عام على حرب السودان.. وقائع وإستراتيجيات الصراع
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
حين اندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في الخامس عشر من أبريل/نيسان العام 2023م لم تفاجئ أحدًا، إذ إنَّ انفجار الوضع المسلح سبقته مقدّمات ليس من شأنها غير جرِّ البلاد إلى الحرب، ففي الثالث عشر من أبريل/نيسان، أي قبل يومين من اندلاع الحرب، أحكمت مائة سيارة مقاتلة تتبع لقوات الدعم السريع حصارها على مطار مروي في الولاية الشمالية، ورفضت الانسحاب منه، وقبل ذلك انخرطت قوات الدعم السريع ولعدة أشهر في عملية نقل كثيفة لقواتها من دارفور صوب العاصمة الخرطوم.
وعلى الصعيد السياسي، كانت تتصاعد المواجهة حول دمج الدعم السريع في الجيش السوداني، وتتباعد الرؤى، فبينما يرى الجيش أنَّ عامين يكفيان لإكمال عملية الدمج، ترى "الدعم السريع" أنَّ العملية تحتاج عشرًا من السنوات.
تفجّر الأوضاعفي الليلة التي سبقت تفجّر الأوضاع عسكريًا أقام شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة، مائدةَ إفطارٍ رمضاني بالنادي الوطني بالخرطوم، حضرها البرهان وقادة مجلس السيادة، وممثلو البعثات الدبلوماسية، ولم يغب عنها من رجال الدولة غير محمد حمدان دقلو حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، وأخوه عبد الرحيم دقلو قائد ثاني ذات القوات، وكان من المفترض أن يعقب الإفطار لقاءٌ بين قائدَي الجيش والدعم السريع، البرهان وحميدتي، لتجاوز الأزمة، والبحث عن حلول قبل الانفجار المسلح. تتوسط في اللقاء لجنةٌ مكونةٌ من قادة الحركات المسلحة، غير أنّ اللجنة فشلت في الجمع بين الطرفين.
وكان من المقرر أن يجتمع البرهان بقادة الجيش من رتبتَي اللواء والعميد في وقت متأخر من ذات المساء، إلّا أنَّ الاجتماع تأجل إلى الثامنة من صباح الغد، الخامس عشر من أبريل/نيسان.. قال محدثي الضابط الرفيع في الجيش السوداني: إنّ المدعوين من الضباط أخذوا يتوافدون على القيادة العامة بعد صلاة الفجر، لحضور اجتماع التنوير في الثامنة صباحًا، وبينما نحن نتهيأ للاجتماع انفجرت الأوضاع، وتلقت القيادة الهجوم الأول، والحديث لمحدثي الضابط الرفيع.
وسرعان ما صدرت التعليمات، من الفريق رشاد عبد الحميد إسماعيل، قائد القوات البرية بأنْ يتوجه الضباط فورًا إلى وحداتهم العسكرية، ويضيف محدثي: وتوجهت على الفور إلى منطقة المهندسين العسكرية بأم درمان.
إذن أصبحت الخرطوم في الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023م على دوي المدافع، وأزيز الرصاص، ولعلعة الأسلحة: ثقيلها وخفيفها، خاصة جنوبي الخرطوم، وفي المطار، وفي القيادة العامة للجيش السوداني، ومواقع عديدة أخرى.
بدت الساعات الأولى بسيطرة شبه كاملة لقوات الدعم السريع على الفضاء الإعلامي، حيث بادرت ببثِ صورٍ تؤكد سيطرتها على مواقع كثيرة، منها مطارا الخرطوم ومروي الدوليان، تلت ذلك تصريحات لمحمد حمدان دقلو (حميدتي) تؤكد سيطرة قواته على الأوضاع برًا وجوًا، وتطالب البرهان بالاستسلام، ولكن عند منتصف النهار تراجعت الصورة، وبدا أنَّ أمام "الدعم السريع" الكثير لتؤكد هذه المعلومات.
