يكتسب يوم 12 أبريل من كل عام أهمية تاريخية قصوى في رواندا. في مثل هذا اليوم من عام 1994، بعد الاستيلاء على جبل نياروراما المعروف أيضًا باسم ريبيرو من قبل الجيش الوطني الرواندي (RPA)، غادرت حكومة الإبادة الجماعية بقيادة ثيودور سينديكوبوابو ورئيس الوزراء عاصمة البلاد وتوجهوا إلى بلدة جيتاراما.

منذ ذلك الحين، وبعد مرور 30 عامًا، لم تعد القيادات التي حرضت وارتكبت الإبادة الجماعية إلى رواندا، ولن تعود أبدًا.

يفي الجيش الوطني الرواندي بالتزامه بمنع تكرار الإبادة الجماعية. بعد ثلاثة عقود، بات بإمكاننا أن نحزن على ضحايانا، وأن نتذكرهم، وفي الوقت عينه يمكننا أن نحيي ذكراهم لأن مرتكبي الإبادة الجماعية هُزموا بشكل حاسم.

خيانة إرث قانوني

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، خصص القانوني البولندي رافائيل ليمكين وقتا طويلا، لدفع البشرية للتفكير بعمليات القتل الجماعي. عمل على إعطاء اسم محدد لجريمة ارتكبت في أوروبا. قام ليمكين بجهد واستطاع في النهاية دفع العالم إلى اعتماد اتفاقية عام 1948 لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. بعد مرور 75 عامًا، هل يستمع العالم إلى صوت ليمكين؟

كما هو الحال دائمًا، الإجابة ليست حاسمة. من الواضح أن من قتل اليهود في أوروبا، يعتبرون وصمة عار على الإنسانية برمتها، لكن لا يزال هناك من لم يدرك معاني الإبادة الجماعية، وكيف ترتكب.

هنا في رواندا، نرى أن أحد مقاييس الالتزام بعمل ليمكين القانوني في تعريف الإبادة، هي مدة الاستجابة للإبادة عند وقوعها وما هي المواقف تجاه الإبادة الجماعية ضد التوتسي.

بدأت الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا قبل عام 1994 بكثير، منذ عام   1959 بالتحديد واستمرت حتى عام 1994. حينها، أعلنت مجموعة سمت نفسها قوة الهوتو /Hutu-Power ما سمته " الحل النهائي"، لما كانت تعتبره "مشكلة التوتسي" في إشارة إلى الروانديين المنتمين لإثنية التوتسي.

وهذا يحيلنا لتساؤل محتمل، كيف يمكن ابتداع مصطلح يتحدث عن "حل نهائي" يقصد به مجموعة ديموغرافية من سكان بلد صغير جغرافيًا في قلب إفريقيا. والإجابة في هذه الحالة، أن "الحل النهائي" ارتكز على محددات اتسمت فيها جميع المجازر وجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت على مر العصور بحق شعوب حول العالم، والتي تبدأ بنية ارتكاب الإبادة نفسها.

الجريمة المروعة التي شهدتها رواندا، ارتكبها الروانديون ضد الروانديين، وقاتلها وهزمها الروانديون أنفسهم.  نحن كروانديين يجب أن نفخر بأنفسنا بأننا هزمنا” فكر الإبادة“.  ويجب الاعتراف أيضًا بأن الأيديولوجيت، الخطيئة الأصلية، قد تم زرعها ورعايتها في أذهان بعض الروانديين، من قبل المستعمرين الأوروبيين.

لولا الاستعمار البلجيكي، ولولا المبشرين الكاثوليك في إفريقيا المعروفين باسم «الآباء البيض»، لما كانت هناك إبادة جماعية ضد التوتسي في رواندا، ولما أنتجت ما تسمى “وصايا الهوتو العشر"، التي صورت التوتسي على أنهم " شياطين وثعابين"، ثم لاحقا باتوا وفق تلك الإيديولوجيا” صراصير“.

ازدواجية المعايير

قد أكون أطلت الشرح إذن، كيف يمكن للعالم الرد على الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا؟

لأن رواندا بلد صغير ليس له تأثير يذكر على العالم، قد يكون من السهل تجاهله. كانت المحرقة ضد اليهود جريمة ارتكبت في الغرب، وهو الجزء الأكثر نفوذاً في عالمنا.

