التغيرات المناخية وآثارها على التنمية المستدامة في مصر
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
التغير المناخي عبارة عن تغيرات في الخصائص المناخية للكرة الأرضية نتيجة للزيادات الحالية في نسبة تركيز الغازات المتولدة عن عمليات الاحتراق في الغلاف الجوي، بسبب الأنشطة البشرية التي ترفع من حرارة الجو، ومن هذه الغازات: ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكاسيد النيتروجين، والكلورو فلورو كربون، ومن أهم التغيرات المناخية: ارتفاع حرارة الجو، واختلاف في كمية وأوقات سقوط الأمطار وتعتبر ظاهرة التغيرات المناخية ظاهرة عالمية إلا أن تأثيراتها تختلف من مكان إلى مكان على سطح الكرة الأرضية نظراً لطبيعة وحساسية النظم البيئية في كل منطقة ولا شك أن ظاهرة التغير المناخي أصبحت إحدى القضايا المطروحة دائما على المستوى العالمي، في ظل ما يمكن أن يترتب عليها من تغيرات خطيرة تهدد مستقبل الإنسان على الأرض متمثلة في ارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط سقوط الأمطار، وارتفاع مستويات مياه البحار، وازدياد تواتر الكوارث ذات الصلة بالمناخ ومخاطر على الزراعة والأرض الزراعية وإمدادات المياه والأمن الغذائي، مما قد يسبب مشاكل وخسائر للإنتاج الزراعي والاقتصاد القومي، فقد أشارت إحدى الدراسات الصادرة عن المنظمة الدولية للأرصاد الجوية إلى ارتفاع في متوسط درجات الحرارة عالمياً بنحو أربع درجات مئوية بحلول عام ٢٠٦٠، ومن المحتمل أن يؤدي هذا الارتفاع السريع إلى تهديد استقرار العالم من خلال تعطيل إمدادات الغذاء والماء في أجزاء كثيرة من العالم، وأن التغير في المناخ العالمي الناتج عن النشاط الإنساني قد بدأ فعلا وأن استمرار هذا التغير واحتمالات استجابة المجتمع الدولي له لن تكون سريعة، ما يجعل من تغير المناخ أكثر خطورة في المستقبل عما هو مقدر الآن، مع توقع مزيد من الفيضانات والأعاصير القوية وارتفاع منسوب مياه البحار بما يصل إلى نحو ٥٩ سنتيمترا خلال القرن الحالي، ويتوقع "معهد المراقبة" أن ٣٣ مدينة حول العالم ستصبح مهددة بسبب ارتفاع مستويات البحار، من بينها ٢١ مدينة هي الأكثر عرضة لخطر ارتفاع سطح البحر، ومن بين تلك المدن مدينة الإسكندرية في مصر، وقد عانت مصر من آثار التغير المناخي خلال موجة الحر بين عامي (2010 -2015) فقد تضررت بشدة عدة مزارع تتركز في وادي النيل والدلتا، والمناطق الجديدة مما أدى إلى زيادة حادة في الأسعار، كما تأثرت الإنتاجية الزراعية بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتم تصنيف مصر على أنها واحدة من خمس دول على مستوى العالم هي أكثر الدول تعرضا للآثار السلبية للتغيرات المناخية سواء بارتفاع سطح البحر أو غرق أجزاء من الدلتا وما يعكسه كل ذلك من أضرار اجتماعية واقتصادية إلا أن قضية تغير المناخ لم تؤخذ بالشكل المطلوب في مصر وتشكل التغيرات المناخية إحدى أهم التهديدات للتنمية المستدامة على الدول الفقيرة أكثر منه على الدول الغنية، بالرغم من كونها لا تساهم بنسبة كبيرة من إجمالي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، ويعود ذلك إلى هشاشة اقتصاديات هذه الدول في مواجهة تداعيات التغيرات المناخية للضغوط المتعددة ومازالت العديد من اقتصاديات العالم تعتمد بصفة رئيسية على قطاعات رهينة بالظروف المناخية، كالزراعة والصيد البحري واستغلال الغابات وباقي الموارد الطبيعية والسياحة، حتى أن موارد الطاقة كالبترول وغيرها والتي تعتبر شريان الاقتصاد، هي معرضة وبشدة إلى التأثر بسبب التغيرات المناخية وبالتالى لابد من استنباط أصناف جديدة تتحمل الحرارة العالية والملوحة والجفاف وهي الظروف التي سوف تكون سائدة تحت ظروف التغيرات المناخية، بالإضافة إلى تغيير مواعيد الزراعة بما يلائم الظروف الجوية الجديدة مع تقليل مساحة المحاصيل المسرفة في الاستهلاك المائي فضلاً عن تطبيق أساليب أفضل في إدارة الأراضي كتحسين التسميد.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: التغیرات المناخیة
إقرأ أيضاً:
من هو الجدير بالمنصب؟!
د. محمد بن عوض المشيخي **
"الحرس القديم" مصطلح كثُر استخدامه في السنوات الأخيرة في الوطن العربي من جيل الشباب، ويُشير هذا المفهوم إلى كبار المسؤولين في أي دولة والذين يحتفظون بمناصبهم لعقود طويلة، على الرغم من إخفاقاتهم الكثيرة، ولكن هناك إصرار يتمثل في حبهم الشديد وتمسكهم بالكرسي أو المنصب إلى ما لا نهاية.