الكَرَّةُ التي بدت حاسمة استخدام الجيش سلاحَ الطيران، إذ إن اللواء طلال علي الريح، قائد القاعدة الجوية بمنطقة وادي سيدنا العسكرية، قام بتنفيذ طلعات جوية استطاعت تدمير نسبة معتبرة من المقرات الهامة للدعم السريع، خاصة مقر قيادتها الرئيسة في منطقة الخرطوم شرق، المواجهة للقيادة العامة للجيش، ومقرها في هيئة العمليات التي كانت تتبع لجهاز المخابرات العامة، وقد تم تمليكها للدعم السريع بعد حلّ الهيئة.
تحول سريعالطلعات الجوية استمرّت أيامًا وأحدثت تحولًا سريعًا في مسار الحرب، ولكنها لم تلغِ عنصر التفوق الرئيس للدعم السريع.. فممَّا هو معروف أنَّ لكل واحدة من القوتين المتقاتلتين ميزات نسبية، فإنْ كان الجيش يتفوق على الدعم السريع بسلاحَي الطيران والمدفعية، فإنَّ "الدعم السريع" تمتلك ميزة كثافة النيران وسرعة الحركة عبر عربات اللانكروزر المقاتلة المزودة بالمدافع الثنائية والرباعية، التي تستخدم في مهام عديدة.
ففضلًا عن كونها أسلحة هجومية، تستخدم مضاداتٍ للجو والدروع، وكذلك كثافة قوة المشاة، التي يميل فيها ميزان القوة بشدة لمصلحة قوات الدعم السريع، إذ تقدر بعض المصادر عدد السيارات المقاتلة عالية التجهيز بما لا يقل عن عشرة آلاف، بينما لا تتعدى لدى الجيش سبعة آلاف سيارة، ثلثها فقط يتوفر على جاهزية متوسطة.. وفي وقت لاحق تبين أن سلاح الدبابات تم تحييده بعمليات بعثرة لتقدير غامض، حيث نُقل جزءٌ منه إلى قاعدة المعاقيل العسكرية بمنطقة شندي، شمالي الخرطوم، وجزءٌ كبير إلى منطقة الباقير جنوبي الخرطوم.
صدرت التعليمات للقوات الجوية بتدمير القوى الصلبة للدعم السريع، وتولى سلاح الجو المواجهة في عدة جبهات، حيث هاجم عددًا من معسكرات الدعم السريع حول العاصمة المثلثة، خاصة معسكرات طيبة في الخرطوم، وسركاب في أم درمان، كما هاجم سلاح الجو مقرات الدعم السريع بالقرب من مطارات الأبيض، والفاشر، وغيرها.
وسرعان ما اتخذت الحرب حالةً تَمَوْضَعَ فيها "الدعم السريع" في موقع الهجوم والانتشار، بينما اتخذ الجيش وضع الدفاع عن مواقعه الرئيسة في القيادة العامة، وأسلحة المدرعات بالخرطوم، وسلاح الإشارة، وسلاح الأسلحة بالخرطوم بحري، وسلاح المهندسين بأم درمان، بينما سيطر الجيش على منطقة وادي سيدنا العسكرية بأم درمان، وعلى كل مقرات القيادة في بقية ولايات السودان المختلفة.
وعزَّز استسلام قوات الدعم السريع في ولايات شرق السودان الثلاث، وولايات سنار والنيل الأزرق وشمال كردفان، عزَّز ذلك سيطرة الجيش على الأوضاع العسكرية ما عدا ولاية الخرطوم، إذن، اتخذت الحرب شكلها الذي استمر أشهرًا باتخاذ الدعم السريع إستراتيجية الهجوم، بينما التزم الجيش الدفاع عن مقراته، والاستخدام الكثيف للطيران لتحطيم القوة الصلبة للدعم السريع.
ما بدا ميزة للدعم السريع بامتلاك كثافة النيران، وتوالي الهجوم على مقرات الجيش مقابل إستراتيجية الجيش التي كانت محل انتقاد من كثيرين، هذه التكتيكات أضرت كثيرًا بالدعم السريع حسب خبراء، إذ مكَّنت الجيش من الاحتفاظ نسبيًا بقواه، وجرِّ الدعم السريع إلى مقراته باعتبارها منطقة قتْل، وقد فقدت "الدعم السريع" بذلك ما تقدره دوائر مطلعة بأكثر من مائة ألف قتيل. قبل أن تحقق إستراتيجية الهجوم التي التزمتها نجاحًا لاحقًا بالسيطرة على أربع فرق عسكرية في ولايات دارفور من أصل خمس، فضلًا عن سقوط الفرقة الأولى المخصصة لولاية الجزيرة المجاورة للخرطوم.
قتل ونهبذلكم هو مجمل المشهد العملياتي، ولكن تطورات بُعيد الحرب بشهر واحد، أوضحت طبيعة هذه الحرب التي تختلف عن الحروب التقليدية التي شكلت خبرتي الدعم السريع والجيش السوداني، كما أنّها فاجأت المجتمع السوداني لغرابتها وانحرافها عمّا درجت عليه التجربة السودانية في الحروب، وأهم أربعة مظاهر شكلت الطبيعة الجديدة للحرب، هي:
1- دخول الدعم السريع لمنازل المواطنين، وإخراجهم منها والاستيطان فيها، وقتل ساكنيها، وانتهاك أعراض من يرفض الخروج والاستسلام، ما دفع إلى حالة نزوح ولجوء واسعة تقدرها المنظمات الأممية بعشرة ملايين مواطن، وقد تكررت ذات مشاهد احتلال المنازل وقتل المدنيين في دارفور، وكردفان، وولاية الجزيرة التي دخلتها الدعم السريع بعد ثمانية أشهر من بداية الحرب، وتقدر مصادر مستقلة قتلى ولاية غرب دارفور وحدها من إثنية المساليت بخمسة عشر ألف قتيل.
2- والمظهر الثاني الذي اندهش له الناس هو حالة النَّهب والسَّلب للأموال والممتلكات، من منازل المواطنين، والأعيان المدنية، ونقلها إلى ولايات دارفور وما وراءها من دول الجوار الأفريقي، ما أدخل كلمة (الشَّفْشَفَة ) في قاموس التعامل اليومي للدلالة على هذا السلوك، والمصطلح يحمل في قواميس العربية معنًى قريبًا من نتائج النهب مثل التيبيس والإحراق. وأحدث ذلك حالة إفقار جمعت بين الذين يملكون، والذين لا يملكون.
3- والمظهر الثالث التركيز الممنهج لقوات الدعم السريع على تدمير البنية التحتية الاقتصادية، في القطاعات الصناعية، والمصرفية، والأسواق، وبالرغم من صعوبة تقدير ما تعرّضت له البنية التحتية، التي تأثرت بها بشكل مباشر عشر ولايات تعتبر العمود الفقري للاقتصاد السوداني، وتقدر نسبة التدمير في القطاع الصناعي بما لا يقل عن 90٪، وتعطل شبه كامل للقطاع الزراعي خاصة في إقليم الجزيرة، مقرّ المشروع الأهم والأضخم في السودان، والضامن للأمن الغذائي الوطني. وتقدر خسارة الاقتصاد السوداني جراء الحرب بـ 150 مليار دولار.
4- والمظهر الرابع الذي لم تعتده الخبرة السودانية في الحروب وسواء في الجيش أو الدعم السريع هو الانتشار الكثيف للقناصة على أسطح المباني الشاهقة، ويقدر خبراء أن عدد القناصة في قوات الدعم السريع لا يقل عن 15 ألفًا، وأن جلّهم غير سودانيين، وقد اشتهرت جنسيات معينة بين قناصة الدعم السريع، أكثرهم وأهمهم الإثيوبيون ثم الليبيون، كما اشتُهر بالمدفعية مقاتلو الدعم السريع من جنوب السودان. وقد أثار هذا النمط الجديد من تكتيكات وتقنيات القتال السؤال عن مدى تدخل الخبرة الخارجية في حرب السودان؟
انتشار دون سيطرةإزاء هذه المظاهر الجديدة تعثّرت جهود الجيش السوداني في إحداث تقدم على الأرض، ولهذا اعتمد في الأشهر الأولى للحرب على إستراتيجيتين :
الأولى: هي تعزيز الدفوعات في المواقع العسكرية، وقد تكاملت هذه الإستراتيجية لمصلحة الجيش مع إستراتيجية الدعم السريع القائمة على الهجوم، فاتخذ الجيش مقاره منطقة قتْل للمهاجمين، وخاصة في المدرعات والقيادة العامة، وسلاح الإشارة، وسلاح الأسلحة بالخرطوم بحري، فضلًا عن سلاح المهندسين بأم درمان، وقد قتل عشرات الآلاف من الدعم السريع على تخوم هذه المواقع، وخسر الجيش بهذا الأسلوب مواقع ذات أهمية فنية ونفسية عالية مثل موقعي الاحتياطي المركزي، واليرموك للتصنيع الحربي بالخرطوم، فضلًا عن بضعة آلاف من القتلى.
الإستراتيجية الثانية التي اتخذها الجيش أساسًا للمواجهة: هي تفعيل سلاح الطيران، والحقيقة هذا هو السلاح الذي أبقى على زمام المبادرة في يد الجيش طوال سنة الحرب، وخاصة في ضرب القوة الصلبة في أول الحرب، ومواجهة تدفق الإمداد البشري والتسليحي القادم من دارفور، وخاصة من دولتَي ليبيا وتشاد التي رصدت ونشرت وسائل إعلام غربية ومؤسسات معنية بتتبع حركة الطيران الدولي، أكثر من مائتي رحلة عبر مطار عنتيبي في أوغندا، تُفرغ حمولتها من الأسلحة في مطار خصص لذلك في منطقة أم جرس التشادية، كما رُصدت حركة نقل هائلة من الكُفرَة الليبية إلى منطقة حمرة الشيخ السودانية غربي ولاية شمال كردفان. وبالرغم من فاعلية هذا الإمداد الذي لا يزال متواصلًا إلا أنَّ سلاح الطيران أضعف مفعوله؛ بقتل وتدمير آلاف المقاتلين، والسيارات القتالية، وعشرات الطائرات التي اتخذت من المهابط الترابية مطارات.
استمرت الحرب أشهرًا عديدة طابعها انتشار الدعم السريع في العاصمة دون سيطرة، مع حصار للجيش في مقاره الهامة، واستمرار الجيش في موقع الدفاع مع قدرة على صدّ هجومات الدعم السريع، إلى أن طوَّر الجيش إستراتيجيات فعّالة فكَّت الحصار المضروب عليه، ومكّنته من التقدم في جبهات عديدة، وملّكته زمام المبادرة، وهي:
انتصارات نوعية1- أنشأ الجيش قوات للعمليات الخاصة، وهي قوات هجومية، تهاجم قوات الدعم السريع في مواقع ارتكازها تحت غطاء استخباري فعَّال، وتوافي متطلبات حرب المدن، وقد أحدثت هذه القوات انتصارات نوعية، عجلت من أضعاف الدعم السريع، وأحدثت تحولًا نوعيًا في مسار الحرب .
2- أعاد جهاز الأمن والمخابرات فاعلية قواته المقاتلة التي تم حلها لمصلحة الدعم السريع، في يناير/كانون الثاني 2020م، وأحيلت مقدراتها البالغة أكثر من ثلاثين معسكرًا للثكنات والتدريب، وثلاثة آلاف سيارة مقاتلة فضلًا عن تجهيزات بمختلف الأسلحة أحيلت لقوات الدعم السريع. وحين القرار بعودتها باسم هيئة مكافحة الإرهاب التحق بها بضعة آلاف انخرطوا في القتال ما أحدث توازنًا في قوات المشاة للجيش السوداني، ونتج عن ذلك تقدمٌ في كثيرٍ من محاور القتال.
3- على خلفية انتشار "الدعم السريع" في ولاية الجزيرة، وتفاقم سلوك جنودها المنتهك للأموال والحرمات، وبمبادرة من المكوّن المدني المؤيد للجيش تشكل ما عرف بالمقاومة الشعبية التي تداعى لها آلاف الشباب، بالتدريب والتسلح والالتحاق بميادين القتال، والحقيقة أنَّ فاعلية المقاومة الشعبية ليست فقط بمدِّ الجيش بالقوة المقاتلة، بل بالدعم الشعبي المعنوي الهائل الذي تلقاه الجيش من مئات الآلاف الذين خرجوا إسنادًا وتأييدًا له. ما أحدث قوة دفع نفسية عززت دوافع المواجهة، ووفرت المسوّغ الوطني الضروري لتوفير إرادة القتال .وأثارت المقاومة الشعبية مخاوف في دوائر مختلفة وخاصة، الخارجية التي ظلت تضغط قيادة الجيش لتحجيمها والسيطرة عليها.
