تجمعت أعداد غفيرة من المواطنين في ساحات نيامي، عاصمة النيجر، أمس السبت 13 أبريل/نيسان الجاري، في مظاهرة حاشدة، بمشاركة جنود من الجيش لأول مرة بشكل علني، دعما لقرار الحكومة الجديد بإنهاء الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة، وطالبوا برحيل القوات الأميركية، دعما للسياسة الخارجية الجديدة لحكومتهم.

وتأتي المظاهرة بعد انسحاب القوات الفرنسية العام الماضي، ومع وصول المعدات والمدربين العسكريين الروس مؤخرا في العاشر من أبريل/نيسان الجاري، في سياق توجه النيجر نحو تعميق علاقاتها مع روسيا، وسط تقلبات جيوسياسية متسارعة في المنطقة.

مظاهرات شعبية حاشدة في نيامي للمطالبة بإخراج القوات الأميركية من النيجر (الأناضول) الخلفية التاريخية والجيوسياسية

خلال العقد الماضي، شهدت العلاقات النيجرية-الأميركية تطورا ملحوظا، خاصة في مجال الأمن الإقليمي. فقد تم توقيع اتفاقية عسكرية بين البلدين في يوليو/تموز 2012، حيث أُسست قاعدة جوية في أغاديس بتكلفة 100 مليون دولار، وافتتحت في 2016 تحت اسم "قاعدة النيجر الجوية 201".

هذه القاعدة، إلى جانب "القاعدة الجوية 101" في نيامي، كانت تساعد في دعم العمليات الاستخباراتية ومراقبة الجماعات المسلحة.

توترت العلاقات عقب الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2023 الذي أزاح الرئيس محمد بازوم، فقد أدانت الولايات المتحدة الانقلاب، ووجدت نفسها في مأزق بين الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية ودعم عودة الديمقراطية.

وتعقد الوضع أكثر في مارس/آذار 2024 عندما ألغت حكومة النيجر الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة، بعدما حذرت الأخيرة النيجر -بلهجة تهديدية- عن تقاربها مع كل من روسيا وإيران.

وبررت النيجر إلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، عدا التعالي الأميركي، بأن وجود القوات الأميركية على أرضها يخرق الأعراف الدستورية، والتي تستلزم موافقة الشعب عبر ممثليه المنتخبين لاستضافة قوات أجنبية.

كما أن الاتفاقية، التي تم فرضها من جانب واحد وشفويا من قبل الولايات المتحدة، لم تفرض أي التزامات على القوات الأميركية لدعم النيجر في مكافحة الإرهاب، بل تركت هذا الدعم لتقديرها الخاص، مما أدى في بعض الأحيان إلى ترك النيجر تواجه التهديدات الإرهابية بمفردها.

وأشارت النيجر إلى الأعباء المالية الكبيرة التي فرضتها الاتفاقية، بما في ذلك تحمل تكاليف ضريبية على الطائرات العسكرية الأميركية التي كان ينبغي أن تتحملها الولايات المتحدة. وفي الثالث من أبريل/نيسان الجاري، خرج آلاف النيجريين إلى الشوارع مطالبين بمغادرة القوات الأميركية، وذلك بعد 3 أيام من وصول مدربين عسكريين روس إلى البلاد.

تمثل النيجر ركيزة أساسية للإستراتيجية الأميركية في منطقة الساحل، كما أكد ذلك الجنرال لانغلي، قائد أفريكوم، في جلسة استماع بالكونغرس هذا العام، أن إغلاق القاعدة الأميركية في النيجر سيؤدي إلى "فقدان القدرة على المراقبة والتحسس بالأخطار مسبقا، مما يؤثر بشكل مباشر على حماية الأراضي الأميركية".

دعم شعبي قوي لإنهاء الاتفاقية العسكرية بين نيامي وواشنطن (رويترز) دوافع وأهداف النيجر

يقول سيدو عبد الله، مُنسق تحالف “إم 63″ الذي قاد الاحتجاجات التي أدت إلى طرد الفرنسيين، ويقود التظاهرات لمغادرة الولايات المتحدة، إن تعزيز النيجر لعلاقاتها مع روسيا "ينطلق من إدراك حاجتها الملحة لشريك يقدم دعما فعالا ومتبادل المنفعة، خاصة في ظل تجاربها مع شروط غربية غالبا ما كانت مجحفة".

