دعا مدير التواصل والمرافعة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش، أحمد بن شمسي، المجتمع الدولي إلى "ممارسة ضغوط جادة وحقيقية على إسرائيل عبر وقف أو تعليق بيع الأسلحة؛ فهذا هو أنجع طريقة من أجل إجبارها على وقف جرائم الحرب في غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية".

وفي مقابلة مصورة مع "عربي21"، أشار "بن شمسي" إلى أن "القضية المرفوعة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية ستصل يوما إلى نتيجة وحكم نهائي، وقد يكون لها عواقب وخيمة على تل أبيب".




وأوضح الحقوقي الدولي، أن المجزرة التي كشفت عنها منظمة "هيومن رايتس ووتش" مؤخرا في مبنى عمارة المهندسين وسط قطاع عزة تُمثل "جريمة حرب محتملة"، مُشدّدا على أنهم لم يجدوا مطلقا أيّة إشارة على أنه كان هناك هدف عسكري في العمارة أو قربها لتبرير مثل هذه الضربة.

وعن أسباب تأخر إصدار تقرير مجزرة مبنى "عمارة المهندسين"، والتي حدثت في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تابع: "مثل هذه التحقيقات تستغرق وقتا طويلا؛ فقد قمنا بتحريات عميقة ودقيقة جدا، ووثقنا الشهادات المؤلمة جدا، وقمنا بمعاينة وتحليل العديد من الصور ومقاطع الفيديو وصور الأقمار الاصطناعية، وكل هذا يتطلب وقتا طويلا وجهدا كبيرا".

وتاليا نص المقابلة المصورة مع "عربي21":

ما أبعاد المجزرة التي كشفت عنها منظمة "هيومن رايتس ووتش" مؤخرا في مبنى عمارة المهندسين وسط قطاع عزة؟

هذه الحادثة وقعت يوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أي بعد ثلاثة أسابيع تقريبا من بدء النزاع، وتركز على ما حدث في مبنى مدني من ستّة طوابق وسط غزة اسمه "عمارة المهندسين". هذا المبنى عادة ما كان يأوي قبل الحرب 200 شخص تقريبا من عائلات وأطفال ونساء، وقد لجأ إليه العديد من السكان المحليين في أعقاب اندلاع الحرب؛ لأن هناك قاعة رياضة بالطابق الأسفل للمبنى، وكان الكثير من اللاجئين ينامون هناك، وبالتالي كانت العمارة مكتظة جدا بالسكان الذين بلغ عددهم نحو 350 مدنيا، والأطفال كانوا يلعبون كرة القدم أمام وخلف هذا المبنى في الشارع؛ فلم تكن هناك أي مدارس تعمل بسبب بدء النزاع.

وكان المدنيون مكتظون في الطابق السفلي بالعمارة لأنهم كانوا يشحنون هواتفهم النقالة، لأن الكهرباء كانت مقطوعة عن جميع المباني في هذا الحي باستثناء تلك العمارة التي كانت بها مولدات الطاقة الشمسية، ثم في حوالي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، وبدون أي سابق إنذار، سقطت 4 قذائف على العمارة الواحدة تلو الأخرى خلال 10 ثواني، ثم انهارت العمارة على كل السكان. توفي على الأقل 106 من المدنيين، منهم 54 طفلا، وبعض هؤلاء الأطفال كانوا يلعبون حينها كرة القدم.

والخلاصة الأساسية هي أننا بحثنا كثيرا لكي نجد ما قد يبرر مثل هذه الضربة الإسرائيلية، وتساءلنا عما إذا كان هناك هدف عسكري أو هل كان هناك مركز قيادي لكتائب القسام سواء في العمارة أو بالقرب منها؟، لكننا في الحقيقة لم نجد أي دليل على الإطلاق لوجود أي هدف عسكري يبرر هذه الضربة، ما يجعلها "جريمة حرب محتملة".

