عدت لقراءة كتاب (أغنى رجل في بابل) للكاتب الأمريكي جورج كلاسون الذي قرأته منذ ما يزيد على عقدين من الزمان، تمهيدا لعقد جلسات نقاشية حوله، هالتني النقلة التي أحدثها هذا الكتاب في وعيي المالي ومن ثم في أدائي، لقد غير هذا الكتاب الكثير من المفاهيم المتعلقة بالمال والحياة عندي، كنت حينها موظفة كغيري أعيش براتب لا يكاد يكفي مصروفاتي الشخصية حتى نهاية الشهر، كغيري كنت أردد هذه العبارة: لا أعرف أين يذهب الراتب وأنا أجدني ألجأ لزوجي في منتصف الشهر لتغطية مشترياتي.
لا أذكر بالضبط متى ولماذا قررت قراءة الكتاب آنذاك، لعله كان (هبة) حينها مثل الكثير من الكتب التي يقرأها الجميع من حولي، بدأت بقراءته واعتقادي كله بأنه رواية جميلة أتسلى بقراءتها وحسب، لكنني وجدته كتابا عميقا بالحكمة، قلب حياتي حينها رأسا على عقب، ولأول مرة أجدني أفكر بالمال، أو بالأحرى بضرورة إدارة أموالي، وهكذا وضعني الكتاب في أول الطريق نحو الحرية المالية، فوجدتني أضع خططا وأهدافا مالية لم تخطر ببالي قط، ووجدتني أضع خطة ادخار وخطط لجدولة ديون لا أعرف لماذا أخذتها من الأساس ولا أين ذهبت.
أذكر بأنني تخلصت من سيارتي الأوروبية الفارهة، وبدأت أول استثماراتي في الأسهم، واشتريت أول عقار بعد سنوات قليلة جدا من بداية التخطيط المالي، بدأت أشعر بلذة الاستقلال المالي، ونشوة تدفق الأموال إلى حسابي المصرفي الذي كان غالبا بالسالب، كانت المبالغ صغيرة جدا في البداية، لكنني كنت أراها كبيرة جدا مقارنة بدخلي آنذاك، وحجم مدخراتي، عدت لقراءة الكتاب عدة مرات بعدها، وآخرها هذه الفترة، شعرت بامتنان عميق جدا للقدر الذي وضع هذا الكتاب بين يدي وفي الوقت المناسب تماما.
يتحدث الكتاب الذي أعتبره أفضل كتاب في الثقافة المالية، لكونه يحتوي على حكمة قديمة لكنها تصلح لكل زمان ومكان حول الثراء الذي يتوافق مع منظوري الشخصي له، بأنه ليس الثراء المالي فحسب بقدر ما هو ثراء التجارب، والعلاقات، والحياة الصحية المتوازنة، يتحدث الكتاب عن (اركاد) أغنى رجل في بابل الذي يطلب منه الملك أن ينقل خبرته لشباب بابل من خلال دروس، لو قرأتها حتما ستحدث تغيير في حياتك.
حمدة الشامسية كاتبة عمانية في القضايا الاجتماعية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الثقافة تصدر «كل النهايات حزينة» لـ عزمي عبد الوهاب بهيئة الكتاب
صدر حديثا عن وزارة الثقافة من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتاب «كل النهايات حزينة» للكاتب عزمي عبد الوهاب.
ويتناول الكتاب اللحظات الأخيرة في حياة أبرز الكتاب والمبدعين في الأدب الإنساني، من بينهم دانتي أليجييري، وأنطونيو جرامشي، وفولتير، ولودفيك فتجنشتاين، وصادق هدايت، وأوسكار ويلد، وراينر نعمت مختار، وجويس منصور، وجورجيا آمادو، وثيربانتس، وغيرهم.
ويقول عزمي عبد الوهاب في تقديمه للكتاب: «ظللت مشغولاً بالنهايات لسنوات طويلة، لكن بداية أو مستهل كتاب "مذاهب غريبة" للكاتب الكبير كامل زهيري كان لها شأن آخر معي، فحين قرأت الفقرة الأولى في هذا الكتاب، تركته جانبا، لم أجرؤ على الاقتراب منه مرة أخرى، وكأن هذه الفقرة كانت كفيلة بإشباع رغبتي في القراءة آنذاك، أو كأنها تمتلك مفاتيح السحر، للدرجة التي جعلتني أتمنى أن أكتب كتابا شبيها بـ"مذاهب غريبة".
