دعا مدير التواصل والمرافعة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، أحمد بن شمسي، المجتمع الدولي إلى "ممارسة ضغوط جادة وحقيقية على إسرائيل عبر وقف أو تعليق بيع الأسلحة؛ فهذه هي أنجع طريقة من أجل إجبارها على وقف جرائم الحرب في غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية".

وفي مقابلة مصورة مع "عربي21"، أشار "بن شمسي" إلى أن "القضية المرفوعة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية ستصل يوما إلى نتيجة وحكم نهائي، وقد يكون لها عواقب وخيمة على تل أبيب".




وأوضح الحقوقي الدولي، أن المجزرة التي كشفت عنها منظمة "هيومن رايتس ووتش" مؤخرا في مبنى عمارة المهندسين وسط قطاع عزة تُمثل "جريمة حرب محتملة"، مُشدّدا على أنهم لم يجدوا مطلقا أيّة إشارة على أنه كان هناك هدف عسكري في العمارة أو قربها لتبرير مثل هذه الضربة.

وعن أسباب تأخر إصدار تقرير مجزرة مبنى "عمارة المهندسين"، والتي حدثت في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قال: "مثل هذه التحقيقات تستغرق وقتا طويلا؛ فقد قمنا بتحريات عميقة ودقيقة جدا، ووثقنا الشهادات المؤلمة جدا، وقمنا بمعاينة وتحليل العديد من الصور ومقاطع الفيديو وصور الأقمار الاصطناعية، وكل هذا يتطلب وقتا طويلا وجهدا كبيرا".

وتاليا نص المقابلة المصورة مع "عربي21":

ما أبعاد المجزرة التي كشفت عنها منظمة "هيومن رايتس ووتش" مؤخرا في مبنى عمارة المهندسين وسط قطاع عزة؟

هذه الحادثة وقعت يوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أي بعد ثلاثة أسابيع تقريبا من بدء النزاع، وتركز على ما حدث في مبنى مدني من ستّة طوابق وسط غزة اسمه "عمارة المهندسين". هذا المبنى عادة ما كان يأوي قبل الحرب 200 شخص تقريبا من عائلات وأطفال ونساء، وقد لجأ إليه العديد من السكان المحليين في أعقاب اندلاع الحرب؛ لأن هناك قاعة رياضة بالطابق الأسفل للمبنى، وكان الكثير من اللاجئين ينامون هناك، وبالتالي كانت العمارة مكتظة جدا بالسكان الذين بلغ عددهم نحو 350 مدنيا، والأطفال كانوا يلعبون كرة القدم أمام وخلف هذا المبنى في الشارع؛ فلم تكن هناك أي مدارس تعمل بسبب بدء النزاع.

وكان المدنيون مكتظون في الطابق السفلي بالعمارة لأنهم كانوا يشحنون هواتفهم النقالة، لأن الكهرباء كانت مقطوعة عن جميع المباني في هذا الحي باستثناء تلك العمارة التي كانت بها مولدات الطاقة الشمسية، ثم في حوالي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، وبدون أي سابق إنذار، سقطت 4 قذائف على العمارة الواحدة تلو الأخرى خلال 10 ثواني، ثم انهارت العمارة على كل السكان. توفي على الأقل 106 من المدنيين، منهم 54 طفلا، وبعض هؤلاء الأطفال كانوا يلعبون حينها كرة القدم.

والخلاصة الأساسية هي أننا بحثنا كثيرا لكي نجد ما قد يبرر مثل هذه الضربة الإسرائيلية، وتساءلنا عما إذا كان هناك هدف عسكري أو هل كان هناك مركز قيادي لكتائب القسام سواء في العمارة أو بالقرب منها؟، لكننا في الحقيقة لم نجد أي دليل على الإطلاق لوجود أي هدف عسكري يبرر هذه الضربة، ما يجعلها "جريمة حرب محتملة".