هل تعتقد أن الأدلة التي جمعتها "هيومن رايتس ووتش" ستُعتمد في المحاكم الدولية أم لا؟

نتمنى ذلك. بالطبع نحن لا نتحكم فيما تعتمده المحاكم الدولية، لكننا نعرف أنهم يتتبعون ويرصدون تقاريرنا؛ فعلى سبيل المثال محكمة العدل الدولية في إطار الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية، اعتمدت واستندت على أحد تقاريرنا، وهو التقرير الذي نقر فيه بأن إسرائيل تستعمل التجويع كوسيلة حرب، ما يُشكّل جريمة حرب، وبالتالي فقد اعتمدوا هذا التقرير كما اعتمدوا تقارير أخرى أصدرتها منظمات مختلفة، وهذا كان أحد الأسباب التي دفعت محكمة العدل الدولية لإصدار أوامر وتدابير مؤقتة ضد إسرائيل، ونحن نتمنى أن تعتمد المحاكم الدولية التقارير التي نصدرها من وقت لآخر، ومنها تقرير "عمارة المهندسين"، وعملنا يساهم في تقديم أدلة ووثائق للعدالة الدولية.

والكل كان يعرف أن سلاح التجويع مُستخدما في غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، لكن توثيقه من قِبل منظمة حقوقية دولية جعل محكمة العدل الدولية تعتمده هذا التقرير لكي تصدر أوامر وتدابير بعينها، وإن لم تكن إسرائيل تعبأ أو تهتم بذلك في الوقت الراهن، فستهتم بذلك إما عاجلا أم آجلا؛ لأن القانون الدولي لا ينسى، والرأي العام الدولي لا ينسى، والقضية المرفوعة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية ستصل يوما إلى نتيجة وحكم نهائي، وقد يكون له عواقب وخيمة على تل أبيب.

لماذا تأخر إصدار هذا التقرير رغم أن الجريمة حدثت في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؟

لأن مثل هذه التحقيقات تستغرق وقتا طويلا؛ فقد قمنا بتحريات دقيقة جدا، ووثقنا الشهادات المؤلمة جدا؛ فما بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس 2024 تكلمنا مع 16 شخصا من شهود عيان سواء من الناجين من تلك العمارة أو من الجيران أو الأشخاص الذين تفقدوا الأشلاء البشرية بعد القصف الإسرائيلي، كما قمنا بمعاينة وتحليل العديد من الصور ومقاطع الفيديو، ومنها صور أقمار صناعية، وصور فوتوغرافية اُلتقطت في الميدان، وصور أخرى تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي بعدما تحققنا من صحتها، وقمنا بعمل تحري عميق جدا، وكل هذا يتطلب وقتا طويلا وجهدا كبيرا.

وكان من الممكن أن يأخذ التحقيق وقتا أقل من ذلك لو تمكنا من الوصول المباشر إلى هذا الحي، لكن كما تعرفون إسرائيل أغلقت جميع المنافذ ولا تسمح بعمل المحققين أو الحقوقيين، ولذلك كان علينا العمل عن بُعد، وهناك تقنيات وسبل أخرى يمكن اللجوء إليها في هذا العمل، ولذلك أخذنا الوقت اللازم لكي نحقق جليا في الموضوع، ولكي نصل إلى نتيجة مدعومة بالأدلة الدامغة التي لا يمكن التشكيك فيها.

هل تواصلتم مع إسرائيل قبل إصدار هذا التقرير؟

بكل تأكيد تواصلنا مع إسرائيل، وتحديدا مع الجيش الإسرائيلي، وهذه هي منهجية عملنا؛ فعندما نصدر أي تقرير نتهم فيه أي طرف بارتكاب أي جريمة نتواصل مع الطرف المعني قبل صدور التقرير، ونقول لهم: "ها هي حججنا وأدلتنا، وهذا ما لدينا.. ما جوابكم؟"، لكنهم لم يردوا علينا ولم نتلق منهم أي إجابة إلى يومنا هذا.

لماذا لم تتلقوا أي رد من جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن؟

يجب طرح هذا السؤال على الجيش الإسرائيلي. نحن لا نعرف الجواب.

هل تتوقعون قيام إسرائيل مستقبلا بوقف استهداف المدنيين في غزة؟

نتمنى ذلك، لكننا لا نتوقع ولا نتنبأ ولا نتكهن بما سيحدث مستقبلا؛ فهذا ليس عملنا، نحن نحقق ونضغط لكي نصل إلى نتائج، ونتمنى أن يصل ضغطنا، وضغط كل المنظومة الدولية، إلى نتيجة وهي وقف الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية.

