التغييروفوبيا: هل فشلت الثورات أم فشل المؤرخون لها؟ (2-2)
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
ذاعت فينا عبارة إننا فشلنا في ثوراتنا الواحدة تلو الأخرى حتى أدمناه. ولم نراجع هذا القول بفشل ثوراتنا وحيثياته نقدياً وأخذناه عمياناً أمسكوه عكازاً. وزكت الدوائر الأكاديمية أخيراً كتاباً مبتكراً في تحليل فشل الثورات للمؤرخ البريطاني كرستوفر كلارك عنوانه "الربيع الثوري... أوروبا المشتعلة والنضال لعالم جديد 1848-1849" (نيويورك: كراون 2023) قال فيه "إن نجاح الثورات الأوروبية وفشلها سؤال طارد الكتابة التاريخية عنها لأجيال"، ومن رأيه إن القول بفشل الثورة هو من صنع المؤرخين للثورات.
وعملاً بقول كلارك فربما كان هذا النعي للثورة السودانية بالفشل من صنع من كتبوا عنها، وفشل الثورة دون تحقيق مقاصدها موضع اتفاق بين كتّاب سودانيين قيموا أثرها في حياة أهلهم، وسنركز على كتاباتهم عن ثورة أكتوبر 1964 لأنها أول الثورات والكتابة عنها أكثر من غيرها، فقال عميد الصحافة السودانية محجوب محمد صالح الذي رحل منا منذ أسابيع إنه ينطبق على ثورة أكتوبر القول إنها "ثورة لم تكتمل"، وهكذا تم حسابها على عودتنا من النتيجة المنتظرة منها في صناعة سودان جديد بخفي حنين، وكل شيخ وله طريقة في بيان كيف قصرت الثورة من دون الغاية وفشلت. وعرضنا لنظرا حسن عابدين وسلمان محمد سلمان وعبد الوهاب الأفندي ممن قالوا بفشل ثورة أكتوبر أو بسوء فهمها. ووقفنا عند ما في الحلقة الماضية عند تفشيل النور حمد لثورة أكتوبر.
اتفق الأكاديمي النور حمد مع غيره في أن "ثورة أكتوبر" لم تحقق من شعاراتها التي رفعتها شيئاً يذكر، وجاء النور لمعنى الثورة الخديج بقوله إنها "سرعان ما أجهضت بعد أربعة أشهر من قيامها وأجهزت عليها الانتخابات العاقبة بعودة الأحزاب التقليدية للحكم على غير توقعات القوى الحديثة التي قامت الثورة على أكتافها". وجاء النور في تقييمه بمحاكمة تلك القوى المتطرفة التي أشعلت العداء للأحزاب التقليدية وطوائفها، في حين لا تملك هي التأثير القوي الذي تملكه الطائفة ولا البديل الحقيقي للطائفية، والثورة عند النور لم تفشل وحسب بل كان فشلها متعدياً على التاريخ من بعدها أيضاً، فقال إنه متى نظرنا إليها في سياق صورة السياسة السودانية المجملة سنرى تلك الثورة أعادت عقارب الساعة إلى الوراء، فهي قد أعادت النظام الديمقراطي الأعرج الذي ظلت تسيطر عليه القوى الطائفية منذ لحظة الاستقلال، فأدخلت المسيرة السياسية في سلسلة من الممارسات المعوجة والأخطاء القاتلة، كان حصادها النهائي وصول الإسلاميين إلى السلطة في البلاد.
أما تشوش المؤرخين حيال "ثورة أكتوبر" فأظهر ما يكون عند كاتب مصقع مثل منصور خالد، الأكاديمي والسياسي ذو الصولات، لا في ما بين كُتبه بل وللغرابة في كتاب واحد من كتبه الكثيرة، فقال في كتابه "النخبة السودانية وإدمان الفشل، الجزء الأول" (صفحة 42) إنه يطلق على أكتوبر صفة "الثورة" للتبسيط لا غير، فالثورة عنده صناعة للتاريخ ولها مقومات لم تتوافر فيها، إلا أنه ذهب في صفحة 75 من الكتاب نفسه مذهباً اختلف 180 درجة عنه في صفحة 42، فسماها ثورة صريحاً بتحفظ عابر على محدودية ميثاقها وصفويته، ولكنه قال إنه لا يعادلها في الخطر التاريخي سوى مؤتمر الخريجين (1938) الذي لعب دوراً مميزاً في الحركة الوطنية ضد الاستعمار الإنجليزي، فقوامها شارع تقوده قوى حديثة مصممة على الانعتاق من ربقة القديم إلى رحاب الجديد، وهو انتقال إلى لب السياسة، فكانت الثورة عليه صيحة لنبذ الرث القديم ومقدمة لأجندة عريضة لإعادة بناء السياسة السودانية بواسطة قوى حديثة مدعوة لشحذ فكرها ومنهجها.
