العيد.. من حيز القرى إلى فضاء النيوميديا!
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
كيف يمكن للمجتمعات أن ترسم صورة فريدة لها في وسائل التواصل الاجتماعي؟ كيف يمكنها أن تُقدم نموذجها المُغاير في وقت تُحاول فيه العولمة صهرنا جميعا في وعاء واحد ينفي دقة تمايزنا وتعدد خبراتنا؟
هذه الوسائط الحديثة التي كثيرا ما نرجمها باعتبارها المدمر الأساسي لقيم السعادة والرضا ونصفها بالمشوه للحياة الطبيعية، نكتشفُ أيضا إمكانياتها المختزنة التي تُرينا جانبا آخر من القصّة المفقودة كما حدث هذا العيد وأعياد سابقة -بدرجة أقل- ففي صورة لافتة شاهدنا لهب التنور العُماني المشتعل على الطريقة التقليدية، مُحاطا بسواعد الفتية والشباب برفقة شوالات اللحم الجاهزة والمُعلّمَة بعلامات يُدركها أصحابها بدقة، تُلقى -العشرات منها- دون أن تساورهم مشاعر الخشية من أن تضيع أو أن تختلط بغيرها رغم أنّ النار تُصيرها إلى شيء واحد!
هكذا خرج التنور العُماني من حيز القرى الضيق إلى فضاء السوشال ميديا، ليحصد مشاهدات مرتفعة في صور والتقاطات فاتنة، لا سيما تصوير الدرون الذي أرانا لوحة علوية لصلاة العيد، لتصافح الجيران والأصدقاء وهم يمضون بين كثافة نخيلهم وتفاصيل بيوتهم وأفلاجهم.
لم يكن التنور وحسب هو اللافت في اصطياد تفاصيل العيد، فقد أطلقت القرى العُمانية مدافع عيدها، وخرجت الأزياء بألوانها الحارة ونقوشها الآسرة لتمنح العيد رونقه الفاتن، كما خرجت الفنون الشعبية من محدودية أدوارها الفلكلورية لتملأ امتداد حيزها المكاني، خارج المكان، لتغدو فجأة متاحة بين أيدي العالم المتعطش لشيء فريد وخاص كهذا، يغتني من ذاته فلا يُشبه شيئا، وإن تقاطع مع ثقافات أخرى بالضرورة.
ونحنُ صغار راهنا بأنّ قُرانا ستُهجر لأنّنا عندما سنذهب إلى الدراسة والعمل في مسقط لن نعود. ظننا بأنّ الشباب لن يُعمروا بيوتا في قراهم، لأنّهم سيشتبكون بمغريات المدينة التي تنمو على خجل. راهنا على أنّ موت الأجداد سيعني انقطاع الشعرة الأخيرة التي تصل بيننا وبين امتدادنا الأولي، لكن المفارقة أننا في كل عيد نعود فيه إلى أماكننا الأولى نكتشف بأنّهم لا يغادرون بل يُعمرون القرى، يتجذرون في ترابهم ببناء بيت أو بشراء أرض. لقد كانت إحدى مفاجآت هذا العام أن يُفتتح مقهى عصري في قريتي الجبلية «الحيلين» البعيدة والمُحاطة بالجبال من كل اتجاه، وقد لاقى إقبالا منقطع النظير.
ولذا نرى في الأعياد وجها آخر لقرانا قد لا نراه في الأيام العادية، فالتجذر لا ينتهي بتحقق العودة، بل عند تأكيد تمسكنا بالماضي الذي سلّمته أجيال لأجيال بعدها. إذ بقدر ما ظننا استحالة عودة الطيور إلى مرابعها الأولى، بقدر ما كان تصورنا لاشتباك الأجيال الجديدة مع العادات والتقاليد أمر أكثر استحالة أمام ما توفره المدن من راحة وهناءة بال.
فخروج الأجيال الجديدة المدججة بخطابات ما بعد الحداثة لحضور فن «العزوة» أو «الرزفة» أو إطلاق المدافع، هو أمر يؤكد على أنّ بناء المستقبل قائم على التحام أصيل بهذا المحلي، وبجعل القديم ملتحما بروح العصر ورؤاه أيضا. إنّ مجرد التفكير بأن أبناء البليستيشن والتوك توك وثورة الذكاء الاصطناعي، مغرمون بالوشائج التي تُعيدهم لتمثل حياة أجدادهم -وإن بدا للبعض أنّه اتصال سطحي كامن في التقاط الصورة وحسب- إلا أنّه يسفرُ عن دلالات ذات طابع إيجابي وحيوي.
علينا ألا ننكر أنّ العيد في سلطنة عُمان لوحة من لوحات الشقاء والعمل الدؤوب طوال أيام الإجازة، جلب حطب السمر والذبح والتقطيع وشك اللحم وتجهيز التنور، بعض العوائل الكبيرة تقيم معا في بيت واحد، وتتناول وجباتها الرئيسية معا، وهي تفاصيل قد لا يعيشها الناس في دول مجاورة لنا، فما بالك بالعالم المُحمل بالفضول نحونا! فكما يحصل لنا ذلك الانشداد عندما نرى صور المجتمعات الأخرى وعاداتها وبساطة أريافها، فنحن أيضا يمكن أن نستثمر هذا الفضول بصورة تخدم السياحة وتخدم قطاع الاستثمارات الأجنبية، لا سيما وأنّنا لمسنا ذلك التنافس الخفي بين القرى لإظهار الجماليات الكامنة في تفاصيل كل واحدة منها، وهو التنافس الذي نأمل أن يستمر ويتكثف، فهذه العادات والتقاليد لا ينبغي أن تعزلنا عن العالم، بل أن تتبدى بكل مفرداتها كعامل إبهار عميق ومتجذر.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
المطران عون: عسى ان يكون العيد هذا العام مغايراً عن السنوات الماضية
ترأس راعي ابرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون قداس ليلة الميلاد في كاتدرائية مار بطرس في جبيل عاونه فيه خادم الرعية امين سر المطرانية الخوري جوزف زيادة، والخوري باتريسيو بو عكر، والشماس ايلي مراد وخدمته جوقة الرعية في حضور حشد من المؤمنين. المطران عون تحدث في عظته عن حدث الميلاد والثمار التي اراد الرب ان يعلنها والتي من دونها لا فرح عميق، لافتا الى اهمية التأمل بالدعوة الى الفرح من اجل الخلاص الذي كان ينتظره الشعب. وقال: "حدث ولادة الرب يسوع من السماء لم يمر مرور الكرام لانه كان ينتظر مخلصا من نوع آخر بسبب ما كان يعيشه من قمع بسبب سيطرة الرومان وفرضهم الضرائب عليهم، وكان منتظرا مخلصا قويا يحقق لهم العدالة على الارض والسلام ويطرد الاعداء وعودة الملك الى اسرائيل". واردف: "كم هي شبيهة انتظارات الشعب يومها بإنتظارات شعبنا اليوم في لبنان ، الشعب ينتظر الخلاص مع انتخاب رئيس للجمهورية وجيش واحد قوي وانتظام عمل المؤسسات، ولذلك علينا ان نصلي لكي يلهم الرب يسوع المسؤولين عندنا لتحقيق هذا الامر، فلكي ينهض الوطن ويكون كما نحلم به لكل واحد منا دور فيه ليس فقط السياسيين، فبإستقامتنا وتضحياتنا من اجله نستطيع ان نصل الى وطن العدالة والمساواة". وقال: "الخلاص الحقيقي في حياتنا يتحقق كما اراده الرب يسوع وجاء من اجله، عندما نبتعد عن الخطيئة، ونختبر السماء على الارض بعيش المحبة والاخوة والغفران المتبادل، والمشاكل التي نشهدها احيانا في مجتمعاتنا ورعايانا تظهر اكثر واكثر ان المسيح ما زال بعيدا عنا ولم نعرف استقبال روحه في حياتنا". وختم: "نتمنى ان يكون العيد هذا العام مغايرا عن السنوات الماضية في حياتنا ووطننا، فيكون قيامة حقيقية لبلدنا من خلال انتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من كانون الثاني المقبل، فينتظم عمل المؤسسات كما يجب فنعطي جميعا الشهادة التي نحلم بها في وطننا وشرقنا وكل المجتمعات".