هؤلاء المسؤولون يعتقدون؛ بل يجزمون بأحقيتهم بأن يُخلَّدوا في أماكنهم، فلا يُوجد شخص في هذا الكون يستطيع أن يقوم بالواجبات اليومية لتلك الشخوص "الطرزانية" من وجهة نظر الجهات العُليا التي سمحت لهم وعينتهم؛ باعتبارهم أفرادًا جاءوا من عالم آخر، وبأنَّ الوظيفة هنا تشريف وليست تكليفًا. والأهم من ذلك كله، أن هناك شعورٌ بأنَّ حياتهم لا يُمكن أن تستمر بتركهم المنصب؛ بل هم مثل السمك الذي يموت بخروجه من محيط الوظيفة الحكومية. من هنا تأتي المعضلة الكبيرة في معارضتهم للإصلاحات الجديدة التي يفرضها واقع المُتغيرات الجديدة وبالدرجة الأولى مصلحة الوطن والمواطن، وذلك انطلاقًا من القاعدة الصحيحة التي تقول "لكل زمن دولة ورجال"، ذلك لكون أن الإنسان له سنوات معينة في الإنتاج والعطاء؛ بل وحتى في الإبداع يمكن أن يمتد لعقد من الزمن كحد أقصى.
صحيحٌ أن مفهوم "الحرس القديم" يعود لقرون مضت وتحديدًا عصر الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت الذي كانت له مقاييس ومواصفات في حرسه القديم من القادة والشخصيات السياسية في بلاطه الإمبراطوري، إلّا أن الوجود الحقيقي لهم في معظم بلداننا العربية ودول العالم الثالث مزروع من دول أجنبية بهدف المحافظة على مصالح الدول الاستعمارية، التي خرجت من الأبواب بسبب الثورات الوطنية، ثم عادت من النوافذ الخلفية من خلال هؤلاء. كلٌّ من في منظومة الحرس القديم يحارب الأفكار الجديدة وينغلق على نفسه؛ فالخطر الأكبر الذي لا يُمكن تحمله وقبوله هو الدماء الجديدة من الجيل الصاعد الذين يفترض بهم أن يحملوا الراية نحو الغد المشرق وهذه سنة الحياة، انطلاقًا من المبدأ المُتعارَف عليه في الدول التي تُحارب الفساد وتُحقق العدالة الاجتماعية بتخصيص سنوات معينة للمسؤول الحكومي لا تتجاوز الخمس سنوات، ثم يخضع للتقييم الذي يحدد مدى استمراريته في المنصب من عدمه.
في كل مرحلة يحتاج الوطن إلى أصحاب الابتكارات والمشاريع الإصلاحية، فهناك تجارب عالمية ناجحة كان لها الدور الأكبر في انتشال تلك المجتمعات الفقيرة من شظف العيش والانطلاق بأوطانها نحو حجز مكان بارز في مصاف الدول المتقدمة، على الرغم من قلة الموارد الطبيعية واستبدال ذلك بما يعرف بـ"الاقتصاد المعرفي"، الذي يعتمد بالدرجة الأولى على عقول الأبناء الذين يحولون إبداعاتهم العلمية والبحثية إلى مشاريع إنتاجية واعدة تصدر إلى مختلف دول العالم.
هنا أتذكر تجارب آسيوية وأفريقية من دول مثل ماليزيا التي نجح فيها مهاتير محمد في عقد الثمانينيات لتُصبح ماليزيا دُرة التاج لدول شرق آسيا من حيث التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بينما يقود مُؤسس سنغافورة (لي كوان يو) تلك الجزيرة التي تفتقر إلى النفط والغاز والمعادن لتصبح واحدة من أفضل اقتصاديات العالم قاطبة، معتمدًا في بداية عمله على تطوير التعليم ومحاربة الفساد من الأعلى، أو ما أصبح يعرف بـ"تكنيس الدرج من الأعلى" أي التخلص من فساد الحرس القديم ومحاسبتهم وطردهم من مفاصل الدولة.
أما التجربة الثالثة، فأتت من قلب القارة السمراء التي ينخر فيها الفساد؛ إذ كانت جمهورية رواندا لا تملك ثروات طبيعية، ولا منفذًا على البحر، لكن تهيأ لها قائدٌ أمين عمل جاهدًا على اجتثاث الفساد والمُفسدين، ويُدعَى (بول كاغامه) الذي تولى الرئاسة في مطلع هذه الألفية، فقد أصدر قانونًا إجباريًّا يتم تطبيقه ميدانيًّا على خمسة آلاف مسؤول رواندي وعائلاتهم؛ بما فيهم رئيس الجمهورية نفسه؛ وذلك بهدف الكشف عن حساباتهم البنكية وأملاكهم في الداخل والخارج، وتطبيق مبدأ "من أين لك هذا؟". وبالفعل ذهب إلى حبل المشنقة بعض المسؤولين الذين نهبوا المال العام.
ومن المُفارقات العجيبة أن رواندا خرجت من أسوأ حرب أهلية في التاريخ؛ قُتِل فيها مليون مواطن رواندي في تسعينيات القرن الماضي، لكنها نهضت من مُستنقع الإبادة الجماعية لتتحول إلى أفضل سوق مفتوح في أفريقيا، وبنموٍّ سنوي تجاوز أفضل الاقتصاديات في العالم.
وفي الختام.. من المؤسف حقًا أنَّ دولنا العربية التي تملك الثروات المعدنية والنفط والغاز والزراعة والثروات السمكية الطائلة لم تنجح في انتشال مواطنيها من الفقر والجهل والأُمِّية، إذ نجد الكثير من الدول العربية دولًا فاشلة بسبب نهب الأموال وتحويلها للخارج في البنوك الغربية، وقد لا ترجع يومًا ما للذين أودعوها، فقد أعلن الرئيس الأمريكي عن نيته مصادرة المليارات التي أودعها رموز الفساد في العراق إبان الاحتلال الأمريكي وسقوط بغداد في العقد الأول من الألفية الثالثة.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصر