تداعيات استمرار الحرب .. إنهيار قطاع الثروة الحيوانية في السودان
تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT
قال وكيل وزارة الثروة الحيوانية في السودان حسن التوم إن الثروة الحيوانية في البلاد فقدت خلال عام من الحرب الكثير من مقومات القطاع بسبب تدمير ونهب البنيات التحتية.
الخرطوم ــ التغيير
و أقر التوم بإنهيار قطاعي الدواجن واللحوم، وفقدان الكادر البشري وسلالات نادرة من الحيوانات.
و مع تطاول الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وإكمالها عامها الأول و تمددها من العاصمة الخرطوم إلى العديد من الولايات،خرجت غالبية قطاعات الإنتاج العامة والخاصة عن الخدمة جراء تعرّضها لعمليات نهب وتدمير واسعة في الأشهر الأولى لاندلاع الصراع، وطالت تلك العمليات كبرى الشركات والمصانع والبنوك، في حين تراجعت حركة الصادرات، خصوصاً الزراعية وصادرات الماشية.
و كان قد أوضح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية في السودان «أوتشا»، في بيان، إن البنك الدولي توقّع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 12 في المائة «لأن الصراع أوقف الإنتاج ودمّر رأس المال البشري وقدرات الدولة».
وأشار البيان إلى أنه «جرى تعديل توقعات النمو للسودان بانخفاض مقداره 12.5 نقطة، حيث ألحق النزاع المسلح الضرر بالقاعدة الصناعية والمرافق التعليمية والصحية»، مشيراً إلى أن «الحرب تسببت في انهيار النشاط الاقتصادي، بما في ذلك الخدمات التجارية والمالية، وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات».
وتقسّم الصادرات السودانية إلى 3 أقسام، أولها الثروة الحيوانية، و60 في المائة منها في إقليم دارفور. أما القسم الثاني، وهو الزراعة، فيستحوذ الإقليم أيضاً على 30 في المائة منها، كما يستحوذ على 40 في المائة من قطاع التعدين. وتتوزع البقية على ولاية نهر النيل شمال السودان وولاية البحر الأحمر شرقاً.
الوسومالإنتاج الثروة الحيوانية الحرب الصادر اللحومالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإنتاج الثروة الحيوانية الحرب الصادر اللحوم
إقرأ أيضاً:
هل السيادة تختزل في الخرطوم وحدها؟
يوقن الجميع أن الخرطوم تمثل المركز الإداري والسياسي والاقتصادي للسودان، حيث تتركز فيها المؤسسات الحكومية، الجامعات، المطار الدولي، والمقار الرئيسية للقطاعين العام والخاص. وهذا يجعلها محور الإهتمام في أي صراع على السلطة، ويُنظر إليها كمفتاح للتحكم في الدولة. فإن معركة الخرطوم الجارية حالياً ليست سوى جزء من مشهد أوسع يشمل كامل السودان.
فالتركيز لغرض السيطرة على العاصمة قد يعطي انطباعًا بأن السيادة تُحسم هناك، بينما الحقيقة أن البلاد مترامية الأطراف، وهنالك مناطق أخرى تشهد نزاعات، وتملك تأثيرًا أكثر على مستقبل الدولة واستقرارها.
فالسودان كدولة متعددة الأقاليم والثقافات تحتاج إلى رؤية شاملة تتجاوز مركزية العاصمة، خاصة أن الأطراف كانت دومًا جزءًا أساسيًا من المعادلة السياسية والتاريخية. فمعارك كلاً من دارفور، كردفان، النيل الأزرق، وشرق السودان كلها تعكس صراعات على الموارد، التمثيل السياسي، والهوية الوطنية. إذا كان الصراع في الخرطوم يُنظر إليه على أنه معركة من أجل "شرعية الحكم"، فإن بقية الوطن تخوض صراعات من أجل الاعتراف، التوزيع العادل للسلطة والثروة، والعدالة الاجتماعية. السؤال الحقيقي .. هل يمكن لأي طرف من الأطراف المتصارعة أن يفرض سيطرته على السودان دون الكسب لبقية الأقاليم؟
يصور أنصار المؤتمر الوطني المحلول أن حسم المعركة في الخرطوم هي بمثابة الإنتظار ولا يرون في بقية أقاليم السودان مكونات جميعها تشكل الوطن الواحد فهم بذلك لا يعترفون بالتعدد في السودان. هذا التصور يعكس العقلية المركزية التي لطالما حكمت السودان، حيث يتم اختزال مفهوم الدولة في العاصمة، وتُهمَّش بقية الأقاليم سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا. هذا النهج يعبر عن أزمة قديمة في السودان، حيث كانت السلطة دائمًا تُدار من المركز، بينما تُترك الأطراف لمصيرها، سواء من حيث التنمية أو التمثيل السياسي العادل.
