بعد عام من الحرب.. اقتصاد السودان يتجرع خسائر بأكثر من 200 مليار دولار
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
الخرطوم– مع استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، تتضاءل فرص إنقاذ الاقتصاد السوداني الذي وجهت إليه المواجهات العسكرية أكبر ضربة قوية.
وبفقدان معظم الأسر في السودان مصادر دخلها، والآثار الهائلة للحرب على سوق العمل والتجارة والزراعة والصناعة، أصبحت الدائرة تضيق أكثر فأكثر بالنسبة للسودانيين في الداخل والفارين داخليا واللاجئين.
يقول مسؤول في وزارة المالية السودانية -للجزيرة نت- إن نسبة إيرادات الدولة انخفضت بنسبة 85% مع مضي سنة كاملة من القتال، ويتوقع ارتفاع مؤشر الفقر في البلاد إلى أكثر من 90% بعد فقدان الموظفين والعمال وظائفهم، ومن ثم عدم حصولهم على رواتبهم.
ويلفت إلى أن الدولة تدفع نحو 60% من الرواتب لعدد من القطاعات، وأن بعضها توقف الدفع له منذ أشهر، بينها قطاعا التعليم والطب.
وحسب المسؤول، فإن الحكومة حاليا عاجزة عن دفع الرواتب بنسبة تصل إلى 50% بسبب تراجع الإيرادات.
من جهتها، تؤكد ندى علي حسن -وهي معلمة بالمرحلة الثانوية بمدينة أم درمان وعضو لجنة المعلمين السودانيين- أن المعلمين يواجهون ظروفا قاسية مع توقف صرف الرواتب.
وتقول للجزيرة نت إن صرف الرواتب توقف بعد تسلم المعلمين استحقاقات أبريل/نيسان ومايو/أيار ويونيو/حزيران 2023، من دون علاوات.
وتقول المعلمة إن أضرارا جسيمة لحقت بالمعلمين والمدارس، كما أن الوضع الأمني المتردي يصعّب فرص العمل البديل.
دمار ألف منشأة
في السياق، يؤكد مسؤول في وزارة التجارة السودانية -للجزيرة نت- توقف ما لا يقل عن ألف منشأة اقتصادية عن العمل منذ اندلاع الحرب، وجميعها تعمل في مجالات الصناعة والتجارة والغذاء والدواء بسبب تدميرها كليا أو جزئيا، حسب البلاغات التي قال إنها تصل الوزارة من أصحابها أو من خلال متابعات الوزارة والجهات ذات الصلة.
ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية عن حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحرب، فإن المسؤول في وزارة التجارة يؤكد أن مؤشر التقدير الأولي انتقل من 20 مليار دولار خلال الشهرين الأولين للحرب إلى أكثر من 200 مليار دولار حاليا.
ويقول المحلل الاقتصادي هيثم محمد فتحي، للجزيرة نت، إن الصادرات السودانية تراجعت بنحو 60% مع إغلاق مطار الخرطوم.
ويلفت إلى توقف العمل بمعظم الموانئ الجافة ونقاط التجارة الحدودية، مع اضطرابات سلاسل التوريد الناتجة عن الحرب، مما أدى إلى تراجع عائدات الصادرات من العملات الصعبة.
تراجع الموارد
وبشأن أهم الصادرات التي تعتمد عليها الدولة، وهي الذهب، يبين هيثم، تراجع إنتاجه من 18 طنا إلى طنين، مما أفقد عائدات صادرات الذهب التي تعادل 50% من الصادرات بقيمة ملياري دولار.
وتكبد القطاع المصرفي أكبر خسائر الحرب الاقتصادية، إذ تعرض 100 فرع من المصارف العاملة في السودان للنهب والسرقة والتدمير، بينما بلغت نسبة الأموال المنهوبة أكثر من 38% في مصارف العاصمة الخرطوم فقط، وفق المحلل نفسه.
ولم يسلم بنك السودان المركزي من عمليات التخريب -كما يقول هيثم- وهو ما جعله يُعانى نقصا حادا في السيولة.
وتآكلت قيمة العملة المحلية بنحو 56.15%، إذ هبط سعر صرف الجنيه أمام الدولار الواحد من 570 جنيها قبل اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023، إلى 1300 جنيه، وهو ما أدى إلى ارتفاع السلع والخدمات.
وأقر وزير المالية جبريل إبراهيم، في مؤتمر صحفي عقده بمدينة بورتسودان نهاية فبراير/شباط الماضي، بأن "التزامات الحرب العسكرية تزداد كل يوم وهي بالعملة الصعبة، وهذا جزء من إشكال سعر الصرف الذي تعيشه البلاد".
من جانبه، يؤكد هيثم أن الكثير من البنوك بدأت تُعانى من مشكلة إدارة ديونها، بعد تعرض الشركات الكبرى التي اقترضت منها مبالغ كبيرة للتدمير والنهب، وهو ما جعل البنوك السودانية تواجه مشكلة في تحصيل هذه الديون.
خسائر
ويتفق المحلل الاقتصادي عبد العظيم المهل، في حديثه للجزيرة نت، مع الدراسات والتقديرات التي أشارت إلى تكبد السودان خسائر بأكثر من 100 مليار دولار مع إكمال سنة للحرب.
ويؤكد المهل أن خسائر البنى التحتية والمعلوماتية نحو 36 مليار دولار، وتكبد القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي خسائر آنية وخسائر مستقبلية بلغت أكثر من 20 مليار دولار.
ويوضح أنه في حال فشل الموسم الشتوي وحصاد القمح والمحاصيل الشتوية الأخرى، فإن ذلك يعرض أكثر من 20 مليون سوداني للمجاعة، وأكمل: "بالتالي يكون الموسمان الصيفي والشتوي فشلا، وتقطعت طرق تسويق المنتجات الزراعية والنباتية".
ويشير المهل إلى أن خسائر القطاع الصناعي بلغت نحو 15 مليار دولار، بينما كان القطاع المصرفي أكبر متضرر بعد إفقاره بنهب البنوك في ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور بشكل شبه كامل، كما تم نهب ذهب ودولارات المواطنين التي كانت مودعة لدى البنوك ولا تقل خسارة القطاع -وفقا للمحلل- عن 20 مليار دولار، بينما تقدر خسائر القطاع الصحي بنحو 13 مليار دولار.
وتوقع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية (أوتشا) في السودان، في بيان سابق، انكماش الاقتصاد بنسبة 12% "لأن الصراع أوقف الإنتاج ودمر رأس المال البشري وقدرات الدولة".
ولفت المهل إلى تأثر قطاع التعليم، لكن التأثير الأكبر وقع على التعليم العالي، إذ توجد 36 جامعة حكومية وأكثر من 130 جامعة خاصة وكلية في الولايات المتأثرة بالحرب، وأن نحو 85% من هذه الجامعات نهبت بشكل شبه تام ولم يتبق إلا الجدران، وفق حديثه.
وتابع "لا تقل خسائر التعليم عن 16 مليار دولار للتعليم العام والعالي".
ويجزم المهل بأن الخراب والخسائر لا يمكن إحصاؤها قبل وقف الحرب وعمل اللجان المتخصصة، ويعتقد أن التعويض بعد وقف الحرب يجب أن يكون وفقا للأولوية للقطاعات الحيوية، ثم القطاع الزراعي والصناعي والتعليم والصحة والمصرفي وغيرها.
تقديرات ملياريةوفي سبتمبر/أيلول الماضي، قال وزير المالية الأسبق إبراهيم البدوي، عبر صفحته على موقع فيسبوك، إن قيمة الضرر في البنى التحتية في المناطق الثلاث الأكثر تضررا من الحرب، وهي الخرطوم ودارفور وكردفان، تبلغ قيمته 60 مليار دولار.
وتوقع أنه حال وقف الحرب أن يكون السودان في حاجة لدعم اقتصادي عاجل بين 5 و10 مليارات دولار لإنعاش الاقتصاد، مؤكدا أن استمرارها يؤدي إلى تدمير الاقتصاد والدولة السودانية.
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي وائل فهمي صعوبة تقدير الخسائر الناجمة عن الحرب قبل وقفها، لتبقى الأرقام المتداولة تقديرية. لكنه يلفت إلى أنه كلما طالت الحرب زاد حجم الخسائر الناتجة عن التدمير للأصول البيئية والاقتصادية.
ويقول وائل للجزيرة نت إن التقديرات الراهنة بعد إكمال الحرب سنتها الأولى تشير إلى ارتفاع قيمة الأصول التي دمرتها الحرب وتجاوزها 500 مليار دولار وقد تصل إلى 700 مليار دولار، آخذين في الاعتبار التضخم العالمي، وتدهور القوة الشرائية للعملة المحلية، وهروب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية، وتراجع الاحتياطي الدولي النقدي للبلاد والمضاعف الاقتصادي لقطاع المصارف، التي فقدت أكثر من نصف قيمة موجوداتها بالمقارنة مع حجم الكتلة النقدية المتاحة، وما ترتب على ذلك من شلل للاقتصاد، فضلا عن تقدير حجم الناتج القومي المفقود.
وتشير نسب حجم التدمير للقيمة النقدية للأصول الإنتاجية بالقطاعات الحيوية إلى أن القطاع الصناعي تضرر بشكل قوي، بما يشمل بعض المصانع الحربية، بتدمير 75-80% من وحداته الإنتاجية، يليه قطاع الخدمات بنسبة 70-73%، فالقطاع الزراعي من 65-70%، خاصة أن هذه القطاعات جميعا تعتمد، في مدخلات إنتاجها، على الواردات التي أفيد بأنها تأثرت سلبيا بنسبة 70% وفق بعض المصادر السودانية ذات الصلة، حسب فهمي.
ورغم أن هذه التقديرات -وفقا للخبير- قد تحمل في طياتها قدرا من المبالغة إلى حين الوصول للأرقام الرسمية الحقيقية، فإن حجم تنامي الندرة في السلع والخدمات، أي تواصل الانكماش لقواعد الإنتاج الوطنية بسبب كل من الحرب والتضخم الجامح، وانعكاس ذلك الانكماش الكلي في انهيار إيرادات المالية العامة والصادرات والواردات يمكن أن يؤديا لأكثر مما ذكر من أرقام.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات ملیار دولار للجزیرة نت أکثر من 20 إلى أن
إقرأ أيضاً:
إحصائية بالخسائر التي خلفتها حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة .. تقرير
الجديد برس|
كشفت معطيات إحصائية جديدة حجم ما ألحقته آلة القتل والتدمير الإسرائيلية في القطاع غزة على مدار 470 يومًا من حرب الإبادة الجماعية التي طاولت كل مقومات الحياة الإنسانية.
وقدر المكتب الإعلامي الحكومي في تقرير إحصائي نشره اليوم الثلاثاء، الخسائر الأولية المباشرة للحرب بأكثر من 38 مليار دولار، فيما بلغت نسبة الدمار 88%.
وبين أن جيش الاحتلال ألقى طوال فترة الحرب على غزة 100 ألف طن من المتفجرات، استشهد على إثرها 46 ألفًا و960 مواطنا، بينهم 17 ألفًا و861 طفلًا منهم 214 رضيعًا و808 أطفال دون عمر السنة، بالإضافة لارتقاء 12 ألفًا و316 امرأة، مشيرا إلى نسبة الأطفال والنساء تشكل 70% من إجمالي عدد الضحايا.
وسجل الإعلام الحكومي 14 ألفًا و222 مفقودًا، ونحو 110 آلاف و725 إصابة، بينهم 15 ألفًا بحاجة لعمليات تأهيل طويلة الأمد، و4 آلاف و500 حالة بتر، موضحا أن 18% من إجمالي حالات البتر سجلت بين الأطفال، فيما يحتاج 12 ألفًا و700 جريح للعلاج في الخارج.
وأوضح الإعلام الحكومي أن 38495 طفلًا يعيشون بدون والديهم أو بدون أحدهما، فيما فقدت 13901 من النساء أزواجهن خلال الحرب.
وفي تفاصيل ممارساته الإجرامية، ارتكب الاحتلال مجازر مروّعة ضد العائلات الفلسطينية طيلة أشهر الحرب، حيث أباد 2092 عائلة بمجموع عدد أفراد 5967 شهيدًا، في حين أنّ 4889 عائلة أخرى فقدت جميع أفرادها باستثناء فرد واحد (الناجي الوحيد)، ليصل عدد شهداء هذه العائلات إلى أكثر من 8980 شهيدًا.
النزوح والجوع
في حين أجبرت حرب الإبادة مليونين من مواطني قطاع غزة البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع مأساوية مع شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء، حسب إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي. وأشار إلى أنّ 110 ألف خيمة اهترأت وأصبحت غير صالحة للنازحين، فيما أُصيب أكثر من مليونين و136 ألفًا بأمراض معدية نتيجة النزوح، فيما انتقلت عدوى التهابات الكبد الوبائي لنحو 71 ألفًا و338 نازحًا.
