هل ثمة فرصة بين أطلال النظام الدولي؟!
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
المتابع لتسلسل الأحداث العالمية الدراماتيكية خلال العامين الأخيرين يجدها تتصاعد بشكل خطير بحيث يمكن رؤيتها وهي تتكثف في سماء 2024 – 2025 وتكاد تصيب الجميع وتصبّ حُممها فوق الرؤوس بما يجعلنا نتوقّع أننا قد نكون على أبواب كوارث عالميّة جديدة في ظل نظام دولي مضطرب يحوي من عناصر السيولة أكثر بكثير من مكوّنات الاستقرار، مما يجعلنا لا نتوقع للعالم أن يأخذ مسارات آمنة أو يتّجه نحو وجهات منقذة ولا يمكنها بطبيعة الحال أن تكون بغير أوضاع إقليميّة جديدة تقوم على العدالة وحرية الشعوب.
هذا، لأنّ النظرة السريعة لغالبية القادة المتحكّمين في القرارات الجوهرية ومراكز القرار الحيوية تكشف أنّهم يفتقدون قدرًا كبيرًا من الرشد، فضلاً عن الإنسانية! وهو ما يرشحهم لسيناريو هدم المعبد على من فيه، وخاصة إذا كنا نرقب خطوات ترامب الحثيثة نحو البيت الأبيض، حيث نجد أنفسنا أمام نظام دولي يتلاشى، ونظام دولي بديل يتباعد أو بالكاد لم يتبلور بعد، وهو ما يجعل العالم مقبلًا على مراحل طويلة من الفوضى وعدم الاستقرار تصبّ حممها بطبيعة الحال على النظم الإقليمية الفرعية بما فيها منطقتنا.
فالإستراتيجية الأميركية الكونية ـ التي عودتنا الوقوف بالعالم عند حافة الهاوية والتي تعتمد دائمًا على نشر الفوضى في مناطق العالم المختلفة في سبيل الإمساك بتلابيب النظام الدولي ـ تخطط اليوم لفوضى إستراتيجية تمكنها من استمرار الهيمنة لقرن آخر.
لكن الملاحظة الدقيقة تؤكد أن مخططها اليوم للفوضى معرض للفشل على خلاف مخططاتها السابقة، ولا سيما في ضوء تقهقر مخططها في أوكرانيا، وإصابته إصابات مباشرة في فلسطين، برغم تواطؤ دول مهمة في الإقليم، في ظل احتمالات كبيرة لفشل عمليات تصعيدها تجاه الصين ولا سيما في تايوان، والحصيلة هي تشتيت إستراتيجي مؤثر على الانفراد الأميركي وإصابة العالم بصدمات ارتجاجية ـ سياسية واقتصاديةـ لأن الانفراد الأميركي يكاد يعتمد نظرية: ما بعدي إلا الطوفان!
رؤية إستراتيجية جديدةوفي هذا الإطار، يبدو أن التطورات الدراماتيكية المنظورة والمتوقعة للنظام الدولي تكاد تكون فرصة نادرة لعالم المهمشين والمستضعفين من شعوب العالم الثالث، وفي القلب منه عالمنا العربي، وإن جاءت على أطلال النظام الدولي وربما أنقاضه ولا تبدو فرصة غيرها، فقد أصبح من المتيقن أن بنية بلادنا المعاصرة التي خطط الاستعمار حدودها ومواردها وقبائلها ومجال نفوذها ليست قادرة على التطور أو الخروج من ربقة التبعية المحكمة.
كما أصبحت شعوبها تدفع من دمائها وأمنها وحريتها ثمن استمرار النظام الدولي الحالي الذي كلما شَكَا فائض قوة! فإنه لا يجد مكانًا لتفريغها سوى في بلادنا وعلى أراضينا وفوق رؤوس مجتمعاتنا، برغم أنه المستفيد الأول من ثرواتها ومواردها وليس أقلها النفط ومصادر الطاقة الأخرى، وأنها عندما تشكو أو تطلب الإنصاف تتعرض للعقاب.