وبينما يتعين على منكري الهولوكوست أن يهمسوا في زوايا مظلمة، فإن منكري الإبادة الجماعية ضد التوتسي الروانديين، يفعلون ذلك في وضح النهار، ويحاولون إعادة كتابة التاريخ أمام أعيننا. يتحدثون في الجامعات، وغالبًا ما ينالون الثناء حتى من قبل منظمات حقوق الإنسان المفترضة، مثل. قرأت مقالًا في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 6 أبريل 2023 كان مليئًا بنغمات الإبادة الجماعية الأيديولوجية. وهكذا هو الحال مع BBC وVOA وThe Mail وGuardian… إلخ. هذا، دون ذكر اليوتيوب والمدونات وتويتر وما يتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

في 6 أبريل 2023، عقد الاتحاد الأفريقي ومجلس السلام والأمن (AU-PSC) جلسة مفتوحة حول منع أيديولوجية الكراهية والإبادة الجماعية وجرائم الكراهية في إفريقيا. فيما يتعلق بالإنكار في ملاحظاتها الافتتاحية لهذا الحدث المهم، قالت السيدة ويريمو نديريتو، مستشارة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالإبادة الجماعية:

" إن إنكار أو تشويه حقائق المحرقة، والإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا وفي سريبرينيتشا، والبوسنة والهرسك هو شكل متطرف من أشكال خطاب الكراهية الذي يمكن أن يشكل في حد ذاته استعدادًا لارتكاب إبادة جماعية أخرى. دعونا لا ننسى أن من ينكر هذه الفظائع غالبًا ما يرمي إلى صرف النظر عن مسؤوليتهم كم هذه الجرائم بمن في ذلك أولئك الذين حرضوا عليها وخططوا لها وأمروا بارتكابها وارتكبوها بحق ".

سيكون موقف بعض الأكاديميين والصحفيين، أنه "ربما كانت هناك إبادة جماعية"، لكنها كانت” أكثر تعقيدًا“. هذا بالطبع هو منطق” قوة الهوتو“، الذي يتسرب من خلال صحفيين سذج. من السهل القول إن” الأمور أكثر تعقيدا“، هل لأنها رواندا فقط. ألهذا لا يهتم أحد بما جرى فيها؟

خلاصة

التعتيم، هو ما قصده مخططو ومرتكبو الإبادة الجماعية، قبل أن يقتلوا ضحيتهم الأولى. لن يعترف أي من المتحمسين لمنظمة "قوة الهوتو" بوقوع إبادة جماعية ضد التوتسي. وكل هذه الأعمال، من إنكار للإبادة" تتم تحت غطاء” المعارضة“، ونشطاء حقوق الإنسان، والعاملين في المجال الإنساني، إلخ…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات إبادة جماعیة

إقرأ أيضاً:

قوات الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي تغادر مدينة جوما عبر رواندا

انسحبت قوات من بعثة الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي من مدينة جوما، شرق الكونغو الديمقراطية، عبر الحدود بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، المعروفة باسم "الحاجز المرجاني العظيم".

وأكدت مصادر محلية - لـ شبكة «أوكابي» - أن القافلة رافقتها قوات الجيش الرواندي بمجرد عبورها الحدود، وشهد سكان جوما مرور قافلة طويلة تنقل جنودا ومعدات حربية باتجاه الحدود.

علاوة على ذلك، أفادت التقارير الصحفية بأن رواندا سمحت باستخدام أراضيها للسماح لهذه القوة بالوصول إلى دولة في الجزء الشرقي من البلاد، حيث ستغادر الوحدات إلى بلدانها.

وقد تم نشر بعثة الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي في شمال كيفو منذ 15 ديسمبر 2023، لدعم القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية في قتالها ضد الجماعات المسلحة في الجزء الشرقي من البلاد، وظلت عالقة في جو ما بعد سقوط المدينة في أواخر يناير الماضي في أيدي متمردي تحالف القوى الديمقراطية «إم 23» المدعومين من كيجالي.

يشار إلى أن مجموعة التنمية للجنوب الإفريقي قررت سحب قواتها المنتشرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مارس الماضى بعد سلسلة من الاجتماعات والمناقشات التي عقدتها الترويكا التابعة للمجموعة، وتم اتخاذ هذا القرار في ظل استمرار التحديات الأمنية شرق البلاد وتصاعد الضغوط الاقتصادية والسياسية على بعض الدول المشاركة في المهمة.

اقرأ أيضاًالكونغو الديمقراطية تأمل في ظهور مختلف بأمم أفريقيا للشباب 2025

مصرع 143 شخصا على الأقل جراء نشوب حريق على متن قارب بنهر الكونغو

مصر والكونغو تبحثان مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين

مقالات مشابهة

  • إدارة ترامب تباحثت مع دولتين إحداهما عربية لترحيل مهاجرين إليها
  • إدارة ترامب تبحث مع ليبيا ترحيل مهاجرين إليها
  • قوات الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي تغادر مدينة جوما عبر رواندا
  • رواندا تغزو قمصان أتلتيكو مدريد حتى 2028
  • عقب التعافي شيكابالا يقترب من المشاركة بالتدريبات الجماعية
  • وظائف شاغرة لدى بنك الجزيرة
  • ارتفاع حصيلة ضحايا حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة
  • واشنطن بوست: على أميركا التحرك لوقف الإبادة الجماعية في السودان
  • الاتحاد الأفريقي يطلق خطة تسريع حرية التنقل بين دوله
  • العفو الدولية: إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية على الهواء مباشرة في غزة