الجزيرة:
2025-04-29@22:59:52 GMT

هُزمت إسرائيل.. فهل انتصرت المقاومة؟

تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT

هُزمت إسرائيل.. فهل انتصرت المقاومة؟

في الأيام الأولى للعدوان على غزة غلبت العجرفة وغرور القوة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو يقول: ما ستواجهه حماس سيكون صعبًا ورهيبًا، وسنغيّر الشرق الأوسط. وتحدث مرّة عن تمزيق حماس، وأخرى عن تصفيتها، واصفًا حركة المقاومة بأنها داعش، وكان في ذلك يستند إلى دعم غربي أميركي غير محدود يتبنى الأكاذيب الدعائية الإسرائيلية.

ما بين تلك التصريحات وبين ما قاله نتنياهو في السابع من شهر أبريل/ نيسان – عشية ذكرى مرور ستة أشهر على العدوان على غزة، والذي جاء فيه: إن تل أبيب مستعدة للتوصل إلى اتفاق بشأن إطلاق سراح المحتجزين من قطاع غزة، لكن إسرائيل ليست مستعدة للإذعان لمطالب حماس التي وصفها بـالمبالغ فيها – تتكشف الحقائق وتتبلور النتائج.

ستة أشهر من التدمير والقصف اللذين استهلكا مخزونات جيش الاحتلال من المقذوفات والمتفجرات عدة مرات، ومع كل الوسائل غير الأخلاقية واللاإنسانية وجرائم الإبادة التي استخدمتها دولة الاحتلال، ترتدّ تصريحات نتنياهو في بدايات العدوان على أعقابها خائبة خاسرة، فمن اجتثاث حماس وتمزيقها إلى عدم الإذعان لها ولمطالبها، تتجلّى صور الهزيمة والانكسار.

هُزمت إسرائيل في الحرب والعدوان على غزة، هزمت أخلاقيًا وسياسيًا ومعنويًا ونفسيًا وإستراتيجيًا. فلم تعد إسرائيل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، كما كان الغرب يقدمها، بل أصبحت دولة مارقة تستخدم الأساليب غير الأخلاقية في قتل الأطفال، وتدمير البيوت، وتجويع المدنيين الأبرياء. وبعد أن كانت دولة الاحتلال مهيمنة على الضمير الشعبي ومستحوذة على الرأي العام في الغرب، غدا الوقوف معها وبجانبها أمرًا يكلف السياسيين الكثير، ويحطّ من صورتهم ومكانتهم أمام الرأي العام في بلدانهم. وأصبحت صيحات الاستهجان والتنديد من الشباب الغربي ضد السياسيين الداعمين للاحتلال تلاحقهم في تنقلاتهم ومؤتمراتهم الصحفية والانتخابية – كما في أميركا – وتطوّقهم وتؤرقهم.

أمست العلاقة مع دولة الاحتلال تشكّل عبئًا أخلاقيًا وسياسيًا، وأحيانًا انتخابيًا على أصحابها. فالرئيس الأميركي جو بايدن يواجه موقفًا انتخابيًا صعبًا وأيامًا عسيرة جراء وقوفه مع العدوان الإسرائيلي ودعمه لآلة القتل الإسرائيلية بالمال والعتاد والذخيرة والإسناد السياسي والدبلوماسي. وها هي نيكاراغوا تجرّ ألمانيا إلى محكمة العدل الدولية من خلال شكوى قدّمتها تتهمها فيها بتسهيل ارتكاب إبادة جماعية بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزة من خلال الاستمرار بدعم تل أبيب بشتّى أنواع الأسلحة مع علمها باحتمال كبير باستخدام تلك الأسلحة لارتكاب إبادة جماعية خطيرة بحقّ سكان القطاع.

وإذا كان تأسيسُ الدولة العبرية قائمًا في جانب كبير منه على مرثية وبكائية محارق النازية، والموقف الغربي منها، فإنّ ما ارتكبته تل أبيب من جرائم موثقة وعلى مدار الشهور، وعلى الهواء مباشرة، وما سيتم توثيقه من بعدُ سيشكل البعد الأخلاقي الرئيس في تفكيك دولة الاحتلال على مستوى الرأي العام الغربي، ولعل من صوره ما شاهدناه وتابعناه من هتافات الشباب والنشطاء في الغرب، في المظاهرات والتجمعات، والتي تنادي بفلسطين الحرة من البحر إلى النهر.

