افتتاحية نيويورك تايمز -

ترجمة: أحمد شافعي -

تجاوزت معاناة المدنيين في غزة ـ بعشرات آلاف القتلى، وكثير منهم أطفال، ومئات آلاف المشردين، والعديد منهم معرضون لخطر المجاعةـ القدرة على احتمال عدد متزايد من الأمريكيين. ومع ذلك، يتحدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وحلفاؤه القوميون المتطرفون في الحكومة الدعوات الأمريكية للمزيد من ضبط النفس والمساعدات الإنسانية.

إن التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل -الذي يشمل 3.8 مليار دولار سنويًا من المساعدات العسكرية، وهو أكبر إنفاق للمساعدات الخارجية الأمريكية لأي دولة في العالم- ليمثل انعكاسًا للعلاقة الوثيقة والدائمة والاستثنائية بين البلدين. غير أن رابطة الثقة يجب أن تسود بين الجهات المانحة والمتلقية لأسلحة الولايات المتحدة الفتاكة، فالولايات المتحدة تزود بالأسلحة وفقًا لشروط رسمية تعكس القيم الأمريكية والتزامات القانون الدولي.

ولقد قطع نتانياهو والمتشددون في حكومته تلك الرابطة، وإلى أن يتم رأب ذلك الصدع، لا تستطيع أمريكا أن تستمر، كما تفعل إلى الآن، في تزويد إسرائيل بالأسلحة التي تستخدمها في حربها ضد حماس.

والسؤال لا يتعلق بما لو أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد عدو أقسم على تدميرها. لأن لها الحق في ذلك. فقد كان هجوم حماس في السابع من أكتوبر عملا وحشيا لا يمكن لأي دولة أن تتركه يمضي دونما رد، وبالاختباء وراء جبهات مدنية، تنتهك حماس القانون الدولي وتتحمل نصيبا كبيرا من المسؤولية عن المعاناة التي يتعرض لها الشعب الذي تزعم أنها تعمل باسمه. وفي أعقاب ذلك الهجوم مباشرة، سارع الرئيس بايدن إلى إظهار تعاطف أمريكا ودعمها الكاملين لإسرائيل في مصابها. وكان ذلك هو الصواب الذي ينبغي عمله.

ولا يتعلق السؤال أيضا بما لو أنه ينبغي على الولايات المتحدة الاستمرار في مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها. فالتزامات أمريكا بالدفاع عن إسرائيل طويلة الأمد وجوهرية وفيها منفعة متبادلة وضرورية. ولا يجب لأي رئيس أو كونجرس أن يحرم الدولة الوحيدة على وجه الأرض ذات الأغلبية اليهودية من الوسائل اللازمة لضمان بقائها. كما أنه لا ينبغي أن يغيب عن بال الأمريكيين أبدًا التهديد الذي تمثله حركة حماس، لأمن المنطقة ولأي أمل في السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

