عندما اعتليتُ أعظم قمم العالم، أدركتُ حقيقة بالغة الأهمية: أن العجائب الحقيقية لا تقتصر على طبقات الجو العليا، بل تكمن في قلب العالم، حيث يحجب الظلام روائع لا تُرى. مؤخرًا خُضتُ رحلةً إلى “هانج سون دونج” في فيتنام، أكبر كهف في العالم. لقد أذهلتني تلك التجربة وأنا أنزل إلى فوهته الهائلة، شعورٌ لا يقلّ روعة عن لحظة وصولي قمة إيفرست.

وبينما كانت الشمس تغيب، أضاءت أشعتها الغابات الخضراء والأنهار والصواعد والهوابط الممتدة تحت مستوى الأرض في مشهد بديع يبعث على التأمل في قدرة الطبيعة الخلّاقة.

لكن “هانج سون دونج” أكثر من مجرد معلم طبيعي فاتن؛ إنه مَعلمٌ حيوي نابض بالحياة. يمتد الكهف على مساحة هائلة ويضم عالمًا كاملاً مخبأً في الضباب والغموض. إن اتساعه يسمح بتشكّل مناخٍ داخلي فريد، حيث تمطر وتتساقط الثلوج داخله. تملأ السحب سماءه تدريجيًا ويتخلل الضباب غرفه كخيوطٍ غامضة. هذا المكان يحمل عبق التاريخ، إذ بقي على حاله تقريبًا عبر العصور، ومع كل منعطف تتجدد فرص الاكتشافات المذهلة.

يجب عليك أن تغوص في أعماق كهف هان سون دونغ لتدرك حقًا عظمته. يمكنك العثور على غابة بدائية فريدة في هذه المنطقة، مختبئة بين تكوينات صخرية قديمة. إنها تظهر مدى قوة الحياة. لم أستطع التخلص من الشعور بأنني كنت في عالم مختلف حيث يتوقف الزمن وتحكم الطبيعة بينما كنت أستكشف أعماقها.

لكن الخيام المخفية في الغرف الكبيرة للكهف قد تكون أروع ما في الرحلة. يمكن للناس هنا مشاهدة عرض لا مثيل له، حيث يتسلل الضوء الخافت خلالها. ومع تراقص أشعة الضوء على جدران الكهف وإضفائها لمسة ذهبية على الظلام، ستتمالكك الدهشة.
لكن الرحلة لا تنتهي هنا. يعيش أهالي قرية برو فان كيو في بلدة دونغ بطريقة لم تتغير كثيرًا على مر السنين. يستحق المكان زيارة. الناس والبيئة في تنافر، كما يظهر ذلك بكونها في وسط غابة.

يخطط فريق من الخبراء لكل جولة بعناية فائقة ويضمن سلامة جميع الضيوف وسعادتهم. هناك تحديات مثيرة ومناظر خلابة في كل منعطف، مثل السير عبر مسارات غابات كثيفة وعبور أنهار خطيرة.
عندما بلغتُ قمة “هانج سون دونج”، غمرني شعورٌ عظيم بالامتنان للروائع والمتعة اللتين تكمنان في أعماق هذا الكهف. لطالما كان النداء موجودًا، من قمة إيفرست إلى أعماق المحيط: نداءٌ للانطلاق في رحلة استكشاف. أولئك الذين يتمتعون بالجرأة الكافية للاستجابة له سيكتشفون أموراً مذهلة.

لكن بين تسلق قمة إيفرست والتوغل في جوف “هانج سون دونج” اختلاف شاسع! فالتخييم على قمة إيفرست ينطوي على مخاطر هائلة وعناءً شديد بسبب الظروف المناخية، بينما التخييم داخل غرف الكهف الفسيحة تجربة رائعة تتسم بالسحر والجمال. عندما تستريح في أحضان الكهف، تشعر بالأمان وتحيط بك مناظر خلابة يعجز الوصف عن الإلمام بها. إنه مشهد يختلف تمامًا عن قسوة القمم الشاهقة ووعورتها المستمرة.