وفي غزة، شدد المكتب على أن “الناس ماتت جوعًا ومن البرد أيضًا”، إذ استشهد 8 فلسطينيين بينهن 7 أطفال من شدة البرد في الخيام، فيما استشهد 44 نتيجة سياسة التجويع التي انتهجها الاحتلال خلال أشهر الحرب ضد سكان القطاع تحديدًا محافظتي غزة وشمالها لحملهم على الهجرة القسرية، ولا يزال الموت يتهدد نحو 3 آلاف و500 طفل في القطاع بسبب سوء التغذية.
وعلى مدار أكثر من 15 شهرا من الإبادة التي ارتكبها الاحتلال بغزة، لم يسلم القطاع الصحي من دائرة الاستهداف المباشر والحصار المشدد، حيث وصل عدد شهداء الطواقم الطبية ألف و155 شهيدًا ونحو 360 معتقلًا أعدم منهم 3 أطباء داخل السجون.
المستشفيات والدفاع المدني
ومنذ السابع من أكتوبر ألو 2023، طال العدوان 34 مستشفى في قطاع غزة من خلال حرقها أو الاعتداء عليها أو إخراجها من الخدمة، فيما تعمل بقية المستشفيات بقدرات محدودة للغاية.
وأدى العدوان، وفي معطيات الإعلام الحكومي، لإخراج 80 مركزا صحيا عن الخدمة بشكل كامل، كما استهدف الاحتلال 162 مؤسسة صحية أخرى، فضلًا عن استهداف وتدمير 136 سيارة إسعاف مما أدى إلى شلل كبير بقدرة الطواقم الطبية على الاستجابة لحالات الطوارئ.
أما طواقم الدفاع المدني فقد استشهد منهم 94 عاملًا، واعتُقل 26 آخرين من إجمالي 6 آلاف و600 حالة اعتقال نفذها الاحتلال في قطاع غزة منذ بادية الحرب، ووضعتهم تحت ظروف قهرية بدنية ونفسية قاسية، ومارست عليهم شتى أنواع التعذيب والتنكيل، وواجه بعضهم عمليات اغتصاب وتحرش جنسي.
وخلال الحرب دمر الاحتلال 19 مقبرة بشكلٍ كلي وجزئي من أصل 60 مقبرة، وانتهك حرمة الأموات بسرقة ألفي و300 جثمان من المقابر. كما اكتشفت الطواقم المختصة 7 مقابر جماعية أقامها الاحتلال داخل المستشفيات، جرى انتشال 520 شهيدًا منها.
كما لم تسلم بيوت العبادة من العدوان، حيث تعرض 823 مسجدًا للهدم الكلي بفعل الاستهداف المباشر، و158 مسجدا بشكلٍ بليغ بحاجة لإعادة ترميم، إلى جانب استهداف وتدمير 3 كناس في القطاع، و206 مواقع أثرية.
وشدد الإعلام الحكومي على تعمد جيش الاحتلال منذ بداية الحرب، استهداف الصحفيين وملاحقتهم في محاولة لطمس الحقيقة التي أصروا على نقلها رغم المخاطر التي أحاطت بهم، إذ أسفرت الغارات الإسرائيلية عن استشهاد 205 صحفيين، إصابة 400 آخرين، واعتقال 48 صحفيًا معلومة هوياتهم.
البنية التحتية السكانية والخدماتية
ووفق الإحصاءات، تعرضت 161 ألفًا و600 وحدة سكنية في قطاع غزة للهدم الكلي بفعل القصف الإسرائيلي، إلى جانب 82 ألفا أخرى أصحبت غير صالحة للسكن، و194 ألفًا تضررت بشكل جزئي بدرجات متفاوتة.
وهدم جيش الاحتلال 216 مقرًا حكوميًا بشكل كلي، وارتكب 150 جريمة استهدف فهيا عناصر شرطة وتأمين مساعدات، خلّفت 736 شهيدًا. وطالت سياسة التدمير القطاع التعليمي في غزة، حيث هدم الاحتلال كليًا 137 مدرسة وجامعة، فيما تضررت 357 مدرسة وجامعة بشكلٍ جزئي.
أما ما عدد ما قتله الاحتلال من طلبة ومعلمين وأساتذة وباحثين، فقد أحصى “الإعلام الحكومي” استشهاد 12 ألفًا و800 طالب وطالبة، و760 معلمًا وموظفًا تربويًا في سلك التعليم، و150 عالمًا وأكاديميًا وأستاذًا جامعيًا وباحثًا.