لكن هذا لا يعني أن يسمح الرئيس لنتانياهو بالاستمرار في ممارسة ألعابه المزدوجة الهازئة. فالزعيم الإسرائيلي يناضل من أجل بقائه السياسي في مواجهة الغضب المتزايد من ناخبيه. وهو يعلم أنه -في حال تركه منصبه- يخاطر بتقديمه للمحاكمة بتهم خطيرة تتعلق بالفساد. وقد ظل -حتى وقت قريب- يقاوم الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف لإطلاق النار كان يمكن أن تؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن الذين ما زالوا محتجزين لدى حماس. وقد استعمل الأسلحة الأمريكية في ملاحقة حماس، وأصم أذنيه دون المطالب المتكررة من الرئيس بايدن وفريق الأمن القومي التابع له لبذل المزيد من أجل حماية المدنيين في غزة من التعرض للأذى بتلك الأسلحة. والأدهى من ذلك أن نتانياهو جعل من تحدي القيادة الأمريكية أداة سياسية، فتساهل وشجع المتشددين في حكومته ممن تعهدوا بإعادة احتلال غزة ورفض أي فكرة لإقامة دولة فلسطينية، وهذا هو عكس السياسة الأمريكية تمامًا. ويرجع الفضل جزئيا إلى القنابل والأسلحة الثقيلة الأخرى التي وفرتها الولايات المتحدة في أن الجيش الإسرائيلي الآن لا يواجه غير مقاومة مسلحة قليلة في معظم أنحاء غزة. لكن نتانياهو تجاهل التزاماته بتوفير الغذاء والدواء للسكان المدنيين في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل الآن. بل إن إسرائيل -في واقع الأمر- أضافت صعوبات أمام كل من يحاول تقديم المساعدات الإنسانية لغزة. حتى اضطرت الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوات استثنائية، منها عمليات إنزال جوي وبناء رصيف بحري، للتغلب على العقبات الإسرائيلية أمام تقديم المساعدات الإنسانية. والهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي على فريق (المطبخ المركزي العالمي) في غزة بما أسفر عن مقتل سبعة من عمال الإغاثة، والذي اعترفت إسرائيل بأنه خطأ، يؤكد الخطر الهائل الذي يواجه وكالات الإغاثة الدولية التي تتدخل للمساعدة. وهذا لا يمكن أن يستمر.

لقد أعلنت إسرائيل أخيرًا سحب قواتها من جنوب غزة، ولكن هذا ليس بوقف رسمي لإطلاق النار ولا بنهاية للحرب، ويتعين على إدارة بايدن المثابرة في جهودها للمساعدة في إنهاء القتال وتحرير الرهائن وحماية المدنيين الفلسطينيين. وإن عددًا متزايدًا من أعضاء مجلس الشيوخ، بقيادة كريس فان هولين، الديمقراطي عن ولاية ميريلاند، يحثون الرئيس بايدن على النظر في وقف مؤقت لعمليات النقل العسكرية إلى إسرائيل، وهو أمر يمكن للسلطة التنفيذية أن تقوم دونما موافقة من الكونجرس. ولقد أصابوا في ضغطهم من أجل اتخاذ هذا الإجراء.

في الأسبوع الماضي، كانت النائبة نانسي بيلوسي ضمن أربعين عضوًا ديمقراطيًا في مجلس النواب وقعوا على رسالة إلى الرئيس ووزير الخارجية تحثهما على ضمان توافق المساعدات العسكرية لإسرائيل مع القانونين الأمريكي والدولي. والآلية اللازمة للقيام بذلك موجودة بالفعل. ففي فبراير، وقَّع بايدن مذكرة الأمن القومي (NSM-20) التي وجهت وزير الخارجية إلى الحصول على ضمانات كتابية «ذات مصداقية وموثوقة» من متلقي الأسلحة الأمريكية بأن تُستخدم تلك الأسلحة وفقا للقانون الدولي وبألا يعطل متلقوها إيصال المساعدات الأمريكية. وقد يؤدي عدم الوفاء بهذه التدابير إلى تعليق المزيد من عمليات نقل الأسلحة.

لم تأت هذه المذكرة بجديد. فالعديد من متطلباتها بالفعل جزء من قانون المساعدة الخارجية وغيره من التدابير، وهي تنطبق على الأسلحة المقدمة إلى بلاد أخرى، منها أوكرانيا. وتستثني المذكرة على وجه التحديد أنظمة الدفاع الجوي وغيرها مما يستخدم لأغراض دفاعية بحتة، ولذلك فهي لا تنطبق على الأسلحة الأخرى، بما فيها قذائف المدفعية والذخائر دقيقة التوجيه. لكن المذكرة لافتة للنظر. فهي تؤكد سلطة الرئيس في استخدام المساعدات العسكرية لتكون وسيلة لضمان استخدام الأسلحة الأمريكية استخداما مسؤولا.

