عام على القتال.. ما السيناريوهات المحتملة لمسار الحرب بالسودان
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
يدخل السودان عامه الثاني منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع بلا بارقة أمل لإنهاء الحرب التي تهدد وحدته ونسيجه الاجتماعي، وصار نحو ربع عدد مواطنيه بين نازح ولاجئ.
ومع غياب أي حل للأزمة وعدم قدرة أي طرف على حسم المعركة عسكريا واتساع نطاق المواجهات العسكرية، يعتقد خبراء ومراقبون أن البلاد أمام سيناريوهات قاتمة.
فإلى أين تتجه الحرب في السودان وما تداعياتها، وهل صار العامل الخارجي الأكثر تأثيرا على مسارها، وهل تسبب الانقسام الداخلي في تأجيجها، وما سيناريوهات مستقبل هذه الأزمة. الجزيرة نت طرحت 11 سؤالا على 3 من المفكرين والخبراء السودانيين.
يرى المفكر السوداني محمد محجوب هارون أنه مع استمرار استنزاف الحرب للمقدرات البشرية والماديّة للدولة والمجتمع، فإن الأداء العسكري للجيش الوطني والقوى الأهلية المساندة له التي تقاتل إلى جانبه يتحسّن في مقابل تراجع أداء الدعم السريع والجماعات الأهلية المتحالفة معه، خاصة فيما يلي العمل العسكري المنظّم تحت قيادة موحّدة.
وفيما يعتقد أن فُرص الجيش الوطني في السيطرة على نطاق واسع من العاصمة هي الأكبر، لكنه يرى أن تحقيق سيطرة واسعة للجيش على أقاليم السودان، لا سيما غربي البلاد، لن يكون في أمد قصير، حسب هارون.
ما تأثير العوامل الخارجية على مسار الحرب؟من ناحية العوامل الخارجية، إقليميا ودوليا، يعتقد هارون أن الأساس الذي ينبغي الانطلاق منه هو أن الموقف الخارجي يتنازعه عاملان متكافئان إلى حد كبير، أولهما تزايد الحرج من الانتهاكات الواسعة التي يرتكبها متمردو الدعم السريع، على نحو خاص، على حد وصفه.
والثاني يرتبط بمخاوف قوى في الإقليم، وفي الساحة الدولية الأوسع من تأثّر الأمن الإقليمي والدولي (البحر الأحمر كممر مائي شديد الأهمية، والهجرة عبر المتوسط، وأن ترشح الفوضى في السودان في دول جواره) بحرب سودانية بلا نهاية في الأُفق.
لكن هامشية السودان وتراجع أهميته في أولويات السياسة الخارجية لهذه القوى، كما يقول هارون، عاملان يقللان من احتمال ارتقاء الدور الإقليمي والدولي إلى مستوى الانخراط الإيجابي المطلوب.
هل العامل الخارجي أكثر تأثيرا من الداخلي على الأوضاع بالسودان؟ ولماذا تراجع دور القوى السياسية والمدنية؟
بحسب هارون، لن يكون العامل الخارجي، بأيّ حال، أكثر تأثيرا من العامل الداخلي. ويقول "أنظر مثلا حالة المقاومة الفلسطينية في حرب طوفان الأقصى الجارية. سيبقى العامل الخارجي مؤثّرا ومهما، لكن الذي على الأرض هو الذي يمثل الأهمية الكبرى، ويمتلك القدرة الأفضل على التأثير. والقوى السياسية والمدنية السودانية تعيش أحوال وهن معروفة أسبابها، وهي بذلك ليست القوى الرئيسية في المشهد الوطني بالداخل. القوى الرئيسية، في حالتنا الراهنة، هي القوى التي تقاتل، نظامية وأهلية".
ووفق هارون، يتراجع دور القوى السياسية والمدنية لأسباب ذاتية منها افتقارها للقدرة على التطوير الذاتي والمواكبة، ولتأثرها بسنوات الحكم العسكري-الإنقاذي الطويلة، وبسبب تشظيها، ولنشوء حركات الاحتجاج المسلح في أطراف البلاد، وعدم توفر الاستقرار المطلوب لتوفير البيئة المواتية لنشوء مجتمع مدني قوي، فضلا عن تضعضُع الدولة السودانية، مما ينعكس سلبا على مجمل الأوضاع.