هل تعتقد أن الأدلة التي جمعتها "هيومن رايتس ووتش" ستُعتمد في المحاكم الدولية أم لا؟

نتمنى ذلك. بالطبع نحن لا نتحكم فيما تعتمده المحاكم الدولية، لكننا نعرف أنهم يتتبعون ويرصدون تقاريرنا؛ فعلى سبيل المثال محكمة العدل الدولية في إطار الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية، اعتمدت واستندت على أحد تقاريرنا، وهو التقرير الذي نقر فيه بأن إسرائيل تستعمل التجويع كوسيلة حرب، ما يُشكّل جريمة حرب، وبالتالي فقد اعتمدوا هذا التقرير كما اعتمدوا تقارير أخرى أصدرتها منظمات مختلفة، وهذا كان أحد الأسباب التي دفعت محكمة العدل الدولية لإصدار أوامر وتدابير مؤقتة ضد إسرائيل، ونحن نتمنى أن تعتمد المحاكم الدولية التقارير التي نصدرها من وقت لآخر، ومنها تقرير "عمارة المهندسين"، وعملنا يساهم في تقديم أدلة ووثائق للعدالة الدولية.

والكل كان يعرف أن سلاح التجويع مُستخدما في غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، لكن توثيقه من قِبل منظمة حقوقية دولية جعل محكمة العدل الدولية تعتمده هذا التقرير لكي تصدر أوامر وتدابير بعينها، وإن لم تكن إسرائيل تعبأ أو تهتم بذلك في الوقت الراهن، فستهتم بذلك إما عاجلا أم آجلا؛ لأن القانون الدولي لا ينسى، والرأي العام الدولي لا ينسى، والقضية المرفوعة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية ستصل يوما إلى نتيجة وحكم نهائي، وقد يكون له عواقب وخيمة على تل أبيب.

لماذا تأخر إصدار هذا التقرير رغم أن الجريمة حدثت في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؟

لأن مثل هذه التحقيقات تستغرق وقتا طويلا؛ فقد قمنا بتحريات دقيقة جدا، ووثقنا الشهادات المؤلمة جدا؛ فما بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس 2024 تكلمنا مع 16 شخصا من شهود عيان سواء من الناجين من تلك العمارة أو من الجيران أو الأشخاص الذين تفقدوا الأشلاء البشرية بعد القصف الإسرائيلي، كما قمنا بمعاينة وتحليل العديد من الصور ومقاطع الفيديو، ومنها صور أقمار صناعية، وصور فوتوغرافية اُلتقطت في الميدان، وصور أخرى تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي بعدما تحققنا من صحتها، وقمنا بعمل تحري عميق جدا، وكل هذا يتطلب وقتا طويلا وجهدا كبيرا.

وكان من الممكن أن يأخذ التحقيق وقتا أقل من ذلك لو تمكنا من الوصول المباشر إلى هذا الحي، لكن كما تعرفون إسرائيل أغلقت جميع المنافذ ولا تسمح بعمل المحققين أو الحقوقيين، ولذلك كان علينا العمل عن بُعد، وهناك تقنيات وسبل أخرى يمكن اللجوء إليها في هذا العمل، ولذلك أخذنا الوقت اللازم لكي نحقق جليا في الموضوع، ولكي نصل إلى نتيجة مدعومة بالأدلة الدامغة التي لا يمكن التشكيك فيها.

هل تواصلتم مع "إسرائيل" قبل إصدار هذا التقرير؟

بكل تأكيد تواصلنا مع إسرائيل، وتحديدا مع الجيش الإسرائيلي، وهذه هي منهجية عملنا؛ فعندما نصدر أي تقرير نتهم فيه أي طرف بارتكاب أي جريمة نتواصل مع الطرف المعني قبل صدور التقرير، ونقول لهم: "ها هي حججنا وأدلتنا، وهذا ما لدينا.. ما جوابكم؟"، لكنهم لم يردوا علينا ولم نتلق منهم أي إجابة إلى يومنا هذا.

لماذا لم تتلقوا أي رد من جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن؟

يجب طرح هذا السؤال على الجيش الإسرائيلي. نحن لا نعرف الجواب.

هل تتوقعون قيام "إسرائيل" مستقبلا بوقف استهداف المدنيين في غزة؟

نتمنى ذلك، لكننا لا نتوقع ولا نتنبأ ولا نتكهن بما سيحدث مستقبلا؛ فهذا ليس عملنا، نحن نحقق ونضغط لكي نصل إلى نتائج، ونتمنى أن يصل ضغطنا، وضغط كل المنظومة الدولية، إلى نتيجة وهي وقف الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية.

كيف تردون على اتهامات "إسرائيل" لكم بمحاباة الفلسطينيين وأنكم تتبنون أجندة عدائية واضحة لـ"تل أبيب"؟

هذه اتهامات باطلة لا أساس لها. منهجية عملنا واضحة: نحقق في الجرائم المحتملة ثم نشخصها حسب القانون الدولي. واستهداف المدنيين بدون هدف عسكري هو انتهاك صارخ لقانون الحرب، وقد يُشكّل جريمة حرب، ونطبق هذا المبدأ على كل الأطراف، ونحن على سبيل المثال قلنا إن استهداف واختطاف المدنيين الإسرائيليين يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر يُشكّل جريمة حرب، ولو كنّا منحازين لما قلنا ذلك، لكن ما فعلته حماس لا يبرر على الإطلاق ارتكاب جرائم أخرى مضادة من طرف إسرائيل، وإلا فسيكون قانون الغاب سيد الموقف، ونحن لا نؤمن بقانون الغاب، بل بالقانون الدولي الذي هو ركيزتنا الأساسية.

ما خطورة قيام "إسرائيل" باستخدام سلاح التجويع في حربها على غزة؟

استخدام التجويع كسلاح هو جريمة حرب، وهذا منصوص عليه في قانون الحرب والقوانين الدولية. تطويق المدن أو عزلها من الخارج ودفع كل مَن فيها للاستسلام أو الموت جوعا هي وسيلة قديمة للحروب، لكن بعد الحرب العالمية الثانية اعتمدت المنظومة الدولية قوانين لكي لا تكرر البشاعات والفظاعات التي كانت تُرتكب منذ زمن طويل، ومن ضمن هذه القوانين وُضع قانون لمنع استهداف المدنيين، لأن الحرب يجب أن تكون بين المتحاربين فقط ما دام الطرفين لديهما سلاح، وبالتالي فاستهداف المدنيين هو انتهاك فظيع للقانون الدولي، ناهيك عن استهداف مليوني مدني منهم أطفال ونساء ورضع لمعاقبة جريمة قام بها قلة قليلة من المقاتلين؛ فهذا يُسمى عقاب جماعي وهو جريمة حرب حسب القانون الدولي.

لماذا رفضتم اعتزام واشنطن إنشاء رصيف بحري في غزة لاستقبال المساعدات رغم أن البعض يرى أنه سيخفف من حدة الجوع في القطاع؟

نحن لم نرفض ذلك، بل قلنا إنه إجراء غير فعّال وغير عملي، وكنّا ضمن 26 منظمة دولية غير حكومية انتقدت هذا القرار ووصفناه بأنه مُكلف ومحفوف بالمخاطر، ونقول لواشنطن وكل مَن يقومون بإرسال المساعدات جوا أو بحرا إنه إذا فعلتم ذلك فهذا يعني ضمنيا أنكم تستسلمون لمنطق إسرائيل الذي يمنع أو يقوض بشدة وصول المساعدات عبر البر.

ووصول المساعدات الإنسانية عبر البر هي أنجع وأسهل طريقة، لأن إسرائيل تسيطر على الموقف عسكريا ولديها كامل القدرة على فتح الحدود، وترك الشاحنات تدخل وتأمين الطرق لمرور الشاحنات، وبالتالي لماذا لا تفعل تل أبيب ذلك؟

ما أبرز العوائق التي تحول دون تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة؟

العوائق كثيرة للأسف؛ فالقصف الإسرائيلي لا زال مستمرا إلى الآن، والعمليات العسكرية البرية تعرقل تحرك حافلات المساعدات الإنسانية، نظرا لافتقار إلى الضمانات الأمنية، وحتى عندما يتركون الشاحنات تدخل إلى غزة فليس هذا ضمانة لعدم قصفها؛ فقد رأينا جميعا قصف إسرائيل بعض الشاحنات التي سمحت سابقا بدخولها.

كما أن الأضرار الواسعة التي لحقت بالطرق والبنية التحتية تحول دون دخول المساعدات الإنسانية القليلة إلى غزة؛ ففي بعض الأحيان يستحيل الوصول إلى مناطق بعينها لأن الطرق هناك تم تدميرها بالكامل، رغم أن سكان تلك المناطق بحاجة ماسة للمساعدات، فضلا عن أن انقطاع الاتصالات يُسبّب مشاكل في هذا الصدد؛ فهذا يؤدي لأزمات بسبب غياب التنسيق بخصوص عملية توزيع المساعدات التي تتطلب تنسيقا بين جهات مختلفة.

وكذلك يجب أن نذكر هنا أن القوات الإسرائيلية هاجمت قوافل المساعدات والعاملين فيها، ورأينا جميعا قبل أيام القصف الإسرائيلي للعاملين في مؤسسة المطبخ المركزي العالمي الخيرية، والذي تحدث عنه العالم بأسره. الجيش الإسرائيلي يطلق النار كذلك على الأشخاص المتجمعين لتلقي المساعدات، وهناك فيديوهات توثق هذه الوضعية المأساوية؛ فكل هذا يجعل من وصول المساعدات إلى مَن يحتاجها أمرا صعبا للغاية.

وإسرائيل استهدفت الكثير من عمال الإغاثة وموظفي المنظمات الإنسانية الدولية، وقتلت ما يقارب 200 عضوا بالأونروا، فضلا عن قتل أكثر من 200 عامل إغاثة منذ بداية هذه الحرب، ناهيك عن مقتل تقريبا 100 صحفيين؛ فكل هذه الحوادث تُضاف إلى بعضها البعض، وترسخ صورة عامة بأن إسرائيل دولة لا تحترم قانون الحرب ولا تحترم النظام الدولي، ونحن نؤكد أنها إن لم تكن تبالي اليوم فستبالي غدا، وسنواصل عملنا بالتوثيق والفضح.

لماذا ترفض العواصم الغربية وقف مبيعات الأسلحة لـ"إسرائيل"؟

يجب طرح هذا السؤال على تلك العواصم الغربية وليس علينا. نحن نضغط بشدة لكي يوقفوا مبيعات الأسلحة لإسرائيل.

برأيكم، كيف يمكن ممارسة ضغوط حقيقة على "إسرائيل" من أجل إيقاف حربها على غزة؟

وقف أو تعليق بيع الأسلحة بالنسبة لنا هو أنجع طريقة للضغط على إسرائيل، لأنه إذا لم يتوفر لهم أسلحة وذخائر سيتوقفون عن الحرب مباشرة، ولذلك نطلب من الحكومات المعنية التي تبيع السلاح لإسرائيل فرض عقوبات موجّهة وتعليق نقل الأسلحة فورا للضغط على تل أبيب لضمان وصول المساعدات الإنسانية، لأن هذه القضية هي الأكثر إلحاحا وأهمية.

ولا يجب البحث عن أي حلول مؤقتة لتلك الأزمة الإنسانية المتفاقمة؛ لأننا نريد حلول دائمة وناجعة وحاسمة لهذه المأساة، والضغوط الخارجية الجادة على إسرائيل لها جدوى ونتائج، وخاصة تلك الضغوط التي تمارسها الدول الحليفة لتل أبيب، والتي ندعوها لتعليق نقل الأسلحة فورا إلى إسرائيل.

كيف تقيم الإجراءات الجارية الآن في المحاكم الدولية من أجل محاسبة "إسرائيل"؟

محكمة العدل الدولية تقوم بعملها، والبت في تهمة الإبادة الجماعية سيأخذ وقتا طويلا ربما يمتد لسنوات، وهذا طبيعة عمل محكمة العدل الدولية، لكن قبل أن تصدر حكمها النهائي أصدرت ما سمّوه تدابير مؤقتة وأوامر مستعجلة لمحاولة تفادي ارتكاب الإبادة الجماعية، ومن ضمن تلك الأوامر فك الحصار عن غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، لكن إسرائيل لم تطبق ولم تستجب لهذا الأمر أو لغيره من التدابير الأخرى.

وماذا عن المحكمة الجنائية الدولية؟

لقد أكد المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أنهم يحققون الآن في الجرائم الإسرائيلية، ولديهم ولاية على فلسطين وإسرائيل منذ سنة 2021، وهذه الولاية تنطبق كذلك على الحرب الجارية الآن، والسيد خان زار إسرائيل قبل نحو شهرين، وأكد أن ما يقع الآن يقع ضمن اختصاصاتهم وهم يعملون بالفعل على ذلك، لكننا لا نعرف تحديدا كيفية وآليات عملهم، وكم سيستغرق عملهم، ونتمنى أن يصلوا إلى نتائج في أقرب وقت ممكن.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مقابلات هيومن رايتس ووتش إسرائيل غزة إسرائيل امريكا غزة حقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المساعدات الإنسانیة محکمة العدل الدولیة استهداف المدنیین هیومن رایتس ووتش عمارة المهندسین المحاکم الدولیة وصول المساعدات هذا التقریر تشرین الأول ضد إسرائیل وقتا طویلا هدف عسکری جریمة حرب إلى نتیجة تل أبیب مثل هذه على تل فی غزة

إقرأ أيضاً:

كاتب إسرائيلي: قرار الجنائية الدولية يثبت تحول إسرائيل إلى دولة منبوذة

تناول مقال للكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي "ميرون رابوبورت" إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت.

وأكد أن القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات توقيف ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت يشكل لحظة فارقة بالنسبة لصورة إسرائيل وشرعيتها الدولية.

وأضاف أن مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية تثبت أن إسرائيل تتتحول سريعا إلى "دولة منبوذة".

وأوضح أن "رد إسرائيل كان أخرقاً، ولكن الجمهور الذي يظن أن جيشه لا يرتكب الفظاعات بدأ يصحو وإن ببطء".

وفيما يلي نص المقال:

أطلقت المذكرات موجات اهتزازية في أرجاء المجتمع الإسرائيلي والمؤسسة السياسية.
كان رد فعل السياسيين عدم المبالاة. اتهم نتنياهو المحكمة الجنائية الدولية بمعاداة السامية، وعلى نهجه سار بقية تيار اليمين داخل إسرائيل.

أما يسار الوسط فلم يتهم المحكمة بمعاداة السامية، ولكنه وافق على أن القرار لم يكن مقبولاً، وكان جائراً، ولم يكن له سند قانوني، لأنه عامل إسرائيل وحماس كمتساويين في ارتكاب الجرائم أثناء الحرب.

جاءت ردود الفعل لتكون استمراراً مباشراً لعدم اعتراف إسرائيل بما يجري في غزة.

حتى لو كان هناك أقلية صغيرة جداً في إسرائيل تقر بأن جرائم قد ارتكبت من قبل جيشها في غزة، إلا أن الجمهور الإسرائيلي العام مازال في حالة من الإنكار التام. يزعمون بأن حماس وحدها هي التي ترتكب جرائم الحرب، وليس إسرائيل، وأن ما تفعله إسرائيل في غزة ما هو إلا دفاع عن النفس.

في عيون معظم الإسرائيليين، إسرائيل لا تقتل الفلسطينيين الأبرياء بلا سبب، وإذا كان هناك مجاعة في غزة، فإنما هي نتيجة قيام حماس بسرقة المساعدات الإنسانية – وهي مقولة يتكرر ترديدها المرة تلو الأخرى من قبل الجيش الإسرائيلي ومن قبل القنوات الرسمية الأخرى.

كان رد الفعل هذا متوقعاً، وإن كان الوضع في إسرائيل أكثر تعقيداً. لا ريب أن إصدار مذكرات التوقيف ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق حدث بارز ولحظة فارقة في علاقات إسرائيل بالمجتمع الدولي وبالقانون الدولي.

تأسست إسرائيل بموجب قرار صادر عن الأمم المتحدة. جل التطورات في القانون الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية، مثل حماية اللاجئين أو تجريم الإبادة الجماعية، كانت رداً على المحرقة، ولقد ساندت إسرائيل تلك التطورات.

إلا أن هجوم إسرائيل على المحكمة الجنائية الدولية يجعل البلد يبدو عدواً للقانون الدولي، ودولة تسعى إلى تقويض القانون الدولي وجميع مؤسساته. لا شك أن هذا تغير دراماتيكي في السلوك.

ولا ينتهي الأمر عند المحكمة الجنائية الدولية. فمحكمة العدل الدولية تنظر الآن في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمامها متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية.

لا يوجد صلة مباشرة بين المؤسستين وبين الإجراءين القانونيين. ولكن من المعقول الظن بأن إصدار مذكرات التوقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية سوف يؤثر كذلك على المداولات داخل محكمة العدل العليا حول الإبادة الجماعية.

صدرت المذكرات ضد نتنياهو وغالانت شخصياً، ولكنها وإلى حد بعيد تشير إلى أن إسرائيل، كدولة، ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

لم يرتكب نتنياهو وغالانت هذه الجرائم المزعومة بأنفسهما، بل الجيش بأسره وكل أجهزة الدولة كانت ضالعة.

على المدى القصير، يمكن لقرار المحكمة الجنائية الدولية أن يردع القادة العسكريين من أصحاب الرتب المتوسطة والعليا في إسرائيل، مثل قادة الفرق وقادة الألوية.

على سبيل المثال، قال كبار ضباط الجيش الإسرائيلي علانية إنهم منعوا المساعدات الإنسانية من الوصول إلى شمال غزة بعد بدء عملية الجيش العسكرية هناك في مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول). وقالوا أيضاً إن الغاية من هذه العملية كانت تهجير من بقي من السكان جنوباً عبر محور نتساريم.

والآن، أما وقد صدرت الأوامر، سوف يفكر ضباط الجيش الإسرائيلي مرتين قبل أن يطلقوا مثل هذه التصريحات، لأنهم قد يخشون أن يُلقى القبض عليهم خلال رحلتهم القادمة إلى أوروبا. كما قد يمتنع الجندي عن تنفيذ الأوامر التي قد تؤدي إلى التجويع، نظراً لأن ذلك ورد ذكره بوضوح في مذكرات المحكمة الجنائية الدولية كجريمة باعتباره جريمة محتملة ضد الإنسانية.



"الرفض الرمادي"
على المدى القصير أو المتوسط، يمكن لقرار المحكمة الجنائية الدولية أن يوفر الإجابة لأولئك الإسرائيليين الذين يتساءلون عما إذا كانت إسرائيل ترتكب جرائم في غزة.

بغض النظر عن الأقلية الصغيرة من منتسبي تيار اليسار الذين لديهم قناعة بأن إسرائيل ترتكب جرائم، هناك مجموعة أوسع من اليهود في يسار الوسط ممن بدأت تساورهم الشكوك حول أفعال إسرائيل في غزة، رغم أنهم مازالوا حتى الآن يدعمون الحرب.

مؤخراً، دعا كل من تومر بيرسيكو، وهو أستاذ جامعي ليبرالي من يسار الوسط، وإيران إتزيون، نائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق، الاحتياط إلى رفض الخدمة في عملية التطهير العرقي التي تمارس في شمال غزة.

لا ندري كم عدد اليهود الذين يفكرون بهذه الطريقة، فوسائل الإعلام التقليدية لا تمنح هذه الأصوات حيزاً لتعبر عن قناعاتها، ولكن قد تصل نسبتهم إلى 10 أو 15 بالمائة من السكان اليهود.

سوف يمنح قرار المحكمة الجنائية الدولية شرعية لتلك الآراء في إسرائيل. ولسوف يتمكن أصحاب هذه الآراء من القول: "هذا هو ظن العالم بنا."

من شأن التغير في الرأي داخل معسكر اليسار الصهيوني أن يفضي إلى زيادة في رفض الخدمة في الحرب. منذ بداية الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كانت هناك حالات قليلة جداً من رفض الخدمة، بينما في حرب لبنان الأولى وفي الانتفاضة الثانية كانت هناك مئات الحالات.

إننا نرى الآن في إسرائيل ظاهرة "الرفض الرمادي" – والمتمثلة في استنكاف الإسرائيليين عن الحضور عندما تتم دعوة الاحتياط.

في بداية الحرب، كل الذين تمت دعوتهم لبوا النداء، أم اليوم فقد تراجع المعدل إلى 65 بالمائة. هذا "الرفض الرمادي" لا يكون في العادة لأسباب أخلاقية، بل يتعلق بشكل رئيسي بمشاكل اقتصادية أو عائلية. ومع ذلك، من الوارد أن يزداد مثل هذا الرفض بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية.
كما أن من الوارد أن يميز بعض ضباط وجنود الاحتياط بين غزة ولبنان.

لم تعد للحرب في غزة شعبية لدى الجمهور الإسرائيلي، مقارنة بالحرب في لبنان، التي مازالت تتمتع بإجماع واسع. ونظراً لأن حكومة نتنياهو تبدو قد تخلت عن الرهائن المائة وواحد في غزة، فقد يصب ذلك في صالح المعارضة.



دولة منبوذة
على المدى البعيد، وبطريقة ذات دلالة أكبر، تقطع مذكرات المحكمة الجنائية الدولية إسرائيل عن المجتمع الدولي بطريقة حادة جداً.

فهذه لم تعد مجرد مظاهرات حاشدة ضد الحرب تنظم في لندن أو داخل الجامعات عبر الولايات المتحدة. بل هذا قرار صادر عن محكمة يقبل بها معظم العالم الغربي. بفضل مذكرات التوقيف هذه، تنتقل إسرائيل أكثر فأكثر إلى هوامش المجتمع الدولي.