كيف تردون على اتهامات إسرائيل لكم بمحاباة الفلسطينيين وأنكم تتبنون أجندة عدائية واضحة لتل أبيب؟

هذه اتهامات باطلة لا أساس لها. منهجية عملنا واضحة: نحقق في الجرائم المحتملة ثم نشخصها حسب القانون الدولي. واستهداف المدنيين بدون هدف عسكري هو انتهاك صارخ لقانون الحرب، وقد يُشكّل جريمة حرب، ونطبق هذا المبدأ على كل الأطراف، ونحن على سبيل المثال قلنا إن استهداف واختطاف المدنيين الإسرائيليين يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر يُشكّل جريمة حرب، ولو كنّا منحازين لما قلنا ذلك، لكن ما فعلته حماس لا يبرر على الإطلاق ارتكاب جرائم أخرى مضادة من طرف إسرائيل، وإلا فسيكون قانون الغاب سيد الموقف، ونحن لا نؤمن بقانون الغاب، بل بالقانون الدولي الذي هو ركيزتنا الأساسية.

ما خطورة قيام إسرائيل باستخدام سلاح التجويع في حربها على غزة؟

استخدام التجويع كسلاح هو جريمة حرب، وهذا منصوص عليه في قانون الحرب والقوانين الدولية. تطويق المدن أو عزلها من الخارج ودفع كل مَن فيها للاستسلام أو الموت جوعا هي وسيلة قديمة للحروب، لكن بعد الحرب العالمية الثانية اعتمدت المنظومة الدولية قوانين لكي لا تكرر البشاعات والفظاعات التي كانت تُرتكب منذ زمن طويل، ومن ضمن هذه القوانين وُضع قانون لمنع استهداف المدنيين، لأن الحرب يجب أن تكون بين المتحاربين فقط ما دام الطرفين لديهما سلاح، وبالتالي فاستهداف المدنيين هو انتهاك فظيع للقانون الدولي، ناهيك عن استهداف مليوني مدني منهم أطفال ونساء ورضع لمعاقبة جريمة قام بها قلة قليلة من المقاتلين؛ فهذا يُسمى عقاب جماعي وهو جريمة حرب حسب القانون الدولي.

لماذا رفضتم اعتزام واشنطن بإنشاء رصيف بحري في غزة لاستقبال المساعدات رغم أن البعض يرى أنه سيخفف من حدة الجوع في القطاع؟

نحن لم نرفض ذلك، بل قلنا إنه إجراء غير فعّال وغير عملي، وكنّا ضمن 26 منظمة دولية غير حكومية انتقدت هذا القرار ووصفناه بأنه مُكلف ومحفوف بالمخاطر، ونقول لواشنطن وكل مَن يقومون بإرسال المساعدات جوا أو بحرا إنه إذا فعلتم ذلك فهذا يعني ضمنيا أنكم تستسلمون لمنطق إسرائيل الذي يمنع أو يقوض بشدة وصول المساعدات عبر البر.

ووصول المساعدات الإنسانية عبر البر هي أنجع وأسهل طريقة، لأن إسرائيل تسيطر على الموقف عسكريا ولديها كامل القدرة على فتح الحدود، وترك الشاحنات تدخل وتأمين الطرق لمرور الشاحنات، وبالتالي لماذا لا تفعل تل أبيب ذلك؟

ما أبرز العوائق التي تحول دون تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة؟

العوائق كثيرة للأسف؛ فالقصف الإسرائيلي لا زال مستمرا إلى الآن، والعمليات العسكرية البرية تعرقل تحرك حافلات المساعدات الإنسانية، نظرا لافتقار إلى الضمانات الأمنية، وحتى عندما يتركون الشاحنات تدخل إلى غزة فليس هذا ضمانة لعدم قصفها؛ فقد رأينا جميعا قصف إسرائيل بعض الشاحنات التي سمحت سابقا بدخولها.

كما أن الأضرار الواسعة التي لحقت بالطرق والبنية التحتية تحول دون دخول المساعدات الإنسانية القليلة إلى غزة؛ ففي بعض الأحيان يستحيل الوصول إلى مناطق بعينها لأن الطرق هناك تم تدميرها بالكامل، رغم أن سكان تلك المناطق بحاجة ماسة للمساعدات، فضلا عن أن انقطاع الاتصالات يُسبّب مشاكل في هذا الصدد؛ فهذا يؤدي لأزمات بسبب غياب التنسيق بخصوص عملية توزيع المساعدات التي تتطلب تنسيقا بين جهات مختلفة.

