تحديات تحسين الخدمات فى الجمهورية الجديدة
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
فى الجمهورية الجديدة اتخذت الدولة المصرية عدة إجراءات بالغة الأهمية كتحسين الخدمات، بعد قرار زيادة المخصصات المالية للصحة والتعليم بهدف زيادة الاستثمار فى التنمية البشرية، هذه الإجراءات بالغة الأهمية خاصة بعد زيادة هذه المخصصات بشكل لم يسبق له مثيل من ذى قبل، فقد تم تخصيص نحو 495,6 مليار جنيه للمنظومة الصحية، و858,3 مليار جنيه للتعليم، و139,5 مليار جنيه للبحث العلمى.
والمعروف أن نهضة أى أمة تبدأ من الاهتمام بالتعليم والبحث العلمى والاهتمام بصحة المواطن، فالعقل السليم فى الجسم السليم.. وكما قلت مراراً وتكراراً من قبل، إن الاهتمام بالصحة والتعليم فى المشروع الوطنى الموضوع للبلاد بعد ثورة 30 يونيو يعنى تحقيق النهضة التى يتغياها المصريون.
إن رؤية المشروع الوطنى فى النهوض بالصحة، لم تأتِ من فراغ مؤخراً وإنما شهدت العديد من المبادرات منذ ثورة 30 يونيو، ويكفى أن مصر قضت تماماً على فيروس «C» الذى كان وبالاً على البلاد لعدة عقود زمنية وراح ضحيته الكثير من المواطنين. وهذا فى حد ذاته يعد إنجازاً كبيراً، شهد به العالم لمصر. وإضافة إلى ذلك مبادرة مائة مليون صحة التى كانت لها آثار إيجابية كبيرة على جموع المصريين وحققت نجاحات باهرة مؤخراً، ولا يمكن إغفال مشروع التأمين الصحى الشامل الذى بدأ فى مرحلتين بعدد من محافظات الجمهورية، تمهيداً إلى تعميمه كاملاً على جميع المصريين بلا استثناء، أليست كل هذه المبادرات من الأهمية بمكان، وهذا ما جعل الدولة تزيد من المخصصات المالية لتحسين صحة المواطنين.
أما الجانب الآخر البالغ الأهمية فهو الاهتمام بالتعليم، وقد شهدت مصر خلال العشر سنوات الماضية نهوضاً واضحاً فى افتتاح العديد من الجامعات الخاصة والأهلية والدولية، ومن حقنا أن نفخر بالفرع الدولى الذى تم إنشاؤه بجامعة القاهرة فى كل المجالات والتخصصات، وفى هذا الصدد لا يمكن إغفال دور الدولة فى إنشاء هذا الفرع الدولى الذى نفذه الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس الجامعة، والحقيقة أن هناك نهضة تعليمية واسعة فى التعليم العالى لا تخطئها الأعين، لكن يبقى الأمر الآخر المهم وهو التعليم قبل الجامعى من مرحلة رياض الأطفال حتى الثانوية العامة، وهو يحتاج إلى جهد كبير لتطويره وتحديثه فى أسرع وقت، ولا يجب ترك هذا الملف لوزارة التربية والتعليم بمفردها، بل تحتاج إلى جهد كبير من كل الذين لديهم أى عطاء فى هذا الشأن.
أما زيادة مخصصات البحث العلمى، فهذا أمر بالغ الأهمية، والمعروف أن كل دول العالم المتحضر، تهتم بشكل بالغ بهذه القضية، لأن نجاح أى دولة مرتبط بمدى عطائها وقدرتها على تنمية البحث العلمى، ولذلك جاء قرار الدولة بزيادة المخصصات للبحث العلمى قراراً صائباً، ويعد تحدياً مهماً يضاف إلى الكثير من التحديات التى تواجهها مصر من أجل النهوض بالبلاد وبما يليق بالجمهورية الجديدة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فى الجمهورية الجديدة الجمهورية الجديدة الدولة المصرية زيادة المخصصات المالية للصحة الإجراءات
إقرأ أيضاً:
تحديات المرحلة الانتقالية والهوية الاقتصادية في سوريا الجديدة
تبدأ سوريا الجديدة في المرحلة المقبلة إعادة بناء مؤسساتها بشكل عام، والاقتصادية منها بشكل خاص، بعد زوال العهد البائد لآل الأسد، وسط حديث عن انعقاد مؤتمر وطني، والنظر في صياغة دستور جديد، لينقل البلد إلى عهد يتسم بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
وثمة تحديات عدة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي في سوريا تجعل القائمين على الأمر يتمهلون في ما يخص الفترة الانتقالية، ويركزون على خيارات جيدة لإدارة المرحلة الانتقالية، ومن تلك التحديات ما نشر بتقرير صادر عن البنك الدولي في مايو/أيار 2024 حول مستوى الرفاه للأسر السورية، من أن نسب الفقر بين السوريين تصل إلى 69% من إجمالي السكان، وأن الفقر المدقع بلغت نسبته 27%.