فضلًا عن ذلك، يُعد “هانج سون دونج” انعكاسًا حيًا لعظمة العالم واتساع نطاق المجهول فيه. وبينما تذهلنا عجائب هذا الكهف المهيب، فإنه يذكرنا أيضًا بكل الكهوف الأخرى التي لا نزال في صدد اكتشافها. هذه المغامرة بمثابة دعوة لاكتشاف ما في “هانج سون دونج” فحسب، بل استكشاف ذلك العدد الهائل من الكهوف الفاتنة المختبئة تحت الأرض، بما في ذلك عجائب شبه الجزيرة العربية.

حان الوقت الآن لرسم خرائط كهوفنا، ليتسنى للمسافرين الاهتداء إليها والكشف عن أسرارها والمناطق الجديدة التي تنطوي عليها. بعد أن اعتلينا قمم أعلى الجبال، دعونا نتجه نحو الأسفل لنتأمل روائع العالم السفلي.

jebadr@

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: قمة إیفرست

إقرأ أيضاً:

ما وراء دعوة المخابرات الإسرائيلية سكان غزة للتواصل معها؟

أرسل جهاز المخابرات الإسرائيلية مؤخرا عشرات آلاف الرسائل النصية القصيرة على هواتف سكان قطاع غزة يدعوهم فيها للتواصل بهدف تنسيق لقاء مع ضباط إسرائيليين في موقع تتمركز فيه قوات الجيش داخل القطاع.

وتزامنت الرسائل مع حملة إلكترونية مكثفة بث فيها الجيش الإسرائيلي عشرات المنشورات الممولة على شبكات التواصل الاجتماعي لحث الفلسطينيين على التواصل معه، بزعم تقديم مساعدات أو تسهيلات للسفر.

وتمكنت الجزيرة نت من الحصول على تفاصيل ما دار في مقابلات استجاب لها بضع شبان بهدف مساعدتهم في السفر، وكيف تحول مسار اللقاء إلى تحقيق أهداف أخرى.

محور اللقاء

وتواصل الشاب "م ق" الذي يقطن في محافظة وسط القطاع من خلال تطبيق واتساب مع الرقم الذي وصل إلى هاتفه المحمول عبر رسالة نصية، قاصدا الحصول على مساعدات غذائية وتسهيل عملية سفره حال رغبته مغادرة غزة.

وما كان من الضابط الإسرائيلي -حسب المعلومات التي حصلت عليها الجزيرة نت- إلا أن حدد موعدا للشاب قرب نقطة للجيش تقع ضمن المناطق الشرقية عند "محور نتساريم" الذي يسيطر عليه الاحتلال.

وأجبر الجنود الإسرائيليون الشاب على التعرِّي قبل وصوله إلى خيمة المقابلة مع الضابط، وقطع مسافة للوصول للمكان المخصص للقاء، وفور جلوسه قدَّم له الضابط "ساندويتش شاورما" وعبوة كولا وسيجارة، في استغلال واضح لحالة المجاعة التي يفرضها الاحتلال على غزة، حيث يمنع دخول المساعدات الغذائية والصحية ويغلق المعابر منذ مطلع مارس/آذار الماضي.

إعلان

وعلى الفور، بدأ الضابط الإسرائيلي بسؤال الشاب عن أسباب تفكيره بالهجرة، وأبلغه أنه في حال غادر غزة فلن يعود إليها، لينتقل باستفساراته بعد ذلك عن أشخاص يقطنون في الحي الذي يقيم فيه الشاب وطبيعة تحركاتهم في المنطقة، ثم طلب منه المغادرة، وأخبره أنه سيعاود الاتصال به لاحقا.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب طرح خطة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ومن ثم انصب الجهد الإسرائيلي لتشجيع تنفيذها، وهو ما قوبل برفض واسع في الأوساط الفلسطينية والعربية والدولية.

أدوات "رخيصة"

من جهته، حذَّر مسؤول في جهاز الأمن الداخلي في غزة -فضل عدم الكشف عن هويته- من المضامين "الكاذبة والمضللة" التي تحتويها رسائل المخابرات الإسرائيلية، بهدف استدراج المواطنين واستجوابهم لجمع معلومات حول مواقع المقاومة وشخصيات وطنية.

وقال المسؤول الأمني للجزيرة نت إن الحملة الإسرائيلية محاولة فاشلة لاستغلال حاجة الناس وظروفهم الصعبة لتحقيق أهداف أمنية "قذرة"، وتعكس درجة اليأس والاستهتار لدى الاحتلال بأرواح الفلسطينيين، واستخدامه الأدوات "الرخيصة" لاختراق النسيج الوطني الفلسطيني.

وكشف أن ضباط الاحتلال تعاملوا بأسلوب تهديدي واستجوابي "فج" مع من تمت مقابلتهم، وطرحوا أسئلة "أمنية حسَّاسة ومباشرة"، ووصل الأمر إلى تهديد بعضهم بالتصفية الجسدية والقتل إن لم يُدلوا بمعلومات عن شخصيات معروفة.

وحسب المسؤول الأمني الفلسطيني فإن الانهيار الأمني والاستخباري للاحتلال دفعه للجوء إلى أسلوب قديم جديد بإجراء المقابلات بهدف كسر حاجز التعامل معه تمهيدا لتجنيد عملاء له.

وتساءل: كيف سيُسهِّل الاحتلال سفر أشخاص دون وجود جهة لاستقبالهم، ولا يملكون تأشيرات دخول لأي دولة، وليس لديهم إقامات، ولا معاملات جمع شمل؟

 

رهان الوعي

وأكد المسؤول الأمني أن هذه الممارسات تؤكد أن الحديث عن "تسهيلات إنسانية" ليس إلا غطاء لأجندات استخباراتية، ومحاولة إحداث خرق أمني في الجبهة الداخلية الفلسطينية.

إعلان

ولفت إلى أن استجابة بضع أفراد فقط للقاء ضباط المخابرات من بين عشرات آلاف تلقوا رسائل، يعكس وعي المواطنين، رغم ما يعانوه من جوع وحصار وإبادة، ويعد صفعة مباشرة لأجهزة الاحتلال الإسرائيلي.

ووجه المسؤول في الأمن الداخلي نداء للمواطنين في قطاع غزة بعدم التعامل مع أي رسائل مشبوهة تصل إلى هواتفهم أو في مواقع التواصل، لما تشكله من خطر مباشر على حياتهم، وتعد محاولة لاستدراجهم نحو الفخ الأمني.

ويذكر أنه في إطار محاولات المخابرات الإسرائيلية التواصل مع الفلسطينيين في قطاع غزة، ألقت طائرات مسيرة إسرائيلية قبل أيام منشورات ورقية على مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، تحمل أوراقا نقدية فئة 20 شيكل (الدولار يساوي 3.7 شواكل) كتب عليها أرقام للتواصل مع ضابط يدعى "أبو هيثم"، ومرفقا معها شرائح إلكترونية تتبع شركات اتصالات إسرائيلية.

مقالات مشابهة

  • ما وراء دعوة المخابرات الإسرائيلية سكان غزة للتواصل معها؟
  • إيران تعلن تعاوناً مع العراق بشأن النفط و الغاز المصاحب وعمليات الاستكشاف البحري
  • تعدين قاع البحر.. طموح ترامب يهدد أعمق النظم البيئية على الأرض
  • نيبال تفرض قيوداً جديدة على متسلقي إيفرست لضمان السلامة وحماية البيئة
  • دعوة لزيارة معرض مسروقات في شمبات بالخرطوم بحري
  • رئيس الجمهورية تسلّم دعوة لزيارة الكويت
  • دعوة أممية لإنقاذ حل الدولتين
  • أستاذ بجامعة الأزهر: قول مليش دعوة أخطر ما يصيب المجتمعات
  • حضر عقد قرانها.. الرئيس السيسي يلبي دعوة ابنة شهيد من الشرطة
  • كنز مخفي تحت أعماق البحر الأحمر: اكتشاف مستعمرة مرجانية