د. يوسف عامر يكتب.. بين الذكر والشكر
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
قال اللهُ تعالى: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِى وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152].
بدأتِ الآيةُ الكريمةُ بفعلِ الأمرِ (فاذكرونى)، وهو إمَّا أمرٌ مِن الذِّكْرِ بكسرِ الذال، وإما أمرٌ مِن الذُّكْرِ بضمِّها، وقد فرَّقَ العلماءُ بينَهُما فى المعنَى، فبيّنُوا أنَّ الذُّكْرَ -بالضمِّ- هو التَّذكُّرُ، ويكونُ المرادُ بـ(فاذكرونى) الأمرَ بتذكّرِ اللهِ تعالى وعدَمِ الغفلَةِ عنهُ سبحانه.
فاعتبارُ الأعمالِ فى الشرعِ الشريفِ بالنوايا التى وراءَهَا معناه أنْ يكونَ العبدُ مستحضراً للهِ تعالى غير غافلٍ عنه سبحانه عندَ كلِّ عملٍ مِن أعمالِهِ، يقولُ سيدُنا رسولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمالُ بالنيةِ، وإنَّما لامرئٍ ما نوَى، فمَن كانتْ هجرتُه إلى اللهِ ورسولِه، فهجرتُه إلى اللهِ ورسولِه، ومَن كانتْ هجرتُه إلى دنيَا يُصيبُها أوِ امرأةٍ يتزوجُها، فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليْهِ» [متفق عليه]، فعلى العبد أَلَّا يغفلَ عن اللهِ تعالى. وهو مأمورٌ أمرَ إيجابٍ وندبٍ بذِكرِ اللهِ تعالى فى عباداتِهِ وطاعاتِهِ المختلفَةِ.
هذا، وينبغى أنْ ننتبهَ هنا إلى قولِ المولى سبحانه: (أذكركم)، فالعبدُ قد يُتصورُ منه وقوعُ الغفلة فيكونُ منه ذِكرٌ بعدها، ولكن هذا يستحيلُ فى حقِّ اللهِ عزَّ وجلَّ، فكيفَ إذاًْ نفهمُ قولَهُ تعالى: (أذكرْكُم)؟! بيَّن السادةُ المفسرونَ أنَّ هذا المعنى فى حقِّ المولَى سبحانَهُ محمولٌ على المجازِ، والمعنى أعاملْكُم معاملةَ مَن ليسَ مغفولاً عنه، وذلك بزيادةِ الإحسانِ فى الدنيا والآخرةِ، وقد تكلَّمَ العارفونَ باللهِ تعالى فى شىءٍ من معانى هذه الآيةِ المباركةِ فقال فيها القشيرىُّ، رضى الله عنه: «ويُقالُ: (فَاذْكُرُونِى) بالتذلُّل (أَذْكُرْكُمْ) بالتفضّل. (فَاذْكُرُونِى) بالِانكسارِ (أَذْكُرْكُمْ) بالمبارِّ [بأنواعِ البرِّ المختلفة]. (فَاذْكُرُونِى) باللسانِ (أَذْكُرْكُمْ) بالجِنان [بالجَنَّاتِ]. (فَاذْكُرُونِى) بقلوبِكُم (أَذْكُرْكُمْ) بتحقيقِ مطلوبِكُم. (فَاذْكُرُونِى) على البابِ مِن حيثُ الخدمة (أَذْكُرْكُمْ) بالإيجابِ على بساطِ القربَةِ بإكمالِ النعمة. (فَاذْكُرُونِى) بتصفيةِ السّرِّ (أَذْكُرْكُمْ) بتوفيةِ البرِّ. (فَاذْكُرُونِى) بالجهدِ والعناءِ (أَذْكُرْكُمْ) بالجودِ والعطاء. (فَاذْكُرُونِى) بوصفِ السلامة (أَذْكُرْكُمْ) يومَ القيامةِ يومَ لا تنفعُ الندامة. (فَاذْكُرُونِى) بالرهبةِ (أَذْكُرْكُمْ) بتحقيقِ الرغبةِ».
ثم بعدَ هذا أمرَ بالشكرِ، وشكرُ الله تعالى ضَربٌ [نوعٌ] عظيمٌ من ذِكرِهِ سبحانه، وقولُه سبحانه: (وَاشْكُرُوا لِى) فيه إشارةٌ إلى أنه يجبُ أَلَّا يَحجبَ العبدُ نفسَه بالنعمةِ عن رؤيةِ إنعامِ المنعِمِ بهَا سبحانه وشكرِه، وكثيرٌ مِن الناسِ يقفونَ عند النِّعمِ ويغفلونَ عن شُكرِ المنعِمِ!