ويؤكد عبد الله في حديثه للجزيرة نت أن "هذه الشراكة تستهدف تعزيز الأمن القومي للنيجر، استقلاليتها في مجال الطاقة، وكفاءتها في مكافحة الإرهاب. وهي الشراكة التي بدأت تأخذ بُعدها العملي مع وصول طائرة "إيليوشين-76″ الروسية إلى نيامي في العاشر من أبريل/نيسان الجاري، محملة بمعدات عسكرية متطورة وخبراء دفاع، وهو ما يمثل دفعة قوية لتسليح النيجر في الدفاع والأمن لمكافحة آفة الإرهاب، بما في ذلك تركيب نظام دفاع جوي يعزز من قدراتها الدفاعية".

على صعيد الطاقة، يضيف عبد الله أنّ الشراكة مع روسيا والعروض قد تقدمها النيجر لشركة "روساتوم" تمثل حجر الزاوية لتطوير قدرات النيجر في مجال الطاقة النووية، مستفيدة من ثرواتها الضخمة من اليورانيوم.

ويوضح عبد الله أن "هذا التعاون لا يعزز فقط الاستغلال الاقتصادي لليورانيوم بشروط أكثر فائدة مما كانت تقدمها فرنسا، بل يسهم أيضا في حل أزمة انقطاع الكهرباء المزمنة التي تعاني منها البلاد، حيث يعيش 94% من الشعب بلا كهرباء".

وصول قوات ومعدات روسية إلى النيجر بداية تحالف جديد باتجاه الشرق (رويترز) الدور الروسي والمقابل

في تطور ملموس، بعد وصول طائرة "إيليوشين-76" النيجر تماشيا مع نشر الفيلق الأفريقي الروسي الذي سيتم نشره في 5 دول، بما في ذلك النيجر. أكّد المدربون الروس الذين وصلوا إلى النيجر على دورهم في تدريب الجيش النيجري وتطوير التعاون العسكري بين البلدين.

ويرى البروفيسور جان بول بوغالا، الخبير الاقتصادي والمعلق المتخصص في القضايا أن روسيا تتطلع للاستفادة إستراتيجيا وماديا من تعزيز العلاقات مع النيجر، بتحقيق مكاسب مادية في صفقات تجارية، خصوصا في مجال استخراج اليورانيوم عبر شركاتها، وضمان الأفضلية في التنقيب عن المناجم.

أما المكسب الإستراتيجي، في نظر بوغالا فيُعد ذا فائدة حيث يجري بحث إنشاء ممر بحري يسهل التجارة بين روسيا والصين من جهة ودول الساحل من جهة أخرى، عبر الموانئ الليبية باستخدام ميناءي بنغازي وطبرق كموانئ رئيسية للنيجر، مما يقلص زمن الشحن بـ15 يوما بتجنب الإبحار حول القارة عبر رأس الرجاء الصالح.

ويعتقد بوغالا في حديثه للجزيرة نت أن "هذا المشروع، الممول جزئيا من الصين، يشمل بناء طريق سريع وخط سكة حديد يربط ليبيا بمالي عبر بوركينا فاسو والنيجر، مما سيعزز الاستقلال الاقتصادي لهذه الدول، ويقلل من اعتمادهم على الموانئ التي تتبع لدول مجموعة إيكواس الموالية للغرب". وهو ما يخدم المصالح الروسية الإستراتيجية أكثر من المكاسب المادية، من خلال تعزيز نفوذها كقوة جيوسياسية على كريدور من حلفائها في المنطقة.

التحديات والانتقادات

تجدر الإشارة إلى أن الخطة التي تطرحها الكتلة الروسية-الصينية، مع أنها تحمل في طياتها فرصا مغرية، فإنها تواجه تحديات واقعية، لا يمكن تجاهلها، مثل غياب الاستقرار في ليبيا وعدم وجود إجماع على قيادة الحليف الروسي خليفة حفتر، بالإضافة إلى مخاطر الحرب والإرهاب التي قد تؤثر سلبا على أي مشاريع بنية تحتية.

