قتل وأصيب عشرات المدنيين في المعارك المستمرة منذ مساء السبت حول مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وسط مخاوف من أن تؤدي الانقسامات الأخيرة في القوة المشتركة المكونة من عدد من الحركات المسلحة والتي كانت تعمل على حماية المدنيين إلى كارثة جديدة في الإقليم المضطرب.

وتتفاقم الأوضاع في الإقليم في ظل الحرب الحالية بين الجيش وقوات الدعم السريع التي تسيطر على نحو 90% من مناطق الإقليم التي تشكل 20% من مساحة السودان وتضم نحو 14 في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة.



ودعت الأمم المتحدة والولايات المتحدة جميع الأطراف إلى وقف الهجمات والالتزام بتعهداتها بموجب القانون الدولي.

قلق أممي

وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش قلقا عميقا إزاء تصاعد التوترات بين الجماعات المسلحة في الفاشر. وجدد، في بيان منسوب إلى المتحدث باسمه، ستيفان دوجاريك، دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف دائم للأعمال العدائية.

وأشار البيان إلى أن القتال الحالي سيكون مدمرا بالنسبة للمدنيين في المدينة ويمكن أن يؤدي إلى توسيع نطاق الصراع على طول الخطوط القبلية في أنحاء ولايات دارفور الخمس.

ومن جانبه، قال المبعوث الاميركي للسودان توم بيرييلو في حسابه على منصة إكس إن الهجوم على الفاشر سيكون كارثيًا على المدنيين في دارفور، وسيضيف زيتًا على النار التي تحرق السودان.

وتأتي أحدث موجة عنف في الإقليم في ظل انقسام حاد بين الحركات المسلحة المتواجدة هناك والمقدر عددها بنحو 87 حركة - منها 6 رئيسية - والذي وصل إلى ذروته الخميس حيث أعلنت 3 حركات تتبع لمني أركو مناوي وجبريل إبراهيم ومصطفى تمبور تخلي قواتها الموجودة في القوة المشتركة عن الحياد.

وقالت انها ستقاتل مع الجيش، في حين حذرت مجموعتان يقودهما عضوا مجلس السيادة المقالان الهادي إدريس والطاهر حجر من خطورة الخطوة وقالتا انها ستجر الإقليم لحرب أهلية أعمق، وتعهدتا بالاستمرار في حماية المدنيين.

الحياد

وقال الهادي إدريس لموقع "سكاي نيوز عربية" إن المجموعات التي اختارت الاستمرار في الحياد ستعمل بالتعاون مع طرفي القتال على توظيف القدرات المتوفرة لديها لتوفير الحماية للمدنيين والمساعدة على ايصال المساعدات الإنسانية وتجنيب الإقليم الحرب الأهلية.

وأكد إدريس أن انسحابهم من القوة المشتركة يأتي انطلاقا من قناعتهم بأن الاستمرار فيها بشكلها الحالي سيجر الإقليم إلى الاستقطاب الإثنى والحرب الأهلية.

وأوضح أن القوة المشتركة وبإعلانها الانحياز إلى جانب الجيش تكون قد انتهكت إطار البيان التأسيسي القائم على الحياد وحماية المدنيين.

وتركز القتال خلال الساعات الماضية حول مدينة الفاشر التي تعتبر من المدن القليلة في الإقليم التي لا يزال الجيش يحتفظ بوجود نسبي فيها، وتعد واحدة من أهم المدن الاستراتيجية في الإقليم الذي يربط حدود السودان بكل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.

ويعيش إقليم دارفور الذي يشهد حربا هي الأطول في القارة الأفريقية استمرت منذ العام 2003 وادت إلى مقتل 300 الف شخص وتشريد الملايين؛ تدهورا كبيرا في الأوضاع الأمنية والإنسانية؛ وسط تقارير تشير إلى ارتفاع عدد القتلى خلال الأشهر الماضية إلى اكثر من 7 آلاف قتيل بينهم عدد كببر من الأطفال والنساء مما ادى إلى نزوح اكثر مليون شخص إلى دولة تشاد المجاورة وعدد من المناطق الداخلية في الإقليم.