ثم قال سبحانه: (وَلَا تَكْفُرُونِ) فنهى عن كلِّ صورِ الِانحجابِ عنه سبحانه سواءٌ بالكفرِ به سبحانه وتعالى، أو بكفرانِ نِعمِهِ وإحسانِهِ.
ويُلحظُ فى هذه الآيةِ الكريمةِ، كما أشارَ بعضُ السادةِ المفسرِينَ، أنَّ الأمرَ بالشكرِ أمرٌ بالذكرِ، فهذا أمرٌ ثانٍ بعدَ الأمرِ الأولِ فى (فَاذْكُرُونِى)، والنهىُ عن الكفرانِ أمرٌ بالشكرِ؛ أى هو أمرٌ بالذكرِ أيضاً؛ لأنَّ الشكرَ ذكرٌ للهِ تعالى لا محالةَ، فهذا أمرٌ ثالثٌ بالذِّكر، والثلاثةُ أولُ حدِّ الكثرةِ؛ لأنَّ أقلَّ الجمعِ ثلاثةٌ، فكأنَّ الآيةَ أمرتْ ضمناً بالذكرِ الكثيرِ، يقولُ القشيرىُّ، رضى الله عنه وأرضاه: «والأمرُ بالذكرِ الكثيرِ أمرٌ بالمحبَّةِ؛ لأنَّ فى الخبرِ: «مَن أحبَّ شيئاً أكثرَ ذِكرَهُ» فهذَا فى الحقيقةِ أمرٌ بالمحبَّةِ؛ أى: أَحببْنِى أحبّكَ، {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ} أى أحبّونى أحببْكُم».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الذكر الشكر الرضا المحبة ه سبحانه
إقرأ أيضاً:
هل غدًا صيام؟.. فضل ليلة الإسراء والمعراج
تُعد ليلة الإسراء والمعراج واحدة من أعظم المناسبات الإسلامية التي تحمل معاني روحية ودينية عميقة، وبالتزامن مع بدء هذه الليلة المباركة، يتساءل كثير من الناس حول هل غدا صيام أم لا؟ ، وذلك حتى يحصدوا من نفحات هذه المناسبة المباركة، والمعجزة الإلهية التي لها مكانة كبيرة في قلوب المسلمين.
صيام ليلة الإسراء والمعراجوحول صيام يوم الإسراء والمعراج وهل غدا صيام أم لا، أوضحت دار الإفتاء في فتوى لها، أنه لم يرد نص شرعي صريح يخصّ صيام هذا اليوم بعينه، لكنه من الأيام المستحب فيها الصيام كونها من أيام شهر رجب، وهو من الأشهر الحرم التي يُستحب فيها الإكثار من الأعمال الصالحة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من الصيام في الأشهر الحرم عموماً، مؤكدة أن صيام يوم الإسراء والمعراج ليس واجبا، إلا أنه فرصة للاقتراب من الله عز وجل وطلب مغفرته ورضوانه من خلال الصيام أو أي عمل صالح يُبتغى به وجه الله.
فضل ليلة الإسراء والمعراجوأوضحت الدار، خلال حديثها عن هل غدا صام أم لا، أنه من الأعمال المستحبة في ليلة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب، أداء الطاعات المختلفة مثل الصلاة وقراءة القرآن والدعاء، واستحضار الدروس العظيمة التي تحملها ذكرى ليلة الإسراء والمعراج، ومن أهمها قوة الإيمان بالله تعالى، وأهمية الصلاة التي فرضت في هذه الليلة المباركة.
وأضافت الإفتاء فيما يخص ما حكم صيام 27 رجب ويوم الإسراء والمعراج، أن صيامُ يوم السابع والعشرين من رجب باعتباره اليوم الذي كان صبيحة ليلة الإسراء والمعراج وفق المشهور لا مانع منه شرعًا؛ حيث ورد الأمر الشرعي بالتذكير بأيَّام الله تعالى في قوله سبحانه: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: 5]، ومِن أيَّام الله تعالى: الوقائع العظيمة التي مَنَّ الله فيها على عباده بتفريجِ كُربةٍ أو تأييدٍ بنصرٍ أو نحوهما، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يوم عاشوراء ويأمر بصيامه؛ شكرًا لله تعالى وفرحًا واحتفاءً واحتفالًا بنجاة أخيه سيدنا موسى عليه السلام؛ فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟» فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ».