أحمد بن موسى البلوشي
يشهد العالم تحولات جذرية في العادات والتقاليد نتيجة للتطور التكنولوجي، وانتشارًا لأدواته بصورة سريعة، وتأثيرات هذه التكنولوجيا تتراوح بين الإيجابية والسلبية، وتطرح تحديات جديدة أمام المُجتمعات البشرية.
على الجانب الإيجابي، تتيح التكنولوجيا فرصًا جديدة للابتكار والتطوير في مختلف المجالات، بما في ذلك الفنون والترفيه والتعليم، ويمكن استخدام التكنولوجيا للحفاظ على التراث الثقافي، وتوثيق التقاليد بطرق جديدة ومبتكرة.
ويُمثِّل تعليم الأخلاق والقيم الأصيلة والعادات والتقاليد المتوارثة جزءًا مهمًا من تربية الأبناء في الثقافة العمانية التقليدية، ويمثل السمت والأخلاق العمانية التقليدية مرجعًا أصيلاً في تربية الأبناء وتعزيز القيم الإيجابية في المجتمع، وهو ما يعكس التراث الثقافي الغني والتعاليم الإنسانية التي تميز الشعب العماني منذ القدم، وقد أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- على أهمية تربية الأبناء وترسيخ الهوية الوطنية والقيم الأصيلة والاهتمام العميق ببناء مجتمع متماسك ومتحضر. وهذا التركيز على القيم والتربية التقليدية يعكس الاستمرارية الثقافية والتاريخية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من هوية الشعب العماني، وقد جاء في النطق السامي "إنَّنا إذ نرصد التحدِّيات الَّتي يتعرض لها المُجتمع ومدى تأثيراتها غير المقبولة في منظومته الأخلاقيَّة والثقافية؛ لنؤكِّد على ضرورة التصدِّي لها، ودراستها ومتابعتها، لتعزيز قدرة المُجتمع على مواجهتها وترسيخ الهُوِيَّة الوطنيَّة، والقِيَم والمبادئ الأصيلة، إلى جانب الاهتمام بالأُسرة؛ لكونها الحصن الواقي لأبنائنا وبناتنا من الاتِّجاهات الفكريَّة السلبيَّة، الَّتي تُخالف مبادئ دِيننا الحنيف وقِيَمنا الأصيلة، وتتعارض مع السَّمت العُماني الَّذي ينهل من تاريخنا وثقافتنا الوطنيَّة".
ومن خلال هذا النهج، يسعى جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى حماية الشباب من التأثيرات السلبية وتعزيز الوعي بالقيم والمبادئ التي تميز الثقافة العمانية وتسهم في بناء مستقبل واعد ومزدهر للبلاد.Bottom of Form
وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم بشكل عام هذه التحولات الاجتماعية والثقافية نتيجة لتأثيرات التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، فإن عُمان ليست في منأى عن هذا التحول، ويُلاحظ في بعض الأحيان انحسار بعض القيم التقليدية والأخلاقيات القديمة بين الشباب، مما يُؤثر على السمت العماني والتراث الثقافي، فافتقار بعض الشباب لبعض الأساسيات في الثقافة العمانية مثل لبس المصر العماني، وصب القهوة، وبعض العادات والتقاليد في مجالس الرجال، وغيرها من مكونات الثقافة العمانية لدليل واضح على تأثر السمت العماني بالتطور التكنولوجي.
الوالِدان هما المصدر الرئيسي لتعلم الأطفال للقيم والعادات والتقاليد، ويعد البيت بيئة رئيسية لنقل القيم وتعليم الأخلاق، ولذلك فإنِّه يجب على الوالدين أن يكون لهم دور حاسم في توجيه الأبناء وتربيتهم وتعليمهم القيم والأخلاق الصحيحة؛ بما في ذلك السمت والتقاليد العمانية القديمة، وأن يستشعرا حجم المسؤولية الوطنية، والتاريخية، حول ضرورة تنشئتهم عليها، وتوعيتهم بأهمية المحافظة على هذا السمت المتوارث من عادات، وآداب، وتقاليد، وسلوكيات، فإذا كانت الأسرة تحتفظ بالتقاليد العمانية وتحافظ على القيم الثقافية، فإنها ستكون بيئة مثالية لتعلم الأبناء لهذه القيم والتقاليد. ومن خلال ممارسة هذه القيم في حياتهم اليومية وتقديم الدعم والتوجيه لهم، يمكن للوالدين أن يكونا نموذجًا إيجابيًا يساعد في نقل السمت العماني والتقاليد العائلية إلى الأجيال القادمة.