الإقرار بهزيمة إسرائيل تكرّر حتى على لسان العديد من السياسيين والمفكّرين والكتّاب الإسرائيليين، ومنهم وزير العدل الإسرائيلي السابق حاييم رامون الذي قال، وفق صحيفة معاريف: إن الحرب التي تشنها حكومة بنيامين نتنياهو على قطاع غزة انتهت بهزيمة إستراتيجية لإسرائيل، وردًا على سؤال بشأن ما إذا كانت الحرب قد انتهت، قال رامون: لسوء الحظ، نعم، للأسف هناك انتصار تكتيكي، ولكن هناك أيضًا هزيمة إستراتيجية، فلم نحقق أيًا من الأهداف التي حدّدتها الحكومة.

غيرت غزة المشهد العالمي، ولكنّ المتربصين كثرٌ، وأهل المكر والخديعة يتسيّدون غالبية المسرح السياسي الدولي، وتقديري أن النظام الدولي المتعجرف لن يسمح بانتصار المقاومة ما استطاع إلى ذلك سبيلا

انهزم الاحتلال، فهل انتصرت المقاومة؟ نعم.. فلقد انتصرت المقاومة عسكريًا وأخلاقيًا وحتى سياسيًا على جيش الاحتلال. الانتصار العسكري وُثق جانب منه في فيديوهات مصورة، ولعل أهمها ما نُشر للكمين المركّب في خان يونس، وكان من سمات الانتصار الرئيسية أيضًا وحدة المقاومين والقدرة على التحكم والسيطرة، واختيار الأهداف رغم ضراوة القصف وعنفه. أخلاقيًا انتصرت المقاومة على الاحتلال في تعاملها الإنساني مع الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم في عملية التبادل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وظهرت صور كثيرة للتعاطي الراقي من عناصرها مع الأسرى؛ إن كان من خلال طريقة توديع الأسرى لهم، أو في صور أخرى، منها صورة الفتاة الإسرائيلية التي خرجت ضمن صفقة التبادل، وهي تحمل كلبها بين يديها. فيما لم يتحدّث أي أسير ممن أُطلق سراحهم للإعلام عن معاملة سيئة أو تعامل فظّ لاقوه من آسريهم.

السؤال الأهم، وربما الأصعب: ماذا بعد؟ وإذا افترضنا أن الاحتلال رضخ للإمر الواقع وللضغوط المحلية والعالمية، ولوضعه العسكري شبه المنهار، ولحال اقتصاده المتدهور ووافق على صفقة تتضمن الانسحاب وتبادل الأسرى، وإعمار القطاع، وفكّ الحصار، وقدم بذلك تعهدات ومواثيق، فما هو التالي؟

بتقديري؛ لن يترك النظام الدولي المتعسف والمتعجرف، ولن يسمح بانتصار المقاومة في فلسطين ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ومن ورائه وبكل القدرات والمقدرات أنظمة عربية راسخة في الاستبداد ومتجذرة في الفساد. انتصار المقاومة وقيمها سيؤدي لزعزعة مفاهيم دولية أصبحت مع مرور السنوات وطغيان القوة من المسلَّمات، وسيقود لتغييرات كبيرة في المنطقة، ولو بعد حين. وإذا كانت قيادة المقاومة السياسية تصرّح بأن معركة المفاوضات أقسى من المعارك العسكرية على الأرض، فإن مرحلة ما بعد صمت البنادق قد تكون الأشد والأشرس.

