لا يمكن أن تكون المساعدة العسكرية لإسرائيل غير مشروطة
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
افتتاحية نيويورك تايمز -
ترجمة: أحمد شافعي -
تجاوزت معاناة المدنيين في غزة ـ بعشرات آلاف القتلى، وكثير منهم أطفال، ومئات آلاف المشردين، والعديد منهم معرضون لخطر المجاعةـ القدرة على احتمال عدد متزايد من الأمريكيين. ومع ذلك، يتحدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وحلفاؤه القوميون المتطرفون في الحكومة الدعوات الأمريكية للمزيد من ضبط النفس والمساعدات الإنسانية.
إن التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل -الذي يشمل 3.8 مليار دولار سنويًا من المساعدات العسكرية، وهو أكبر إنفاق للمساعدات الخارجية الأمريكية لأي دولة في العالم- ليمثل انعكاسًا للعلاقة الوثيقة والدائمة والاستثنائية بين البلدين. غير أن رابطة الثقة يجب أن تسود بين الجهات المانحة والمتلقية لأسلحة الولايات المتحدة الفتاكة، فالولايات المتحدة تزود بالأسلحة وفقًا لشروط رسمية تعكس القيم الأمريكية والتزامات القانون الدولي.
ولقد قطع نتانياهو والمتشددون في حكومته تلك الرابطة، وإلى أن يتم رأب ذلك الصدع، لا تستطيع أمريكا أن تستمر، كما تفعل إلى الآن، في تزويد إسرائيل بالأسلحة التي تستخدمها في حربها ضد حماس.
والسؤال لا يتعلق بما لو أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد عدو أقسم على تدميرها. لأن لها الحق في ذلك. فقد كان هجوم حماس في السابع من أكتوبر عملا وحشيا لا يمكن لأي دولة أن تتركه يمضي دونما رد، وبالاختباء وراء جبهات مدنية، تنتهك حماس القانون الدولي وتتحمل نصيبا كبيرا من المسؤولية عن المعاناة التي يتعرض لها الشعب الذي تزعم أنها تعمل باسمه. وفي أعقاب ذلك الهجوم مباشرة، سارع الرئيس بايدن إلى إظهار تعاطف أمريكا ودعمها الكاملين لإسرائيل في مصابها. وكان ذلك هو الصواب الذي ينبغي عمله.
ولا يتعلق السؤال أيضا بما لو أنه ينبغي على الولايات المتحدة الاستمرار في مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها. فالتزامات أمريكا بالدفاع عن إسرائيل طويلة الأمد وجوهرية وفيها منفعة متبادلة وضرورية. ولا يجب لأي رئيس أو كونجرس أن يحرم الدولة الوحيدة على وجه الأرض ذات الأغلبية اليهودية من الوسائل اللازمة لضمان بقائها. كما أنه لا ينبغي أن يغيب عن بال الأمريكيين أبدًا التهديد الذي تمثله حركة حماس، لأمن المنطقة ولأي أمل في السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لكن هذا لا يعني أن يسمح الرئيس لنتانياهو بالاستمرار في ممارسة ألعابه المزدوجة الهازئة. فالزعيم الإسرائيلي يناضل من أجل بقائه السياسي في مواجهة الغضب المتزايد من ناخبيه. وهو يعلم أنه -في حال تركه منصبه- يخاطر بتقديمه للمحاكمة بتهم خطيرة تتعلق بالفساد. وقد ظل -حتى وقت قريب- يقاوم الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف لإطلاق النار كان يمكن أن تؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن الذين ما زالوا محتجزين لدى حماس. وقد استعمل الأسلحة الأمريكية في ملاحقة حماس، وأصم أذنيه دون المطالب المتكررة من الرئيس بايدن وفريق الأمن القومي التابع له لبذل المزيد من أجل حماية المدنيين في غزة من التعرض للأذى بتلك الأسلحة. والأدهى من ذلك أن نتانياهو جعل من تحدي القيادة الأمريكية أداة سياسية، فتساهل وشجع المتشددين في حكومته ممن تعهدوا بإعادة احتلال غزة ورفض أي فكرة لإقامة دولة فلسطينية، وهذا هو عكس السياسة الأمريكية تمامًا. ويرجع الفضل جزئيا إلى القنابل والأسلحة الثقيلة الأخرى التي وفرتها الولايات المتحدة في أن الجيش الإسرائيلي الآن لا يواجه غير مقاومة مسلحة قليلة في معظم أنحاء غزة. لكن نتانياهو تجاهل التزاماته بتوفير الغذاء والدواء للسكان المدنيين في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل الآن. بل إن إسرائيل -في واقع الأمر- أضافت صعوبات أمام كل من يحاول تقديم المساعدات الإنسانية لغزة. حتى اضطرت الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوات استثنائية، منها عمليات إنزال جوي وبناء رصيف بحري، للتغلب على العقبات الإسرائيلية أمام تقديم المساعدات الإنسانية. والهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي على فريق (المطبخ المركزي العالمي) في غزة بما أسفر عن مقتل سبعة من عمال الإغاثة، والذي اعترفت إسرائيل بأنه خطأ، يؤكد الخطر الهائل الذي يواجه وكالات الإغاثة الدولية التي تتدخل للمساعدة. وهذا لا يمكن أن يستمر.