لقد جربت الإدارة العديد من أشكال الضغط والتحذير، ومنها التصريحات العلنية والتعبير عن الإحباط وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولم تثبت فعالية شيء من ذلك، حتى الآن، مع نتانياهو. والمساعدات العسكرية هي الوسيلة الوحيدة التي عزف بايدن عن استخدامها، لكنها الأداة المهمة الموجودة تحت تصرفه -ولعلها الأداة الأخيرة- لإقناع إسرائيل بفتح الطريق أمام المساعدة العاجلة لغزة.

لن يكون إيقاف تدفق الأسلحة مؤقتا إلى إسرائيل بالخطوة التي يسهل على الرئيس بايدن اتخاذها، إذ إن إخلاصه والتزامه تجاه الدولة اليهودية يرجعان إلى عقود. لكن حرب غزة تسببت في خسائر فادحة في الأرواح البشرية، ولا يزال وقف إطلاق النار بعيد المنال ولا يزال العديد من الرهائن محتجزين. ولقد أدى تراجع الدعم الدولي لحملة إسرائيل العسكرية إلى جعل إسرائيل أقل أمنا من ذي قبل. وفي مواجهة هذه المعاناة، لا يمكن أن تبقى الولايات المتحدة ملتزمة تجاه الزعيم الإسرائيلي الذي ينصب تركيزه على نجاته الشخصية وعلى استرضاء المتعصبين الذين يحتضنهم.

لقد ساندت الولايات المتحدة إسرائيل، دبلوماسيًا وعسكريًا، خلال عقود من الحروب والأزمات. والتحالفات ليست علاقات من طرف واحد، وأغلب الإسرائيليين، ومنهم كبار القادة العسكريين الإسرائيليين، يدركون ذلك. أما نتانياهو، فقد أدار ظهره لأمريكا وتوسلاتها، فإيجاد أزمة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية عندما أصبح أمن إسرائيل، واستقرار المنطقة بأكملها، على المحك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المساعدات العسکریة الولایات المتحدة الرئیس بایدن یمکن أن لا یمکن

إقرأ أيضاً:

بنما تُحرج الولايات المتحدة الأمريكية وتنفي ما أوردته خارجيتها: "لا لم نعفيكم من دفع الجمارك"

نفت هيئة قناة بنما ما زعمته وزارة الخارجية الأمريكية بشأن إعفاء السفن التابعة للحكومة الأمريكية من رسوم عبور القناة.

اعلان

نفت هيئة قناة بنما ما زعمته وزارة الخارجية الأمريكية بشأن إعفاء السفن التابعة للحكومة الأمريكية من رسوم عبور القناة.

ونشرت هيئة القناة، وهي وكالة مستقلة تشرف عليها الحكومة، بيانًا لها تؤكد فيه أنها لم تقم بأي تغييرات لفرض رسوم أو حقوق لعبور القناة، مضيفة أن بيانها كان ردًا مباشراً على المزاعم الأمريكية.

قناة بنما تنفي المزاعم الأمريكية بشأن الإعفاء من الرسوم

وأشارت إلى أنها على استعداد لإقامة حوار مع المسؤولين الأمريكيين المعنيين فيما يتعلق بعبور السفن الحربية من البلد المذكور.

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت قبل ساعات أن حكومة بنما قررت إعفاء سفنها من الرسوم الجمركية لعبور القناة، وهو ما من شأنه توفير ملايين الدولارات سنويًا على واشنطن.

الخارجية الأمريكية تعلن أن القناة أعفتها من الرسوم الجمركيةRelatedموسكو تحذر ترامب من محاولة السيطرة على قناة بنماوزير خارجية أمريكا يحذر رئيس بنما: تحركوا ضد الصين وإلا "سنتخذ الإجراءات اللازمة" "كلفتنا دموعا ودماء": تهديد ترامب لقناة بنما يثير ذكريات الماضي الإمبريالي لأمريكا

ويمكن أن يُفهم رد بنما على أنه تصعيد من الجمهورية تجاه تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن السيطرة على قناتها.في الآونة الأخيرة، أحدثت تهديدات ترامب بشأن السيطرة على القناة صدمة في الجمهورية، إذ اتهم الرئيس الجديد الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى بفرض رسوم مبالغ فيها لاستعمال ممرها التجاري، مشيرًا إلى أنه سيضطر إلى إعادة السيطرة عليها، ما لم تتراجع عن ذلك.

