شمال دارفور.. معارك ضاربة وانقسامات الحركات تخلط الأوراق
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
قتل وأصيب عشرات المدنيين في المعارك المستمرة منذ مساء السبت حول مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وسط مخاوف من أن تؤدي الانقسامات الأخيرة في القوة المشتركة المكونة من عدد من الحركات المسلحة والتي كانت تعمل على حماية المدنيين إلى كارثة جديدة في الإقليم المضطرب.
وتتفاقم الأوضاع في الإقليم في ظل الحرب الحالية بين الجيش وقوات الدعم السريع التي تسيطر على نحو 90% من مناطق الإقليم التي تشكل 20% من مساحة السودان وتضم نحو 14 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة.
ودعت الأمم المتحدة والولايات المتحدة جميع الأطراف إلى وقف الهجمات والالتزام بتعهداتها بموجب القانون الدولي.
قلق أممي
وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش قلقا عميقا إزاء تصاعد التوترات بين الجماعات المسلحة في الفاشر. وجدد، في بيان منسوب إلى المتحدث باسمه، ستيفان دوجاريك، دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف دائم للأعمال العدائية.
وأشار البيان إلى أن القتال الحالي سيكون مدمرا بالنسبة للمدنيين في المدينة ويمكن أن يؤدي إلى توسيع نطاق الصراع على طول الخطوط القبلية في أنحاء ولايات دارفور الخمس.
ومن جانبه، قال المبعوث الاميركي للسودان توم بيرييلو في حسابه على منصة إكس إن الهجوم على الفاشر سيكون كارثيًا على المدنيين في دارفور، وسيضيف زيتًا على النار التي تحرق السودان.
وتأتي أحدث موجة عنف في الإقليم في ظل انقسام حاد بين الحركات المسلحة المتواجدة هناك والمقدر عددها بنحو 87 حركة - منها 6 رئيسية - والذي وصل إلى ذروته الخميس حيث أعلنت 3 حركات تتبع لمني أركو مناوي وجبريل إبراهيم ومصطفى تمبور تخلي قواتها الموجودة في القوة المشتركة عن الحياد.
وقالت انها ستقاتل مع الجيش، في حين حذرت مجموعتان يقودهما عضوا مجلس السيادة المقالان الهادي إدريس والطاهر حجر من خطورة الخطوة وقالتا انها ستجر الإقليم لحرب أهلية أعمق، وتعهدتا بالاستمرار في حماية المدنيين.
الحياد
وقال الهادي إدريس لموقع "سكاي نيوز عربية" إن المجموعات التي اختارت الاستمرار في الحياد ستعمل بالتعاون مع طرفي القتال على توظيف القدرات المتوفرة لديها لتوفير الحماية للمدنيين والمساعدة على ايصال المساعدات الإنسانية وتجنيب الإقليم الحرب الأهلية.
وأكد إدريس أن انسحابهم من القوة المشتركة يأتي انطلاقا من قناعتهم بأن الاستمرار فيها بشكلها الحالي سيجر الإقليم إلى الاستقطاب الإثنى والحرب الأهلية.
وأوضح أن القوة المشتركة وبإعلانها الانحياز إلى جانب الجيش تكون قد انتهكت إطار البيان التأسيسي القائم على الحياد وحماية المدنيين.
وتركز القتال خلال الساعات الماضية حول مدينة الفاشر التي تعتبر من المدن القليلة في الإقليم التي لا يزال الجيش يحتفظ بوجود نسبي فيها، وتعد واحدة من أهم المدن الاستراتيجية في الإقليم الذي يربط حدود السودان بكل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.
ويعيش إقليم دارفور الذي يشهد حربا هي الأطول في القارة الأفريقية استمرت منذ العام 2003 وادت إلى مقتل 300 الف شخص وتشريد الملايين؛ تدهورا كبيرا في الأوضاع الأمنية والإنسانية؛ وسط تقارير تشير إلى ارتفاع عدد القتلى خلال الأشهر الماضية إلى اكثر من 7 آلاف قتيل بينهم عدد كببر من الأطفال والنساء مما ادى إلى نزوح اكثر مليون شخص إلى دولة تشاد المجاورة وعدد من المناطق الداخلية في الإقليم.
وتعد الفاشر مركزا إنسانيا للأمم المتحدة يضمن توزيع المساعدات المنقذة للحياة عبر ولايات دارفور الخمس وفقا للاحتياجات.
ويقول الصحفي ابو عبيدة برغوث لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الانقسام الحالي في القوة المشتركة سينعكس سلبا على الأوضاع الإنسانية في الإقليم، ويوضح "تعيش دارفور اوضاع انسانية وامنية خطيرة وتأتي هذه الخطوة في وقت كانت تعمل فيه الأطراف المعنية على فتح المسارات الانسانية وخفض حدة التوتر".
مآلات خطيرة
عندما اندلعت الحرب الأهلية في دارفور في العام 2003، كانت هنالك 3 حركات رئيسية فقط، لكنها سرعان ما بدأت في التشظي والتكاثر حتى وصلت في الوقت الحالي إلى أكثر من 87 مجموعة مسلحة.
بعد توقيع اتفاقية السلام في جوبا في نهاية 2020؛ شكلت الحركات الدارفورية الموقعة ما عرف بـ "القوة المشتركة" لحماية المدنيين في إطار حزمة من الترتيبات الأمنية التي نصت عليها الاتفاقية.
ولكن مع استمرار الحرب الحالية انقسمت تلك الحركات إلى حركات محايدة وهي الغالبية وأبرزها حركتي الهادي إدريس والطاهر حجر، فيما أعلنت 3 حركات انحيازها للجيش دون أن تشارك بشكل ظاهر في القتال، إلا قبل اسبوعين، وهي مجموعة تتبع لجبريل إبراهيم وزير المالية الحالي ومني أركو مناوي حاكم اقليم دارفور ومجموعة مصطفى تمبور.
في أعقاب اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في ابريل 2023 حدثت خلافات كبيرة في اوساط الحركات المسلحة في دارفور وانقسما بين موالي للجيش ‘وآخر للدعم السريع وثالث اختار الحياد.
تتزايد المخاوف من خلافات الحركات المسلحة في دارفور وانقساماتها الاثنية والمناطقية في ظل انتشار أكثر من مليوني قطعة سلاح خارج المنظومة الأمنية الرسمية؛ وفقا لما أعلنته لجنة حكومية شكلت قبل أكثر من عامين؛ لجمع السلاح غبر المقنن.
سكاي نيوز عربية - أبوظبي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکات المسلحة القوة المشترکة فی الإقلیم فی دارفور
إقرأ أيضاً:
مهنة غريبة أوجدتها الأوراق المالية التالفة بغزة
على بسطة صغيرة في سوق مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يجلس الشاب عبده أبو علوان يوميا، لترميم وإصلاح الأوراق النقدية الممزقة، في محاولة لإبقائها قيد التداول بين المواطنين، مقابل رسوم رمزية.
ولم يتخيل الشاب عبده طوال حياته أن يؤول به الحال إلى هذه المهنة الغريبة، لولا أنه مرَّ بعدة مواقف شخصية قاسية، جعلته يشعر باليأس، بعدما رفض التجار قبول أوراق نقدية "قالوا إنها تالفة" منه، مقابل احتياجات أطفاله وأسرته.
ومع استمرار الحرب الإسرائيلية منذ ما يقارب 18 شهرا، ومنع الاحتلال تدفق العملة الجديدة إلى القطاع، إضافة إلى الإغلاق المطول لفروع البنوك، اضطر السكان لاستخدام نفس الأوراق النقدية البالية، وهذا زاد من تعقيد النشاط التجاري الهش أصلا، وأسهم في انتشار العملات المزيفة.
مهنة اضطرارية لسد الحاجةيقول الشاب عبده أبو علوان في حديثه للجزيرة نت:"هذه مش شغلتي، بس اضطريت لها عشان أمشي أموري الحياتية، بعدما رأيت كل المواطنين في غزة يحملون أوراقا نقدية مهترئة وممزقة، والتجار يرفضون التعامل بها".
يوضّح أبو علوان أن جميع التجار وأصحاب البسطات، عند الشراء منهم، يطلبون عملة جديدة بدل القديمة، الأمر الذي دفع إلى التوجه لإصلاح العملة، حتى تبقى قابلة للتداول، لأنه لا يوجد بديل لها في غزة.
إعلانوأشار إلى أن أكثر فئتين نقديتين يُطلب إصلاحهما هما ورقة الـ20 شيكلا، وورقة الـ100 شيكل القديمة، بسبب تهالك حالتهما.
وأضاف أن التجار باتوا يرفضون التعامل بورقة الـ20 شيكلا بشكل خاص، نتيجة اهترائها الشديد، على غرار عملة الـ10 شواكل المعدنية التي اختفت من السوق قبل نحو 5 أشهر، بعدما رفض التجار التعامل بها.
ويروي أبو علوان في حديثة للجزيرة نت أن عمله يعتمد على استخدام مادتين: الأولى: مادة سريعة الجفاف، تُشترى بالسنتيمتر من أحد الأشخاص في مدينة غزة، وتتيح للمواطنين استخدام العملة بعد 5 دقائق فقط من إصلاحها.
الثانية: مادة تشكل طبقة زجاجية على الورقة النقدية، بحيث يغطي اللون على التلف، مع ضرورة إعادة التلوين على الجروح في الورقة لإخفاء نحو 70% من العيوب، وهذا يسهل إعادة تداولها.
يقول عبده: "آخذ الحد الأدنى من الأجر مقابل تصليح الأوراق النقدية: شيكلان لإصلاح ورقة الـ20 شيكلا، وإذا كانت الورقة تحتاج إلى إصلاح أكبر مثل أوراق الـ100 شيكل أو الدينار أو الدولار، قد يصل الأجر إلى 5 شواكل".
