حبس العالم أنفاسه مساء أمس وهو يترقب شكل الرد الانتقامي الإيراني على إسرائيل التي كانت قد نفذت هجوما على القنصلية الإيرانية في دمشق وتسببت في مقتل سبعة من القادة العسكريين كانوا يعقدون اجتماعا في مبنى القنصلية في الأول من الشهر الجاري. ورغم أن شكل الرد كان متوقعا في ظل فهم السياسة الإيرانية التي تتحلى بقدر كبير جدا من «الصبر الاستراتيجي» وهي تحيك «السجادة الإيرانية» فإن قراءة شكل الرد يجب ألا تقف عند محدوديته وعدم تسببه في أي خسائر مادية أو عسكرية؛ فأهمية الرد نابعة من فهم مساره، من أين انطلق وإلى أين انتهى.

. ومن فكرته المتكاملة.

كان هذا الرد هو الهجوم الأول من إيران على إسرائيل مباشرة دون استخدام وسطاء أو وكلاء وانطلق من الأراضي الإيرانية وانتهى إلى إسرائيل.. وهنا تكمن أهمية الرد كله، ومن هنا نستطيع فهم مستوى ردود الفعل الغربية والكثير من ردود الفعل العربية التي بدأت منذ اللحظة الأولى لرصد المسيّرات الإيرانية بعيد خروجها من الأراضي الإيرانية في طريقها إلى إسرائيل.

ويمكن وصف الرد بأنه منعطف تاريخي في وصف الصراع الإيراني- الإسرائيلي الذي يمكن القول إنه خرج من الظل إلى العلن، ومن حرب الوكلاء إلى المواجهة المباشرة؛ لذلك فإن قواعد الاشتباك بين الطرفين ستكون مختلفة تماما منذ هذا اليوم.

هددت إسرائيل اليوم أنها سترد بقوة على الهجوم الإيراني، لكن هذا التهديد لو تم فإنه سيكون جنونا سياسيا واستراتيجيا ينم عن مراهقة سياسية وعسكرية إسرائيلية، حيث إن إيران خرجت من إطار الرد عبر الوكلاء إلى الرد المباشر ما يعني أن أي رد إسرائيلي جديد سيكلف إسرائيل أثمانا باهظة على كل المستويات بما في ذلك المستوى العسكري. وقال اليوم رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري «ردنا سيكون أكبر بكثير من العمل العسكري الليلة إذا ردت إسرائيل على إيران».

صحيح أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لا يستطيع أن يتخلى عن إسرائيل، كما أن الغرب كله تقريبا لا يستطيع عمليا التخلي عن إسرائيل، ولكن ماذا يمكن لبايدن أن يفعل أمام الجماهير والقادة السياسيين والعسكريين الأمريكيين الذين يعترضون على دعم أي حرب جديدة في الشرق الأوسط، بل إن هذا التيار الآخذ في النمو يريد لأمريكا أن توقف دعمها العسكري لإسرائيل المنخرطة في حرب إبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. ولا يخفي بعض السياسيين الأمريكيين أن بايدن نفسه بات يخشى من أن نتانياهو يريد جرّ أمريكا لصراع أوسع في منطقة الشرق الوسط وبشكل خاص في صراع مع إيران معتمدا في ذلك على إيمانه أن بايدن لا يمكن أن يترك إسرائيل وحدها تخوض أي صراع في الشرق الأوسط.

ويبدو أن هذا ليس مجرد اعتقاد يتوقع بايدن، إن نتانياهو لديه هذا التوجه، بل لديه قلق كبير من انسحاب أمريكا من منطقة الشرق الأوسط (هذا الانسحاب لا يعني ترك إسرائيل وحدها ولكنه قد يعني السماح لإيران في التحول مع الوقت إلى دولة نووية) لذلك فإن إسرائيل تبذل كل جهودها في «التحرش» بإيران سواء عبر عمليات الاغتيال التي نفذتها ضد علماء إيرانيين أو عبر قصف قواعدها ومواقعها العسكرية في سوريا خلال السنوات الماضية. وكل هذا من شأنه أن يخدم رغبة إسرائيل في الدخول في مواجهة بصحبة أمريكا والغرب ضد إيران النووية. ولا تخفي إسرائيل رغبتها القوية في تدمير المنشآت النووية الإيرانية ولكنها لا تريد أن تخطو مثل هذه الخطوة المجنونة وحدها دون مشاركة أو حماية من أمريكا.

لكن إلى أي مدى يمكن أن يخدم هذا السلوك في هذا التوقيت بالذات الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي سيخوض انتخابات صعبة جدا ضد منافسه الجمهوري ترامب؟ هذا هو أحد أهم الأسئلة التي على بايدن وفريقه الرئاسي الإجابة عليه خاصة وأنه لم يبق أمامه حتى موعد الانتخابات إلا ستة أشهر ستكون جلها مخصصة للحملة الانتخابية.