وهي رؤية وتصور يرجع إلى ورقة قدمها الاقتصادي الاسلامي عبد الرحيم حمدي ما تُعرف بـ "ورقة حمدي" أو "مثلث حمدي" قدمها وزير المالية الأسبق في عهد نظام المؤتمر الوطني (الكيزان)، حيث طرح رؤية اقتصادية ركزت على ما أسماه "المثلث الحيوي" الذي يشمل الخرطوم، الجزيرة، النيل الأبيض، نهر النيل، والشمالية، معتبرًا أن هذا المثلث هو الأكثر قابلية للنمو الاقتصادي، وهو ما أثار جدلًا واسعًا. رغم أن الطرح جاء من منظور اقتصادي، إلا أن تبنيه ضمن سياسات الدولة ساهم في تكريس التهميش لبقية الأقاليم، مثل دارفور، كردفان، الشرق، والنيل الأزرق. فهذه الورقة قد عززت النزعة المركزية وأعطت شرعية لسياسات الإقصاء، مما أدى إلى مزيد من الصراعات بسبب شعور تلك الأقاليم بعدم الاعتراف بها كجزء أساسي من الدولة. وأدى التركيز على مثلث حمدي إلى غياب التنمية المتوازنة، مما فاقم النزاعات وأضعف الولاء القومي وساعد في ترسيخ مفهوم السودان ذو الهوية الأحادية، متجاهلًا التنوع الثقافي والاثني.كان أحد الأسباب غير المباشرة في انفصال جنوب السودان، حيث تم تعزيز السياسات التي جعلت التنمية والاستثمار موجهين نحو المركز، مما أدى إلى تعميق الإحساس بالظلم بين الأطراف الأخرى. لذا فإن من التعقل فهم وإدراك ما يحتاجه من رؤية تنموية شاملة تعترف بجميع أجزاءه وكما قال الشاعر "كل أجزاءه لنا وطن إذ نباهي به ونفتخر"، بحيث يتم توزيع الخدمات والاستثمارات بعدالة، بدلًا من التركيز على مناطق معينة. فالنهج الذي رسخته "ورقة حمدي" لم يكن مجرد تحليل اقتصادي، بل تحول إلى أداة سياسية لصناعة التفاوت التنموي والاقتصادي، وهو ما أدى إلى تفكك الدولة بدلًا من استقرارها.
لذا فإن إنكار التعددية يعني إنكار السودان الحقيقي فالسودان ليس مجرد الخرطوم، بل هو مزيج من شعوب وثقافات متعددة، تمتد من دارفور إلى الشرق، ومن النيل الأزرق إلى أقصى الشمال. لكن الرؤية الأحادية التي تبناها أنصار المؤتمر الوطني المحلول تسعى إلى فرض تصور معين للوطنية يقوم على إقصاء الآخر، وهو ما أدى تاريخيًا إلى النزاعات المستمرة والانفصالات والصراعات المسلحة. فما الذي يعنيه انتظار الحسم في الخرطوم؟ هذا المنطق يفرض بأن السيطرة على الخرطوم هي السيطرةعلى السودان بأكمله، لكنه يغفل حقيقة أن الأطراف باتت أكثر استقلالية في قراراتها وتوجهاتها، وأن أي مشروع وطني لا يشمل الجميع سيظل هشًّا ويعرضه للانهيار. السودان الآن في حاجة ماسة إلى رؤية جديدة تتجاوز عقلية الهيمنة المركزية وتعترف بالتعددية كحقيقة لا يمكن القفز فوقها أو تجاهلها. فهل يمكن للسودان أن يتجاوز هذه الأزمة إذا استمرت هذه العقلية في السيطرة أم لا؟
د. سامر عوض حسين
samir.alawad@gmail.com