سرايا - يسعى الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الحصول على فرصة ثانية لقيادة الولايات المتحدة. ومع أن أداءه كان أبعد ما يكون عن المثالية خلال عهده الأول، لا سيما في حق النساء، إلا أنه يريد أن يمنح نفسه محاولة جديدة. وخير دليل على ذلك إعلانه عن سياسته الجديدة بشأن الإجهاض، التي ستتضمن منح استثناءات لحالات الاغتصاب وسفاح القربى، وكذلك الحالات التي تتطلب حماية حياة الأم.

لكن من الواضح أن ما يحاول ترامب القيام به فعلياً من خلال إعلان هذه الاستثناءات هو إنقاذ الجمهوريين من النتائج السيئة التي حققوها في الانتخابات النصفية.

صحيح أن مبادرة ترامب هذه مثيرة فعلاً للغضب، لكن من حسن حظه أن أي رد فعل شعبي محتمل واسع النطاق ضد إرثه المناهض للإجهاض سيأتي بعد فوات الأوان بالنسبة للفئات الأميركية الناخبة. ولا يبدو أن "تنازله" الأخير بشأن هذه القضية سيخدع أحداً.

في جميع أنحاء الولايات المتحدة، تدوي أصوات النساء اللواتي يرفعن شعار "ارفعوا أيديكم عن أجسادنا". وتتم استعادة تجارب صادمة عاشتها سيدات، من أمثال كايت كوكس، التي انتهى بها المطاف وهي تخوض معركة قانونية في تكساس بسبب حالة طبية طارئة. وما تزال تبعات عدد كبير من قوانين الإجهاض المقيدة إلى حد لا يغتفر تعرض حياة النساء للخطر. وتزيد إيحاءات ترامب نفسه بأنه سيوافق على الحظر الفيدرالي للإجهاض بعد 15 أسبوعاً من الحمل الطين بلة.

سبق للرئيس السابق أن أبدى موقفاً غامضاً ومبهماً ومتقلباً حول مسألة الإجهاض: فمن جهة، نراه يتباهى بأنه مسؤول عن إنهاء قضية "رو ضد وايد"، ويطلق ادعاءات كاذبة بشأن موقف الديمقراطيين من القضية. ومن جهة أخرى، يقول إنه يدعم التلقيح الاصطناعي -الذي شرع في مواجهة معارضة في أوساط بعض الجمهوريين أخيراً- حتى أنه أعرب عن اعتقاده بأن الإجهاض هو مسألة يجب أن تقررها كل ولاية على حدة.

ولكن، حتى لو كان ترامب يتوقع أن ينجح في إشهار سياسته الجديدة حول الإجهاض -مع استثناءاتها الشحيحة والقاسية إلى حد مؤلم- في وجه النساء أنفسهن اللاتي تعرضن للمعاناة على يديه، فإن محاولته لن تجدي نفعاً. ولا عزاء في قوله: "أنا آسف على ما فعلت. سيكون الأمر مختلفاً هذه المرة"، أو في إظهار نفسه على أنه "معتدل"، أو في توقعه أن يُغفر له على جميع أفعاله. إنه يحاول استمالة جميع قواعد الناخبين -وهو ما سيأتي بردود فعل عكسية واسعة النطاق.

إن النساء وحلفاءهن في كل مكان في العالم لن يغفروا أو ينسوا أفعاله -أو تصريحاته المرتبكة حول "إعدام" أطفال بعد ولادتهم.

خلال فترة رئاسة ترامب -حيث أعلن نفسه بأنه "الرئيس الأكثر تأييداً للحياة على الإطلاق"- قام بتهيئة المكونات اللازمة لاستكمال تدمير قضية "رو ضد وايد" والقضاء على جميع أشكال حماية الإجهاض الناتجة عنها، مما عنى أنه عندما غادر البيت الأبيض، ترك النساء في جميع أنحاء الولايات المتحدة في حالة من المعاناة، بعد أن سرق وقضى على حقهن في الحصول على خدمات رعاية الإجهاض، التي من شأنها أن تنقذ حياتهن.