وكذلك يجب أن نذكر هنا أن القوات الإسرائيلية هاجمت قوافل المساعدات والعاملين فيها، ورأينا جميعا قبل أيام القصف الإسرائيلي للعاملين في مؤسسة المطبخ المركزي العالمي الخيرية، والذي تحدث عنه العالم بأسره. الجيش الإسرائيلي يطلق النار كذلك على الأشخاص المتجمعين لتلقي المساعدات، وهناك فيديوهات توثق هذه الوضعية المأساوية؛ فكل هذا يجعل من وصول المساعدات إلى مَن يحتاجها أمرا صعبا للغاية.

وإسرائيل استهدفت الكثير من عمال الإغاثة وموظفي المنظمات الإنسانية الدولية، وقتلت ما يقارب 200 عضوا بالأونروا، فضلا عن قتل أكثر من 200 عامل إغاثة منذ بداية هذه الحرب، ناهيك عن مقتل تقريبا 100 صحفيين؛ فكل هذه الحوادث تُضاف إلى بعضها البعض، وترسخ صورة عامة بأن إسرائيل دولة لا تحترم قانون الحرب ولا تحترم النظام الدولي، ونحن نؤكد أنها إن لم تكن تبالي اليوم فستبالي غدا، وسنواصل عملنا بالتوثيق والفضح.

لماذا ترفض العواصم الغربية وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل؟

يجب طرح هذا السؤال على تلك العواصم الغربية وليس علينا. نحن نضغط بشدة لكي يوقفوا مبيعات الأسلحة لإسرائيل.

برأيكم، كيف يمكن ممارسة ضغوط حقيقة على إسرائيل من أجل إيقاف حربها على غزة؟

وقف أو تعليق بيع الأسلحة بالنسبة لنا هو أنجع طريقة للضغط على إسرائيل، لأنه إذا لم يتوفر لهم أسلحة وذخائر سيتوقفون عن الحرب مباشرة، ولذلك نطلب من الحكومات المعنية التي تبيع السلاح لإسرائيل فرض عقوبات موجّهة وتعليق نقل الأسلحة فورا للضغط على تل أبيب لضمان وصول المساعدات الإنسانية، لأن هذه القضية هي الأكثر إلحاحا وأهمية.

ولا يجب البحث عن أي حلول مؤقتة لتلك الأزمة الإنسانية المتفاقمة؛ لأننا نريد حلول دائمة وناجعة وحاسمة لهذه المأساة، والضغوط الخارجية الجادة على إسرائيل لها جدوى ونتائج، وخاصة تلك الضغوط التي تمارسها الدول الحليفة لتل أبيب، والتي ندعوها لتعليق نقل الأسلحة فورا إلى إسرائيل.

كيف تقيم الإجراءات الجارية الآن في المحاكم الدولية من أجل محاسبة إسرائيل؟

محكمة العدل الدولية تقوم بعملها، والبت في تهمة الإبادة الجماعية سيأخذ وقتا طويلا ربما يمتد لسنوات، وهذا طبيعة عمل محكمة العدل الدولية، لكن قبل أن تصدر حكمها النهائي أصدرت ما سمّوه تدابير مؤقتة وأوامر مستعجلة لمحاولة تفادي ارتكاب الإبادة الجماعية، ومن ضمن تلك الأوامر فك الحصار عن غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، لكن إسرائيل لم تطبق ولم تستجب لهذا الأمر أو لغيره من التدابير الأخرى.

وماذا عن المحكمة الجنائية الدولية؟

لقد أكد المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أنهم يحققون الآن في الجرائم الإسرائيلية، ولديهم ولاية على فلسطين وإسرائيل منذ سنة 2021، وهذه الولاية تنطبق كذلك على الحرب الجارية الآن، والسيد خان زار إسرائيل قبل نحو شهرين، وأكد أن ما يقع الآن يقع ضمن اختصاصاتهم وهم يعملون بالفعل على ذلك، لكننا لا نعرف تحديدا كيفية وآليات عملهم، وكم سيستغرق عملهم، ونتمنى أن يصلوا إلى نتائج في أقرب وقت ممكن.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مقابلات هيومن رايتس ووتش إسرائيل غزة إسرائيل امريكا غزة حقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المساعدات الإنسانیة محکمة العدل الدولیة استهداف المدنیین هیومن رایتس ووتش المحاکم الدولیة عمارة المهندسین وصول المساعدات هذا التقریر على إسرائیل تشرین الأول وقتا طویلا ضد إسرائیل هدف عسکری جریمة حرب إلى نتیجة تل أبیب مثل هذه على تل فی غزة