كما اتهم ترامب بنما بالخضوع لسيطرة الصين، وهو ما تنفيه الأخيرة، غير أن ضغوطات الزعيم الجمهوري دفعت الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو بالتعهد لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بالانسحاب من مبادرة الحزام والطريق الصينية.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية في عهد ترامب.. وعود ببداية عصر ذهبي واستعادة قناة بنما وخليج المكسيك يتحول إلى "خليج أمريكا" بنما تحتفل بمرور 25 عاماً على ذكرى نقل إدارة القناة وسط تهديدات ترامب بإعادتها للولايات المتحدة شاهد: أول إبحار للسفينة التشيلية العملاقة "إزميرالدا" بقناة بنما دونالد ترامببنماالصينجماركالولايات المتحدة الأمريكيةاعلاناخترنا لكيعرض الآنNext الغارديان: "مرحبًا بكم في عالم ترامب، حيث يرى رجل العقارات دولاراتٍ بين ركام غزة" يعرض الآنNext "تهادوا تحابّوا".. نتنياهو يقدم لترامب "جهاز بيجر ذهبيا" والمضيف يسحب الكرسي للحليف يعرض الآنNext "هذه أرضي أنا".. هكذا رد سكان غزة على خطة ترامب لتهجير فلسطينيي القطاع يعرض الآنNext الحكومة الفرنسية تنجو من تصويت آخر بحجب الثقة بعد خلاف حول ميزانية 2025 يعرض الآنNext انخفاض قياسي في سعر الريال الإيراني بعد قرار ترامب تصعيد سياسة الضغط على طهران اعلانالاكثر قراءة جوائز غرامي 2025: إطلالة بيانكا سينسوري تثير الاستهجان وانتقادات لقبعة جادن سميث الرياضة والطبيعة والعافية: أهم الأماكن السياحية في قطر بالمشاركة مع Media City مسابقة "بوم بوم" لاختيار أجمل مؤخرة امرأة بالبرازيل حصيلة دامية في غوما: دفن 900 قتيل في مقابر جماعية بعد أسابيع من القتال حب وجنس في فيلم" لوف" اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومدونالد ترامببنيامين نتنياهوغزةإسرائيلأوروباسورياإيطالياالبيت الأبيضالشرق الأوسطفلاديمير بوتينضحايابشار الأسدالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • بنما تُحرج الولايات المتحدة الأمريكية وتنفي ما أوردته خارجيتها: "لا لم نعفيكم من دفع الجمارك"
  • على خطى الولايات المتحدة..إسرائيل تنسحب من مجلس حقوق الإنسان
  • إن بي سي: الولايات المتحدة تضع خططا لسحب كامل القوات الأمريكية من سوريا
  • هل تتوقف بعض الدول عن شراء الأسلحة الأمريكية عقابًا لـ ترامب؟
  • اجتماع سري لقادة الاتحاد الأوروبي لمناقشة الاستقلال الدفاعي عن الولايات المتحدة
  • الكرملين: على أمريكا وقف تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا كليا
  • "رويترز": الولايات المتحدة تستأنف ضخ الأسلحة إلى أوكرانيا
  • رويترز: الولايات المتحدة استأنفت تسليم الأسلحة والمعدات لأوكرانيا
  • الولايات المتحدة تستعد لبيع أسلحة جديدة لإسرائيل بقيمة مليار دولار
  • وسائل إعلام أمريكية: نتنياهو يستهدف من زيارته زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل بأكثر من 8 مليارات دولار