لقد أعلنت إسرائيل أخيرًا سحب قواتها من جنوب غزة، ولكن هذا ليس بوقف رسمي لإطلاق النار ولا بنهاية للحرب، ويتعين على إدارة بايدن المثابرة في جهودها للمساعدة في إنهاء القتال وتحرير الرهائن وحماية المدنيين الفلسطينيين. وإن عددًا متزايدًا من أعضاء مجلس الشيوخ، بقيادة كريس فان هولين، الديمقراطي عن ولاية ميريلاند، يحثون الرئيس بايدن على النظر في وقف مؤقت لعمليات النقل العسكرية إلى إسرائيل، وهو أمر يمكن للسلطة التنفيذية أن تقوم دونما موافقة من الكونجرس. ولقد أصابوا في ضغطهم من أجل اتخاذ هذا الإجراء.
في الأسبوع الماضي، كانت النائبة نانسي بيلوسي ضمن أربعين عضوًا ديمقراطيًا في مجلس النواب وقعوا على رسالة إلى الرئيس ووزير الخارجية تحثهما على ضمان توافق المساعدات العسكرية لإسرائيل مع القانونين الأمريكي والدولي. والآلية اللازمة للقيام بذلك موجودة بالفعل. ففي فبراير، وقَّع بايدن مذكرة الأمن القومي (NSM-20) التي وجهت وزير الخارجية إلى الحصول على ضمانات كتابية «ذات مصداقية وموثوقة» من متلقي الأسلحة الأمريكية بأن تُستخدم تلك الأسلحة وفقا للقانون الدولي وبألا يعطل متلقوها إيصال المساعدات الأمريكية. وقد يؤدي عدم الوفاء بهذه التدابير إلى تعليق المزيد من عمليات نقل الأسلحة.
لم تأت هذه المذكرة بجديد. فالعديد من متطلباتها بالفعل جزء من قانون المساعدة الخارجية وغيره من التدابير، وهي تنطبق على الأسلحة المقدمة إلى بلاد أخرى، منها أوكرانيا. وتستثني المذكرة على وجه التحديد أنظمة الدفاع الجوي وغيرها مما يستخدم لأغراض دفاعية بحتة، ولذلك فهي لا تنطبق على الأسلحة الأخرى، بما فيها قذائف المدفعية والذخائر دقيقة التوجيه. لكن المذكرة لافتة للنظر. فهي تؤكد سلطة الرئيس في استخدام المساعدات العسكرية لتكون وسيلة لضمان استخدام الأسلحة الأمريكية استخداما مسؤولا.
لقد جربت الإدارة العديد من أشكال الضغط والتحذير، ومنها التصريحات العلنية والتعبير عن الإحباط وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولم تثبت فعالية شيء من ذلك، حتى الآن، مع نتانياهو. والمساعدات العسكرية هي الوسيلة الوحيدة التي عزف بايدن عن استخدامها، لكنها الأداة المهمة الموجودة تحت تصرفه -ولعلها الأداة الأخيرة- لإقناع إسرائيل بفتح الطريق أمام المساعدة العاجلة لغزة.
لن يكون إيقاف تدفق الأسلحة مؤقتا إلى إسرائيل بالخطوة التي يسهل على الرئيس بايدن اتخاذها، إذ إن إخلاصه والتزامه تجاه الدولة اليهودية يرجعان إلى عقود. لكن حرب غزة تسببت في خسائر فادحة في الأرواح البشرية، ولا يزال وقف إطلاق النار بعيد المنال ولا يزال العديد من الرهائن محتجزين. ولقد أدى تراجع الدعم الدولي لحملة إسرائيل العسكرية إلى جعل إسرائيل أقل أمنا من ذي قبل. وفي مواجهة هذه المعاناة، لا يمكن أن تبقى الولايات المتحدة ملتزمة تجاه الزعيم الإسرائيلي الذي ينصب تركيزه على نجاته الشخصية وعلى استرضاء المتعصبين الذين يحتضنهم.