بالطبع لن تحسم الحرب، شأن أي حرب، عسكريا، فحسب هارون من الطبيعي أن تكون نقطة رجحان ميزان القوة العسكرية لصالح الجيش الوطني هي اللحظة المطلوبة للبناء على أولوية الحل السياسي عبر تفاوض يمكن السودانيين والسودانيات من استرداد دولتهم المهددة، وتعزيز وحدة بلادهم بتفاهمات تبنى على الاتفاق على ماهية الأسباب الجذرية التي أنشأت الحرب، وبتوافق على ماهية المصلحة العمومية الوطنية التي تؤسس لفكرة المواطنة التي يجتمع تحت مظلتها الجميع.
ما السيناريوهات المحتملة لنهاية الأزمة السودانية؟ التوصل لاتفاق سياسي عبر تفاوض طويل وصعب يمكن أن يساعد في حدوثه اتفاق إقليمي ودولي ينطلق من أهمية المحافظة على كيان الدولة ووحدة السودان واستقرار البلاد. الخضوع لأمر واقع، بسبب بلوغ حالة الإنهاك من الحرب، وهذا ملمحه الرئيس سيادة حالة لا دولة. أو فرض حل من الخارج، بسبب عجز الداخل عن بلوغ الاستقرار كما يعتقد المفكر السوداني محمد محجوب هارون. بعد عام من الحرب ثمة مؤشرات على بروز شروخ في البنية الاجتماعية.. فكيف يمكن معالجتها؟يوافق الدكتور منزول عسل، أستاذ الأنثروبولوجيا والمدير العام السابق لمركز دراسات السلام بجامعة الخرطوم، على أن الحرب الحالية عمّقت شروخا اجتماعية ظهرت من حرب دارفور التي انفجرت في عام 2003، ويعكس الخطاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحوّل هذه الشروخ إلى انقسام اجتماعي، واعتبرها خطيرة وينبغي عدم التقليل من أثرها.
كما يجب عدم التقليل، بحسب عسل، من شأن الحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع، لأنها موجودة وفاعلة. ويرى أن المطلوب التفكير في تخطي الأزمة الاجتماعية، وأول خطوة لمعالجة ذلك إسكات البنادق ثم بناء الثقة.
تطالب كتل سياسية ومدنية بإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية، فهل هناك حاجة لإصلاح سياسي لضمان الاستقرار في البلاد؟يقر مدير مركز دراسات السلام السابق أن الأحزاب تعاني من مشكلات، وتوجد ضرورة للإصلاح السياسي، لكن لا يمكن أن يحدث قبل تحقيق استقرار أمني، ولن يتحقق ذلك قبل إصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية، لأنها ولغت في السياسة منذ استقلال البلاد.
#البرهان: لن يكون هناك مكان لكل من وقف ضد الشعب السوداني في مستقبل الدولة السودانية#الجزيرة_مباشر #السودان pic.twitter.com/zkTomt9oQh
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) April 10, 2024
كيف يبدو مستقبل السودان في ظل الأوضاع التي يعيشها؟مستقبل السودان مظلم جدا، ولا مؤشرات على أن الحرب ستتوقف قريبا، وكلما استمرت تعقدت الأزمة وزادت الدماء والقتل والدمار، ولا يوجد مبرر للمواقف المتشددة لقيادة الجيش، ولا تقاطع بين مواصلة القتال والانخراط في مفاوضات لإنهاء الحرب، وكل تجارب السودان انتهت حروبها بتسويات، حسب المدير العام السابق لمركز دراسات السلام بجامعة الخرطوم.
هل أسهم الاستقطاب والانقسام السياسي في تأجيج الأزمة السودانية؟يرى السياسي السوداني الدكتور الواثق كمير أن الاستقطاب والانقسام السياسي لم يسهم في تأجيج الأزمة فسحب، بل له السهم الأكبر في إفشال الفترة الانتقالية، وتوفير البيئة لتعقيد الأزمة، وانقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، واندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023.
وقد حققت فترتا الانتقال بعد ثورتي أكتوبر/تشرين الأول 1964 وأبريل/نيسان 1985 مبتغاهما ونهايتهما الموضوعية بإجراء الانتخابات بغض النظر عن الفشل اللاحق بالعجز عن استدامة التحول الديمقراطي لبضع سنوات. ولولا تماسك القوى السياسية الرئيسية في تلك المرحلة ومحافظتها على وحدتها التنظيمية وتماسكها ووحدة الهدف، ووحدة القوى المدنية المتمثلة في التنظيمات المهنية المنتخبة، لما تحقق ذلك.