وتعد الفاشر مركزا إنسانيا للأمم المتحدة يضمن توزيع المساعدات المنقذة للحياة عبر ولايات دارفور الخمس وفقا للاحتياجات.

ويقول الصحفي ابو عبيدة برغوث لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الانقسام الحالي في القوة المشتركة سينعكس سلبا على الأوضاع الإنسانية في الإقليم، ويوضح "تعيش دارفور اوضاع انسانية وامنية خطيرة وتأتي هذه الخطوة في وقت كانت تعمل فيه الأطراف المعنية على فتح المسارات الانسانية وخفض حدة التوتر".

مآلات خطيرة

عندما اندلعت الحرب الأهلية في دارفور في العام 2003، كانت هنالك 3 حركات رئيسية فقط، لكنها سرعان ما بدأت في التشظي والتكاثر حتى وصلت في الوقت الحالي إلى أكثر من 87 مجموعة مسلحة.

بعد توقيع اتفاقية السلام في جوبا في نهاية 2020؛ شكلت الحركات الدارفورية الموقعة ما عرف بـ "القوة المشتركة" لحماية المدنيين في إطار حزمة من الترتيبات الأمنية التي نصت عليها الاتفاقية.

ولكن مع استمرار الحرب الحالية انقسمت تلك الحركات إلى حركات محايدة وهي الغالبية وأبرزها حركتي الهادي إدريس والطاهر حجر، فيما أعلنت 3 حركات انحيازها للجيش دون أن تشارك بشكل ظاهر في القتال، إلا قبل اسبوعين، وهي مجموعة تتبع لجبريل إبراهيم وزير المالية الحالي ومني أركو مناوي حاكم اقليم دارفور ومجموعة مصطفى تمبور.

في أعقاب اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في ابريل 2023 حدثت خلافات كبيرة في اوساط الحركات المسلحة في دارفور وانقسما بين موالي للجيش ‘وآخر للدعم السريع وثالث اختار الحياد.

تتزايد المخاوف من خلافات الحركات المسلحة في دارفور وانقساماتها الاثنية والمناطقية في ظل انتشار أكثر من مليوني قطعة سلاح خارج المنظومة الأمنية الرسمية؛ وفقا لما أعلنته لجنة حكومية شكلت قبل أكثر من عامين؛ لجمع السلاح غبر المقنن.

سكاي نيوز عربية - أبوظبي

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکات المسلحة القوة المشترکة فی الإقلیم فی دارفور

إقرأ أيضاً:

سردية الباز المقلوبة: تأملات في وهم الانتصار وخدعة الحياد

في كتاباته الأخيرة، يشيّد الأستاذ عادل الباز خطابًا يعيد إنتاج سردية مألوفة تنزع إلى التبسيط، وتمارس إخفاءً واعيًا لعناصر أساسية في معادلة الصراع السوداني. فبينما يلوّح بانتصار "الجيش" كحتمية سياسية وميدانية، يبني منطقه على فرضيتين مضللتين: الأولى، أن الحرب أملتها ضرورات عسكرية طارئة لا علاقة لها بمشروع سياسي مضمر. والثانية، أن من حق طرف أن يحتكر الدولة، وأن يُصفى الآخر بالعزل أو الحسم، في مسار خطّي لا يمر عبر صناديق الانتخابات، ولا يعترف بتعدّد القوى الاجتماعية والسياسية.
ما يغفله الباز – وربما يتغافله – هو أن الصراع الحالي لا يمكن عزله عن هندسة إقليمية جرت على مدى سنوات، كان "التحالف الإقليمي" فاعلًا فيها بشكل حاسم. فذلك التحالف لم يتوقف عن إعادة تشكيل السلطة في السودان عبر أدوات دعم غير مرئية أحيانًا، ومكشوفة في أحيان كثيرة، لصالح مراكز نفوذ بعينها. والمفارقة أن الكاتب الذي يفاخر بحرصه على السيادة الوطنية، لا يجد حرجًا في التماهي مع خطوط التدخل نفسها التي تُملى من خارج الحدود، وتُدار بعقلية وصاية تتخطى السودانيين وحقهم في تقرير مصيرهم.
ثمّة مغالطة أخرى في خطاب الباز، وهي تقديم الحرب كضرورة أخلاقية. إذ يصور الجيش كحارس للمدنية، متناسيًا أن ذات المؤسسة ظلت تعرقل كل فرص التحول الديمقراطي منذ الاستقلال. فهل تحققت المدنية يوماً بانقلاب؟ وهل الدفاع عن "الدولة" يقتضي سحق العاصمة، وتدمير البنى التحتية، وتشريد ملايين الناس؟ أليس من الأجدر التساؤل عن الدولة التي نريد حمايتها: هل هي دولة الجميع، أم دولة النخبة العسكرية الأمنية، المصنوعة على أعين التحالف الإقليمي، ووفق مصالحه؟
لقد تجنب الباز، عمدًا، أي مساءلة لمواقف القوات المسلحة حيال عملية الانتقال، وتخندق عند تصور سطحي للثورة لا يرى فيها سوى لحظة عاطفية تم اختطافها. لكنه لا يجيب: من اختطفها؟ هل كان المدنيون وحدهم؟ أم أن "الشراكة" كانت اسمًا مخففًا لتبعية مدنية لمؤسسة عسكرية تتقن صناعة التحالفات في الخارج أكثر من صيانة التوافق الوطني في الداخل؟
إن سردية الباز تنتهي إلى خلاصة بالغة الخطورة: لا مستقبل إلا عبر الإقصاء، ولا حل إلا بانتصار طرف واحد، فيما التاريخ يعلمنا أن أكثر الحروب التي سُميت بـ"الانتصارات" تحوّلت إلى نكبات قومية، وحفرت جراحًا عميقة يصعب التئامها.
ربما آن للباز أن يتأمل في سؤال بسيط: لماذا لا يُترك الأمر للسودانيين ليقرروا شكل دولتهم دون وصاية، لا من "التحالف الإقليمي" ولا من حراس الدولة العميقة؟ ذلك هو التحدي الحقيقي، وما عداه فهو مجرد غبار حرب.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • محافظ شمال سيناء: ماكرون كان مهتما بالتفاصيل التي حكاها المصابون الفلسطينيون بمستشفى العريش
  • المقدم مصطفى كنيفاتي مدير إدارة الأمن العام في اللاذقية لـ سانا: نؤكد أننا لن ندخر أي جهد في ملاحقة والضرب بيد من حديد كل المجاميع الإرهابية التي استهدفت أو تخطط لاستهداف أهلنا المدنيين وقوات الأمن
  • معارك ضارية بأم درمان ونزوح مئات العائلات شمال دارفور
  • السودان.. توقعات حالة الطقس الاسبوعية في الفترة من (07-14) ابريل 2025 م
  • مقتل وإصابة 26 شخص إثر قصف للدعم السريع على مخيم زمزم
  • القوة المحايدة لحماية المدنيين: تعرض قواتنا لكمين من قبل قوات الدعم السريع في منطقة “كويم”
  • تفاقم الوضع الإنساني يجبر آلاف المدنيين على الفرار من الفاشر .. حاكم إقليم دارفور يشير إلى مخطط لتهجير سكان المدينة
  • قوة ضاربة.. أمريكا تحرك حاملة طائرات جديدة باتجاه إيران
  • سردية الباز المقلوبة: تأملات في وهم الانتصار وخدعة الحياد
  • جوع ومرض وجفاف.. تحذيرات من تدهور كارثي غير مسبوق في الفاشر