وتوجد تحديات أخرى لا بد من أن تؤخذ في الاعتبار حول عدالة توزيع الثروة في الحقبة الجديدة، وضرورة أن تكون السياسات الاقتصادية أكثر انحيازًا للمتضررين من العهد البائد لبشار الأسد، وبخاصة المتضررين من تداعيات الفترة التي امتدت من 2012 إلى 2024.
يضاف ذلك إلى متطلبات إعادة الإعمار التي قدرها البعض بنحو 300 مليار دولار، وتأتي قضية إعادة بناء البيوت المهدمة جراء قصف طائرات الأسد ومعاونيه على رأس أجندة إعادة الأعمار، وامتلاك برامج دعم لمساعدة الأفراد لبناء بيوتهم أو ترميمها.
إعلانكذلك تحتاج البنية التشريعية تعديلات متنوعة، وإن كانت الأيام الأولى لحكومة تصريف الأعمال برئاسة محمد البشير قد اتخذت خلالها جملة قرارات بشأن تيسير الأجواء الاقتصادية، وعلى رأسها ما يتعلق بتحرير سعر الصرف وتداول النقد الأجنبي، وكذلك بعض القرارات الخاصة بالتعاملات الجمركية.
خيار السوق الحرةتسود المناخ الإقليمي والدولي توجهات نحو اقتصاد السوق الحرة، لكن ثمة تداعيات تجعل للعديد من الدول خصوصيات تتعلق بحرية التجارة أو التعامل مع الاستثمارات الأجنبية، وكذلك وجود دور للدولة في النشاط الاقتصادي، إما لتداعيات اقتصادية واجتماعية أو أمور تخص الأمن القومي.
فروسيا عقب تفكك الاتحاد السوفياتي عاشت حالة من الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عهد يلتسن، لكن مع مجيء بوتين تمت إعادة ترتيب الأوضاع بشكل عام والأوضاع الاقتصادية بشكل خاص، فوجدنا أن روسيا التي تسمح بدور كبير للقطاع الخاص أعادت تموضعها في ما يخص وجود دور معتبر للدولة في النشاط الاقتصادي.
يذكر الاقتصادي الإنجليزي جون تشانج في كتابه "ركل السلم بعيدًا.. إستراتيجيات التنمية والتطور قديمًا" أن الدول المتقدمة في بدايتها بطريق التنمية احتاطت كثيرًا في ما يخص حرية التجارة وحركة رؤوس الأموال، ولم تقبل بحرية السوق إلا بعد أن تمكنت من ذلك على المستويين العام والخاص.
يمكننا أن نقول إن حالة سوريا بعد ثورتها التي أطاحت بالدكتاتور بشار الأسد يمكنها أن تتحدث عن توجهها نحو السوق الحرة، لكن عبر مراحل انتقالية تؤهل الاقتصاد والمجتمع تدريجيا.
خصوصية الحالة السوريةأدت الفترة التي حمل فيها الأسد ونظامه السلاح ضد الشعب السوري -واضطر جزء من المعارضة إلى حمل السلاح ومواجهته والإطاحة به في نهاية المطاف- إلى تراجع العديد من المؤشرات الاقتصادية للبلاد، من تراجع معدلات النمو، وتقلص قيمة الناتج إلى أقل من 8 مليارات دولار، بعد أن كان حوالي 61 مليار دولار تقريبًا في عام 2010.
إعلانونقلت وسائل إعلام عن رئيس غرفة تجارة دمشق باسل الحموي قوله إن "الحكومة السورية الجديدة أبلغت رجال الأعمال أنها ستتبنّى نموذج السوق الحرة وستدمج البلاد في الاقتصاد العالمي، في تحول كبير عن سيطرة الدولة على الاقتصاد طوال عقود".
وإن كان هذا التصريح يحمل نوعًا من التفاؤل للتجار، إلا أنه يحمل العديد من التحديات على الصعيد التنموي، فالبلاد خرجت من حرب، وثمة نقص شديد في العديد من السلع والخدمات، وبخاصة في المناطق التي كان يسيطر عليها نظام الأسد.
وعادة ما يميل التجار للربح السريع، وما يعنيهم معدلات الربح واستمرارها، سواء كان ذلك نتيجة العمل في سلع محلية أو مستوردة، لكن هذه النظرة غير معتبرة في إطار البناء التنموي لبلد يبحث عن الاستقرار والبناء بعد حالة الحرب التي مر بها.
فالنشاط الإنتاجي عادة ما يوفر فرص عمل حقيقية ومستقرة، فضلًا عن مساهمته في زيادة القيمة المضافة لأي اقتصاد، ويساعد في بناء ناتج محلي قوي، لذلك فكلما اعتمدت العملية الإنتاجية على مستلزمات إنتاج محلية ويد عاملة ماهرة وتمويل ذاتي أو محلي أدى ذلك إلى ازدهار اقتصادي.