وعلى الصعيد الآخر، يُعبر بعض النخب السياسية والمثقفة وقطاعات المعارضة عن مخاوف جدية من أن المجلس العسكري قد يستغل الرغبة الشعبية في استعادة السيادة، باستبدال الحليف الغربي -الذي ينادي بمرحلة انتقالية قصيرة وعودة الديمقراطية- بحليف روسي لا يهتم بتلك المطالب، مما قد يقوض السيادة الوطنية أيضا. يتساءلون عن الجدوى من استبدال "قفص" بـ"قفص آخر"، مشيرين إلى التحديات التي تواجه الاستقلال الحقيقي للنيجر.

بهذا الخصوص، يؤكد عبد الله مرة أخرى، أنّ النيجريين حريصون جدا على استقلالهم، ولا يرغبون في أن تتحول المساعدة الدفاعية الروسية المرحب بها إلى وجود عسكري دائم في النيجر.

ويضيف "يجب ألا نرى قواعد عسكرية أجنبية روسية في البلاد"، مشيرا إلى أن التعاون الأمني مقبول، كما هو الحال مع القوات الإيطالية الصغيرة الموجودة، لكن الثقافة النيجرية ترفض وجود قواعد أجنبية.

خارطة خريطة النيجر-أرليت (الجزيرة) توظيف صراع القوى

بحسب البروفيسور بوغالا أظهرت النيجر براعة إستراتيجية بإبعاد الولايات المتحدة عن الصراع مع فرنسا، ثم استغلت الوجود الروسي لدفع أميركا للمغادرة. هذه الخطوة تعكس دهاء الدول الصغيرة في توظيف التوازنات الدولية لصالحها.

كما أن فقدان الولايات المتحدة نفوذها في الساحل، وهو أمر وارد الاحتمال بعد مظاهرات السبت، قد يكون نتيجة لضغوطها على النيجر لاختيار جانب في الصراع الجيوسياسي مع روسيا.

ويرى بوغالا أن فقدان القواعد العسكرية الأميركية في النيجر ليست الخسارة الوحيدة المحتملة. فعلى سبيل المثال، بعد الانسحاب الفرنسي وإغلاق قواعدهم العسكرية، تمكنت شركة التعدين الأميركية "غلوبال أتوميك" من توسيع نطاق عملياتها في قطاع تعدين اليورانيوم بالنيجر، الذي كان سابقا تحت هيمنة شركة "أورانو" الفرنسية، وبعد الانسحاب الأميركي المحتمل قد تمنح امتيازات التنقيب لروسيا.

من ناحية أخرى، قد يُنظر إلى انسحاب القوات الأميركية المحتمل من النيجر كانتصار مؤقت لروسيا، لكن تنافس القوى في غرب أفريقيا ما زال في بداياته.

لذلك يرى المراقبون أنه ينبغي على الأطراف المعنية تجنب الاحتفال المفرط، لأن التحديات الأصعب في هذه الحرب الهجينة الجديدة لم تبدأ بعد. ومع ظهور الكتلة الصينية-الروسية كلاعب قوي حاليا، تظل أفريقيا، للأسف، ساحة لتجارب الصراع الدولي الجديد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الولایات المتحدة القوات الأمیرکیة عبد الله مع روسیا فی مجال

إقرأ أيضاً:

دبلوماسي بريطاني يُجبر على مغادرة موسكو.. هل تورط فعلاً في أنشطة تجسس تهدد أمن روسيا؟

أعلنت هيئة الأمن الفيدرالية الروسية يوم الثلاثاء عن طرد دبلوماسي بريطاني بتهمة القيام بـ"أنشطة استخباراتية وتخريبية" داخل روسيا.

اعلان

ووجهت الهيئة اتهامات لإدوارد برايورويلكس، السكرتير الثاني في القسم السياسي بالسفارة البريطانية في موسكو، بتقديم معلومات كاذبة في طلب دخوله إلى روسيا.

وأوضح البيان أن برايور جاء ليحل محل أحد الدبلوماسيين الستة الذين طُردوا من روسيا في أغسطس الماضي بسبب اتهامات مشابهة بالتجسس. وأكدت الهيئة أن تصرفات الدبلوماسي البريطاني تحمل "مؤشرات واضحة على أنشطة استخباراتية وتخريبية تهدد أمن روسيا الاتحادية".

طرد الدبلوماسي البريطاني من روسيا بتهمة التجسس

تم إلغاء اعتماد برايور وإخطاره بمغادرة روسيا في غضون أسبوعين. ولم تصدر السلطات البريطانية أي تعليق رسمي على هذه الاتهامات.

الدوبلوماسي البريطاني المتهم بالتجسس في روسيا

وفي تطور آخر، استدعت وزارة الخارجية الروسية السفير البريطاني نايجل كايسي، وفق ما أعلنته المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا، لمناقشة قضية طرد الدبلوماسي البريطاني.

Relatedالإمارات وإسرائيل توسعان قواعد تجسس في جزيرة سقطرى اليمنيةروسيا تطرد 6 دبلوماسيين بريطانيين بتهمة التجسس والأنشطة التخريبيةبينهم مغاربة.. الجزائر تعلن توقيف سبعة أشخاص بتهمة التجسس

ويأتي هذا في سياق توتر متزايد بين موسكو ولندن، حيث أعلنت روسيا اعتقال مواطن بريطاني آخر قبض عليه وهو يقاتل لصالح أوكرانيا.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية طالب نرويجي خلف القضبان بتهمة التجسس على أمريكا لصالح روسيا وإيران الكشف عن أخطر شبكة تجسس إيرانية في إسرائيل فضيحة تجسس تهز ألمانيا: موظفة في أحد المطارات تسرب للمخابرات الصينية أسرارا دفاعية روسياالحرب في أوكرانيا بريطانياتجسساعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. معاناة قطاع غزة تتفاقم ومن دون سابق انذار وقبل ساعات من وقف إطلاق النار إسرائيل تستهدف العاصمة بيروت يعرض الآن Next معجزة علمية: أمومة متأخرة.. امرأة ستينية تضع مولودها الأول في سن الـ61 عاما بعد محاولات كثيرة يائسة يعرض الآن Next مظاهرة في إيطاليا.. تطالب مجموعة الدول السبع G7 بالعمل على وقف إراقة الدماء في غزة ولبنان وأوكرانيا يعرض الآن Next حزب الله دمّر 8 آلاف منزل في شمال إسرائيل.. ورئيس بلدية كريات شمونة يتوقع موجة هجرة جديدة بعد الحرب يعرض الآن Next احتجاجات أنصار عمران خان: مقتل ستة أشخاص وسط مواجهات عنيفة مع الشرطة في إسلام آباد اعلانالاكثر قراءة قتلى وجرحى في غزة ولبنان.. وصافرات الإنذار تدوي في إسرائيل.. وحديث عن اتفاق وشيك لوقف إطلاق النار ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام الإسرائيلي تسفي كوغان اليابان ترفع السن القانوني لممارسة الجنس من 13 إلى 16 عاما حب وجنس في فيلم" لوف" غالانت يستعد للسفر إلى واشنطن.. لكن ماذا لو أجبرته الظروف على الهبوط في دولة عضو بالجنائية الدولية؟ اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومكوب 29الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قطاع غزةروسيادونالد ترامبضحاياالحرب في أوكرانيا حزب اللهلبنانحركة حماسالمملكة المتحدةإسرائيلالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • دبلوماسي بريطاني يُجبر على مغادرة موسكو.. هل تورط فعلاً في أنشطة تجسس تهدد أمن روسيا؟
  • روسيا تُقصف بالصواريخ الأميركية وبوتين يهدّد بالنووي... هل يسير العالم فعلاً إلى الحرب العالمية الثالثة؟
  • السفيرة الأميركية في العراق: هل تسعى واشنطن حقًا لخفض التصعيد؟
  • من سيملأ الفراغ شمال شرقي سوريا في حال انسحبت القوات الأمريكية؟
  • الولايات المتحدة: حددنا الأهداف التي يمكن لأوكرانيا ضربها بصواريخ أتاكمز
  • واشنطن: الولايات المتحدة تضغط بكل ما بوسعها للتوصل لحل في لبنان
  • بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة “ملعونة” إلى البرازيل (صور)
  • لهذا السبب.. الولايات المتحدة تعيد زمردة "ملعونة" إلى البرازيل
  • “آسيا تايمز”: الولايات المتحدة و”إسرائيل” تفشلان في إيقاف هجمات أنصار الله اليمنية 
  • موسكو تتهم واشنطن باستخدم تايوان لإثارة أزمة في آسيا