وعدد الجديد الذي جاءت به "ثورة أكتوبر"، فهي عنده أبرزت قضية الجنوب كأولى قضايا الحكم والسياسة بانعقاد مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965، وحولت بشكل عام الخلاف من اقتتال حول الكراسي إلى خلاف حول جوهر الحكم، وفرضت ما سماه "عدوى التغيير" على القوى التقليدية فصارت تلهج بالاشتراكية مثلاً ولو لغطاً.
قال الشاعر الدبلوماسي محمد المكي إبراهيم في أغنية ذاعت على لسان الموسيقار محمد وردي منذ الثورة إلى يومنا كالنار في الهشيم، "كان أكتوبر في أمتنا منذ الأزل"، وهي لمن نظر إلى أبعد من أرنبة عاجل أمره معنا منذها إلى يومنا، وهو ما عناه كلارك بقوله إن الثورات ليست مثل الجلوس لورقة امتحان تنجح فتكرم أو تفشل فتهان وتفرغ من الأمر، فالثورة لم تكن وحسب، بل هي كائنة في ما بعدها من تاريخ إلى الأبد أيضاً، فميز منصور خالد "ثورة أكتوبر" بأنها أبرزت قضية جنوب السودان في مؤتمر مائدة مستديرة بحضور أفريقي وعربي مهيب في فبراير (شباط) عام 1956، فلم تعد بعده القضية شغب صفوة جنوبية يوسوس لها المبشرون المسيحيون كيداً للإسلام.
ولم ترع دولة الإنقاذ (1989) حرمة هذا الوعي فجاهدت الحركة القومية الجنوبية لتسلم لها عن يد صاغرة، حتى اضطرت إلى التفاوض معها في اتفاق السلام الشامل (2005) الذي منحها حق تقرير المصير وعبرت به للانفصال، وتلك قصة أخرى.
وبتأثير "ثورة أكتوبر" وسعتها للديمقراطية نشأت حركات الهامش مثل نهضة أبناء دارفور واتحاد جبال النوبة ومؤتمر البجا، وخاض الأخيران الانتخابات العامة عام 1965 وما بعدها بكسب مرموق منها، ولم تثبت هذه المنظمات عند النضال المدني طويلاً واختارت حرب التحرير في ظروف جفت فيها الديمقراطية.
أما أمر منح "ثورة أكتوبر" حق المرأة في التصويت فعجيب، لأن فيه مصداقاً لقول كلارك إن "القوى المتصارعة لا تخرج من الثورة على حالها وكأن الثورة فاصل ونواصل"، وخلافاً لذلك تخرج هذه القوى وقد علق بها من الثورة عالق، وهذا ما حدث للحركة الإسلامية، فكانت رائدات فيها استقلن من الاتحاد النسائي السوداني عام 1954 لأنه طالب قبل انتخابات الحكم الذاتي بمنح المرأة حق التصويت، وقلن إنه مما لا يجيزه الإسلام.
ومن غرائب الصدف أن سعاد الفاتح، الوجه البارز في الانشقاق على الاتحاد النسائي المار ذكره، فازت بعد مرور ثلث قرن من موقفها ضد منح المرأة حق الاقتراع والترشيح بمقعد برلماني في انتخابات عام 1986، وكان وراء ذلك التغير تجديد الدكتور حسن الترابي للحركة الإسلامية بعد صعوده لقيادتها بعد "ثورة أكتوبر"، فقال إنه نظر لتوافد النساء على أروقة الحزب الشيوعي في الانتخابات وغيرها يطلبن التحرر من ربقة التقاليد، وقال في نفسه لماذا لا يكون تحررهن بواسطة الإسلام، فكتب في هدأة السجن كتابه "المرأة بين الإسلام وتقاليد المجتمع" (1973)، وتدارسه مع إخوانه في السجن وخارج السجن وبعض رفاقه خارج السودان في تكتم خشية أن يخرج للعلن فيفسد قبل أن يتوطن في أفئدة الجماعة، فكان جاء فيه باجتهادات جريئة في فقه الإسلام وطنت المرأة في ميدان السياسة كما لم يطرأ للإسلاميين من قبل، وصارت الحركة الإسلامية بعد نشر الكتاب قبلة للنساء، وسمّى الترابي ذلك "كسباً" في كتابه "الحركة الإسلامية: المنهج والكسب (1989). ويروى عن رئيسة الاتحاد النسائي وأول نائبة برلمانية عام 1965 عن اليسار، فاطمة أحمد إبراهيم، قولها بسعادتها لفوز سعاد الفاتح وزميلاتها في برلمان عام 1986، فهن عندها نساء قبل أن يصرن إسلاميات.
ومع ذلك فأكبر أبواب النعي للثورية السودانية واليأس من التغيير في أثرها، وهي الحال التي سمتها كاتبة نبيهة بـ "التغييرفوبيا"، هو المثال الأسطوري الذي حدثنا كلارك عنه والذي نحمله في رؤوسنا عن الثورة كلحظة طلق، ينهض بها طلاب التغيير ويحطمون العالم القديم ويبنون من فوقه دولة تطابق صورتهم لما ينبغي أن يكون عليه العالم، ونسأل سؤال كلارك: "هل من ثورة في الدنيا تطابقت مع هذا المعيار الضيق".
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ثورة أکتوبر
إقرأ أيضاً:
ثورة الشباب العربى بين المسارين الأصلى والمصطنع ومحاولات إجهاضها بين الإسقاط العنيف والهبوط الناعم
د.صبرى محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الإسلامية فى جامعة الخرطوم
أولا: ملخص المقال: إن الموقف السليم، من ثورة الشباب العربى، يتجاوز موقفى الرفض أو القبول المطلقين، إلى موقف تقويمى يميز بين مسارين لها .الأول: أصلى "سلمى- جماهيري". والثاني مصطنع " عنيف أو فوضوى أو تابع للخارج"، وهو محصلة تحريف القوى التى تقف خلف مشروع الشرق الأوسط الجديد " الإمبريالى - الصهيونى " لمسارها الاصلى- مستغله كونه تلقائي - وبهدف إجهاضها. وقد إستخدمت هذه القوى أسلوبين لتحقيق ذلك، الأول هو الإسقاط العنيف - خاصه فى موجتها الأولى، لكنه افرز ظاهر سالبه اثرت سلبا على هذه القوى( كالإرهاب وتدفق اللاجئين على دولها، وعدم الاستقرار وما يلزم منه من فقدها للقدره عل فرض ارادتها على النظم ، وتفاقم التنافس بينها ). لذا لجأت هذه القوى- لتجاوز هذه الظواهر - إلى الأسلوب الثانى " الهبوط الناعم"- خاصه فى الموجة الثانية من ثورة الشباب العربى. وفى هذه المرحله لجأت هذه القوى إلى الجمع بين الأسلوبين ، ومن امثله هذا الجمع حرب السودان، فى مرحلتها الاولى" مرحلة الاعداد وبداية التنفيذ " ، حيث كان من المفترض أن تأخذ شكل تفكيك مسلح للدوله من داخل النظام ، بإنقلاب عسكرى من قوة مسلحة، تعتبر - بحكم القانون- جزء من المؤسسة العسكرية، وكان قادتها جزء من النظام، وبواجهه مدنية، تتمثل فى القوى المدنية المتحالفة معها.ورغم فشل هذه المرحلة-وبالتالى فشل هذا الجمع بين الاسلوبين- ورجحان كفه أسلوب الإسقاط العنيف ، من خلال إستمرار محاولة التفكيك المسلح للدولة، لكن من خارج النظام ، بعد أن أعتبرت قوة متمردة، وفقد قادتها مناصبهم فى النظام . إلا أن هذه القوى، لا تزال تحاول تحقيق بعض التوازن بينهما، من خلال سياسات متعددة . وايضا من امثله هذا الجمع بين الاسلوبين إسقاط النظام السورى ، عبر آليات متعدده- تنتمى للاسلوبين- منها تحييد القوى "المحلية والإقليمية والدولية " الداعمة له ، وإطلاق يد القوى المناهضة له ، وتحريك المعارضة المسلحة، واختراق النظام من الداخل...كما أن هذه القوى فى هذه المرحلة، أضافت إستخدام جديد ، لقانون القهر الدعائي " الحصر الثنائي بين الشعار وضده "، والذى طبقته فى مرحلة سابقة فى المنطقة،بهدف التفتيت الطائفى لدولها ، ويتمثل فى الحصر الثنائي بين ما يسمى بالعلمانيين" انصار مذهب العلمانية فى فصل الدين عن الدولة "، وما يسمى بالإسلاميين " انصار مذهب التفسير السياسى للدين- الإسلام السياسى- الذى يختزل الدين فى بعده السياسى- وبالتالى يجعله الوسيلةوالسلطة الغاية - ويتطرف فى اثبات علاقه الدين بالدوله ، فيجعلها علاقة خلط وتطابق، وليست علاقه ارتباط- عبر مبادئ الوحى الكليه- من جهه، وتمييز - ببن التشريع والاجتهاد- من جهه اخرى"، ويلزم من هذا الحصر تفاقم الإستقطاب والصراع، وبالتالى مزيد من التفتيت. ويتمثل هذا الإستخدام الجديد فى توحيد المعارضه المسلحه، المكونه من اسلاميين وعلمانيين، لاسقاط النظام.... وانتقال ثوره الشباب العربى من موجاتها الكميه " التى تاخذ حركتها شكل رد فعل: تلقائي - عاطفى - مؤقت" ، إلى موجات كيفية " تأخذ حركتها شكل فعل: قصدى- عقلانى - مستمر "، هو الضمان الوحيد ، للحيلوله دون القضاء على موجاتها المستقبلية، وتحريف مسارها إلى مسار يخدم اهداف المشروع فى التفتيت " الطائفى - القبلى " للمنطقه.
......
ثانيا: المتن التفصيلى للمقال:
الموقف الصحيح : إن الموقف الصحيح من ثورة الشباب العربى- وغيرها من ظواهر وتجارب إنسانية - يتجاوز موقفى الرفض او القبول المطلقين- وكلاهما من خصائص التفكير الأسطورى- إلى موقف تقويمى- يتسق مع التفكير العقلانى - يتضمن التمييز بين مساراتها المتعددة.
مسارين: ويمكن الإشاره الى مسارين أساسيين لها هما:
أولا : مسار أصلى: جماهيري - سلمى ، يمكن إعتباره إمتداد طبيعى - تلقائي - لمرحلة تفعيل إرادة الأمة على المستوى الشعبى، التى اتاح المجال أمامها، محاولات إلغائها على مستوى الرسمى، خلال مرحلة التعطيل الإرتدادى للنظام الرسمى العربى- على المستوى المحلى- وتطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد " الإمبريالى - الصهيونى"- على المستوى الإقليمى والدولى- منذ العقد السابع من القرن الماضى.
ثانيا : مسار مصطنع: عنيف أو فوضوى أو تابع للخارج، وهو تحريف القوى" المحلية والإقليمية والدولية"، التى تقف خلف هذا المشروع، لمسارها الأصلى، مستغلة انه إتخذ شكل تلقائي" غير مخطط ".
أسلوبين : وهدف هذا التحريف هو محاوله اجهاضها، بإستخدام العديد من الأساليب، وأهمها أسلوبين هما:
أولا : الإسقاط العنيف: بتحريف مسارها إلى مسار عنيف "، يحولها الى صراع مسلح " طائفى- قبلى ". وقد إستخدم هذا الأسلوب- بصورة أساسية- فى الموجة الأولى من موجات ثورة الشباب العربى ، خاصة فى أجزاء النظام الرسمى العربى التى تسود فيها النزعات الطائفية والقبلية"على سبيل المثال فى مواجهة الإنتفاضات الشعبية فى ليبيا، سوريا، اليمن بدايه العقد الثانى من القرن الحالى".
تاثير سالب لظواهر سالبة: لكن هذا الأسلوب ،افرز العديد من الظواهر السالبة، التى تجاوز تأثيرها السالب ، الواقع السياسى العربى، الى ذات القوى التى تقف خلف هذا المشروع ومنها:
اولا: الإرهاب: الذى ساهمت هذه القوه فى إنشاء تنظيماته - أوعلى الأقل تغاضت عن نشؤها - بغرض توظيفها لتحقيق اهداف المشروع، فى التفتيت الطائفى للمنطقه، لكن تأثيرها عليها تضاءل ،عندما قويت شوكتها، وأصبحت مهدد لمصالحها ووجودها، فإضطرت إلى محاربتها ، بهدف تحجيمها ، وليس القضاء النهائى عليها، حتى يتاح لها استخدامها- كلها أو بعضها- لاحقا، لتحقيق اهداف اخرى ، لا تتعارض مع اهداف المشروع فى المنطقة.
ثانيا: اللاجئين : وكلفتهم الاقتصاديه، واثارتهم لمخاوف تغيير التركيبة السكانية للدول الغربية، وتنامي النزعات العنصرية المعادية لهم.
ثالثا: عدم الإستقرار السياسى : وما يلزم منه من اضعاف مقدره هذه القوى ،على فرض ارادتها ،على النظام الرسمى العربى، فى أجزاء عديده منه.
رابعا : تفاقم التنافس بين القوى الدوليه والاقليميه: نتيجه تعدد السلطات داخل الدوله الواحده ، ولجوء كل سلطه لأحد هذه القوى،لدعمها فى صراعها ضد الأخرى.
ثانيا: الهبوط الناعم: اجراء تغييرات شكليه، يشمل تغيير الأشخاص، دون اى تغيير حقيقى للسياسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية... التى تتعارض مع اهداف الإرادة الشعبية للامة. وهو الأسلوب الذى تم إستخدامه- بصورة أساسية- فى الموجة الثانية لثورة الشباب العربى، فى محاولة لتجاوز التأثيرات السالبة للأسلوب الأول" الإسقاط العنيف"."على سبيل المثال فى مواجهة ثوره ديسمبر ٢.١٨ فى السودان، والحراك الشعبى الجزائرى ضد ترشح الرئيس بوتفليقه لولاية خامسة، والحراك الشعبى السلمى المطلبى فى العديد من الدول العربيه كالمغرب ولبنان والعراق... ".
الجمع بين الاسلوبين : وفى المرحلة الحالية ، لجأت القوى التى تقف خلف هذا المشروع - وفى سياق محاولتها إكمال عملية اجهاض ثورة الشباب العربى، والحيلولة دون تفجر موجات جديده لها، ومن ثم استئناف تنفيذ اهداف المشروع، فى التفتيت الطائفى- القبلى للمنطقة- إلى الجمع بين اسلوبى الإسقاط العنيف والهبوط الناعم ، بكيفيات مختلفه ، باستخدام آليات تندرج تحت اطار الاسلوب الاول ،وأخرى تحت إطار الثانى، فى محاولة لتجاوز التاثير السلبى ، للإفرازات السالبة، التى تلزم من تطبيق كل أسلوب على حدى، على هذه القوى.
نماذج:
حرب السودان وإستئناف تفتيت الدوله وإتمام إجهاض الثورة :
استئناف واتمام: فالحرب فى السودان ، والتى اندلعت فى ١٥ ابريل ٢٠٢٣ ، كانت فى مرحلتها الاولى ، محاولة من القوى" المحلية و الإقليمية والدولية"، التى تقف خلف مشروع الشرق الأوسط الجديد " الإمبريالى - الصهيونى "، لتحقيق هدفين اساسيين:
الأول: إستئناف تفتيت الدولة السودانية ، بعد فصل جنوب السودان ٢٠١٣، وتشجيع النزعات الإنفصالية فى مناطق اخرى، بالجمع بين اسلوبى الإسقاط العنيف والهبوط الناعم.
الثانى: إتمام عملية إجهاض ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ، التى تمت فى مرحله سابقه،بالقضاء على موجاتها الاساسية الأولى، بمحاولة الحيلولة دون ظهور موجات اخرى لها ، بإستخدام الأسلوب الثانى" الهبوط الناعم"، من خلال توظيف صراع النخب السياسيه السودانية" المدنية والعسكرية على السواء "، على السلطة،بعد سقوط النظام السابق، وإستعانتها بقوى خارجية فى هذا الصراع .
مرحلة التفكيك المسلح من الداخل والجمع بين الأسلوبين : وقد تمثل هذا الجمع بين الاسلوبين ، فى محاولة تفكيك الدولة السودانية، من داخل النظام ، فى المرحلة الأولى للحرب، من خلال الاعداد والتخطيط ثم تنفيذ إنقلاب عسكرى، تقوده قوه مسلحه،كانت تعتبر بحكم القانون- الذى وضعه النظام السابق - جزء من المؤسسة العسكرية " قوات الدعم السريع، كمليشيا شبه نظامية، شبه قبلية "، وكان قادتها جزء من النظام ، وذلك بالتحالف مع النخب المدنيه، التى فقدت نصيبها من السلطه، فى هذا الصراع، والتى وظفت كواجهه مدنيه فى هذه المرحلة.
فشل الجمع والإنتقال لمرحلة التفكيك المسلح من الخارج : بعد فشل هذه المحاولة - الذى يعتبر أيضا مؤشر على فشل الجمع بين الأسلوببن - تم الإنتقال إلى مرحلة الإستمرار فى محاولة تفكيك الدولة ، من خارج النظام، بواسطه ذات القوة المسلحة - المتحالفة مع ذات النخب المدنية - لكن بعد أن أعتبرت قوة متمردة على المؤسسة العسكرية، وفقد قادتها مناصبهم فى النظام .
ترجيح كفة الأسلوب الاول :وهذه المرحله هى مؤشر على ترجيح كفه الأسلوب الأول " الإسقاط العنيف"- بعد فشل الجمع بين الاسلوبين - ومن ثم استمرار تضرر القوى " المحلية والاقليمية والدولية"، التى تقف خلف المشروع ، من التاثير السلبى للظواهر السلبيه ، التى تلزم من هذا الاسلوب، والتى اشرنا اليها سابقا.
محاوله استعاده التوازن : لكن لاتزال محاولة الجمع بين الأسلوبين مستمرة، من خلال محاوله تحقيق قدر من التوازن فى استخدامهما. وذلك بتطبيق سياسات متعددة منها :
* الإستمرار فى دعم هذه القوة المسلحة ، وتأمين غطاء لإستمرار ممارساتها ، التى تتعارض مع القانون الإنسانى والدولى فى حالة الحرب ، لأنها اصلا قوه غير نظامية، من خلال تبرير هذه النخب المدنية لها، وتغاضى القوى الدولية عنها .
* السعى لتدويل القضية السودانية" تحت شعارات كتدخل قوات دولية لحماية المدنيين، أو انشاء مناطق أمنه بحماية دوليه...".
* الضغط " العسكرى والإقتصادى والسياسى..." على النظام القائم، وتحييد القوى " المحلية أو الإقليمية أو الدولية" الداعمة له، بهدف تفكيكه، أو دفعه لتقديم تنازلات، تكرس او تؤدى أو تمهد لتفتيت الدوله .
* الترويج - بالتنسيق مع النخب المدنيه- لأى سياسات او قرارات تكرس أو تؤدى أو تمهد لتفتيت الدولةوتفكيكها، كالدعوه لتشكيل حكومة منفى، أو سلطة اخرى داخل حدود الدوله السودانيه.
إسقاط النظام السورى و إستئناف تفتيت الدولة واتمام اجهاض للثوره : كما أن إسقاط النظام السورى ، بواسطة المعارضة المسلحة، التى تتكون من مليشيات عسكرية طائفية ، مدعومة من قوى" محلية و اقليمية ودولية" متعددة، هو محاولة من ذات القوى، التى تقف خلف ذات المشروع، لتحقيق هدفين أساسيين هما :
اولا: محاولة إستئناف تفتيت الدولة السورية، بعد تأسيس هذه المليشيات العسكرية لسلطات " طائفية" متعدده ، تحظى بدعم وحماية هذه القوى ، من خلال إتخاذ اى خطوات ممكنه، إتجاه تحويلها إلى دويلات" طائفية "، تجت ذريعة حماية الأقليات.
الثانى : اتمام عمليه اجهاض الثوره الشعبية السورية، التى إندلعت بدايه العقد الثانى من القرن الحالى، التى تمت فى مرحله سابقه، بالقضاء على موجاتها الأولى الاساسية، بتحويلها إلى صراع طائفى مسلح، اى بإستخدام الأسلوب الاول" الإسقاط العنيف"، وذلك بمحاوله الحيلوله دون ظهور موجات أخرى لها، بالجمع بين الاسلوبين.
الجمع بين الاسلوبين : ومحاوله تحقيق هذه الاهداف تم بالجمع بين اسلوبى الإسقاط العنيف والهبوط، من خلال العمل على تفكيك النظام ، من خلال:
* تحييد القوى " المحليةو الإقليمية والدولية " الداعمة له.
* إطلاق يد القوى " المحلية والإقليمية" المناهضة له.
* استغلال قوى " محلية وإقليمية ودولية " للهدنة بين الحكومة المركزية وبين المعارضة العسكرية ، لإعدادها وتاهيلها وتنظيمها،وامدادها بأحدث الاسلحه والتقنيات العسكرية واستخدامها لعنصر المفاجأة فى تحركها العسكرى لاسقاط النظام
* إختراق النظام السورى والمؤسسة العسكرية السورية من الداخل.
إستخدام جديد للحصر الثنائي"بين العلمانيين والإسلاميين" : ايضا قامت القوى التى تقف خلف هذا المشروع ، بإستخدام جديد لقانون القهر الدعائي " الحصر الثنائي بين الشعار ونقيضه "، والذى طبقته فى المنطقة ، فى مرحلة سابقة، كآليه لإجهاض ثورة الشباب العربى، والتفتيت الطائفى لدول المنطقة، من خلال من الحصر الثنائي بين ما يسمى بالعلمانيين ( انصار العلمانية كمذهب قائم على فصل الدين عن الدولة)، والإسلاميين ( انصار مذهب التفسير السياسى للدين " الإسلام السياسى"، الذى يختزل الدين فى بعده السياسى، ويجعله وسيله لغايه " السلطة"، ويتطرف فى اثبات العلاقه بين الدين والدوله - كرد فعل على العلمانيه- فيجعلها علاقة خلط وتطابق- بينما التصور الاسلامى الصحيح أنها علاقه ارتباط- من خلال مبادئ الوحى الكليه -من جهه، وتمييز- بين التشريع والإجتهاد- من جهه اخرى)، والهدف من هذا الحصر الدوران فى حلقه " إستعمارية" مفرغة، يلزم منه تفاقم الاستقطاب " الصراع" المجتمعى، ومزيد من التفتيت. ويتمثل هذا الإستخدام الجديد لهذا القانون، فى توحيد هذه القوى للمعارضه المسلحه، المكونه من اسلاميين وعلمانيين، لتحقيق الهدف المشترك، وهو إسقاط النظام.
ضرورة إرتقاء ثورة الشباب العربى من موجاتها الكمية إلى موجات كيفية: إن ارتقاء ثورة الشباب العربى من موجاتها الكمية، التى تأخذ حركتها شكل رد فعل (تلقائى، عاطفى، مؤقت )، إلى موجات كيفية، تأخذ حركتها شكل فعل( قصدى " مخطط"، عقلانى،مستمر " مؤسسى" )، هو الضمان الوحيد لنجاحها فى المستقبل فى تحقيق اهدافها، والحيلوله دون القضاء على موجاتها المستقبلية، بتحريف مسارها إلى مسار يخدم هذا المشروع، واهدافه فى التفتيت " الطائفى- القبلى" للمنطقه، كما حدث فى موجاتها السابقه...
sabri.m.khalil@gmail.com