وفي حين أن إلغاء الحكم في قضية "رو ضد وايد" شكل حدثاً لافتاً، فإن التعايش مع التبعات في الولايات المتحدة هو مسألة مختلفة تماماً تركت بدورها وقعاً كبيراً، حيث كانت النساء في جميع أنحاء البلاد -حتى المواليات للحزب الجمهوري اللاتي وقفن ضد إلغاء قرار "رو"- شاهدات، لحظة بلحظة، على التداعيات الفعلية للقوانين الجديدة لحظر الإجهاض.

على خلفية الآثار الناجمة عن تصرفات ترامب، مُنعت نساء تعرضن لإجهاض تلقائي من الحصول على الرعاية الصحية التي كان من شأنها أن تنقذ حياتهن. وكذلك، عرّضت أعماله حياة الأمهات ورفاههن لخطر كبير في أنحاء البلاد كافة. وبالترتيب التسلسلي، أدت أفعاله إلى صدور حكم ألاباما المثير للجدل بأن الأجنة التي تُنشأ من خلال التلقيح الاصطناعي يجب أن تعتبر أطفالاً، مما وضع مستقبل مرافق التلقيح الاصطناعي وجدواها في حالة من الارتباك والخطر.

وقد اكتسى هذا الحكم بأهمية خاصة في توعية الناس بشأن المشكلات الحقيقية، لأن النساء "المؤيدات للحياة" (التعبير الذي يُطلق على مناهضي الإجهاض) اللاتي يعتمدن على التلقيح الاصطناعي للحمل أصبحن أخيراً متنبهات ومدركات للمسائل التي تتعلق بحريتهن الإنجابية. وهذا الإدراك بالغ الأهمية، وسيشكل خطراً على ترامب، لأن النساء في جميع أنحاء الولايات المتحدة (حتى من الحزب الجمهوري) أدركن أخيراً حرياتهن المستحقة. فإذا حُرمن من إحدى هذه الحريات، فسوف يعرضن بقية الحريات للخطر.

في الواقع، يبدو أن الجمهوريين استهانوا بحجم ردود الفعل على هذا النوع من السيطرة على استقلالية المرأة. ولا شك في أن ترامب، الذي يستعد لمحاولته الثانية للوصول إلى البيت الأبيض، يعرف ذلك تماماً. ولهذا السبب تحديداً، سمعناه يقول: "في غياب الاستثناءات... لن نفوز في هذه القضية... لكننا سنفوز فيها متى أتينا بالعدد المناسب من الأسابيع". وبذلك، تبدو مبادراته بشأن الإجهاض تسييسًا محضًا، وخدعة مكشوفة تماماً.

في نظر السياسيين من أمثال ترامب، هذا هو ما تتلخص فيه حياة النساء في نهاية المطاف: إنها مختزلة في اختيار العدد المناسب من الأسابيع التي يمكن من خلالها ممارسة سيطرة حكومية وتطبيق القانون على أجسادنا، بينما يحاولون إرضاء فئة معينة من دون إقصاء الفئة الأخرى. إنها في النهاية لعبة أرقام -يجري التلاعب بها في غير مصلحتنا.

وإذن، إليكم لعبة أرقام بديلة: في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ستتاح للناخبين في فلوريدا فرصة لإبداء رأيهم النهائي بشأن حظر الإجهاض بعد ستة أسابيع من الحمل، الذي من المقرر أن يبدأ في الأول من أيار (مايو). ونحن نعلم أنه عندما يكون للناخبين رأي، فإنهم دائماً ما يقولون نعم للإجهاض.

وعليه، إليكم رسالتي إلى كل امرأة ناخبة، بصفتي امرأة خاضت تجربة الإجهاض: عندما يتعلق الأمر باختيار الرئيس الأميركي المقبل، صوّتي بجسدك. صوّتي من كل قلبك. صوّتي من أجل حريات الحياة.

وليكن موقف ترامب نفسه من هذه القضية هو سبب سقوطه.

*إميليا لولي: كاتبة وشاعرة أميركية. ستصدر مجموعتها الشعرية الأولى، "زلة" Slip، عن دار "جوناثان كيب" Jonathan Cape، في أيار (مايو) المقبل.


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: التلقیح الاصطناعی الولایات المتحدة فی جمیع أنحاء النساء فی

إقرأ أيضاً:

محامو ترامب يطلبون تعليق قضية الوثائق السرية بسبب قرار الحصانة

طلب محامو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أمس الجمعة تعليق القضية المرفوعة بحقه بتهمة سوء التعامل مع وثائق سرية، مشيرين في طلبهم إلى قرار المحكمة العليا بأنه يتمتع بحصانة واسعة من الملاحقة القضائية.

وفي الدعوى القضائية، طلب محامو ترامب من القاضية إيلين كانون وقفا جزئيا للإجراءات للسماح لهم بدراسة ما سموه "الآثار المترتبة" على قرار المحكمة العليا على قضية فلوريدا بشأن سوء تعامل ترامب مع وثائق سرية.

ويواجه ترامب في فلوريدا لائحة اتهام تتهمه بتعريض الأمن القومي للخطر على خلفية احتفاظه بوثائق بالغة السرية بعد مغادرة البيت الأبيض.

كما يواجه ترامب في قضية فلوريدا 31 تهمة تتعلق بالاحتفاظ المتعمد بمعلومات خاصة بالدفاع الوطني، ويعاقب كل منها بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات، فضلا عن اتهامات بالتآمر لعرقلة العدالة والإدلاء بأقوال كاذبة.

ويُتهم ترامب بالاحتفاظ بوثائق سرية، تضمنت ملفات من البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، بشكل غير آمن في مقره الخاص في مارالاغو، وعرقلة جهود استعادتها.

حصانة مطلقة

والاثنين الماضي، قضت أعلى المحاكم الأميركية بأن الرئيس السابق يتمتع بحصانة مطلقة من الملاحقة الجنائية عما سمته "أعمالا رسمية" قام بها وهو في السلطة.

في حين انتقد الرئيس الأميركي جو بايدن قرار المحكمة العليا بشأن منح سلفه حصانة على أفعاله في نطاق صلاحياته الرئاسية.

وقال بايدن إن القرار يؤسس لما سماها سابقة خطيرة، لأن صلاحيات الرئيس لن تكون مقيدة بالقانون بعد الآن، مشيرا إلى أنه كان يفترض ألا تصدر المحكمة قرارا من هذا القبيل قبل أشهر قليلة من انتخابات الرئاسة.

ودفع ترامب، المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بالحصانة في القضايا الجنائية الأربع التي يواجهها.

يذكر أن ترامب أدين بنيويورك في مايو/أيار الماضي في 34 تهمة تتعلق بتزوير سجلات تجارية للتستر على دفع أموال لشراء صمت ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز، في أول إدانة جنائية لرئيس أميركي سابق.

ولجأ محامو ترامب على الفور إلى قرار المحكمة العليا لمطالبة القاضي الذي ترأس القضية التي عرفت باسم "شراء الصمت" بإلغاء حكم الإدانة الصادر عن هيئة المحلفين.

ويواجه ترامب في واشنطن وجورجيا اتهامات بالتآمر لقلب نتيجة الانتخابات الرئاسية عام 2020. لكن هاتين القضيتين تعقدتا بسبب حكم الحصانة ومن غير المرجح على ما يبدو أن تنعقد محاكمة قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

مقالات مشابهة

  • بعد الحصانة.. ترامب يتحرك لوقف قضية الوثائق السرية
  • بايدن: أنا لا أقود الحملة الانتخابية فحسب بل أدير العالم
  • محامو ترامب يطلبون تعليق قضية الوثائق السرية
  • محامو ترامب يطالبون بتعليق قضية الوثائق السرية بعد قرار الحصانة
  • محامو ترامب يطلبون تعليق قضية الوثائق السرية بسبب قرار الحصانة
  • محامو ترامب يطلبون تعليق قضية الوثائق السرية في فلوريدا
  • بعد حكم الحصانة.. ترامب يسعى لوقف قضية الوثائق السرية
  • ترامب يسعى لوقف قضية الوثائق السرية بعد حكم الحصانة
  • بايدن يسعى لتخطي صعوبات حملته الانتخابية
  • في اليوم العاشر.. سفيرات التوعية الانتخابية يحققن ارتفاعاً في مستوى التسجيل