بداية فكرة تصليح العملاتبدوره، يوضح المواطن أبو الجود، الذي لا يبعد كثيرا عن بسطة زميله عبده، أن فكرة تصليح العملة بدأت تتبلور منذ نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حينما تفاقمت أزمة العملات الورقية بين المواطنين والتجار.
ويشرح أبو الجود في حديثة للجزيرة نت: "العملة كانت في السابق تعاني من تلف بسيط جدا، لكن مع الحرب واستخدامها المكثف في الأسواق من دون استبدال أو تجديد، تفاقم الوضع كثيرا مع استمرار إغلاق البنوك".
ويضيف أن السوق اليوم يعجّ بجميع أنواع الأوراق: "الجيدة، والمتوسطة، وحتى السيئة"، أما التالفة جدا، فيتم ركنها جانبا، ويعمد المواطنون إلى استثنائها من التداول إلا للضرورة.
وعن أدوات العمل، يوضح أبو الجود أنه يعتمد على" مقص، وغراء، ومادة مثبتة، بالإضافة إلى خبرته الشخصية ونظرته الدقيقة في تقييم حالة الورقة النقدية وطريقة إصلاحها.
وأشار إلى أن أكثر الأوراق التي يتم إصلاحها بشكل متكرر هي ورقة 20 شيكلا، نظرا لكثرة تداولها، متوقعا أن يتم التوقف عن استخدامها قريبا نتيجة اهترائها الشديد ورفض التجار التعامل بها، تماما كما حصل مع عملة 10 شواكل المعدنية.
إعلان تدهور العملة الورقيةمن بين من يعانون من أزمة تهالك العملة الورقية في غزة، المواطن هاني أبو نحل، الذي وصف الواقع المالي في القطاع بأنه "معاناة حقيقية يومية" بسبب تدهور جودة الأوراق النقدية المتداولة منذ أكثر من 18 شهرا، من دون أي عملية تجديد.
يقول أبو نحل في حديثه لـ"الجزيرة نت": "بدك تشتري أي شي، بتتفاجأ إنو كل المصاري تالفة، هالمصاري إلها سنة ونص بتلف بالسوق بين الناس والتجار، وما في بديل".
ويُوضح أن المشكلة تبدأ منذ لحظة استلامه للراتب: "لما بدي أروح أسحب راتبي من تجار العمولة، بيعطيني 80% من الراتب بورق تالف، و20% بس بحالة كويسة"، متسائلا: "طيب الـ20% بدها تغطيلي كل متطلبات حياتي؟!".
ويُضيف بنبرة استياء: "هو مش بس بيشاركك براتبك بأخذ نسبة، كمان بيشاركك بالمصاري التالفة اللي هو أصلا استفاد منها قبلك، وبيرجعلك إياها عشان ترجع تصلحها وتدورها بالسوق من جديد".
تكلفة الإصلاح عبء إضافييتحدث أبو نحل عن تفاصيل تصليح الأوراق النقدية قائلا: "كل ورقة إلها تسعيرة… مثلا ورقة الـ20 شيكلا ممكن تصلحها بـ1 شيكل، وفي أوراق توصل لـ4 شواكل، وفي أوراق أصلا ما بتنفع تتصلح".
ويشير إلى أن إصلاح العملة بحد ذاته قد لا يكون حلا مثاليا: "أني أصلّح ورق وأنزل فيه للسوق، هاي معاناة ثانية، لأنه ممكن تاجر ثاني يمسكها ويرفضها، رغم إنك دافع على إصلاحها".
ويختم بالإشارة إلى أصحاب البسطات الذين يصلحون العملة قائلا: "نيّتهم طيبة وبيحاولوا يساعدوا، بس الواقع أكبر من هيك، الأزمة بدها حل جذري، مش ترقيع".
يرى عدد من المغردين أن التداول الرقمي البنكي في غزة يمكن أن يساهم بشكل كبير في حل عدة أزمات في ظل الحرب الإسرائيلية، خاصة مع شح السيولة وصعوبة التعامل النقدي، ولكنهم أشاروا أيضا إلى أن جشع بعض التجار، الذين يستغلون الحاجة للسيولة عبر بيعها في السوق السوداء، يعيق هذا الحل ويزيد من تعقيد الأوضاع.
إعلانواقترح بعض المغردين أن الحل الأنسب يتمثل في اعتماد المحفظة الإلكترونية في جميع التعاملات، بدون عمولة تُذكر، مع ضرورة أن يتم ذلك بشكل إجباري ومن دون تمييز؛ حيث يمكن لكل مواطن إنشاء محفظته الإلكترونية بسهولة ومن دون مشقة.
وأشار آخرون إلى أن اعتماد التداول الرقمي يمكن أن يُساهم في حل عدة أزمات متراكمة في قطاع غزة.
وأكدوا أن تعزيز ثقافة التداول الرقمي، واستخدامه في جميع عمليات البيع والشراء، سيُمكن المجتمع من تجاوز كل هذه المشكلات بسهولة.