من يمسح دموع المكلومين.. وغزة يسكنها الحزن؟!
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
كنت طفلة صغيرة لا أكفّ عن الضحك والبهجة يوم العيد، أستقبل يومي بملابسي الجديدة، والقبلات التي تقع على وجهي من أبي وأمي وإخواني وأخواتي والعمات والخالات والصديقات والجارات، فلا دموع تسقط بالعيد، لا شيء يسقط في العيد غير الحب ومبلغ من المال في يدي، وكمٌّ كبير من الحلوى، نستيقظ مبكرًا نحن وملابسنا التي نامت بجوارنا على صوت تكبيرات العيد، وبسرعة البرق نرتديها ونذهب للصلاة، ونحن نتابع جمال استدارة قرص الشمس وأشعتها الذهبية.
نعود فتبدأ مراسم الحب التي لا تنتهي بانتهاء اليوم، نلعب ونمرح ونغني ونردد أغنية صفاء أبو السعود وهي محاطة بالأطفال على أغنية «أهلًا أهلًا بالعيد».
ننهي يومنا عندما تأتي غفوة سريعة لنا بسبب التعب ونحن نحسب نقودنا حسبة صابر، فنبدأ رسم الخريطة عن كيفية قضاء اليوم التالي.
لقد كان تعريف العيد قبل سنوات عديدة وبالتحديد قبل حصار غزة هو أن أقطف قبلة من خد أمي لتعيدها على خدي الأيسر، أن يجد الأطفال ملابس وأحذية جديدة، أن أرى بسمة العيد على كل الوجوه، كان العيد في ابتسامة زوجي أثناء تعديلي لربطة عنقه، وعيدية مضاعفة يضعها في يدي مبتسمًا، صديقة شغلتني عنها بعض الظروف فبادرتني باتصال، صحن كعك أو معمول يأتيني من أختي، رائحة السمك المملح (الفسيخ) تدخل لبيتنا دون استئذان من بيت جارتي، أطفال الحارة وهم ينهالون علّى لأخذ العيدية فرحين، ضحكات الأطفال أمام دكان عمو مريد، صحون السماقية على طاولة السفرة من الحبايب، بكارج القهوة تنتظرني بشغف كي أملأها، عبود يأتيني مسرورًا بعد استلام عيدية من أحدهم، رائحة عطر الوطن أثناء مروره من بيت إلى آخر، جمال الجدات وعجائز الحارة والصبايا الصغيرات أثناء صلاة العيد، صدى صوت أبي يعلو بكلمة الله أكبر ولله الحمد سبع مرات من مسجد سعد الأنصار، جلساتي مع أخواتي في بيت أهلي.
أما هذه السنة، فلا عيد كان في غزة، هو يوم ومضي ككل أيام السنة المتشابهة والحزينة، يوم مليء بالبكاء والحسرة والفقد، يوم لا يشبه أيام الأعياد مطلقًا، كم وجه غاب عنا فقدنا رؤيته في هذا اليوم؟
اليوم الأطفال يسقطون على وجه الأرض ملطخين بالحسرة والبكاء على الملابس الجديدة التي بقيت مكدسة ومعلقة على رفوف المحلات المهدمة، أو في بيوتهم التي سقطت فوق أحبتهم، ينظرون بشيء من الاستغراب إلى أرجلهم التي كبرت فجأة فلم تعد تتسع لأحذيتهم البالية التي قبلوا بها لكنها رفضتهم. لا كسوة.. ولا عيدية ولا فرح ولا ألعاب بل تسقط الدموع مدوية مليئة بالحسرات والخيبات تستمر معهم حتى مطلع الفجر. يوم العيد مر ثقيلا وحزينا على أهل غزة، فمنذ الصباح الباكر كنا نذهب كعائلة واحدة لصلاة العيد التي ستقام كالعادة في العراء، في المكان نساء وأطفال وصبايا جئن للصلاة مثلي لكنهن جميعا بملامح حزينة، فالسلام بيننا شاحب والابتسامة تخرج بصعوبة، انقضت الصلاة وذهب الكل في طريق العودة دون سلام ودون تفاصيل واستفسارات عن موديلات الملابس، بينما واصل الجميع السير للمقبرة المليئة بالرجال والنساء والشيوخ والأطفال، فالحضور أكثر من عدد الموتى أنفسهم، ذاك يبكى، وآخر يتكئ على القبر، امرأة تمسح القبر وتسقي الورد وأخرى تحدث المتوفى، طفل بملابس رثة يبكي على قبر والده أو والدته أو أخيه، أناس يسلمون على بعضهم البعض وآخرون يذكرون محاسن موتاهم.