إقرأ أيضاً:

سلام عليك يا غزة فى كل حين

يقول رب العزة فى كتابه العظيم «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله»، والخطاب هنا موجه للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) باعتباره حينئذ قائدا للدولة الإسلامية فى بدء تأسيسها، وواو الجماعة هنا فى الفعل الماضى «جنحوا»، إنما تعود إلى أعداء الإسلام وقتها، والمتمثلين فى يهود بنى قريظة.

والسلم أمر إلهى ورد فى الديانات جميعا، فهكذا تحدث الكتاب المقدس عن السلام «طُوبَى لِصَانِعِى السَّلامِ، فَإِنَّهُمْ سَيُدْعَوْنَ أَبْنَاءَ اللهِ»، «عِيشُوا بِالسَّلاَمِ، وَإِلهُ الْمَحَبَّةِ وَالسَّلاَمِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ».

والسلم فعل إنسانى يلجأ اليه المؤمنون بقيمة الإنسان وقيمة وجوده، أما هؤلاء الذين يتحينون الفرص للقفز على محاولات السلام، من يرفضون أيادى ممتدة إليهم بإيقاف هدير الدماء وبراكين المذابح على الأرض، هم فى الواقع أدعياء حقوق، ومصاصو دماء، وكهنة يتكسبون من جهل جاهل ومصلحة منافق، لا لشيء الا للتوسع الكاذب لدولة قامت كطحلب متطفل فى أرض زلقة، غفا عنها العالم وتكالبوا على اختطافها وتسليمها لمغتصبها.  

ومنذ طوفان غزة الذى انطلق منذ ٧ أكتوبر الماضي، وتلك الإبادة الجماعية لشعب أعزل لم تتوقف حتى تلك اللحظات، رغم عديد المحاولات والوساطات لعقد سلام ولو حتى هدنة مؤقتة، ورغم المظاهرات والاحتجاجات وبيانات الشجب، ومحاولة إيران التكشير عن أنياب وهمية، وأحكام دولية بالإدانة والتجريم، ورغم ورغم... ظل مجرمو الحرب على عهدهم الذى لم يغب عنا منذ نقضهم عهودهم مع الرسول، أى منذ ألف وخمسمائة عام تقريبا،  وحتى عصرنا الحالى.. فماذا ننتظر من حارقى أغصان الزيتون سوى العديد من المحارق والإبادات..

وهنا، فى السطور التالية نستعرض معا بعضا من محاولات الدول ومواقفها وردود أفعال العديد من المؤسسات والقطاعات فى العالم، التى رغم رفضها التام  لمجازر العدو الصهيوني، مازال المجتمع الدولى المسئول يصم الآذان ويعقد اليدين متفرجا لمزيد من حروب الابادة لشعب فلسطين الأبى.

ردود أفعال المثقفين والفنانين:

خرجت العديد من الوقفات والمظاهرات على مستوى الوسطين الثقافى والفنى بمصر والعالم كله منذ بدء طوفان الأقصى فى أكتوبر الماضي، تنديدا بممارسة إسرائيل للإبادة الجماعية ضد شعب غزة، فبدءا بنقابة الصحفيين المصريين ونقابة المهن التمثيلية بمصر، واعلان الكثير من الفنانين المصريين والعالميين تضامنهم مع غزة سواء تصريحا أو باتخاذ موقف عملى برفض إعلانات سلع أمريكية، مما عرض البعض منهم للاضطهاد فى محيط عملهم، بينما ارتفعت أسهمهم جماهيريا.

كما وقع المثقفون والأدباء المصريون والعرب على بيان مشترك انتشر على وسائل التواصل، يدين بشدة ويرفض الحرب على قطاع غزة جملة وتفصيلا.