وفي ضوء ذلك، يجب أن يتأهب المخلصون المبصرون من بني جلدتنا للتصدي لحالة الانسداد السياسي التي يعيشها عالمنا العربي، وذلك من خلال دراسات متعمقة تحاول الوصول للأسباب الحقيقية لهذه الحالة والطرق الجذرية للخروج منها؛ لأن استمرارها أصبح في غاية الخطورة وخاصة أنها باتت تعمل بجهود ذاتية جبارة تدمر كل عوامل الاستقرار في بلادنا، وتجعل مجتمعاتنا غير قابلة للحياة، وتضع الجميع على مشارف الانتحار.. ما أحوجنا إلى رؤية إستراتيجية جديدة وقبلها قادة يمتلكون البصيرة الإستراتيجية!.
وفاق وطنيعلمًا بأن أهم شروط الخروج من هذا المأزق التاريخي الحالي أصبحت تتعلق بوفاق وطني وقومي حول أسس وقواعد البناء الوطني، وكينونة المشروع الصهيوني بالمنطقة، وسبل التعامل معه، كما التوافق على وثائق عمل تؤكد ضرورة تنسيق وتكامل القوى الحية داخل مجتمعاتها، في إطار أولوية مكافحة النفوذ الأجنبي وكل مسبباته، ورفض الاستبداد وكل مظاهره، والعمل جنبًا إلى جنب بكافة الطرق السياسية لبناء ديمقراطيات تستوعب الجميع وتحترم الحقوق والحريات.
وإذا كانت أميركا الجنوبية تصدر اليوم تجاربها الملهمة في هذا المجال، فإن الاستفادة منها لا تزال واجبة، وخاصة أننا نرى حكوماتها تتخذ مواقف أهم وأكثر جدية من مواقف حكوماتنا تجاه أهم قضايانا وخاصة في فلسطين، بما يضع منطقتنا كلها في حرج بالغ، ويلزم إعادة النظر لهذا الجزء المهم من العالم، الذي يمكن أن يكون حليفًا إستراتيجيًا لبلادنا وقضايانا، حال إصلاح أحوال منطقتنا وتغير نظرتنا للعالم.
البعض يتصور أن عدم خروج الشعوب العربية في مظاهرات تضامن مع غزة يعني انشغالًا أو عزوفًا عنها، بينما الحقائق على الأرض تؤكد أن تضامنهم اليوم مع القضية الفلسطينية تفوّق على كل مراحل الصراع، وأنها أصبحت في نظرهم هي قضية العرب والمسلمين الأولى أكثر من أي وقت مضى، لكن القمع الأعمى هو الذي يطمس هذه الحقائق، ومن هنا بدأت تتضح بشكل جلي مظاهر التساند والتكامل والتواطؤ بين المرضَين: "النفوذ الأجنبي" "والاستبداد المحلي" ولا ثالث لهما.
فرصة تاريخيّةلا شك أن القراءة المستفيضة للمخططات الموضوعة لمنطقتنا في ضوء المخطط الصهيوني العام والمرحلة التي بلغها اليوم ترجّح إقدام الإدارة الأميركية ومن خلفها نتنياهو المهزوم على عمليات تدميرية خطيرة لن يكون تهجير الفلسطينيين بعيدًا عنها، علمًا بأن التهجير في الوقت الذي يحقق أهدافًا إستراتيجية وديمغرافية للكيان الصهيوني، فإنه يضيف مسمارًا جديدًا في نعش الأمن القومي العربي الذي يكاد يتلاشى.
في هذا السياق، جاء "طوفان الأقصى" كما "العدوان على غزة" ليضعا المنطقة أمام وضعية جديدة يمكنها أن تصبّ في عملية إصلاح إستراتيجية ضرورية فليس هناك شك في أننا بصدد زلزال كبير هز كل الثوابت الفكرية والسياسية وضرب المرتكزات الإستراتيجية بالعمق، ولم يعد هناك شك في أننا بانتظار توابع وتغيرات كبرى.