في الختام.. يتطلب تأثير التكنولوجيا على العادات والتقاليد توازنًا حكيمًا بين استخدام التكنولوجيا لتحقيق التقدم والتطور، وحفظ القيم الثقافية والاجتماعية التقليدية. يجب على المجتمعات أن تتبنى استخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول، وأن تعمل على تعزيز الوعي بين أفرادها حول التأثيرات الإيجابية والسلبية للتكنولوجيا على حياتهم اليومية وتقاليدهم. بالتالي، يتطلب الحفاظ على السمت العُماني والقيم الثقافية الأصيلة جهودًا مشتركة من المجتمع بأسره، بما في ذلك الأسرة، والمدارس، والمؤسسات الثقافية والحكومية، لتعزيز الوعي بأهمية هذا التراث وتشجيع استخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول وإيجابي لنقل القيم والأخلاق العمانية إلى الأجيال القادمة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مصر والإمارات تواصلان تعزيز الروابط الثقافية في مهرجان الشارقة القرائي للطفل
في إطار زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة، التقى الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، بالسيد أحمد بن ركاض العامري، الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، وذلك على هامش افتتاح فعاليات الدورة السادسة عشرة من مهرجان الشارقة القرائي للطفل.
وخلال اللقاء، ناقش الجانبان عددًا من الموضوعات المتعلقة بتعزيز الشراكات الثقافية بين مصر والإمارات، حيث أشاد الوزير بالمشاركة المتميزة لهيئة الشارقة للكتاب ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، من خلال جناحها الذي كان الأكبر للكتب الأجنبية المخفضة. وأكد أن هذه المبادرة كان لها أثر إيجابي ملموس، خاصة بين الأطفال والنشء، الذين أُتيح لهم التعرف على إصدارات هامة ومتنوعة.
وأكد الدكتور أحمد فؤاد هنو حرص وزارة الثقافة المصرية على استمرار هذه الشراكة الثقافية البنّاءة، بما يسهم في مد جسور التواصل المعرفي بين الأجيال الناشئة في البلدين.
وعقب اللقاء، رافق العامري وزير الثقافة في جولة موسعة في أروقة المهرجان، شملت جناح الهيئة المصرية العامة للكتاب، الذي يضم مجموعة مختارة من أحدث إصداراتها الموجهة للأطفال واليافعين والمتنوعة بين القصص المصورة، والكتب التعليمية، وسلاسل من التراث الشعبي المُبسّطة.
كما شملت الجولة عددًا من الأجنحة والمنصات الثقافية، منها جناح “أطفال الشارقة” التابع لمؤسسة “ربع قرن لصناعة القادة والمبتكرين”، حيث اطلع على منصة قارئ القرن، المخصصة للأطفال من سن 6 إلى 18 عامًا، والتي تهدف إلى تعزيز القراءة والوعي الأدبي بين النشء.
وزار وزير الثقافة جناح المجلس الإماراتي لكتب اليافعين، والتقى بممثلي المجلس المصري لكتب اليافعين، ضيف شرف الدورة الحالية، حيث ناقش معهم سبل التعاون المشترك في مجال أدب الطفل.
كما شملت الجولة أجنحة دائرة الثقافة، جمعية الناشرين الإماراتيين، منصة “اقرأ أنت في الشارقة”، بيت الحكمة، دائرة الخدمات الاجتماعية، الملتقى العربي لناشري كتب الأطفال، مؤسسة كلمات، هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، ومجموعة كلمات، حيث أشاد الوزير بما تقدمه هذه الجهات من مبادرات فعالة في دعم ثقافة الطفل، وتنمية حب القراءة، وتشجيع الإبداع لدى الأجيال الجديدة بأساليب مبتكرة.
ويجمع مهرجان الشارقة القرائي للطفل هذا العام 122 دار نشر عربية وأجنبية من 22 دولة، ويقدّم أكثر من 1024 فعالية تتنوع بين الورش التفاعلية، العروض المسرحية، الجلسات الثقافية، والأنشطة القرائية المتخصصة، بمشاركة أكثر من 133 ضيفًا من 70 دولة، مما يجعله من أبرز المنصات الثقافية المعنية بأدب الطفل على المستوى الإقليمي والدولي.