لقد ساندت الولايات المتحدة إسرائيل، دبلوماسيًا وعسكريًا، خلال عقود من الحروب والأزمات. والتحالفات ليست علاقات من طرف واحد، وأغلب الإسرائيليين، ومنهم كبار القادة العسكريين الإسرائيليين، يدركون ذلك. أما نتانياهو، فقد أدار ظهره لأمريكا وتوسلاتها، فإيجاد أزمة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية عندما أصبح أمن إسرائيل، واستقرار المنطقة بأكملها، على المحك.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المساعدات العسکریة الولایات المتحدة الرئیس بایدن یمکن أن لا یمکن
إقرأ أيضاً:
ترامب.. الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة الأمريكية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أدى دونالد ترامب اليمين اليوم الإثنين كالرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أداء قسم الولاء، بدأ ترامب في إلقاء خطاب تنصيبه، والذي وعد في المقابلات بأنه موحد ويرفع المعنويات - على عكس الخطاب الذي ألقاه في حفل تنصيبه في عام 2017، عندما قدم الولايات المتحدة على أنها دولة محطمة ومنكسرة.
دونالد ترامب ترامب.. الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة الأمريكية وفي بداية خطابه، قال ترامب إن "العصر الذهبي لأميركا يبدأ الآن"، ووعد بأنه في عهده سيكون أقوى من أي وقت مضى وأن التغييرات التي سيجريها سيتم تنفيذها بسرعة: "من هذا اليوم فصاعدا. سوف تزدهر بلادنا والعالم كله مرة أخرى سيتم احترامها. سنكون موضع حسد كل دولة".
وأشار إلى محاولة اغتياله خلال الحملة الانتخابية، وقال إن "الله أنقذ حياتي لإعادة أمريكا إلى عظمتها". وقال ترامب في كلمته إنه يود أن يتذكره الناس كصانع سلام وشخص موحد، وأشار إلى أنه بالأمس - أي قبل يوم من ولايته - "بدأ الأسرى في الشرق الأوسط في العودة إلى عائلاتهم".
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، عندما ذكر ترامب الرهائن، وقف الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن ونائبته كامالا هاريس وصفقوا.. وكانت هذه هي المرة الأولى في خطاب يفعلون ذلك.
في أول يوم له في منصبه، قرر ترامب التوقيع على سلسلة من الأوامر الرئاسية المهمة منها الأوامر التي ستركز في المقام الأول على الوضع على الحدود المكسيكية وقضية المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة التي أعلن ترامب أنه ينوي الإعلان عن الوضع فيها الحدود المكسيكية "حالة طوارئ وطنية"، وزيادة عدد الجنود على طول الحدود وتوقيع أوامر إضافية من شأنها أن تجعل من الصعب على الولايات المتحدة دخول الحدود، وتسهل ترحيل المتسللين الذين يتمكنون من الوصول إليها.
وقال الرئيس السابع والأربعون، الذي وعد بالحد من حقوق المتحولين جنسيا في الجيش والمدارس، في خطابه إنه اعتبارا من اليوم "لا يوجد سوى جنسين - الذكور والإناث".
يُعرف ترامب بأسلوبه الصاخب وتصريحاته المثيرة للجدل، استطاع جذب الأنظار منذ اللحظة الأولى لإعلان ترشحه وحتى حفل تنصيبه الذي شهد حضورًا جماهيريًا واسعًا.
وُلد ترامب في 14 يونيو 1946 بمدينة نيويورك، وبرز مبكرًا كرجل أعمال بارز في مجال العقارات. اشتهر بتطوير مشروعات ضخمة تحمل اسمه في مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى نجاحه الإعلامي عبر تقديمه برنامج “The Apprentice” الذي عزز شهرته وشعبيته. وبالرغم من أنه واجه انتقادات لأسلوبه الإداري وشخصيته الجدلية، إلا أنه استطاع دائمًا إثارة الجدل والبقاء في دائرة الضوء.
ترامب لم يكن غريبًا على السياسة عندما خاض الانتخابات الرئاسية لأول مرة في 2016، حيث رفع شعار “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، وحقق فوزًا مفاجئًا على منافسته هيلاري كلينتون.
خلال فترة رئاسته الأولى، تبنى ترامب سياسات اقتصادية مثيرة للجدل، شملت خفض الضرائب وإعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية، مع التركيز على شعار “أمريكا أولًا”.
ورغم الانتقادات التي طالت إدارته، إلا أن أنصاره يرون فيه قائدًا حازمًا وصاحب رؤية قوية لإعادة بناء مكانة الولايات المتحدة عالميًا.
بعد خروجه من البيت الأبيض في 2021، لم يختفِ ترامب عن المشهد، بل استمر في قيادة تيار واسع من الجمهوريين الذين يؤمنون بفكره وسياساته. حملته الانتخابية الأخيرة، التي أعادته إلى الرئاسة، ركزت على شعارات الوحدة والازدهار واستعادة الكرامة الأمريكية.