لكن المدقّق في أحوال العالم الإسلامي- ولاسيما الجزء العربي منه- يجد أن أهم أسباب الركود العام والتردي السياسي والاجتماعي، إنما يعود لغياب هيكل القيادة الواعي والفاعل، وليس ذلك على مستوى الحكومات فحسب، بل إنه يمتد ليشمل حركات الإصلاح والتجديد السياسي والمجتمعي والثقافي، بينما الشعوب تنتظر من يقودها والظروف المحيطة تنتظر من يستوعبها وينتهزها، فنحن أمام فرصة تاريخيّة جديدة يجب ألا تضيع كما ضاعَ ما قبلها.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات النظام الدولی ة جدیدة فی هذا
إقرأ أيضاً:
الجامعة العربية: قطاع النقل فرصة لخلق وظائف جديدة وتحسين نوعية الحياة
أكد السفير الدكتور علي بن إبراهيم المالكي، الأمين العام المساعد ورئيس قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية، أن قطاع النقل هو عنصر حيوي لتحقيق التنمية الاقتصادية في الدول العربية.
مجلس جامعة الدول العربية يدين الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل ويطالب باعتقال "نتنياهو" جامعة الدول العربية تؤكد أن تمكين الشباب على رأس أولوياتها وأولويات الحكومات العربيةجاء ذلك خلال الدورة السابعة والثلاثين لمجلس وزراء النقل العرب، حيث تناول المالكي أهمية تكامل هذا القطاع في تعزيز التعاون الإقليمي وتحسين مستوى المعيشة.
أشار المالكي إلى الدور المحوري لقطاع النقل في تسريع عجلة التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل جديدة في الدول العربية. ولفت إلى أن هذا القطاع يسهم أيضًا في تحقيق التكامل الإقليمي وتحسين نوعية الحياة، بالإضافة إلى تقليص معدلات الفقر.
قدّم المالكي تعازيه لأشقائنا في فلسطين ولبنان، مؤكدًا موقف الجامعة الثابت في إدانة الاعتداءات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني واللبناني. وأكد على ضرورة رفع الحصار عن قطاع غزة والسماح الفوري بإدخال المساعدات الإنسانية، داعيًا المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته في وقف الحرب غير المتكافئة. وذلك في كلمته خلال أعمال الدورة 37 لمجلس وزراء النقل العرب، المنعقدة بمقر الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بالإسكندرية
وأشار المالكي إلى التغيرات غير المسبوقة التي يشهدها العالم على الصعيدين السياسي والاقتصادي، مؤكدًا أهمية إعادة ترتيب الأولويات العربية في ظل الأزمات المتتالية. وأوضح أن المنطقة العربية، بموقعها الجغرافي الاستراتيجي، تحتاج إلى تطوير قطاع النقل واللوجستيات لتعزيز التفاعل مع العالم الخارجي.
كما أوضح المالكي أن قطاع النقل يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، مشددًا على اهتمام الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بتعميق التعاون العربي في هذا المجال. وأكد أن المجلس قد اعتمد العديد من الاتفاقيات العربية المتعلقة بالنقل، مشيرًا إلى أهمية استحداث لجنة لمراجعة هذه الاتفاقيات لتعزيز حركة التجارة البينية.
وتحدث المالكي عن جدول أعمال الاجتماع، الذي يتضمن موضوعات تتعلق بالنقل البري والبحري والجوي، مشددًا على ضرورة تطوير رؤية جديدة تتوافق مع المتغيرات الدولية. واختتم كلمته بالتوجه بالشكر للأكاديمية العربية على حسن التنظيم، متمنيًا أن تخرج الدورة بقرارات تسهم في تحقيق التنمية المستدامة.