أما التجربة الأخيرة بعد ثورة ديسمبر/كانون الأول 2019، فلم يستطع تحالف قوى الحرية والتغيير التماسك والمحافظة على وحدته، ووقعت انقسامات في صفوفه، ودخل في صراع مع المكون العسكري الذي انقسم هو الآخر، مما أدى إلى وقوع الحرب الحالية بين الجيش والدعم السريع، كما يقول كمير للجزيرة نت.
هل يؤدي استمرار المواجهات العسكرية إلى فتح الباب أمام حرب أهلية او تمزق البلاد وظهور أمراء حرب؟
يعتقد الواثق كمير أن أي حرب إذا طال أمدها سيكون لها عواقب وخيمة ونتائج كارثية. ورغم أن الحرب الحالية تبدو بين طرفين، فإنها أحدثت انقساما سياسيا واجتماعيا واضحا بحكم استنصار "مليشيا الدعم السريع" بحواضن اجتماعية، وادعاء بعض قيادتها بأن قتالهم ضد مؤسسي دولة 1956 "تاريخ استقلال السودان"، وكأنهم يتهمون السودانيين في وسط البلاد وشمالها الذين بدت لديهم روح عدائية لا تفرق بين الدعم السريع وقيادته وحواضنه الاجتماعية، وامتدت لتشمل دارفور والسودان.
ما السيناريوهات المتوقعة في العام الثاني للحرب؟يقول الواثق كمير إن واقع الصراعات السياسية الحادة والنزاعات المسلحة في السودان، حتى قبل الاستقلال، يدفع إلى التوجس من المستقبل. وزادت المخاوف الحالية من قيادة الوطن نحو التمزق والحرب الأهلية، خصوصا مع الاعتقاد أن تسليح المقاومة الشعبية سيصب مزيدا من الزيت على النار وتفجير الاقتتال الأهلي.
وبحسب كمير، فإن الأوضاع الراهنة وتعقيداتها تجعل المستقبل مفتوحا على كافة الاحتمالات. ولكن تمدد الحرب وتوسع رقعتها وتعدد أطرافها، ودخول المقاومة الشعبية المسلحة، يمكن أن يقود إلى حرب أهلية. ويرى أن سيناريوهات المستقبل رهينة بمسار الحرب وموازين القوة العسكرية وكيفية وقف الحرب والرؤية السياسية لإنهائها.
ومن السيناريوهات توقف الحرب بمفاوضات تنتهي باتفاق بين الجيش والدعم السريع على تشكيل جيش وطني موحد القيادة والعقيدة القتالية، وأن يتداعى السودانيون بكافة أطيافهم السياسية في هيئة للحوار السوداني بلا إقصاء لأي طرف من أجل مناقشة القضايا التأسيسية للدولة. وهذا هو السيناريو المقابل لتفكك البلاد، كما يرى كمير.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات القوى السیاسیة الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
شركة أسلحة تركية ساعدت في تأجيج الحرب الأهلية الوحشية في السودان، قامت بتهريب الأسلحة سرًا إلى الجيش السوداني وفقًا للسجلات
واشنطن بوست – ترجمة ـ تكشف مجموعة من الوثائق والاتصالات التي حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” كيف قامت شركة تركية بتهريب الأسلحة سرًا إلى الجيش السوداني، تم تسليم شحنة سرية من الطائرات المسيّرة والصواريخ التركية إلى الجيش السوداني في سبتمبر، وكان فريق من شركة “بايكار”، أكبر شركة دفاعية في تركيا، متواجدًا على الأرض لضمان إتمام الصفقة بسلاسة.وبمجرد تشغيل الطائرات المسيّرة، أرسل أحد موظفي بايكار سلسلة من الرسائل إلى رئيسه:
“هجوم اليوم”، كتب في 12 سبتمبر، إلى جانب مقطع فيديو لضربة جوية استهدفت مبنى غير مكتمل من الخرسانة.
“الهجوم الثاني”، كتب بعد ثلاثة أيام، بينما كانت صواريخ تضرب واجهة مستودع كبير.
