بقلم: د.فيصل القاسم

لا يمكن لإنسان بكامل عقله أن يحتج على مقاومة الأعداء الذين يحتلون البلاد ويسومون العباد سوء العذاب. والمقاومة كما هو معروف للجميع حق شرعي منصوص عليه في القوانين الدولية. ولا يمكن أن تلوم أو تنتقد أي حركة تقاوم المحتلين في أي مكان من العالم. ولو سلّمنا بحق حركات المقاومة بالحصول على الدعم من أي مكان، فلا ضير إذاً في الدعم الإيراني لبعض الحركات في المنطقة واحتضانها ومدها بالسلاح والخبرات، لكن الأمور تقاس دائماً بخواتمها، أو لنقل يُحكم على مدى صدقيتها في الأوقات الحرجة والمفصلية والتاريخية، فهل يا ترى أن حركات المقاومة المدعومة إيرانياً راضية اليوم فعلاً عن موقف رعاتها وكفلائها؟ وكي لا نذهب بعيداً تعالوا أولاً نعاين الموقف الإيراني الذي يرفع شعارات المقاومة والثورة ومواجهة المستكبرين واحتضان المستضعفين.

هل يا ترى كان بمستوى الحدث الجلل الذي أصاب غزة وشعبها؟ لا أحد ينكر أن طهران دعمت الحركات بالسلاح والمشورة وتدافع عنها إعلامياً وتحتضنها منذ سنوات وسنوات، لكن ألا ينطبق عليها اليوم المثل الشعبي القائل: «وصلتينا لنص البير وقطعتي الحبل فينا»؟ ما فائدة الدعم والتشجيع، وعندما جد الجد، وأصبح الوضع على المحك، تحوّل وزير الخارجية الإيراني وغيره من المسؤولين الإيرانيين أثناء الحرب إلى أشبه بـ»شاهد عيان» أو معلق سياسي؟ لا بل إن كل شعارات المقاومة اختفت من الخطاب الإعلامي الإيراني لتحل محلها الدعوات لوقف إطلاق النار وإحلال السلام؟ سلام أيه يا جدعان؟ لماذا كنتم تشجعون الحركات على المقاومة إذا كنتم دعاة سلام؟ ألم يكن السلام موجوداً قبل الحرب الأخيرة التي أتت على الأخضر واليابس وأحرقت البشر والحجر؟ ماذا استفاد أهل غزة من الدعم الإيراني خلال الستة أشهر الحاسمة في تاريخ القطاع؟ لقد أحرق العدوان الإسرائيلي المدينة عن بكرة أبيها ولم تعد صالحة للعيش، بينما أصبحت الغالبية العظمى من سكانها وهم حوالي مليوني نسمة، لاجئين، ليبدأوا تغريبة فلسطينية جديدة أشد وأعتى. وحدث ولا حرج عن عدد الشهداء المهول من الشباب والأطفال والنساء والعجزة من كلا الجنسين؟ زد على ذلك طبعاً الأسرى والمفقودين والمصابين والذين لم تزل جثثهم تحت الأنقاض.

لا شك أن البعض سيقول لك إن هناك ثمناً باهظاً للحروب من أجل القضية، وهذا صحيح، لكن ما يهمنا الآن هو الموقف الإيراني الذي يضع حوله نحو ملياري مسلم في العالم الآن إشارات استفهام كثيرة، بحيث أصبحت إيران في مواقع التواصل مثاراً للسخرية والتهكم، ليس لأنها فقط تركت حلفاءها يواجهون النار لوحدهم، بل لأنها فشلت حتى في الرد على الهجوم الذي طالها في قنصليتها بسوريا، ناهيك عن أن الإسرائيلي لم يترك على مدى أشهر وأشهر موقعاً إيرانياً في سوريا إلا واستهدفه وقتل كبار الضباط الإيرانيين وأعوانهم. أين فيلق القدس الذي كانت تتباهى به إيران على مدى سنوات؟ لماذا يمر طريق هذا الفيلق في دير الزور والبوكمال وحمص والقصير وحلب ودرعا والسويداء والزبداني السورية، ولا يمر عبر غزة التي هي أقرب إلى القدس بكثير من حلب ودير الزور؟ لماذا لم يعد أحد يسمع صوتاً للفيلق الشهير منذ عملية طوفان الأقصى؟

ولو ذهبنا إلى جنوب لبنان اليوم سنجد أن الدمار الذي ألحقته إسرائيل بقطاع غزة فعلت مثله في الجنوب اللبناني وبأهله، فقد فر عشرات الألوف من سكان المنطقة ولم يبق فيها سوى كبار السن غير القادرين على اللجوء إلى مناطق بعيدة، بينما تبدو القرى اللبنانية المحاذية لحدود فلسطين في وضع مأساوي نتيجة الدمار الذي لحق بها بعيداً عن أعين الإعلام؟ ماذا فعلت إيران لحلفائها في لبنان؟ وماذا يمكن أن تفعل فيما لو، لا سمح الله، وسّعت إسرائيل هجومها على لبنان وحولته إلى أكياس من الرمل كما يتوعد القادة الإسرائيليون؟ لن يكون حظ اللبنانيين أفضل من حظ الغزاويين بالتأكيد.