تذكرت على الفور أوائل القراءات التي ارتبطت بكتاب محمد حسين هيكل "تراجم مصرية وغربية"، وبعدها ظلت قراءة المذكرات والذكريات تلقى هوى كبيرا لدي، كنت في ذلك الوقت لم أصدر كتابًا واحدًا، لكن ظلت تلك الأمنية أو الفكرة هاجسا، يطاردني لسنوات، إلى أن تراكم لدي من أثر القراءة كثير من مواقف النهايات، التي تتوافر فيها شروط درامية ما، وكلها يخص كتابا غربيًا؛ لأن حياة الأغلبية العظمى من كتابنا ومثقفينا تدفع إلى حافة السأم والتكرار والملل.
إنها حياة تخلو من المغامرة التي تصل حد الشطط، ربما يعود ذلك إلى طبيعة الثقافة العربية، التي تميل إلى التحفظ، وربما أن تلك الثقافة لم تكشف لي غرائب النهايات، هناك استثناءات بالطبع، شأن أية ظواهر في العالم، قد يكون الشاعر والمسرحي نجيب سرور مثالا لتلك الحياة المتوترة لإنسان عاش على حافة الخطر طوال الوقت، حتى وصل إلى ذروة الجنون، لكن دراما "نجيب سرور" مرتبطة بأسماء كبيرة وشخصيات مؤثرة، تنتمي إلى ثقافة: "اذكروا محاسن موتاكم" حتى لو كانت لعنة نجيب سرور ظلت تطارد ابنه من بعده، فقد مات غريبا في الهند مثلما عاش أبوه غريبا في مصر وروسيا والمجر».
ويضيف عبد الوهاب: «يمكن أن أسوق أسماء قديمة مثل "أبي حيان التوحيدي" الذي أحرق كتبه قبل موته، أو ذلك الكاتب الذي أغرق كتبه بالمياه، في إشارة دالة إلى تنصله مما كتب، أو ذلك الكاتب الذي أوصى بأن تدفن كتبه معه، وإذا كان الموت هو أعلى مراحل المأساة، فهناك بالطبع شعراء وكتاب عرب فقدوا حياتهم، بهذه الطريقة المأساوية كالانتحار ، مثل الشاعر السوداني "أبو ذكري" الذي ألقى بجسده من فوق إحدى البنايات، أثناء دراسته في الاتحاد السوفيتي السابق، والشاعر اللبناني "خليل حاوي" الذي أطلق الرصاص على رأسه في شرفة منزله، والروائي الأردني "تيسير سبول" الذي مات منتحرا بعد أن عاش فترة حرجة من عام 1939 إلى 1973.
لكن المختفي من جبل الجليد في تلك الحكايات، أكبر مما يبدو لنا على سطح الماء، خذ على سبيل المثال "خليل حاوي" فقد أشيع في البداية أن الرصاصات، التي أطلقها على رأسه، كانت إعلانًا للغضب، ومن ثم الاحتجاج على الصمت العربي المهين، إزاء اقتحام الآليات العسكرية الإسرائيلية للجنوب اللبناني، ومن ثم حصار بيروت في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وفيما بعد، حين استفاق البعض من صدمة الحدث، قيل إن ما جرى كان نتاج علاقة حب معقدة، دفعت بالشاعر إلى معانقة يأسه والانتحار، فهل كان انتحار الروائي الأردني "تيسير سبول" صاحب أنت منذ اليوم أيضًا احتجاجا على ما جرى في العام 1967م؟
ربما يوجد كثير من النماذج، لكن تظل الأسماء الغربية الكبيرة، قادرة على إثارة الدهشة كما يقال، ونحن دائما مشغولون بالحكاية أكثر من المنجز، وكأن هذا من سمات ثقافتنا العربية، فالاسم الكبير تصنعه الحياة الغريبة لا الإنتاج الأدبي.
ومع ذلك يمكننا أن نتوقف أمام اسم كبير مثل "إدجار آلان بو" وكيف كان آخر مشهد له في الحياة، فهو أحد الكتاب الذين غادروا الحياة سريعا، وحين مات وجدوه في حالة مزرية، يرتدي ملابس لا تخصه، وحين تعرف عليه أحد الصحفيين، نقله إلى المستشفى، ومات وحيدا، بعد أربعة أيام، في السابع من أكتوبر عام ١٨٤٩م، ولم يعلم أقاربه بموته إلا من الصحف».