في مقطع فيديو آخر، يظهر شخص يسير عبر الإطار قبل ثوانٍ من الانفجار.
تم توثيق هذا التبادل غير العادي من خلال مجموعة من الرسائل النصية والتنصتات الهاتفية، والصور والفيديوهات، ووثائق الأسلحة، وسجلات مالية أخرى حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” وتم التحقق منها جزئيًا باستخدام سجلات الهواتف، وسجلات التجارة، وبيانات الأقمار الصناعية.
تكشف هذه المجموعة من الوثائق، بتفاصيل مذهلة، كيف قامت شركة دفاعية تركية ذات نفوذ كبير بتمويل الحرب الأهلية المدمرة في السودان، التي استمرت لمدة 22 شهرًا وأدت إلى ما تصفه الأمم المتحدة بأنه أسوأ كارثة إنسانية في العالم. كما توضح كيف بنت صناعة الدفاع التركية علاقات مع طرفي النزاع.
شركة “بايكار”
وفقًا لعقد وشهادة المستخدم النهائي التي اطلعت عليها “واشنطن بوست”، أرسلت “بايكار”، المملوكة جزئيًا لصهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أسلحة بقيمة 120 مليون دولار على الأقل إلى الجيش السوداني العام الماضي، بما في ذلك ثماني طائرات مسيّرة من طراز TB2 ومئات من الرؤوس الحربية. وقد أكد ذلك من خلال رسائل ووثائق تتبع الرحلات الجوية.
تعتبر بايكار المورد الرئيسي للطائرات المسيّرة للجيش التركي، وأكبر مصدر دفاعي في البلاد. يمكن لطرازها المتقدم TB2 حمل أكثر من 300 رطل من المتفجرات، وهو مصنوع باستخدام العديد من المكونات الأمريكية الصنع.لم تستجب بايكار، ولا الجيش السوداني، ولا الحكومة السودانية لطلبات التعليق.
النفي الرسمي من الجانب التركي
صرّح مسؤول في السفارة التركية في واشنطن، شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة القضايا الحساسة، في بيان مكتوب لـ”واشنطن بوست” قائلاً:
“بعد أن شهدت تركيا عواقب التدخل الخارجي في السودان، امتنعت منذ بداية الصراع عن تقديم أي دعم عسكري لأي من الأطراف.” من جانبه، قال ألبير جوشكون، المدير العام السابق للأمن الدولي في وزارة الخارجية التركية، وهو الآن زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إنه لا يستطيع التعليق على حالات محددة، لكنه شدد على أن تركيا لديها نظام صارم لمراجعة مبيعات الأسلحة، يشمل وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، وهيئة الأركان العامة.
الدور التركي في الحرب السودانية
تم الإبلاغ سابقًا عن وجود أسلحة تركية في ساحة المعركة السودانية، لكن لم يكن ذلك بمثل هذا التفصيل، الذي يكشف عن هوية الوسطاء، وحجم الشحنات، وكيف تم تسليمها إلى منطقة نزاع نشطة رغم العقوبات الدولية.تظهر الوثائق أيضًا التسهيلات التي يبدو أن السلطات السودانية تقدمها للشركات الأجنبية مقابل المساعدة العسكرية، مما يمنح لمحة نادرة عن عالم صفقات الحروب المظلمة.
تطورت الحرب في السودان تدريجيًا إلى صراع بالوكالة بين قوى خارجية مثل روسيا وإيران، لكن أبرز الجهات الفاعلة كانت الإمارات العربية المتحدة. ومع ذلك، لم يُسلَّط الضوء كثيرًا على الدور التركي.
بسبب قيود التغطية الصحفية، من الصعب تحديد حجم الدعم العسكري الذي تم تهريبه إلى السودان بواسطة القوى الخارجية. لكن تقريرًا صادرًا عن وزارة الخارجية الأمريكية في أكتوبر الماضي خلص إلى أنه من شبه المؤكد أن 32 رحلة جوية تمت بين يونيو 2023 ومايو 2024 كانت عبارة عن شحنات أسلحة من الإمارات إلى قوات الدعم السريع، التي تقاتل الجيش السوداني للسيطرة على البلاد.
وأفادت صحيفة نيويورك تايمز بأن الإمارات كانت تدير طائرات مسيّرة صينية من داخل الأراضي التشادية لتزويد قوات الدعم السريع بالمعلومات الاستخباراتية، ومرافقة شحنات الأسلحة إلى مقاتليها.
تورط قوى إقليمية أخرى
في المقابل، كشف تقرير مرصد النزاع السوداني في أكتوبر الماضي أن إيران كانت تزوّد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة سرية كما قالت منظمة العفو الدولية العام الماضي إن الأسلحة الصغيرة التي أرسلتها شركات روسية إلى السودان يتم استخدامها من قبل المقاتلين على الجانبين.
الإمارات نفت مرارًا أنها تقدم أسلحة لقوات الدعم السريع، فيما لم تعلّق روسيا وإيران على هذه التقارير.
المنافسة الإقليمية على الموارد السودانية
تظهر الوثائق أيضًا أن المنافسة بين الحكومات الإقليمية للحصول على الغنائم الاقتصادية للحرب أصبحت أكثر حدة.
خلال مناقشات أعقبت صفقة بيع الطائرات المسيّرة، أخبر مسؤولو بايكار زملاءهم أن قادة الجيش السوداني كانوا يفكرون في منح الشركات التركية امتيازات للوصول إلى مناجم النحاس والذهب والفضة، وفقًا لوثائق الشركة. كما تم تقديم حقوق تطوير ميناء أبو عمامة على البحر الأحمر، وهو ميناء رئيسي سبق أن وُعِدَ للإمارات، وتسعى إليه أيضًا روسيا.
في الشهر الماضي، أعلن وزيرا الخارجية الروسي والسوداني التوصل إلى اتفاق يسمح لروسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان، مما يمنحها موطئ قدم استراتيجي على البحر الأحمر.
خرق العقوبات الدولية
يبدو أن شحنات بايكار إلى الجيش السوداني تنتهك عدة جولات من العقوبات الأمريكية والأوروبية، مما يسلط الضوء على المخاطر التي تواجهها الشركات التركية أثناء محاولتها توسيع نفوذها في إفريقيا. في أكتوبر الماضي2024 ، صوّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع على تمديد حظر الأسلحة المفروض على دارفور، لكنه لم يتخذ أي إجراءات ضد القوى الخارجية المتهمة بانتهاك هذا الحظر.
“لا ينبغي لأي دولة أن تؤجج الحرب الأهلية في السودان أو تجني الأرباح منها”، قال السيناتور كريس فان هولين ديمقراطي – ماريلاند، وهو عضو في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والذي حاول منع مبيعات الأسلحة إلى الإمارات بسبب نقلها أسلحة إلى قوات الدعم السريع.
تأتي هذه الاكتشافات في وقت حساس بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي غالبًا ما كان على خلاف مع الولايات المتحدة خلال عقدين من حكمه. مؤخرًا، عرض أردوغان استضافة محادثات سلام بين روسيا وأوكرانيا، وسط تدهور العلاقات بين كييف وإدارة ترامب، كما يسعى إلى تعزيز النفوذ التركي في العراق وسوريا على حساب إيران.
النفوذ التركي في القرن الإفريقي
عمل أردوغان أيضًا على توسيع الروابط العسكرية والدبلوماسية لتركيا عبر منطقة القرن الإفريقي المضطربة. وهو داعم قوي لجماعة الإخوان المسلمين، التي ترتبط بتحالف وثيق مع الجيش السوداني وتُعارضها الإمارات.
في مكالمة هاتفية بتاريخ 13 ديسمبر مع الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، عرض أردوغان “التدخل لحل النزاعات بين السودان والإمارات”، وفقًا لملخص رسمي للمكالمة. لكن الوثائق المسربة تظهر أنه في الوقت الذي كانت فيه أنقرة تروج لنفسها علنًا كوسيط، كانت شركات الدفاع التركية ذات الصلات الحكومية تتعامل مع كلا طرفي النزاع.
بينما كانت شركة بايكار تتفاوض على صفقة أسلحة مع الجيش السوداني، كانت شركة أسلحة تركية أخرى، “أركا ديفنس” (Arca Defense)، على اتصال مكثف مع شخصية بارزة في قوات الدعم السريع. في المكالمات الهاتفية والمراسلات الأخرى، ناقش مسؤول تنفيذي في أركا صفقات أسلحة مع حمدان دقلو موسى، المسؤول عن شراء الأسلحة لقوات الدعم السريع، وشقيق قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي“.
لم تتمكن صحيفة واشنطن بوست من التأكد مما إذا كانت أركا، وهي مقاول معتمد لدى البنتاغون، قد زوّدت قوات الدعم السريع بالأسلحة أم لا. وقالت المسؤولة التنفيذية في أركا إن شركتها لم تبِع أبدًا أسلحة لقوات الدعم السريع، لكنها لم تجب على الأسئلة المتعلقة باتصالاتها مع موسى.
أما محمد المختار، مستشار قوات الدعم السريع، فقال إنه لم يكن على علم بتلك المحادثات، مضيفًا أن قوات الدعم السريع لم تتلقَ أسلحة من تركيا، لكنها تتمتع بعلاقات جيدة مع الحكومة التركية.
الحرب الأهلية السودانية: جذورها وتأثيراتها الكارثية
اندلعت الحرب الأهلية السودانية في أبريل 2023، عندما تحول أكبر جنرالين في البلاد ضد بعضهما البعض. كان الجنرال محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، قد عمل جنبًا إلى جنب مع الجنرال عبد الفتاح البرهان لقمع حركة ديمقراطية ناشئة، لكن الخلاف اندلع بينهما حول كيفية دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي.
وكانت العواقب كارثية:
ـ قُتل ما لا يقل عن 150,000 شخص.
ـ يحتاج حوالي ثلثي سكان السودان البالغ عددهم 50 مليون نسمة إلى المساعدات الإنسانية.
ـ فرَّ أكثر من 13 مليون شخص من منازلهم.
ـ تعرض المدنيون السودانيون للاغتصاب والتعذيب والذبح.
ـ تم قصف وحرق المستشفيات والأسواق.
ـ اتهمت الحكومة الأمريكية كلا الطرفين بارتكاب جرائم حرب.
ـ ومع ذلك، استمرت الأسلحة في التدفق إلى البلاد.
تفاصيل صفقة الأسلحة التركية إلى الجيش السوداني
عُقدت صفقة الأسلحة بين شركة بايكار والوكالة السودانية لشراء المعدات العسكرية، المعروفة باسم نظام الصناعات الدفاعية (DIS)، في 16 نوفمبر 2023، أي بعد خمسة أشهر من فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على DIS. لم تتمكن واشنطن بوست من تأكيد تاريخ التوقيع بشكل مستقل.
تضمن العقد:
ـ ( 600) رأس حربي
ـ (6) طائرات مسيرة من طراز TB2
ـ (3) محطات تحكم أرضية
ـ (48) شخصًا لتسليم الأسلحة وتقديم الدعم الفني داخل السودان
ـ وتم تسليم طائرتين مسيرتين إضافيتين في أكتوبر، واستمرت شحنات الأسلحة خلال نوفمبر.
ـ وقع العقد مرغني إدريس سليمان، المدير العام لـDIS، والذي فرضت عليه واشنطن لاحقًا عقوبات شخصية لدوره في صفقات الأسلحة التي ساهمت في وحشية الحرب واتساع نطاقها.
مسار تهريب الأسلحة
وفقًا للرسائل بين مسؤولي بايكار، وصلت أول شحنة ذخيرة جوًا في أغسطس 2024 إلى ميناء بورتسودان على ساحل السودان الشرقي. وأظهرت الرسائل أن آخر رحلة شحن وصلت في 15 سبتمبر2024. استخدمت واشنطن بوست بيانات طيران متاحة للجمهور لتحديد رحلتين جويتين تطابقان تلك الموصوفة في الاتصالات. وكلاهما تم عبر العاصمة المالية باماكو، وتم تشغيلهما بواسطة شركة الطيران Aviacon Zitotrans، وهي شركة خاصة روسية تم فرض عقوبات أمريكية عليها عام 2023 لكونها جزءًا من “آلة الحرب الروسية”.
تورط شخصيات رئيسية
بعد كل شحنة، كان أوزكان جاكير، وهو موظف متوسط المستوى في بايكار، يبلغ إشرف أفلياأوغلو، نائب رئيس الشركة للأعمال، بأن الطائرة قد وصلت وستتم إعادة توجيهها إلى شندي وعطبرة، وهما مدينتان بهما قواعد عسكرية شمال الخرطوم.
في 8 سبتمبر2024، أرسل جاكير إلى أفليا أوغلو صورة لنفسه مع البرهان. في الصورة، يظهر الاثنان بجانب أعلام سودانية، وعلى الطاولات الرخامية علب مناديل مطلية بالذهب.
خلال الأسبوع التالي، أرسل جاكير إلى رئيسه مقاطع فيديو للغارات الجوية، يبدو أنه صورها بهاتفه من داخل مركز قيادة عسكري. لم يرد جاكير ولا أفلياأوغلو على طلبات التعليق.باستخدام إحداثيات جزئية ظهرت على شاشة كاميرا الطائرة المسيرة، تمكنت واشنطن بوست من تحديد إحدى الضربات الجوية في قرية “حلة الدريسة”، على بعد حوالي 50 ميلاً شمال الخرطوم.
**
“لست بحاجة إلى عدد كبير من الطائرات المسيرة لقلب موازين الحرب — وهذه الطائرات قوية للغاية”، قال جاستن لينش، المدير العام لمجموعة Conflict Insights Group، وهي منظمة متخصصة في تحليل البيانات والأبحاث ساعدت في التحقق من صحة الوثائق باستخدام مصادر مفتوحة. “شهدنا تقدمًا كبيرًا لقوات الجيش السوداني خلال الأشهر القليلة الماضية. هذه الطائرات المسيرة جزء من تلك الاستراتيجية الناجحة.”
السودان يعتبر تركيا أكبر داعم له
أبلغت السلطات السودانية ممثلي شركة بايكار خلال اجتماع في 9 سبتمبر2024 أن “بهذه الخطوة، أصبحت تركيا الدولة التي دعمتهم أكثر من غيرها”، وفقًا لوثيقة داخلية من بايكار توثق المحادثات. وأشارت الوثيقة إلى أن الحكومة السودانية كانت ترغب في منح “إنشاء وإدارة ميناء أبو عمامة” للشركات التركية، وإلا فإنه “سيتم منحه للروس”.
وكانت الإمارات قد وقّعت سابقًا صفقة بقيمة 6 مليارات دولار لإدارة الميناء، لكنها أُلغيت من قبل الجيش السوداني بسبب دعم أبوظبي لقوات الدعم السريع. ووفقًا لملخص اجتماع بايكار، أعربت السلطات السودانية أيضًا عن اهتمامها بالتعاون مع تركيا لاستغلال احتياطيات السودان من النحاس والذهب والفضة، وكذلك “منح تراخيص للشركات التركية للصيد البحري وإنشاء منشآت معالجة الأسماك”.
الدعم العسكري التركي يثير قلق قوات الدعم السريع
قال محمد المختار، مستشار قوات الدعم السريع، إن الجماعة طلبت معلومات من وزارة الخارجية التركية بعد حصول الجيش السوداني على طائرات TB2 المسيرة، التي وصفها بأنها “حاسمة في انتصارات الجيش الأخيرة”.
وأضاف: “قالوا لنا إنها لم تأتِ من تركيا.” وتابع: “قالوا ربما جاءت من دولة أخرى اشترتها من تركيا. لم يذكروا اسم الدولة.”
“أسلحة ضخمة“
في أكتوبر، فرضت إدارة بايدن عقوبات على حمدان دقلو موسى، الشقيق الأصغر لقائد قوات الدعم السريع، بسبب “قيادته جهود تأمين الأسلحة لاستمرار الحرب في السودان”. وفي الأشهر التي سبقت ذلك، أظهرت الاتصالات التي راجعتها صحيفة واشنطن بوست أن موسى حاول تعزيز علاقات قوات الدعم السريع مع تركيا، حيث كان يتواصل بانتظام مع “أوزغور رودوبلو”، المسؤولة التنفيذية في شركة أركا ديفنس (Arca Defense).
وعلى الرغم من أن بايكار أصبحت موردًا عالميًا رئيسيًا للطائرات المسيرة، بما في ذلك لأوكرانيا وشمال إفريقيا، فإن أركا تُعد شركة جديدة نسبيًا، حيث تأسست في 2020، وفقًا لموقعها الإلكتروني. كشفت التسجيلات الصوتية أن محادثات رودوبلو مع موسى كانت ودية ومفصلة في كثير من الأحيان.
في مارس 2024، طلب موسى منها “50 مجموعة” من الأسلحة، ووعد بتقديم شهادة المستخدم النهائي، وهو مستند حكومي مطلوب لإتمام أي صفقة أسلحة، والذي لا تملك قوات الدعم السريع صلاحية إصداره قانونيًا.ولم يتضح ما إذا كان قد قدّم لها الوثيقة، أو ما إذا كانت المحادثة قد أسفرت عن صفقة أسلحة.بعض المراسلات بينهما ألمحت إلى أن الأسلحة كانت تتدفق في الاتجاه المعاكس — من السودان إلى الخارج.
في صيف 2024، أرسل موسى عبر واتساب إلى رودوبلو مقطع فيديو لمخبأ أسلحة استولت عليه قوات الدعم السريع مؤخرًا، يظهر فيه رجال يرتدون الزي العسكري وهم يدخلون كهفًا محصنًا داخل تلة ترابية. كتب موسى لها:
“لقد وجدنا أشياء ضخمة اليوم … أسلحة كبيرة جدًا. يمكننا القيام بمبيعات كبيرة.” فردّت عليه رودوبلو بحماس:”مواد رائعة لديك. أنا متحمسة.” طلبت منه صواريخ غراد عيار 122 ملم، وأرسلت له صورة للصاروخ. لكن موسى أجاب:”لا يمكننا توفيرها، نحن بحاجة ماسة إليها.” في محادثة لاحقة، وعدتها رودوبلو بأنها ستشتري “أي كمية متاحة”، مؤكدة:
“نحن عائلة. أي كلمة منك تعني لنا الكثير.”
التوترات بين واشنطن وأنقرة بسبب تورط شركات تركية
صرّحت رودوبلو لـواشنطن بوست بأن شركتها لم تشارك في أي صفقات أسلحة مع قوات الدعم السريع، قائلة: “نعرفهم من قبل … لكننا لم نقم بأي عمل تجاري معهم.” أما موسى، فقد رفض التعليق. يمكن أن تؤدي العلاقات بين “أركا” وأحد كبار قادة قوات الدعم السريع—التي تتهمها واشنطن بارتكاب إبادة جماعية وتطهير عرقي—إلى تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا، اللتين شهدت علاقاتهما فترات من التوتر خلال حكم أردوغان. هناك انعكاسات عسكرية أيضًا، حيث اشترى البنتاغون 116,000 طلقة ذخيرة من أركا في 2024.
قال السيناتور كريس فان هولين لواشنطن بوست: “في ضوء هذه الاكتشافات حول لعب الشركات التركية على الجانبين، ينبغي على الولايات المتحدة مضاعفة جهودها لوقف تدفق الأسلحة إلى هذا الصراع وإنهائه.”
موسى يطلب وقف الشحنة التركية للجيش السوداني
في 9 سبتمبر2024، بعد أن علم موسى بصفقة الطائرات المسيرة بين بايكار والجيش السوداني، أجرى اتصالًا غاضبًا مع رودوبلو. قالت له:
“أخبرتك ألا تثق بأحد هنا.” وأضافت:”على حد علمي، لقد زودوهم بمعدات أخرى أيضًا — بعض الأسلحة.” أظهرت الرسائل أنه حاول، في حالة من الذعر، التواصل مع بايكار عبر وسيط لمحاولة إيقاف الشحنة. في رسالة نصية إلى إيفلياأوغلو، نائب رئيس بايكار، كتب الرئيس التنفيذي للشركة:
“كان على وشك البكاء … كان يتوسل.” كان موسى يريد الحصول على الطائرات المسيرة أيضًا، وعرض ضعف المبلغ الذي دفعه الجيش السوداني.
وحذّر قائلاً: “إذا لم تستجب بايكار، فسنكون قد انتهينا.” لكن بايكار رفضت طلبه بشكل قاطع. كتب إيفلياأوغلو ردًا على الرسالة:
“مستحيل. هذا هو واقع العالم.”
تم تحديث هذا التقرير بتعليق من مسؤول تركي سابق.
جاريد لاي وجون هدسون ساهموا في إعداد هذا التقرير.
رابط نشر مختصر https://www.europarabct.com/?p=101837
المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والدراسات الاستخباراتية، ألمانيا وهولندا – ECCI