يحتاج أي حل أو أية تسوية إلى ضمانات دولية وإقليمية متنوعة، ذلك لأن الضمانات الغربية وبطبيعة الحال تعهّدات الاحتلال يمكن النكوص عنها وتجاوزها، وما أسهل المبررات والفبركات، ولعلّ فزاعة داعش وأمثالها -وكما شاهدنا فيما جرى في موسكو- تحت التصرّف والطلب حيث يقتضي الأمر ذلك. مما لا شك فيه أن الدور التركي سياسيًا ولوجيستيًا مطلوب وبشدّة، غير أن تركيا الآن لم تعد كما كانت، أو كنا نتأمل ونأمل، تركيا مثقلة بهموم وأغلال اقتصادية تلقي بظلالها على مكانتها ودورها وهو ما شهدناه في الأشهر الماضية فيما يتعلق بمواقفها من محرقة غزة. لا بد من ضمانات دولية تُساهم فيها دول لها مصالح متناقضة، كدول غربية وروسيا والصين ودور رئيسي لدول ذات مواقف منصفة في الأزمة مثل أيرلندا والنرويج وجنوب أفريقيا ودول أميركا اللاتينية، وبوجود عسكري لها ولو رمزيًا.

غيرت غزة المشهد العالمي، ولكنّ المتربصين كثرٌ، وأهل المكر والخديعة هم الذين يتسيّدون غالبية المسرح السياسي الدولي، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال. انتصرت الثورات العربية وبشكل سلمي رائع في بعض الدول، وظنّ كثيرون أنّ المستقبل أصبحَ براقًا ومشرقًا، وأنهم سيستمتعون بحقوقهم الأساسية والسياسية كمواطنين، ولكن ما لبث المتربّصون، بدعم الدولة العميقة وتحريض الخارج إقليميًا ودوليًا، أن انقضّوا على ما كان يُظنّ أنه حلم تحقق ليصبح كابوسًا مؤلمًا، ولترتد الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه.

تحتاج المقاومة إلى أن تشارك وتشاور قانونيين دوليين، وأن تستحضر البعد الشعبي العربي والإسلامي من خلال مشاركة علماء مسلمين ونقابيي هيئات دولية رسمية وشعبية في التسوية المرتقبة، فلم تعد غزة – وما جرى فيها – شأنًا فلسطينيًا ولا عربيًا وإسلاميًا فحسب، بل أصبحت مسألة عالمية اجتمعت عليها قلوب أصحاب الضمائر الحيّة، والقيم والأخلاق الإنسانية.

كما تحتاج المقاومة وسياسيوها إلى التفكير العميق ووضع جميع الاحتمالات شديدة السوء في حساباتهم، فكما رأينا في حرب الإبادة على غزة، نتعامل مع عالم متوحش موغل في الإجرام والنفاق يدعم كل أنواع الإرهاب الذي يقترفه الاحتلال؛ بزعم محاربة الإرهاب. وفيما يبكي ويتباكى على مزاعم إسرائيلية كاذبة فيما يتعلق بذبح الأطفال، ويعتبرها حقائق وبشكل سريع خاطف ومن دون تدقيق ولا تمحيص، ويتعامل ببرود ولامبالاة مع جرائم الاحتلال وانتهاكاته الصارخة التي يقترفها على الهواء مباشرة، كما في المستشفى الأهلي، ومجمع الشفاء، واغتيال عمال الإغاثة الأجانب ليطلب من الجاني وبأدب جمّ وعبارات مهذبة، التحقيق فيما اقترفت يداه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات انتصرت المقاومة دولة الاحتلال على غزة من خلال ما کان

إقرأ أيضاً:

خبير عسكري: المقاومة بغزة تزداد احترافية ومفاجآتها الميدانية مستمرة

قال الخبير العسكري اللواء محمد الصمادي إن العملية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة توسعت أكثر مما كان مخططا له سابقا، معتبرا ذلك "أكبر دليل على أن الخطط العملياتية الإسرائيلية لم تكن محسوبة بشكل صحيح".

وأوضح الصمادي -في تحليله المشهد العسكري بغزة- أن مفاجآت فصائل المقاومة في الميدان أدت إلى وجود نقص في القوة البشرية لجيش الاحتلال، إضافة إلى أعداد كبيرة من القتلى في صفوفه، مؤكدا أن المفاجآت لا تزال مستمرة.

ووفق الخبير العسكري، فإن أداء المقاومة اختلف بعدما سمحت لجيش الاحتلال بتعميق وتوسيع ونشر قواته، مشيرا إلى أن المقاومة كانت في البداية غير قادرة على خوض المعركة التصادمية بسبب الأحزمة النارية وسياسة الأرض المحروقة.

وفي إطار عمليات المقاومة، أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أمس الأحد تفجير عبوة مضادة للأفراد في عدد من جنود الاحتلال، مؤكدة إيقاعهم بين قتيل وجريح شرق حي التفاح.

وبينما أعلنت القسام استهداف دبابة "ميركافا 4″ بقذيفة "الياسين 105" شرقي حي التفاح كشفت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي استهداف مقاتليها ثكنة عسكرية على منزل يوجد فيه عدد من جنود الاحتلال بصاروخ موجه في المكان ذاته.

إعلان

وشهد الأسبوع الأخير تغيرا دراماتيكيا، إذ تعرّض جيش الاحتلال لكمائن وقتال من مسافة الصفر بالأسلحة المضادة للدروع عبر عمليات مباشرة ومفاجئة، إلى جانب عمليات قنص نوعية، كما يقول الصمادي.

وبناء على ذلك تمتلك المقاومة الفلسطينية 3 أبعاد في القتال هي: القيادة، والسيطرة، والقدرة على التخطيط، مشيرا إلى أن أفرادها ليسوا جيشا نظاميا، بل يخوضون حربا غير متناظرة يقاتلون فيها بنظام العقد القتالية والمجموعات الصغيرة.

وخلص الصمادي إلى أن المقاومة توظف قدراتها ولكنها تزداد خبرة واحترافية وتستغل نقاط ضعف جيش الاحتلال الذي أصيب بإرهاق الحرب وتدني معنويات جنوده، مما أدى إلى وقوعه في أخطاء عدة وازدياد في خسائره البشرية، حسب الخبير العسكري.

وأعرب عن قناعته بأن فشل محاولات تجنيد اليهود المتشددين "الحريديم" لأسباب دينية يشكل ضغطا على جيش الاحتلال، ويستنزف قوات الاحتياط، ويعمق الأضرار والخسائر الاقتصادية.

ويوم الجمعة الماضي، قال الناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة إن "مجاهدي القسام يخوضون معارك بطولية وينفذون كمائن محكمة ويتربصون بقوات العدو لإيقاعها بمقتلة محققة في المكان والتوقيت والطريقة التي يختارونها".

ووصف أبو عبيدة ما يحدث في الميدان من بيت حانون شمالا إلى رفح جنوبا بأنه "مفخرة ومعجزة عسكرية وحجة على كل شباب الأمة وقواها"، مؤكدا أن مقاتلي القسام "بالعُقَد القتالية والكمائن الدفاعية جاهزون للمواجهة، وتبايعوا على الثبات حتى النصر أو الشهادة".

مقالات مشابهة

  • السرايا تبث مشاهد لاستهداف منزل تحصّن به جنود الاحتلال بحي التفاح
  • كانت معدّة للتهريب.. شاهدوا كميات البنزين الكبيرة التي تم ضبطها في عكار (صورة)
  • حماس: الاحتلال يُحاول يائسا كسر المقاومة الفلسطينية
  • عاجل - المقاومة الفلسطينية تستهدف جنود الاحتلال شرقي حي التفاح بمدينة غزة
  • المقاومة تستهدف جنود الاحتلال شرقي حي التفاح بمدينة غزة
  • خبير عسكري: المقاومة بغزة تزداد احترافية ومفاجآتها الميدانية مستمرة
  • بأس “الحوانين” يواصل كسر “السيف” الصهيوني.. ملاحم انتصار أجــدّ في غزة
  • الدويري: كمائن غزة ترجمة لتحذيرات الاحتلال من تصعيد ضد قواته
  • المقاومة تستهدف جنود الاحتلال وتتصدى بغارات مضادة شرق غزة
  • القاهرة الإخبارية: غارة الاحتلال على منطقة «الحدث اللبنانية» كانت مباغتة