وفي اليمن يرفع حلفاء إيران شعار التصدي لداعمي إسرائيل، وذلك باستهداف البواخر والسفن التي تمر عبر البحر الأحمر، مما حدا بأمريكا وشركائها الأوروبيين إلى تشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة الدولية، وهو اليوم يدمر ما تبقى من اليمن التعيس بأعتى أنواع الأسلحة، ويكون بذلك الحريق الذي انطلق من غزة قد امتد إلى لبنان ومن ثم سوريا والعراق واليمن بأشكال مختلفة. ماذا يمكن أن تفعل إيران لليمنيين الذين تحرضهم على خصومها في المنطقة عندما يضيق الخناق الأمريكي والأوروبي حول أعناقهم؟ لا شيء طبعاً؟

ماذا فعلت إيران لسوريا المستباحة من الطيران الإسرائيلي الذي يقصفها خمس مرات في الأسبوع وربما أكثر أحياناً قبل الأكل وبعد الأكل؟ هل بقيت قاعدة أو موقع سوري تتمركز فيه ميليشيات إيران إلا واستهدفته إسرائيل وأحرقته بمن فيه؟ ألم تصبح سوريا رمزاً للهوان والذل لأنها تحولت إلى «ملطشة» بسبب الوجود الإيراني فيها؟ ألم يتحول نبأ العدوان الإسرائيلي على سوريا ومطاراتها إلى خبر معتاد ومألوف في الإعلام لكثرة تكراره، بينما تكتفي إيران وجماعاتها بالاحتفاظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين؟

وحتى في العراق، ألا تصطاد الطائرات الأمريكية والإسرائيلية قادة الميليشيات العراقية التابعة لإيران بين الحين والآخر، بينما لا تفعل إيران أي شيء سوى تحريض جماعاتها على إطلاق بعض الصواريخ على مواقع أمريكية بالاتفاق مع الأمريكيين أنفسهم؟ ماذا استفاد العراق من الدعم الإيراني سوى تعريض البلاد والعباد للضربات الأمريكية والإسرائيلية المتواصلة وتحويله إلى ساحات وغى؟

أليس من حق الشعوب أن تسأل اليوم، على ضوء التخاذل الإيراني في حماية حلفائها في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان واليمن: أين أنتم قاعدون؟ لماذا تخليتم عنا في اللحظات الحرجة وتركتمونا فريسة للوحشين الإسرائيلي والأمريكي؟ وإذا ظل الوضع على حاله، فلا شك سيكون من حق الناس أن تسأل أيضاً: هل تحولت بلادنا إلى ملعب كرة قدم، ونحن بمثابة الكرة التي تمرّرها إيران للإسرائيليين كي يسجلوا بها الأهداف المطلوبة؟ ألا يجري تدمير غزة وسوريا ولبنان والعراق واليمن بحجة الوجود الإيراني الذي يملأ الدنيا شعارات مقاومة، بينما لا تستفيد منه الشعوب سوى الخراب والدمار؟

 

كاتب وإعلامي سوري

المصدر: أخبارنا

إقرأ أيضاً:

ماذا تعرف عن ميناء “بندر عباس” الإيراني؟

#سواليف

هز #انفجار هائل #ميناء “ا #لشهيد_رجائي ” أحد شقي ميناء #بندر_عباس بجنوب إيران السبت، أسفر عن إصابة 516 شخصا.

وقال مسؤول محلي معني بإدارة الأزمات للتلفزيون الرسمي: “سبب الواقعة هو انفجار عدة حاويات مخزنة في منطقة رصيف ميناء الشهيد رجائي. نجلي حاليا المصابين وننقلهم إلى المراكز الطبية”.

ولا تزال جهود إخماد الحريق مستمرة، وقالت إدارة الجمارك بالميناء إنه يجري إخلاء الشاحنات من المنطقة وإن ساحة الحاويات التي وقع فيها الانفجار تحتوي على الأرجح على بضائع خطرة ومواد كيميائية”.

مقالات ذات صلة الشرع يكشف عن الرد الروسي على تسليم الأسد 2025/04/26

وأفادت وسائل إعلام إيرانية بأن الانفجار تسبب في تحطيم نوافذ على بعد عدة كيلومترات، وجرى تداول لقطات على الإنترنت تظهر سحابة دخان ترتفع عقب الانفجار.