في العيد استقبلنا داخل خيمة ضيقة الضيوف الذين جاؤوا لنا على غير عادتهم عابسين يشتكون حالهم وحالنا وحال الناس، في المساء بالكاد خرجت سأخرج أمام خيمتي؛ لأشاهد الأطفال الذين ينظرون بصمت لبائع يتجول ببعض ألعاب الصغار، ينظرون إليها لكنهم لا يستطيعون شراءها، يحدقون بها بحسرة، يتحدثون عن كيفية مجيء العيد في دول مجاورة، يصفون الملاهي والألعاب الترفيهية والمنتجعات والمتنزهات وكأنها درب من دروب الخيال.
لله درك يا غزة كم تحتاجين من الوقت لاستعادة عافيتك المسلوبة، من سيعيد الضحكة لقلوب باتت تعسة... لكل العالم العربي والإسلامي على وجه العموم وللشعب الفلسطيني المنهك على وجه الخصوص جاءنا العيد كالمعتاد منذ زمن، ونحن نحمل معه أحلامنا وآمالنا بأن يعمّ الأمان ربوع غزة الحبيبة التي باتت مُنهكة كثيرًا، فلا أجمل من الأمان زينةً تلبسُها قلوبنا المفجوعة، وقد قال الله في كتابه الكريم: «الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ»، وقد قدم الله تعالى الأمن والغذاء على العبادة ذاتها، فعبادة رب البيت جاءت بعد أن أطعمهم الله من جوع وآمنهم من خوف.
سؤال لا يحتاج للإجابة: كيف مر العيد على أهالي الشهداء والجرحى والأسرى والأيتام والأرامل بعد حرب وجرائم إبادة استمرت على مسمع ومرأى العالم أجمع دون أن يستطيع أحد إيقافها؟
هذه الحرب المستمرة منذ نصف عام حصدت ما يزيد عن 33 ألف شهيد وحوالي 76 ألف جريح غالبيتهم من الأطفال والنساء بنسبة تفوق الـ72% من مجمل الضحايا، وتدمير 62% من مجمل الوحدات السكنية في قطاع غزة وفق إحصائيات الأمم المتحدة، وأخرجت أكثر من 30 مستشفى وما يفوق الـ150 مركزا صحيا، ودمرت مئات المدارس والجامعات والمعاهد والمؤسسات الحكومية، ودمرت مئات أماكن العبادة من مساجد وكنائس، ومسحت بشكل شبه كامل البنى التحتية من مصادر المياه والكهرباء والاتصالات والصرف الصحي، وحولت حياة المواطن الفلسطيني إلى جحيم مروع وهائل يفوق الوصف، ونشرت الأمراض المعدية والأوبئة والمكاره الصحية والبيئية والمجاعة الحادة نتاج شبه انعدام المساعدات الإنسانية الضرورية من المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية والمياه الصالحة للشرب.السؤال الذي يطرح نفسه من يستطيع أن يمسح دموع المكلومين بعد أن غادرنا العيد والأطفال والنساء والشيوخ يعيشون أوضاعا صعبة في غزة؟
د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على وجه
إقرأ أيضاً:
عميلان سابقان يكشفان تفاصيل جديدة عن تفجيرات البيجر التي هزت حزب الله
ديسمبر 23, 2024آخر تحديث: ديسمبر 23, 2024
المستقلة/-“تحت عنوان كيف خدع الموساد الإسرائيلي حزب الله لشراء أجهزة استدعاء متفجرة”، نشرت شبكة “سي بي إس نيوز” الأمريكية، مساء الأحد، تقريرا سلطت فيه الضوء على عملية استخبارية معقدة نفذها الموساد الإسرائيلي.
التقرير، الذي استند إلى شهادات عميلين سابقين، كشف عن تفاصيل جديدة حول استخدام أجهزة البيجر كأداة لاستهداف حزب الله، وهي عملية هزت لبنان وسوريا بعد أن استهدفت عناصر الحزب خلال سبتمبر/أيلول الماضي.
وفي التفاصيل التي كشف عنها العميلان خلال ظهور مقنع وبصوت معدل ضمن برنامج “60 دقيقة” على الشبكة الأمريكية، أوضح أحدهما أن العملية بدأت قبل عشر سنوات باستخدام أجهزة “ووكي توكي” تحتوي على متفجرات مخفية، والتي لم يدرك “حزب الله” أنه كان يشتريها من إسرائيل، عدوته.
وعلى الرغم من مرور السنوات، ظلت هذه الأجهزة خامدة حتى تم تفجيرها بشكل متزامن في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد يوم واحد من تفجير أجهزة الإرسال المفخخة “البيجر”.
أما المرحلة الثانية من الخطة، وفقًا لما كشفه العميل الثاني، فقد بدأت في عام 2022، عندما حصل جهاز الموساد الإسرائيلي على معلومات تفيد بأن حزب الله يعتزم شراء أجهزة البيجر من شركة مقرها تايوان.
وأوضح العميل أنه “لتنفيذ الخطة بدقة، كان من الضروري تعديل أجهزة البيجر لتصبح أكبر من حيث الحجم ولتتمكن من استيعاب كمية المتفجرات المخفية بداخلها”.
وأضاف أن “الموساد أجرى اختبارات دقيقة على دمى لمحاكاة تأثير الانفجار، لضمان تحديد كمية المتفجرات التي تستهدف المقاتل فقط، دون إلحاق أي أذى بالأشخاص القريبين”.
هذا وأشار التقرير أيضًا إلى أن “الموساد أجرى اختبارات متعددة على نغمات الرنين، بهدف اختيار نغمة تبدو عاجلة بما يكفي لدفع الشخص المستهدف إلى إخراج جهاز البيجر من جيبه على الفور”.
وذكر العميل الثاني، الذي أُطلق عليه اسم غابرييل، أن إقناع حزب الله بالانتقال إلى أجهزة البيجر الأكبر حجمًا استغرق حوالي أسبوعين.
وأضاف أن العملية تضمنت استخدام إعلانات مزيفة نُشرت على يوتيوب، تروّج لهذه الأجهزة باعتبارها مقاومة للغبار والماء، وتتميز بعمر بطارية طويل.
وتحدث غابرييل عن استخدام شركات وهمية، من بينها شركة مقرها المجر، كجزء من الخطة لخداع شركة غولد أبولو التايوانية ودفعها للتعاون مع الموساد دون علمها بحقيقة الأمر.
وأشار العميل إلى أن حزب الله لم يكن على علم بأن الشركة الوهمية التي تعامل معها كانت تعمل بالتنسيق مع إسرائيل”.
وأسفرت تفجيرات أجهزة البيجر وأجهزة اللاسلكي التي نفذتها إسرائيل في سبتمبر الماضي عن مقتل وإصابة الآلاف من عناصر حزب الله والمدنيين والعاملين في مؤسسات مختلفة في لبنان وسوريا.
وكان موقع “أكسيوس” قد ذكر بعد أيام من تنفيذ الضربة، أن الموساد قام بتفجير أجهزة الاستدعاء التي يحملها أعضاء حزب الله في لبنان وسوريا خوفًا من اكتشاف الحزب الأمر، بعد أن كشف الذكاء الاصطناعي أن اثنين من ضباط الحزب لديهم شكوك حول الأجهزة.
وفي خطاب ألقاه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، تعليقًا على الضربات التي وقعت قبل أيام من اغتياله، وصف نصر الله الهجوم بأنه “عدوان كبير وغير مسبوق”. وأضاف: “العدو قد تجاوز في هذه العملية كل الضوابط والخطوط الحمراء والقوانين، ولم يكترث لأي شيء من الناحيتين الأخلاقية والقانونية”.
وأوضح أن “التفجيرات وقعت في أماكن مدنية مثل المستشفيات، الصيدليات، الأسواق، المنازل، السيارات، والطرقات العامة، حيث يتواجد العديد من المدنيين، النساء، والأطفال”.