لغط واسع أوجده العرب، وحدهم، في قراءة الرد الإيراني على عدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق.
فأي جولة واستعراض للمواقف، والأراء المعتبرة، غير العربية، لن تخرج عن دائرة النقلة التاريخية التي تسبب فيها الرد الإيراني، الذي أجبر العالم على وضع كل المقدرات، وعوامل القوة، ومواطن الضعف على طاولة البحث، لإعادة ترتيب الأوراق من جديد.
أما العرب، فسرعان من برزت بينهم اتجاهات، منها من رفعوا سقف أمنياتهم، ورهاناتهم على إيران إلى حد الشطط، ومنهم من أثلج الرد الإيراني صدورهم، ومنهم من يظن أن الحسابات العسكرية، رهينة عدد القتلى والجرحى. ومنهم من بعثر الرد خطابهم المعتمد منذ عقود على خرافة لا محل لها من الإعراب تقول بأن الخلافات (الإيرانية) مع (أمريكا وإسرائيل) مسرحية، من دون أن يشرحوا لنا أي قائد إيراني (خارق) هذا القادر على إلزام الكيان، وأمريكا، والناتو بمسرحية؟! أي غاية جهنمية هذة التي أقنعت اسرائيل، بأن تهزم في 2000، وتهزم في 2006، وتهزم مرات في غزة والضفة، وتهزم في طوفان الاقصى، وتذل هي وأمريكا والناتو، في تداعيات الطوفان في البحر الاحمر، وبحر العرب، والمحيط، والعراق، والجولان؟!
إن تقييم ما قامت به إيران، يجب أن يرتكز على حقائق ربما لا يأخذها البعض بعين الاعتبار، مع انها حاكمة في صياغة النتيجة المرجوة، ومن تلك الحقائق:
- رفض إيران لكل سيناريوهات الرد خارج جغرافية فلسطين.
- أن على إسرائيل وأمريكا أن يفهما ويستوعبا أن إيران لن تستخدم في ردها كل او نصف، او حتى ربع قدراتها.
- أن إيران تريد أن تفرض على إسرائيل حقيقة أن كل شبر من أراضي فلسطين تحت نيران إيران.
-أن إيران نفذت ردها بأيديها، وليس بأيادي حلفائها.. كذلك، جاء ردها من أراضيها، وأيضا كان الرد بسلاح إيراني الصنع والتطوير.
- لم تعتمد إيران على دعم أو اسناد من أي دولة في العالم، ما يؤكد قناعة أصحاب القرار في طهران، أن الملف إيراني فحسب.. إيراني بامتياز.. إيراني إلى حد عدم السماح لأحد بدخول دائرة الرد منذ اللحظة التي تلت العدوان الصهيوني، وصولا إلى حسابات ما بعد الرد الإسرائيلي الذي في حال حدوثه، رغم التحذير الأمريكي، سيدخل الإقليم في مسلسل من الردود، والرد على الردود.
- كذلك، كانت الاستهدافات عسكرية فحسب، ولم تعمد إلى قصف تجمعات بشرية، أو ملاجيء أو مستشفيات، أو أحياء سكنية، رغم أن ذلك كان في مقدورها، وكان سيؤدي إلى تشغيل عدادات الجثث بكل طاقته.
-إيران كانت في ردها وحيدة بالمطلق، في مواجهة إسرائيل والغرب كله الذي سخر نفسه للدفاع عنها، في ظل واقعين عربي، وإقليمي فرضا على طهران حسابات دقيقة لم تخل من استعراض اضطراري للقوة، تم ترجمته بتحذير الجميع من مغبة التعاون مع تل أبيب، أو تقديم أية تسهيلات لها في المواجهة مع طهران.
مشكلنا كعرب، أننا نخطئ في كثير من الأحيان، وبيننا من يخلط بين سلوك، وطبيعة وسمات (العربي)، و(الفارسي)، و(التركي)، وهذا الخلط يأخذ هؤلاء، إلى قراءات مرتبكة، ومن ثم، ينتهي بهم، وربما بآخرين إلى توقعات، واستنتاجات، وقراءات خاطئة، فالسمات المشتركة بين القوميات الثلاث، رغم كثرتها، لا يجب أبدا أن تجعلنا نُسقط الفروق الجوهرية الأخرى، التي تبدأ بالرصيد الحضاري المختزن لدى كل منها، ولا تنتهي بالمصالح الخاصة، التي قد تتسبب في وجود (تباينات)، يراهن عليها الغرب أو (العدو المشترك)، وملحقاته، وأصحاب الأجندات المشوهة قوميا، وعرقيا، ومذهبيا، ليحولوها إلى صراعات، وحروب.
وبناء عليه، وبصرف النظر عن الموقف من إيران، أكان متعاطفا، أو حذرا، أو معاديا، فالثابت أن أحدا ليس في وسعه اقتحام العقل الإيراني، ومعرفة ما يدور فيه، وما يمكن أن ينتج عنه من قرارات ومواقف.. وما يزيد من صعوبة الأمر، خاصية القدرة الهائلة على التحكم في الانفعالات، التي اتسمت بها الشخصية(الفارسية) تاريخيا، والتي من محطاتها القريبة نسبيا، قناعة شعبها ممارساته ليس كشركاء في (العرق الآري)، ولكنهم كأصله وفصله، وثيق الصلة بالوطن الأسطوري "Airyanem Vaejah" وأنهم ساكن شبه القارة الهندية الأصليون، الحريصون عبر محطات التاريخ على أن يميز أنفسهم، باسم (الامبراطورية الاخمينية الإيرانية)، ثم الامبراطورية الفارسية أو الكسروية، ثم العودة عام 1935 من جديد إلى الانتساب المباشر إلى الآرية واختيار اسم (إيران)، وبقاء الحال على ما هو عليه بعد الثورة الإسلامية، والاستقرار على اسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
دعونا نتذكر أن أحد الانطباعات التي اتفق عليها الخبراء والمراقبون الأمريكيون، والأوروبيون أن (سبيلك الوحيد لمعرفة ماذا سيفعل الإيراني، هو أن نتتظر حدوث الفعل لتعلق عليه).
ومع ذلك، هناك ثوابت يمكن الركون إليها، والاعتماد عليها، ومن أهمها ما يصدر عن مرشد الثورة، بمعنى أن عليك أن تطرح جانبا كل ما يمكن انتسابه إلى (المناورة)، و(الخداع التكتيكي، أو الاستراتيجي)، كلما اقتربت من دائرة السيد علي الخامنئي، وبالتالي، فحينما يقول: (إن إسرائيل ستعاقب)، فإنها حتما ستعاقب، (وهذا ما أكدت عليه في مقال سابق)، ليس ذلك فحسب، لكن عليك أن تؤسس رؤاك لما هو آت، انطلاقا من قواعد أرساها الرد الإيراني، واستوعبها من يهمه الأمر، ومنها:
- أن إيران باتت في قلب معادلة الصراع بذراعها، وليس فقط بأذرع شركائها في محور المقاومة.
- أن على الكيان أن يضع إيران في قائمة الكبار الذين يؤدي (اللعب) معهم إلى عواقب وخيمة.
- أن هناك من يتهدد الولايات المتحدة والناتو بالتأديب لو لم يلزم حدوده، ويحسب له ألف حساب، إلى الحد مبدئيا الذي يلزم أمريكا بالاكتفاء بمحاولة الدفاع عن ربيبتها، بمنع ما يمكن من المسيرات والصواريخ من الوصول لأهدافها.
- أن أي رد على الرد الإسرائيلي سيكون القرار فيه حكرا على المرشد.
اقرأ أيضاًرئيس «عربية النواب»: تحرك إيران ضد إسرائيل تطور خطير يؤثر على استقرار المنطقة
مصطفى بكري لـ وزير خارجية إيران: هل الرد على جريمة الاحتلال تستوجب إبلاغ واشنطن؟
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إسرائيل واشنطن إيران الحرس الثوري الهجوم الإيراني الهجوم الإيراني على إسرائيل الرد الإیرانی أن إیران
إقرأ أيضاً:
جيش الاحتلال الإسرائيلي: لا توجد معلومات حول موعد الرد الإيراني
أكدت وسائل إعلام إسرائيلية نقلا عن مسؤولين بالجيش الإسرائيلي، أنه لا توجد معلومات بشأن الموعد الدقيق للرد الإيراني، ولا صحة لما ينشر في وسائل الإعلام بهذا الشأن، حسبما أفادت قناة القاهرة الإخبارية في نبأ عاجل.