ما زالت مدينة رفح هي الهدف الذى تهدد إسرائيل باجتياحه عسكريا، وليس هذا آخر أهداف "نتنياهو" الذي يريدها حربا لسنوات وسنوات. ولقد ظهر مؤخرًا وهو يعبئ الإسرائيليين بالخوف من القادم، مستغلا هذا كوسيلة لبقائه فى الحكم، وكأنه هو الضامن لحياتهم، والقادر على حماية أمنهم. ومن ثم أشاع لديهم الخوف من النووى الإيرانى، والخوف من دولة فلسطينية غرب النهر، والخوف من سوريا، ومن حزب الله، ومن حماس، ومن منظمة التحرير.
تأتي رفح التى يترصدها "نتنياهو" بوصفها المدينة الحدودية مع مصر وتضم نحو مليون ونصف المليون فلسطيني، غالبيتهم من النازحين، بحسب الأمم المتحدة، مما يثير المخاوف من ارتفاع الحصيلة الكبيرة للقتلى فى حال وقوع هجوم بريّ. ولقد التحف الجميع بالصمت إزاء طموحات "نتنياهو"، تحوّل الجميع إلى متفرجين وكأنهم يشاهدون مباراة مثيرة، ويدركون أن النصر سيكون للطاغوت الإسرائيلى، لأن معه السلاح القاتل. ولهذا مضت إسرائيل فى غلوائها، لم تترك مبنى إلا اغتالته، حتى المرافق الإنسانية كالمستشفيات حاصرتها وفرضت حصارًا تجويعيا على الفلسطينيين، كما فرضت إغلاقا تاما على قطاع غزة وحرمت سكانه من الغذاء والماء والدواء والوقود.اجتاحت كل الأماكن وضربت بالقرارات الدولية عرض الحائط.
منذ بداية الحرب التى أشعلتها إسرائيل بات معدل القتل فى المتوسط يوميا لا يقل عن 300 شخص، غير أن الأطباء فى غزة يقولون بأن العدد أعلى بكثير مع الأخذ فى الاعتبار الجثث المدفونة تحت أنقاض المباني المدمرة أو التى لم تنقل إلى المستشفيات. ولعل الثابت اليوم أن وتيرة القتل فى هذه الحرب تعد أعلى بكثير من وتيرة حرب غزة الممتدة منذ عام 2008، فالحرب الحالية تعد غير مسبوقة سواء من حيث عدد القتلى، أو من حيث عمليات القتل العشوائي، ولهذا عكف الخبراء العسكريون على فحص القنابل التى استخدمتها إسرائيل فى حربها الحالية ضد الفلسطينيين، ووجدوا أن الكيان الصهيونى قد استخدم مجموعة كبيرة من القنابل التي يتراوح وزنها بين مائة رطل وألفيْ رطل، وهذه هى التى أسهمت فى ارتفاع حجم الوفيات فى الحرب الأخيرة. ولا شك أن عامل الكثافة السكانية المرتفعة فى قطاع غزة مقارنة بمساحته حيث يبلغ طوله 41 كيلومترا، وعرضه عشرة كيلومترات فى المتوسط كان عاملا مساعدا فى أن تصبح القنابل التى تستخدمها إسرائيل فى قصف القطاع أكثر تدميرا.
لقد ألحقت قنابل إسرائيل القتل والدمار فى القطاع، فكان ما نسبته 90% من الوفيات هم من المدنيين بسبب استخدام إسرائيل الأسلحة المتفجرة فى المناطق المأهولة بالسكان. ووفقا لتقييمات المخابرات الأمريكية فإن إسرائيل أسقطت فى هذه الحرب منذ السابع من أكتوبر وحتى منتصف ديسمبر أكثر من 29 ألف قنبلة على غزة، وكان نحو من 40 ــ 45% من هذه القنابل غير موجهة، بيد أن هذا النوع يمكن أن يخطئ الهدف. ولقد بلغت نسبة القتلى من النساء والأطفال حوالى 70%.
الجدير بالذكر أن معدل القتل فى قطاع غزة كان أكبر بكثير من المعدلات التى نجمت عن الصراعات الأخرى التى دارت رحاها مؤخرا فى العالم، فلقد تجاوز عدد الوفيات بين المدنيين في القطاع معدلات الضرر الناجم عن أى صراع تم توثيقه من قبل، وقال مسؤول دولى إنه لن يتفاجأ على الإطلاق إذا كان حوالى 80% من القتلى من المدنيين. ويرجع ذلك إلى كثافة المتفجرات شديدة الانفجار التى استخدمتها إسرائيل فى منطقة صغيرة مأهولة بالسكان، فكانت العمليات شبيهة بحرب "فيتنام".
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إسرائیل فى
إقرأ أيضاً:
خبير سياسي: تصاعد الحراك داخل إسرائيل تحوّل لحرب حول الهوية
قال الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى إن الحراك الداخلي المتصاعد ضد الحرب في قطاع غزة تجاوز المطالب الإنسانية بإعادة الأسرى، ليعكس انقساما أعمق يتعلّق بطبيعة إسرائيل وهويتها المستقبلية، مشيرا إلى أن ما يدور في الداخل الإسرائيلي هو صراع بين رؤيتين متناقضتين حول شكل الدولة.
وأضاف في حديثه للجزيرة أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يعمل على استدامة الحرب في قطاع غزة، لأنها تمثل بالنسبة له ركيزتين لبقائه السياسي: الأولى مرتبطة بمحو آثار فشله الأمني في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والأخرى تتعلّق ببقاء حكومته الحالية في السلطة.
وأوضح أن نتنياهو يفتقر اليوم إلى مخرج سياسي آمن يضمن له الاستمرارية من دون أن يدفع ثمن الإخفاق الكبير الذي وقع في بداية الحرب، ولذا يسعى إلى إطالة أمد المعارك لتغطية هذا الإخفاق، وفي الوقت نفسه يعزز بذلك تماسك تحالفه الحكومي القائم على أطراف يمينية متطرفة.
ويأتي هذا في وقت تصاعدت فيه حدة الضغوط الداخلية على الحكومة الإسرائيلية، مع تزايد التوقيعات العسكرية والمدنية المطالِبة بوقف فوري للحرب مقابل الإفراج عن المحتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
إعلانوبرز من بين هذه التحركات توقيع مئات من جنود لواء "غولاني" المسرحين على عريضة تطالب بإنهاء القتال، إلى جانب توقيعات من طيارين حربيين ومدنيين، وفنانين، وأكاديميين، وأفراد من القطاع الصحي والتعليمي، في مشهد يعكس عمق الانقسام المجتمعي داخل إسرائيل.
ويرى مهند مصطفى أن الحراك المدني رغم زخمه واتساعه لم يصل إلى مستوى الضغط الكافي لتغيير سياسات الحكومة، موضحا أن تأثيره يبقى محدودا طالما لم يترافق مع خطوات مثل العصيان المدني أو الإضرابات الاقتصادية التي قد تُلزم الحكومة بدفع ثمن سياسي مباشر.
في المقابل، أكد أن الحراك داخل المؤسسة العسكرية له تأثير فعلي، خاصة في ما يتعلق بنسبة التزام جنود الاحتياط، مشيرا إلى أن هناك نسبة تقارب 70% من عدم الالتحاق بوحدات الاحتياط، وهو ما ينعكس سلبا على أداء الجيش وعلى شرعية العمليات العسكرية الجارية في غزة.
نقطة ضعف الحراكلكنه نبه إلى نقطة الضعف الجوهرية في هذه التحركات، قائلا إن العرائض الصادرة حتى الآن لم تصل إلى الدعوة الصريحة للعصيان العسكري، وهو ما يجعل تأثيرها على القرار السياسي محدودا رغم أثرها النفسي والمعنوي الكبير على القوات المسلحة.
وأضاف أن قراءة عميقة لخطابات العرائض والمحتجين تكشف أن الموضوع لم يعد يتمحور فقط حول قضية الأسرى، بل تحوّل إلى ما وصفه بـ"حرب حول هوية إسرائيل"، مشيرا إلى أن نتنياهو يصف الحرب على غزة بأنها "حرب الاستقلال الثانية"، بينما يصف المحتجون تحركهم بأنه معركة لتحرير إسرائيل من الحكومة الحالية.
وتابع قائلا إن هناك تيارا واسعا داخل المجتمع الإسرائيلي يرى أن ما يجري هو محاولة من اليمين لاحتلال الدولة من الداخل، ليس عسكريا وإنما سياسيا وأيديولوجيا، عبر تقييد الحريات، وإضعاف المؤسسات السياسية، والقيام بانقلاب دستوري تدريجي تحت غطاء الحرب.
وشدد على أن هذا التيار يرى أن استمرار الحرب يصبّ في مصلحة اليمين المتطرف، لأنه يمنح نتنياهو مساحة كبرى لإعادة تشكيل بنية الدولة وهويتها، من دون معارضة فعالة، مستغلا مناخ الطوارئ والحرب لتمرير مشاريع تهدد الطابع الديمقراطي والمؤسساتي لإسرائيل.
إعلانويرى الخبير في الشأن الإسرائيلي أن المفارقة الكبرى تكمن في أن المحتجين يعتبرون أن وقف الحرب ضرورة ليس فقط من أجل إنقاذ المحتجزين، بل لإنقاذ إسرائيل ذاتها من خطر التحول إلى دولة محكومة بشكل دائم بمنظومة يمينية تسعى لفرض رؤيتها الأحادية على الجميع.