أهمية ميناء بندر عباس
يقع الميناء في الشواطئ الشمالية لمضيق #هرمز جنوب إيران، في حين يقع ميناء الشهيد رجائي على بعد حوالي 14.5 كيلومترً من الغرب إلى الجنوب الغربي من ميناء بندر عباس.
يعد ميناء بندر عباس، أحد أهم الموانئ الاستراتيجية في إيران، كونه يقع على مضيق هرمز، أحد أهم الممرات البحرية في العالم لنقل امدادات الطاقة، ما يجعله نقطة محورية في #التجارة_العالمية والطاقة.

يسمى الميناء على اسم مدينة بندر عباس جنوب إيران والتي تقع على الخليج العربي. وتبعد عن العاصمة طهران مسافة تزيد على الـ 1300 كيلومتر، وترتبط معها بشبكة سكة حديد مهمة أنشئت في السبعينيات.

#منطقة_صناعية ضخمة
بالقرب من الميناء توجد مناطق صناعية ضخمة مثل مجمع “خليج فارس” للمعادن والصناعات البتروكيميائية، ما يعزز من دوره الاقتصادي، وبحكم موقعه وإمكاناته، أصبح منفذاً مرناً تستخدمه إيران لإعادة تصدير بعض البضائع أو تغيير مسارات الشحن عبر شركات وهمية أو شبكات معقدة.


قاعدة للحرس الثوري
ونظراً لموقعه الحساس، فإن ميناء بندر عباس يحوي مقر قيادة القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، ما يجعله مركزًا رئيسيًا لأي تحركات عسكرية إيرانية في الخليج.

ويمثل الميناء نقطة انطلاق لزوارق الحرس الثوري السريعة التي تستخدم في عمليات المراقبة أو الهجوم على السفن التجارية الأجنبية، فهو ليس مجرد ميناء تجاري، بل هو ورقة ضغط سياسية وعسكرية حيوية بيد إيران، خصوصاً في أوقات التوتر مع الولايات المتحدة وحلفائها، وفق الصحفي المختص بالشأن الإيراني، محمود شعبان.

ميناء “الشهيد رجائي”
أما ميناء الشهيد رجائي الذي وقع فيه الانفجار، فهو أحد الجزأين في ميناء بندر عباس بمحافظة هرمزكان الجنوبية بإيران، ويقع ميناء “الشهيد رجائي” على بعد حوالي 14.5 كيلومتر من الغرب إلى الجنوب الغربي من ميناء بندر عباس.

تبلغ مساحة الميناء حوالي 2400 هكتار، ويتمتع بطاقة استيعابية تصل إلى 70 مليون طن من البضائع سنويًا، وهو رقم يتضمن ثلاثة ملايين حاوية مكافئة.

يتألف ميناء الشهيد رجائي من 23 رصيفاً بعمق 15 متراً، ويغطي المستودع المسقوف الإجمالي مساحة تزيد على الـ 19 هكتارًا من المستودعات المسقوفة. ويتميز الميناء بطول 23.5 كيلومتر من خطوط السكك الحديدية المحلية.


مسؤول عن معظم عمليات الشحن والتفريغ
وميناء الشهيد رجائي مسؤول عن 85 في المائة من إجمالي عمليات التحميل والتفريغ التي تتم في الموانئ الإيرانية، وبحلول عام 2011، احتل الميناء المرتبة الـ44 من بين 3500 ميناء رئيسي في العالم.

ووفقًا للمدير العام لموانئ هرمزغان والمؤسسة البحرية، فقد ارتفع تحميل الحاويات للتصدير من ميناء شهيد رجائي خلال عام 2021 بنسبة 28% مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق.

في أواخر عام 2020، تم توقيع ست مذكرات تفاهم بين المنظمة البحرية والموانئ الإيرانية (PMO) والشركات

مقالات مشابهة

  • ولي العهد يُعزي الرئيس الإيراني في ضحايا الانفجار الذي وقع في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس
  • القيادة تعزي الرئيس الإيراني في ضحايا الانفجار الذي وقع في ميناء رجائي
  • ماذا تعرف عن ميناء “بندر عباس” الإيراني؟
  • اتفاق المنامة السوداني الذي يتجاهله الجميع
  • ماذا بعد ارتفاع خسائر جيش الاحتلال بغزة؟ محللون يجيبون
  • أول اتهام رسمي من الشرعية للمبعوث الأممي بإنقاذ الحوثي عبر حركات مريبة لحظة سقوط المشروع الإيراني ..
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: محاكمة حميدتي بين قانونين
  • ماذا يعني تكرار عمليات المقاومة قرب السياج الفاصل بغزة؟ خبير يجيب
  • الكشف عن المسؤول الأمريكي الذي سيقود المحادثات التقنية مع إيران
  • بسبب منشور عن سلاح المقاومة.. لبنان تستدعي السفير الإيراني