ما يعني أن جو بايدن هو صاحب المصلحة الأكبر الآن في منع إسرائيل من أي رد مباشر أو غير مباشر على إيران، وإذا كان وقف حرب الإبادة على غزة ضرورة إنسانية وقانونية فإنها الآن ضرورة استراتيجية لأمريكا ولبايدن إن كان يبحث عن ترجيح كفته في الانتخابات القادمة في نوفمبر القادم.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

اعتراف إسرائيلي: بايدن ساعد اليمين الصهيوني أكثر من أي رئيس أمريكي آخر

مع نهاية ولاية الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، يمكن القول أن أحد أعظم أصدقاء دولة الاحتلال غادر المشهد السياسي، دون أن يتضح بعد ما إذا كانت ستفتقده، بعد تعريف نفسه بأنه "صهيوني"، وتصريحاته الداعمة للاحتلال في عدوانه على الشعب الفلسطيني في غزة، وتوفيره للجسر الجوي لمنح الاحتلال "الأكسجين العسكري".

بن درور يميني الكاتب بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أكد أن "اليمين الإسرائيلي سيفتقد بايدن أكثر من أي طرف آخر، لأنه لم يكن هناك رئيس أمريكي على الإطلاق يسمح له بأن يفعل ما يريد، مما يجعله راضٍ للغاية عن إدارته المنتهية، ويمكن فهم ذلك من خلال إلقاء نظرة على البيانات الرقمية، التي تؤكد أنه في 2023 تم إنشاء 31 بؤرة استيطانية، وهو رقم قياسي على مدار كل السنوات، ثم جاء 2024، عام أكثر البؤر الاستيطانية وحشية في دولة إسرائيل، وحرب صعبة خاضتها في العقود الأخيرة".

وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "الرقم القياسي لم يتحطم فحسب، بل تضاعف، فقد تم إنشاء 60 بؤرة استيطانية خلال 2024، وأكثر من ذلك، فقط تم بناء سبعة منها داخل المنطقة "ب" بالضفة الغربية، في المناطق المخصصة من أجل دولة فلسطينية، وكما كانت جامعات الولايات المتحدة تصرخ "من النهر إلى البحر"، كانت حكومة اليمين الإسرائيلي هي المقاول المسؤول عن هذه الصرخات، وتقودنا لرؤية كابوسية متمثلة في "الدولة الواحدة".



وأكد أن "الاستيطان انتعش في عهد إدارة بايدن بصورة لم نر ولم نسمع مثلها من قبل، بعد محاولة الإدارات السابقة، الجمهورية والديمقراطية، وقف ازدهاره، ففي نيسان/ إبريل 2003، اتفقت إدارة جورج بوش مع أرييل شارون لتفكيك البؤر الاستيطانية المقامة منذ آذار/ مارس 2001، واعترفت الوزيرة ليمور ليفنات في 2005 بأن الاحتلال وافق على إزالة 24 بؤرة فقط، وبالفعل تمت إزالة بؤرة هنا وأخرى هناك، لكن الزخم الاستيطاني الهائل استمرّ في عهد إدارة بايدن، وتحت لا مبالاته تم إنشاء المزيد من البؤر الاستيطانية مقارنة بأي إدارة أخرى".

 وأشار إلى أن "هناك بايدن آخر، الرئيس الصارم والتهديدي الذي أعلن "لا" مباشرة بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر، حين وجّه نداءه الدراماتيكي لإيران وحزب الله وكل من ينوي التدخل في القتال بجانب غزة، وعلينا أن نتذكر المساعدة الأمنية الهائلة التي قدمتها إدارته، صحيح أنه أخطأ في بعض المحطات، لكنه كان محبًا حقيقيًا لدولة الاحتلال، ونحن جميعا مدينون له بالشكر، خاصة اليمين الإسرائيلي، أكثر منا جميعاً".

مقالات مشابهة

  • سيطرة “إسرائيل” على سوريا.. مقدّمة لحرب ضدّ إيران
  • ماذا نعرف عن "أم القنابل" التي وافق ترامب على تسليمها إلى إسرائيل؟
  • العملة الإيرانية تتدهور لمستوى تاريخي مع ضغوطات ترامب
  • ماذا نعرف عن "أم القنابل" التي وافق ترامب على تسليمها إلى إسرائيل؟.. عاجل
  • إيران: مزاعم طلب تغيير الفتوى النووية لخامنئي سخيفة
  • اعتراف إسرائيلي: بايدن ساعد اليمين الصهيوني أكثر من أي رئيس أمريكي آخر
  • تغيير المعادلة.. ما تداعيات عقوبات ترامب ضد إيران على العراق؟
  • لم يتسامح مع كل من أذوه ونالوا منه.. ترامب ينتقم من بايدن
  • ترامب حول إيران: إذا أبرمنا الصفقة فلن تقصفهم إسرائيل!
  • لا أحد يريد الموت..ترامب: إذا عقدنا صفقة مع إيران لن تقصفهم إسرائيل