والسماح بالسوق الحرة في مجالات التجارة والاستثمار والانفتاح على العالم الخارجي في الوضع الحالي للاقتصاد السوري سيجعل من البلاد مجرد سوق للمنتجات الأجنبية، ولن يجعل القطاع الإنتاجي بالبلاد في حالة تسمح له بالمنافسة مع المنتجات الأجنبية، بل قد يزهد المنتجون في نشاطهم، نتيجة عدم القدرة على المنافسة وضعف المردود على نشاطهم الإنتاجي.
لذلك يستلزم الأمر وجود خطة تنمية تهدف إلى بناء القطاعات الإنتاجية، وتقديم الدعم اللازم لها، وبخاصة في ما يتعلق بالتعريفات الجمركية، وتنظيم مساهمات الاستثمارات الأجنبية، سواء في المجالات الخدمية أو الإنتاجية.
فثمة مقومات إيجابية يتسم بها سوق العمل السوري، من وجود سلوك يحترم العمل كقيمة لدى شريحة كبيرة من السكان، وكذلك الجودة في ما يقدم من أعمال وخدمات وبخاصة القطاعات الخدمية والمهنية.
إعلانوعلينا أن نعي أن البيئة الاقتصادية في سوريا مشوهة نتيجة ممارسات نظام الأسد؛ فالقطاع الخاص السوري يعاني مشكلات كبيرة، منها ضعف القدرات التمويلية، بسبب أن الدولة كانت تسيطر على أغلب النشاط الإنتاجي، وما سمح به من مساحة للقطاع الخاص كانت ممنوحة للموالين للنظام وفق "قاعدة العطاء مقابل الولاء".
وحينما ننظر إلى ما هو متاح من بيانات عن الاقتصاد السوري، نجد أن الائتمان الممنوح للقطاع الخاص في عام 2010 كان بحدود 20% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين كانت هذه النسبة في العام نفسه بمصر 36%، وذلك وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي.
فتصحيح هذه البيئة المشوهة على الصعيد الاقتصادي يحتاج إلى إعادة ترتيب لتتجه نحو الوجهة الصحيحة، وألا يكرس الوضع الجديد لرأسمالية متوحشة بزعم تبنّي السوق الحرة.
فالرئيس الأميركي دونالد ترامب إبان ولايته الأولى، وخوضه لحرب تجارية مع الصين، وتضرر القطاع الزراعي الأميركي من الضرائب التي فرضتها عليه الصين؛ وجدناه يقدم 14 مليار دولار دعمًا للمزارعين المتضررين.
ويمكن القول إن إعادة بناء الاقتصاد الخاص السوري ليكون مؤهلًا للسوق الحرة والتحديات التي تفرضها على الفاعلين فيها يعدّ من المتطلبات الضرورية أمام الحكومة السورية الحالية أو الحكومات التالية لها.
ومن المتوقع أن يتطلب الأمر وقتًا، لوجود كيانات اقتصادية ومالية، متوسطة وكبيرة تناسب الوجود في السوق الحرة والاندماج في الاقتصاد العالمي، أما الحديث عن كيانات صغيرة أو متناهية الصغر فهذه الكيانات لا تعمل في الفراغ، لكن يشترط لنجاحها وبخاصة في الجانب الصناعي والإنتاجي أن تكون مرتبطة بكيانات كبيرة أو متوسطة.
النظام المختلطالظروف التي ستعيشها سوريا، بفرض الوصول لحالة من الاستقرار السياسي والأمني، تتطلب على الأقل عقدًا من الزمن حتى تنهض اقتصاديا، ولذلك يتطلب الأمر تبني هوية اقتصادية مختلطة تجمع بين وجود القطاعين العام والخاص، بحيث يعمل القطاع العام وفق أسس اقتصادية، وفي الوقت ذاته تتاح الفرص لبناء قطاع خاص قوي يُعطى مساحات في النشاط الاقتصادي تزيد من إمكاناته في المشاركة والمنافسة على الصعيدين المحلي والخارجي.
إعلانومن شأن وجود القطاع العام في النشاط الاقتصادي، بشرط أن يعمل وفق أسس اقتصادية، أن يحدث توازنا ومنافسة مع القطاع الخاص؛ فتفرّد هذا القطاع يسهّل ممارسة الاحتكار ويؤدي إلى فرض أنماط معينة على المستهلكين.
وإن كان لا بد من تبنّي السوق الحرة، فلتتجه سوريا إلى نموذج ما يعرف بالرأسمالية الاجتماعية التي تحافظ على حقوق الناس في حدّها الذي يحفظ عليهم كرامتهم، وتنال من أرباح الرأسماليين بما يُحدث توازنًا مجتمعيا، مثل الضرائب التصاعدية، ومنع الاحتكار، وتنظيم المنافسة، ووجود تشريعات تمنع تضارب المصالح.