من المحتمل أن تكون إدارة ترامب الجديدة في الولايات المتحدة أكثر عدوانية تجاه المحكمة الجنائية الدولية، وأن تحاول إخراج إسرائيل من هذه العزلة، ومعها دول مثل المجر، وجمهورية التشيك، والأرجنتين، وأعضاء آخرون في ائتلاف اليمين المتطرف حول العالم.

ولكن هذا الرد الأمريكي، والذي لا يمكن ضمان أثره (فقد فرض ترامب عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية في فترة رئاسته الأولى ولم يكن لذلك كبير أثر على المحكمة)، لا يمكنه تغيير الحقيقة الأساسية، ألا وهي أن إسرائيل تتحول سريعاً إلى دولة منبوذة.

ما تتعرض له إسرائيل من عزلة ونزع للشرعية قد يكون له آثار عملية ومباشرة، مثل تشجيع فرض العقوبات العسكرية وغيرها على إسرائيل.

لا يقتصر الأمر على أن نتنياهو سيجد صعوبة في السفر إلى الخارج، بل سوف يجد الزعماء الأجانب صعوبة كذلك في السفر إلى إسرائيل للاجتماع برجل "مطلوب للعدالة". بل يمكن أن تتلقى كل علاقات إسرائيل الدبلوماسية ضربة كبيرة.

يمكن القول إن إسرائيل تمر بعملية بطيئة كتلك التي شهدتها جنوب أفريقيا قبل إلغاء نظام الأبارتايد (الفصل العنصري).



يمكن لأنصار الحقوق الفلسطينية حول العالم القول إن إسرائيل ارتكبت جرائم أخطر بكثير في غزة مما هي متهمة به، وأنها لم تتعرض بعد لنفس العقوبات الشديدة التي فرضت على روسيا وإيران. ثمة عدالة في هذا الزعم.

ولكن يجب أن يؤخذ بالحسبان أن إسرائيل جزء لا يتجزأ من الغرب، وهي الحليف الأقرب إلى الولايات المتحدة. كثيرون في أوروبا يرون أن دعم إسرائيل هو نوع من التعويض عن المحرقة. وفي أعين الغربيين، لم تقف إسرائيل أبداً حيث وقفت بلدان مثل إيران وسوريا أو روسيا.

ولذلك فإن تهميش إسرائيل حدث كبير نسبياً بالمقارنة مع كان عليه وضعها يوم السادس من أكتوبر 2023.

من المبكر جداً القول ما إذا كان إصدار مذكرات التوقيف ضد نتنياهو وغالانت سوف يؤدي إلى إضعاف حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل. بل قد ينجم عن ذلك زيادة الدعم الذي تحظى بها، كما يزعم نتنياهو وشركاه من أن "العالم بأسره يقف ضدنا."

ولكن يمكن القول إن شيئاً عميقاً قد تصدع في شرعية إسرائيل كدولة ضمن المجتمع الدولي، وأن إسرائيل سوف تجد صعوبة في إصلاح ذلك دون إحداث تغيير كامل في الطريقة التي تعامل بها الفلسطينيين. وهذا ما يجعل قرار المحكمة الجنائية الدولية حدثاً ذا دلالات هائلة.

مقالات مشابهة

  • أكثر من 60 ألف قطعة سلاح ومعدات عسكرية.. الجيش الإسرائيلي يعرض غنائم استولى عليها في جنوب لبنان (فيديو)
  • كاتب إسرائيلي: قرار الجنائية الدولية يثبت تحول إسرائيل إلى دولة منبوذة
  • هيومن رايتس: أسلحة أميركية استُخدمت في غارات “إسرائيلية” على صحفيين في حاصبيا
  • هيومن رايتس ووتش: ضربة إسرائيلية على لبنان بأسلحة أمريكية تمثل جريمة حرب
  • “هيومن رايتس ووتش”: استهداف إسرائيل الصحفيين في حاصبيا جريمة حرب
  • هيومن رايتس: مقتل ثلاثة صحفيين لبنانيين بغارة إسرائيلية جريمة حرب
  • رايتس ووتش: تواطؤ أميركي بجريمة حرب إسرائيلية في لبنان
  • أوكرانيا تخسر 40% من الأراضي التي سيطرت عليها في مقاطعة كورسك الروسية
  • إعلام العدو: قرار الجنائية الدولية قد يعني حظراً أوروبياً على توريد الأسلحة لـ”إسرائيل”
  • خبير عسكري: إسرائيل تسعى للضغط لقبول شروط التسوية في لبنان| فيديو