريين قبل 14 …
آخر الأخبار 2025-03-16ارتفاع عدد ضحايا انفجار حي الرمل الجنوبي في اللاذقية إلى 16 قتيلاً و18 جريحاً 2025-03-16لأول مرة بعد سقوط الطاغية… السوريون يحتفلون بذكرى انطلاق الثورة في ساحة الأمويين 2025-03-16محافظ اللاذقية ومدير المكتب السياسي يزوران قرى بريف جبلة لتعزيز السلم الأهلي 2025-03-15حمص تحتفي بالذكرى الـ ١٤ لثورة الحرية في ساحة الساعة الجديدة 2025-03-15إعادة افتتاح سوق الحجاز مول في درعا بعد انتهاء أعمال إعادة التأهيل 2025-03-15احتفاءً بالذكرى الرابعة عشرة للثورة السورية المباركة… الآلاف يحتشدون احتفالاً في ساحة العاصي بحماة 2025-03-15الاحتفال بالذكرى الـ 14 لانطلاق الثورة السورية يحظى بتغطية إعلامية واسعة 2025-03-15ضمن احتفالات الذكرى الـ 14 للثورة السورية… مسير كشاف يجوب شوارع حمص 2025-03-15وزارة المالية تمدد مهلة تقديم البيان الضريبي للمكلّفين عن عام 2024 إلى الأول من حزيران القادم 2025-03-15احتفالاً بالذكرى الـ 14 للثورة السورية المباركة… مسير مركبات في شوارع حمص
صور من سورية منوعات العرقسوس والتمر الهندي… عصائر رمضانية شعبية في حماة 2025-03-11 تيك توك تستأنف خدماتها في الولايات المتحدة بفضل ترامب 2025-01-20فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |