إسماعيل هنية ورفاقه يطالبون شعب غزة بالصمود والصبر، بينما أبناؤهم وذووهم يرتعون في فنادق الدوحة آمنين. ذلك هو المحتوى الذي دأبت على ترديده وسائل إعلام وشخصيات سياسية وإعلامية عربية، منذ السابع من أكتوبر، وبشكل يوحي بأنه بلغ مرتبة عين اليقين.
واستخدمت هذه الدعاية المقيتة لتصفية حسابات أيديولوجية وسياسية مع حركة حماس، كان الغرض منها فصل المقاومة عن حاضنتها الشعبية، وتصوير قادتها على أنهم حيتان الدولارات، الذين يضحون من أجلها بشعبهم ويدخلونه نفق الجحيم.
استخدمت هذه الدعاية المقيتة لتصفية حسابات أيديولوجية وسياسية مع حركة حماس
كانت هذه الدعاية هي ديباجة الردود على من يطالب الدول العربية بالتحرك الجدي لإنقاذ شعب غزة من آلة الموت والتضامن مع المقاومة، وراجت هذه الدعاية وصُدقت من قبل البعض، إلا أنه اعترضها خبر استشهاد سبعة من أبناء وأحفاد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بقصف صهيوني على غزة أول أيام عيد الفطر. هنا بطل السحر، ونُسفت الأسطورة، وظهر افتراء المُدّعين على رؤوس الأشهاد، وضاعت المادة الخصبة التي اعتمد عليها إعلاميون وسياسيون اقتاتوها زمنا، فكانت تبرئة لساحة قادة المقاومة من هذه التهمة البغيضة، ودفاعا عنهم ضد ما نُسب إليهم، فلا أجد لذلك مثلا سوى قول أبي تمام:
وإذا أراد الله نشر فضيلة … طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت … ما كان يعرف طيب عرف العود
لكن كيف تعامل الإعلاميون والسياسيون المروجون لهذا الادعاء بعد حادث مقتل أبناء وأحفاد هنية؟
بعض وسائل الإعلام تجاهلت الخبر الذي أوقعها في الحرج، وبعضها مرّ عليها مرور الكرام، دون الإغراق في التفاصيل. بعض الإعلاميين والسياسيين الذين طنطنوا كثيرا حول هذه الفرية التزموا الصمت، وبعضهم أدان الحادث بشكل طبيعي، وكأنه لم يتحدث بالأمس عن تنعم أولاد وعائلة هنية في الفنادق القطرية.
أليست هذه الفضيحة الإعلامية مُلزمة لهم بوقفة تصحيح لمسارهم المهني؟
قطعا لا يُنتظر أن يبدي هؤلاء أسفهم ويتقدمون بالاعتذار للأمة كلها قبل قادة المقاومة، فمن الواضح أنه عداء استراتيجي وتصفية حسابات، لكن أليست هذه الفضيحة الإعلامية مُلزمة لهم بوقفة تصحيح لمسارهم المهني؟ نحن هنا نتحدث عن أخلاق المهنة سواء كانت تتعلق بالإعلاميين أو المحللين السياسيين، الذين يخرجون على الفضائيات ويمطرون المقاومة بالأكاذيب، لا نتحدث عن واجب ديني أو عربي أو إنساني من المفترض أن يقوموا به تجاه فلسطين، وإلا فما الفرق بينهم وبين نظائرهم في الغرب، الذين طيروا في الآفاق أكذوبة قصف المقاومة لمستشفى المعمداني، وأسطورة قتل الأطفال الإسرائيليين، التي روجها بايدن بنفسه فضلا عن وسائل الإعلام!
أكاد أجزم أن إسماعيل هنية كان يستطيع أن يخرج عائلته من غزة بشكل أو بآخر، ولا أرى مانعا له من ذلك إلا الدافع الأخلاقي والقيمي، فليس دم أبنائه وأهله بأغلى من دم سائر شعبه، كما قال هو بعد أن تلقى نبأ استشهادهم.
تلقى هنية هذا النبأ وهو يتفقد الجرحى والمصابين الذين يعالجون في مستشفيات الدوحة، وكانت ردة فعله مثار دهشة واهتمام من قبل الشعوب ووسائل الإعلام العربية والغربية. كنا نتحدث عن ثبات الصحافي وائل الدحدوح ونصفه بجبل غزة، ونعتبره يمثل ذروة الصمود للفلسطينيين، وقد فقد زوجته وثلاثة من أبنائه وحفيده، واستمر في عمله إلى وقت خروجه للعلاج في قطر، لكن ثبات وصبر إسماعيل هنية فاق كل تصور.
الرجل كان يتفقد الجرحى، فجاءه نبأ استشهاد أبنائه الثلاثة وأحفاده الأربعة دفعة واحدة، لم يزد على أن نظر إلى الأرض برهة ثم دعا لهم، وأصر على استكمال برنامج الزيارة وكأن شيئا لم يصبه.
ثم يتحدث في تصريحات أعقبت الحادث عن كون هذه الآلام والدماء ستصنع المستقبل، وأن دماء أبنائه وأحفاده الذين لم يغادروا القطاع وأضيفوا إلى ستين من شهداء عائلته، ليست بأغلى من دماء شعب فلسطين، وأنها لن تزيدهم إلا إصرارا على استكمال الطريق.
ثم يفاجئنا بصورة له مع زوجته الراقدة في المستشفى لتلقي العلاج، بعد أن أخبرها بالنبأ، وظهرا معا يلوحان بعلامة النصر وابتسامة الرضا والصبر على وجهيهما. إسماعيل هنية بشر يتألم كما يتألم البشر، ويقينا كان يكتم حزنه وهو يدلي بهذه الكلمات، ويقينا كان الألم يعتصر قلبه وهو يتلقى النبأ، لكن الرجل يعلم أنه في موقع المسؤولية، وأن ثباته وصبره وصموده سوف يكون له أثره الإيجابي على شعب غزة.
هذا الثبات الملحمي لا يمكن أن يكون إلا لصاحب قضية وهبها نفسه وماله وراحته وأهله وكل ما لديه
هذا الثبات الملحمي لا يمكن أن يكون إلا لصاحب قضية وهبها نفسه وماله وراحته وأهله وكل ما لديه، ليس هذا حال عبيد المال والشهرة وزخرف الدنيا، ليس هذا حال قادة يتاجرون بدماء شعوبهم.
الذين يريدون لأعضاء المكتب السياسي أن يوجدوا على أرض غزة ليتشاركوا الموت مع أهلها، وإلا فهم الجبناء الخانعين المتاجرين بالدماء، هؤلاء بأي منطق يفكرون، بأي قلم يكتبون، بأي خلقٍ يهمزون ويلمزون؟!
إن لم يكن أعضاء المكتب السياسي بعيدا عن استهداف آلة الدمار، فمن يفاوض على الأوضاع في غزة مع الوسطاء والأعداء، هل ستخرج القيادات الميدانية للقسام من الأنفاق وتستقل طائرة خاصة تحلق بها في سماء غزة تعبر بها إلى حيث طاولة المفاوضات؟ فما لهم كيف يحكمون.
قطعا لن يكف أصحاب هذا الاتجاه العدائي عن شيطنة المقاومة ورجالها، لكن ما يهمني هو الجماهير التي تتعرض لهذه المواد المضللة، ينبغي أن تكون على قدر من الوعي، لا تركن إلى الأحاديث التي تُطلق جزافا بلا إثبات قطعي، فالوقت وقت حرب، ليس هذا بالوقت الذي نستهين فيه بالدعايات ونرددها ونروجها بلا يقين، والله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه هنية غزة المقاومة استشهاد غزة هنية الاحتلال المقاومة استشهاد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إسماعیل هنیة هذه الدعایة
إقرأ أيضاً:
الدكتور إسماعيل عبد الغفار يشارك في فعاليات الأسبوع العربى للتنمية المستدامة في نسخته الخامسة بالجامعة العربية
انطلقت اليوم الأحد فعاليات الأسبوع العربي للتنمية المستدامة، في نسخته الخامسة، بعنوان "حلول مستدامة من أجل مستقبل أفضل.. المرونة والقدرة على التكيف في عالم عربي متطور"، وذلك بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وشارك في الجلسة الافتتاحية للأسبوع العربي للتنمية المستدامة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، وستيفان جيمبرت المدير الإقليمي لمصر واليمن وجيبوني والشرق الأوسط وشمال افريقيا بمجموعة البنك الدولي، وإلينا بانوفا المنسق المقيم للأمم المتحدة بجمهورية مصر العربية، ويوسف خلاوي الأمين العام المنتدى البركة للاقتصاد الإسلامي.والدكتور إسماعيل عبد الغفار رئيس الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى .
وتتناول جلسات هذه النسخة من الأسبوع العربي للتنمية المستدامة والتي تستمر أربعة أيام، أهمية إيجاد الحلول العملية التي من شأنها تسريع وتيرة التنفيذ، عن طريق تعزيز الشراكات الفاعلة التي تدفع نحو تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة العربية وتؤثر بشكل ملموس على معيشة المواطن العربي.
ويتطلع الأسبوع العربي للتنمية المستدامة هذا العام إلى أن يكون حدثًا تحويليًا يعزز القوة الجماعية للدول العربية والهوية العربية، ويبني مستقبلًا مرنًا ومنصفًا ومزدهرًا، لنقوم معًا بتمهيد الطريق لمستقبل عربي يتسم بالاستقرار والاستدامة.
كما ستنظم الجامعة العربية بالتعاون مع منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي النسخة الثالثة من مؤتمر البركة الإقليمي الثالث تحت عنوان "الاستراتيجيات المبتكرة للتخفيف من حدة الفقر: التكامل بين الاقتصاد الإسلامي والتنمية المستدامة"، والذي يهدف الى استكشاف حلول مبتكرة ومستدامة لمشكلة الفقر استنادا على مبادئ الاقتصاد الإسلامي والتي تعزز تطبيق التنمية المستدامة لكافة المجتمعات.
ويأتي هذا المؤتمر في وقت تشهد فيه المنطقة العربية تحولات كبيرة كالتغيرات المناخية، والتحديات الاقتصادية العالمية والأوضاع الجيواستراتيجية الجديدة، وهي عوامل تزيد من حدة الفقر وتستدعي استجابات سريعة وفعالة.
ويسعى المؤتمر إلى خلق منصة تفاعلية تعزز من التعاون الإقليمي بين الدول والمؤسسات، وتبادل الخبرات بين صناع القرار والممارسين بهدف استدامة التنمية في المنطقة العربية، وسيتم استعراض بعض من أفضل الممارسات والنماذج الناجحة من عدد من الدول الأخرى، بالإضافة إلى مناقشة التحديات والعقبات التي تواجه العالم الإسلامي والعربي في تحقيق التنمية المستدامة.
بالإضافة إلى كل ما سبق، تعتزم جامعة الدول العربية بالتعاون مع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي والشركاء تنظيم "المنتدى العربي الإقليمي رفيع المستوى الأول حول الاستدامة وتخفيف المخاطر الاستثمارية في المنطقة العربية".
ويهدف المنتدى إلى معالجة التحديات والفرص المتعلقة بالاستثمار والاستدامة في المنطقة العربية في ظل التوجهات الاقتصادية العالمية، وتغير المناخ، والهشاشة الإقليمية، كما يهدف إلى إنشاء منصة حوار بين الحكومات والمستثمرين والبنوك ووكالات التنمية لتعزيز الاستثمار المستدام، وسيركز المنتدى على تنسيق الجهود لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ودعم التمويل المناخي، وتحسين بيئة الاستثمار بشكل عام.
ويشهد الأسبوع العربي للتنمية المستدامة مشاركة كبيرة من أصحاب المصلحة والحكومات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والشباب الفاعلين في المجالات التنموية، حيث يعتبر الأسبوع العربي للتنمية المستدامة الحدث الأهم على المستوى الإقليمي في مجالات التنمية المستدامة