لا تزال الحرب التي انفجرت قبل عام بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع متأججة، ولا تزال تجد من الوقود ما يشعل أوارها، وإن انتقل زمام المبادرة فيها إلى الجيش السوداني، وفي ظل توافر عوامل الاشتعال داخليًا وخارجيًا، لا يستطيع أحد أن يحدد موعدًا لنهايتها.
فالحرب أشعلتها قوى إقليمية ودولية بأدوات داخلية، ولهذه القوى أهدافها،
خاصة أنَّ أهم النظريات التي تدار بها الحرب، هي نظرية (إعطاء الحرب فرصة)، ومعناها أنَّ حلَّ الصراعات العسكرية هو ترك الحرب مستعرة، حتى تنهك الأطراف المتحاربة، وتنضج الثمرة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات لقوات الدعم السریع قوات الدعم السریع الدعم السریع فی القیادة العامة الجیش السودانی للدعم السریع بأم درمان فضل ا عن ی الجیش ر الجیش
إقرأ أيضاً:
هكذا يتم تهريب الصمغ العربي السوداني الشهير.. ما علاقة الدعم السريع؟
قال تجار ومصادر بقطاع الصمغ العربي المستخدم ضمن مدخلات إنتاج شركات عديدة منها "كوكاكولا" و"مارس" إن عمليات تهريبه تتزايد من مناطق خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع في السودان مما يعرقل جهود شركات غربية تسعى لإبقاء سلاسل التوريد الخاصة بها بعيدة عن الصراع.
وينتج السودان نحو 80 بالمئة من إمدادات الصمغ العربي عالميا، وهي مادة طبيعية تُستخرج من أشجار السنط (الأكاسيا) وتُستخدم في خلط وتثبيت وتكثيف مكونات تدخل في صناعة منتجات استهلاكية منها مستحضرات تجميل من إنتاج لوريال وأغذية الحيوانات الأليفة من نستله وحلوى مارس الشهيرة المعروفة باسم (إم اند إمز).
وبحلول أواخر العام الماضي سيطرت قوات الدعم السريع خلال حربها المستمرة مع الجيش السوداني منذ نيسان/ أبريل 2023 على مناطق زراعة الصمغ الرئيسية في كردفان ودارفور في غرب السودان.
ووفقا لثمانية منتجين ومشترين يعملون مباشرة في تجارة الصمغ العربي منهم المقيم في السودان، بات المنتج يجد طريقه إلى دول مجاورة عبر تجار من السودان ومقابل رسوم لقوات الدعم السريع دون الحصول على شهادة اعتماد تتعلق بالاستدامة والممارسات الأخلاقية.
وقال اثنان من التجار لوكالة "رويترز" إن الصمغ يجري تصديره أيضا عبر أسواق حدودية غير رسمية.
وردا على طلب للتعليق قال ممثل لقوات الدعم السريع إن الجماعة المسلحة قامت بحماية تجارة الصمغ العربي وجمعت رسوما ضئيلة، مضيفا أن الحديث عن أي انتهاك للقانون هو دعاية مضللة تستهدفها.
وقال اثنان من المشترين إن تجارا في دول تنتج الصمغ العربي بمعدلات أقل من السودان، مثل تشاد والسنغال، أو كانت تصدره بكميات ضئيلة قبل اندلاع الحرب، مثل مصر وجنوب السودان، بدأوا خلال الأشهر القليلة الماضية في عرضه للبيع بإلحاح وبأسعار زهيدة ودون دليل على عدم ارتباطه بمناطق الصراع أو مجرياته.
وأصبح السودان أكبر مُصدّر للصمغ العربي في العالم بفضل زراعة مساحات واسعة بأشجار السنط رغم أنها تنمو أيضا في منطقة الساحل الأفريقي القاحلة المعروفة باسم "حزام الصمغ".
وقال هيرفي كانيفيه، خبير التسويق العالمي لدى شركة "إيكو أغري" العاملة في تجارة المكونات المستخلصة من الأغذية ومقرها سنغافورة، إن إمدادات الصمغ يصعب عادة تحديد مصدرها نظرا لأن العديد من التجار لا يفصحون عما إذا كان المنتج جرى تهريبه.
وأضاف: "يمكنني القول إن جميع إمدادات الصمغ السوداني حاليا مهربة نظرا لعدم وجود سلطة حقيقية هناك".
وذكرت الجمعية الدولية للترويج للصمغ في بيان صدر في 27 كانون الثاني/ يناير أنها "لا ترى أي دليل على وجود علاقة بين سلسلة توريد الصمغ (العربي) والقوى (السودانية) المتنازعة".
ومع ذلك قال 5 مصادر في القطاع إن الأساليب الجديدة الغامضة لتجارة الصمغ قد تجد طريقها لمشتريات شركات صناعة مدخلات الإنتاج المستخلصة من مواد طبيعية. وتشتري شركات مثل "نيكسيرا" و"ألاند اند روبرت" و"إنغريديون" الصمغ المكرر بلونه الأصفر الداكن وتحوله إلى خليط سائل ثم تبيعه لكبرى الشركات المتخصصة في إنتاج السلع الاستهلاكية.
وردا على طلب للتعليق قالت "إنغريديون" إنها تعمل على التأكد من المشروعية التامة لجميع العمليات ضمن سلسلة التوريد ونوعت مشترياتها منذ اندلاع الحرب لتشمل دولا أخرى مثل الكاميرون.
وقالت "نيكسيرا" إن الحرب الأهلية دفعتها إلى تقليص وارداتها من السودان واتخاذ تدابير استباقية للتخفيف من تداعيات الصراع على سلسلة التوريد الخاصة بها، بما يتضمن توسيع مصادر المشتريات إلى عشر دول أخرى.
ولم ترد "ألاند اند روبرت" و"نستله" و"كوكاكولا" و"لوريال" و"مارس" على طلبات للتعليق بعد.
صمغ للبيع بأسعار زهيدة
قال محمد حسين سورج، مؤسس شركة "يونيتي" للصمغ العربي التي تتخذ من الخرطوم مقرا وكانت تورد المنتج لشركات عالمية في صناعة مدخلات الإنتاج الطبيعية قبل اندلاع الحرب، إن تجارا في السنغال وتشاد عرضوا عليه شراء الصمغ العربي في كانون الأول/ ديسمبر.
وأضاف أن تجارا في تشاد طلبوا 3500 دولار لطن الصمغ الهشاب، وهو نوع من الصمغ العربي أكثر تكلفة يُنتج في السودان بصورة رئيسية ويصل سعره عادة إلى أكثر من خمسة آلاف دولار للطن.
وأوضح أن البائعين لم يقدموا شهادة "سيديكس" التي تضمن للمشترين أن جهات التوريد تلتزم بمعايير الاستدامة والممارسات الأخلاقية.
وقرر سورج عدم شراء الصمغ خشية أن يكون مسروقا من السودان، أو جرى تصديره عبر شبكات غير رسمية مرتبطة بقوات الدعم السريع نظرا لسعره المنخفض وغياب الوثائق.
وقال سورج الذي فرّ إلى مصر بعد أن سرقت قوات الدعم السريع إمداداته من الصمغ بالكامل في 2023: "يتسنى للمهربين نقل الصمغ العربي عبر قوات الدعم السريع التي تسيطر على جميع مناطق الإنتاج".
وأطلع سورج "رويترز" على رسائل عبر تطبيق "واتساب" تُظهر أن نفس التجار تواصلوا معه خمس مرات أحدثها في التاسع من كانون الثاني/ يناير.
وحظرت قوات الدعم السريع منذ تشرين الأول/ أكتوبر تصدير 12 سلعة إلى مصر منها الصمغ العربي ردا على ما قالت إنها غارات جوية مصرية استهدفت مجموعات تابعة لها.
وردا على طلب للتعليق قالت قوات الدعم السريع إنها حظرت ما وصفته بالتهريب إلى مصر لأنه لا يفيد السودان.
وقال مشتر رفض نشر اسمه حرصا على سلامته إن تجار صمغ يثيرون الريبة تواصلوا معه أيضا.
ووصلته رسالة من تاجر عبر "واتساب" جاء فيها: "لدى كميات لا حصر لها من صمغ (أكاسيا) السيال نظيفة وجاهزة للشحن"، في إشارة إلى نوع من الصمغ العربي أقل تكلفة.
وفي رسائل لاحقة عرض التاجر شحن كميات من الصمغ كل شهرين بسعر قابل للتفاوض يبلغ 1950 دولارا للطن، فيما قال المشتري إن سعر الطن من صمغ السيال يبلغ عادة ثلاثة آلاف دولار.
وفي محادثة منفصلة عبر "واتساب" مع المشتري نفسه، قال تاجر آخر إن شاحنات تحمل الصمغ العربي عبرت الحدود السودانية إلى جنوب السودان ومصر.
وقال المشتري إن تجار الصمغ لم يقدموا شهادة "سيديكس" في جميع الحالات، مضيفا أنه رفض العروض خوفا من توريد الصمغ عبر شبكات تابعة لقوات الدعم السريع.
تغيير طرق التجارة
قبل اندلاع الحرب الأهلية السودانية كان الصمغ الخام يجري فرزه في العاصمة الخرطوم ثم نقله بالشاحنات إلى بورتسودان المطلة على البحر الأحمر لشحنه عبر قناة السويس إلى دول العالم.
وقال مشتر مقيم في منطقة تسيطر عليها قوات الدعم السريع، ورفض نشر اسمه حرصا على سلامته، إن الصمغ العربي المرتبط بالجماعة المسلحة بدأ منذ أواخر العام الماضي يظهر في سوقين غير رسميتين على الحدود بين ولاية غرب كردفان السودانية ودولة جنوب السودان.
وأضاف أن تجارا يجمعون الصمغ من أصحاب الأراضي السودانيين ويبيعونه في السوقين لتجار من جنوب السودان مقابل مدفوعات بالدولار.
وأوضح أن الأمر برمته يجري تحت حماية قوات الدعم السريع التي تتلقى مدفوعات من التجار.
وقال عبد الله محمد، وهو منتج يمتلك مزارع لأشجار السنط في غرب كردفان، إن قوات الدعم السريع تتلقى رسوما من التجار مقابل الحماية. ولدى الجماعة شبه العسكرية أيضا أنشطة في الذهب والثروة الحيوانية والزراعة والخدمات المصرفية.
وقال مايكل ماكوي، وزير الإعلام في جنوب السودان والمتحدث باسم الحكومة، إن نقل الصمغ عبر جنوب السودان ليس مسؤولية الحكومة. ولم يرد جوزيف موم ماجاك، وزير التجارة والصناعة في جنوب السودان، على طلبات للتعليق عبر الهاتف والرسائل النصية.
وقال المشتري إن قوات الدعم السريع تنقل الصمغ العربي أيضا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عبر مدينة أم دافوق السودانية الواقعة على الحدود معها، مضيفا أن بعضه يذهب إلى تشاد.
وقال مشتر بالجملة مقيم خارج السودان إن الصمغ العربي يجري تصديره حاليا عبر مومباسا في كينيا وجوبا عاصمة جنوب السودان.
كما ظهر الصمغ العربي المتداول عبر مصادر غير مشروعة للبيع على الإنترنت.
وقال عصام صديق، الذي يعمل في تصنيع الصمغ السوداني ولاجئ في بريطانيا حاليا، إن قوات الدعم السريع داهمت مخازنه في الخرطوم بعد فراره في نيسان/ أبريل 2023 ومعه ثلاث حقائب من الصمغ.
ووفقا لصورة أرسلها صديق لـ"رويترز"، ظهرت بعد عام من تلك الواقعة منتجات الصمغ الخاصة به للبيع في عبوات كانت لا تزال تحمل العلامة التجارية لشركته في مجموعة على موقع "فيسبوك".