* الفن التشكيلي:

فى مجتمع يرزح تحت وطأة حرب تشنها آلة عسكرية احتلالية منذ نحو 80 عامًا، واجه المجتمع الفلسطينى بكل أطيافه هذه الاعتداءات والهجمات، كلًا بحسب موقعه ومهنته. لكن حجم العدوان الأخير على قطاع غزة، بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، جعل تساؤلًا قديمًا حديثًا يطفو إلى السطح مجددًا عن مدى أهمية الفن وجدواه فى توثيق الاعتداءات ومساندة القضية الفلسطينية، وقام بعض الفنانين والمثقفين والمبادرات والمؤسسات بإطلاق حواريات فى هذا الشأن، كحوارية «الفن وقت الحرب» على سبيل المثال، والتى نظمها «مرسم 301» فى مدينة بيت لحم.

وقد تم استهداف القطاع الثقافى فى غزة، فقد تعرض المشهد الثقافى فى القطاع إلى اعتداءات كثيرة منها استشهاد خمسة عشر مثقف ومبدع بينهم طفلتان وتدمير خمس دور نشر ومكتبات وستة مراكز ثقافية وتدمير جزئى لأكثر من 146 منزلًا قديمًا إضافة إلى المساجد والكنائس وميناء غزة القديم.

كما دمّر القصف الإسرائيلى الكثيف والمتواصل على قطاع غزة ما يقارب 100 معلم أثرى فى القطاع بعضها عمره يزيد عن 2000 عام، من أصل 325 موقعًا أثريًا فى غزة، من أبرز المواقع الأثرية التى تعرضت للتدمير كانت الكنيسة البيزنطية وكنيسة القديس برفيريوس ثالث أقدم كنيسة فى العالم والمسجد العمرى والمقبرة الرومانية التى يزيد عمرها عن 2000 عام.

مظاهرات:

خرجت مظاهرات ومسيرات فى دول عربية وإسلامية عدة تأييدا للفلسطينيين وللتنديد بالضربات الإسرائيلية على قطاع غزة، فمن مصر والعراق إلى الأردن والبحرين وإيران وقبلها تونس، وأمريكا وألمانيا وهولندا وفرنسا وجنوب إفريقيا والهند وغيرها، رددت شعارات مناهضة لإسرائيل ودول غربية.

* اتهامات وادانات دولية لإسرائيل:

جرائم الحرب خلال الحرب الفلسطينية الإسرائيلية هى اتهامات وجهت لإسرائيل وذلك بسبب ارتكابها لجرائم حرب ضد المدنيين. وقد جاءت هذه الاتهامات من هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، وجماعات وخبراء حقوق الإنسان، بما فى ذلك مقررو الأمم المتحدة. وقد أعطت إدارة بايدن موافقة ضمنية على جرائم الحرب الإسرائيلية. وأشار أنتونى بلينكن إلى أن إدارة بايدن لديها «قدرة عالية على التسامح» مع كل ما يحدث فى غزة.

وفى 25 مارس 2024، قالت فرانشيسكا البانيزى مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضى الفلسطينية، إن هناك أسبابًا منطقية للقول إن اسرائيل ارتكبت العديد من أعمال الإبادة «بحق الفلسطينيين فى غزة، لافتة إلى حصول تطهير عرقى. وفى 5 أبريل 2024 دعا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى محاسبة إسرائيل على احتمال ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى قطاع غزة مطالبًا جميع الدول بعدم تصدير الأسلحة إلى تل أبيب.

قطع وإلغاء العلاقات الدبلوماسية واستدعاء السفراء:

بعد الغارة الجوية الإسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين فى 31 أكتوبر، قطعت بوليفيا جميع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وطالب وزير الرئاسة البوليفى بوقف الهجمات على غزة، وأشار الرئيس التشيلي غابرييل بوريك إلى «العقاب الجماعى الذى تمارسه إسرائيل ضد السكان المدنيين الفلسطينيين»

فيما استدعت تسع دول على الأقل، بما فى ذلك الأردن والبحرين وتركيا وكولومبيا وهندوراس وتشيلي وبليز وجنوب إفريقيا وتشاد سفراءها فى الأسابيع التالية.

إجلاء الرعايا الأجانب

أعلنت عدة دول إجلاء رعاياها من إسرائيل، حيث أعلنت البرازيل عن عملية إنقاذ مواطنيها من إسرائيل وغزة، وكذلك بولندا  والمجر ورومانيا وأستراليا، وفر 300 حاج نيجيرى فى إسرائيل إلى الأردن قبل نقلهم جوًا إلى وطنهم. وأعلنت وزارة الخارجية الإيطالية عن عودة نحو 200 من مواطنيها من إسرائيل فى طائرتين عسكريتين. وفى 12 أكتوبر، نظمت المملكة المتحدة رحلات جوية لإجلاء مواطنيها فى إسرائيل، كما أجلت نيبال ما لا يقل عن 254 من مواطنيها الذين كانوا يدرسون فى إسرائيل. وأطلقت الهند عملية لإجلاء مواطنيها من إسرائيل. وكذلك فعلت سلطات أوكرانيا  وأعلنت تايلاند، أن الحكومة تسعى لإجلاء آلاف التايلانديين، وعاد أكثر من 7000 من حوالى 30000 تايلاندى يعملون فى إسرائيل إلى تايلاند.

**المحكمة الدولية

فى 26 أبريل 2024 قالت القناة «12» الإسرائيلية إن المسؤولين الإسرائيليين يخشون أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء نتنياهو ومسؤولين آخرين بسبب الحرب على غزة. لكن نتنياهو رد فى تغريدة على منصة إكس: «لن تقبل إسرائيل أبدا تحت قيادتى أى محاولة من جانب الجنائية الدولية لتقويض حقها الأصيل فى الدفاع عن النفس.

وهدد أعضاء فى الكونجرس الأميركى من الحزبين الجمهورى والديمقراطي، المحكمة الجنائية الدولية، بـ»انتقام»، حال صدور أى مذكرات توقيف بحق كبار المسؤولين فى إسرائيل. وردا على ذلك اتهمت روسيا، الولايات المتحدة بالنفاق لمعارضتها تحقيقًا تجريه الجنائية الدولية بشأن جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل، لكنها فى الوقت نفسه دعمت قرار المحكمة بإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسى بوتين.

موقف رؤساء الدول مما يحدث

انتقد العديد من رؤساء الدول جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، حيث أدان الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى والملك عبد الله الثانى ملك الأردن العقاب الجماعى على غزة، وانتقد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الدول الغربية لتواطؤها مع ارتكاب إسرائيل جرائم حرب.  ووصف الرئيس الكولومبى جوستافو بيترو الحملة الإسرائيلية بأنها إبادة جماعية. . طالب الرئيس الأيرلندى مايكل د. هيغنز بالتحقيق فى انفجار المستشفى الأهلى العربى باعتباره جريمة حرب. وأدان الرئيس التشيلى غابرييل بوريتش «العقاب الجماعي» الذى تمارسه إسرائيل على السكان المدنيين فى غزة، وكذلك رئيس جنوب أفريقيا وأدان سيريل رامافوسا العقاب الجماعى لغزة. وصرح الرئيس البرازيلى لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، «إنها ليست حرب، إنها إبادة جماعية».

 ودعت نائبة رئيس الوزراء البلجيكى بيترا دى سوتر إلى فرض عقوبات على إسرائيل وفرض حظر من الاتحاد الأوروبى على الدول المسؤولة عن جرائم الحرب. وصرح رئيس الوزراء النرويجى جوناس جار ستور بأن تصرفات إسرائيل تنتهك قوانين الحرب الدولية. ووصف رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز التصرفات الإسرائيلية فى غزة بأنها «قتل عشوائي» وذكر أن لديه «شكوك جدية» فى أن إسرائيل تتبع القانون الدولى. ووصف الرئيس الفلسطينى محمود عباس تصرفات إسرائيل فى غزة بأنها إبادة جماعية. وصرح رئيس الوزراء الأيرلندى ليو فارادكار أن إسرائيل ترتكب عقابًا جماعيًا. كما دعا رئيس الوزراء القطرى محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثانى إلى إجراء تحقيق دولى فى جرائم الحرب الإسرائيلية. 

وفى 12 ديسمبر، وصف جو بايدن الهجمات الإسرائيلية بأنها «عشوائية».

المنظمات الإنسانية

فى 6 ديسمبر، ذكرت منظمة أوكسفام أن المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص حلفاء إسرائيل، «متواطئون فى القتل الجماعى والتهجير القسرى والمجاعة والحرمان الذى تعرض له أكثر من مليونى شخص». الاتحاد الدولى لحقوق الإنسان وذكرت الحقوق أن تصرفات إسرائيل فى غزة تشكل إبادة جماعية ودعت إلى اعتقال مسؤولى الحكومة الإسرائيلية. وكتبت مجموعة مكونة من 31 منظمة فلسطينية لحقوق الإنسان، بقيادة مؤسسة الحق، إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تفيد بأن وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة تنتهك القانون الدولى من خلال مساعدة أهداف الحرب الإسرائيلية. وذكر المجلس النرويجى للاجئين أن أى دفع لسكان غزة إلى مصر سيكون بمثابة جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.  وأصدرت حركة عدم الانحياز، وهى هيئة مكونة من 120 دولة، بيانا وصفت فيه حرب إسرائيل على غزة بأنها «غير قانونية».

فى فبراير 2024، حذرت منظمة العفو الدولية من أن الدول التى تسلح إسرائيل تخاطر بانتهاك القانون الدولي، قائلة: «من خلال توفير الأسلحة لإسرائيل، تنتهك دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة مسؤوليتها فى منع الإبادة الجماعية وتساهم فى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية».

الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية

وفى 16 نوفمبر، أفاد خبراء الأمم المتحدة أن «الانتهاكات الجسيمة» التى ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فى غزة «تشير إلى إبادة جماعية فى طور الإعداد» ودعوا المجتمع الدولى إلى منع هذه الإبادة الجماعية المتكشفة. وأعربت المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن قلقها إزاء التقارير التى تتحدث عن «الاعتقالات الجماعية وسوء المعاملة والاختفاء القسرى لآلاف الفلسطينيين المحتملين» فى شمال غزة. 

وفى 9 نوفمبر، رفعت ثلاث جماعات حقوقية فلسطينية دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية. اتهمت هذه الجماعات إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، والفصل العنصري، والإبادة الجماعية، ودعت المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار أوامر اعتقال بحق كبار المسؤولين الإسرائيليين. وفى 10 نوفمبر، أعلن الرئيس غوستافو بيترو أن كولومبيا تشارك فى رعاية دعوى جزائرية أمام المحكمة الجنائية الدولية تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب.

جنوب أفريقيا:

وفى 16 نوفمبر، صرح رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا بأن جنوب أفريقيا أحالت إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.  فى 17 نوفمبر، ذكر كريم أحمد خان أن المحكمة الجنائية الدولية تلقت طلبًا مشتركًا من جنوب أفريقيا وبنغلاديش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتى للتحقيق فى جرائم الحرب الإسرائيلية المزعومة، وأصدرت المحكمة الدولية قرارها بإدانة إسرائيل، وكذلك فعل مجلس الأمن، ووقفت أمريكا ضد قرار الهدنة الذى أصدره مجلس الأمن، باستخدام حق الفيتو،

وليس خفيا، أن أقامت جنوب أفريقيا إجراءات أمام محكمة العدل الدولية عملا باتفاقية الإبادة الجماعية، التى وقعت عليها كل من إسرائيل وجنوب أفريقيا، متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الفلسطينيين فى غزة، فضلا عن طلبات العديد من المنظمات الحقوقية الدولية وإدانتها أفعال إسرائيل فى غزة.

هكذا مازالت ردود الفعل الرافضة ومحاولات التقريب بين الأطراف مستمرة، لعقد هدنة أو مفاوضات سلام تحقن من خلالها بحور دماء الأبرياء، ومازال الصلف الصهيونى مستمرًا.

مقالات مشابهة

  • متظاهرون إسرائيليون يغلقون طرق رئيسية في تل أبيب للضغط على حكومة نتنياهو
  • مؤتمر "ضباط الاتصال" يحظر شركات داعمة لإسرائيل ويحث الفيفا على منع فريق الاحتلال من الألعاب
  • وزير التعليم العالي: نعمل على ربط البرامج الدولية بسوق العمل (فيديو)
  • عمرو خليل: خسائر متواصلة لإسرائيل في غزة.. وارتباك بسبب نقص الجنود
  •  إسرائيل تعلن إحباط تهريب أسلحة من الأردن إلى الضفة الغربية
  • إسرائيل تحبط عملية تهريب أسلحة من الأردن للضفة الغربية
  • رايتس ووتش تطالب بتعويض ضحايا الانتهاكات الفلسطينيين والإسرائيليين
  • إسرائيل تعلن إحباط تهريب أسلحة من الأردن إلى الضفة الغربية
  • إسرائيل تنفق 1.1 مليار دولار على الأسلحة النووية في 2023
  • سلام عليك يا غزة فى كل حين