مروان اِميل طوباسي قبل استعراض أستحقاقات نجاح لقاء الأمناء العامين بالقاهرة ، من الضرورة الاشارة الى ما يجري بدولة الاحتلال وانعكاساته على واقعنا ومستقبلنا وكفاحنا الوطني .  فبغض النظر عن تباين الاجتهادات حول الشكل والنتيجة الذي ستذهب اليه الأزمة البنيوية والتصدع الحاصل بدولة الاحتلال الأستيطاني الأحلالي ، ومدى تاثير جهات دولية في محاولة حصر ذلك وتحديدا من الولايات المتحدة بتقديم صفقات جديدة بالمنطقة .

فأن نتنياهو لم يبدأ بالأنقلاب الفاشي في الأشهر الستة الماضية ، لقد بدأ بذلك بشكل واضح في فترة اتفاق أوسلو كزعيم للمعارضة ، بأفعال ومواقف أدت إلى اغتيال رابين انذاك ، لقد كانت تلك مجرد بداية العملية التي استندت الى مواقف العصابات الصهيونية ومعلميها الاوائل ، والتي يستمر بها اليوم والتي لن يكون هنالك نهاية قريبة لها ، وهو يريد إنهاء النظام الذي أتى برابين إلى السلطة ، كما ويريد القضاء على فرصة ظهور رابين آخر حتى لا يظهر شريك محتمل للتسوية والسلام مع شعبنا . فلم يكن يغئال عمير القاتل قد نشأء وحيدا ، لقد خرج من داخل معسكر أيديولوجي ينتمي نتنياهو وأفراد حكومته وقطيعه اليه وغيره من الاحزاب الصهيونية ايضا التي لا تستوعب بعد فكرة السلام وانهاء الأحتلال . فمنذ الاغتيال نمت الفاشية الإسرائيلية بشكل أكثر قوة ووضوحا . حيث لم يعد هناك حاجة لاخفائها من وجهة نظرهم في غياب المحاسبة والعقاب الدولي في ظل النظام الدولي القائم ، فلم يعد هنالك حاجة لقاتل جديد فقد اصبح القاتل اليوم هو حكومة الأحتلال نفسها وقطيع نتنياهو . إنهم من يغتال “الديمقراطية الإسرائيلية” التي يعتقد العلمانين والليبرالين بها بنظامهم ، دون ان يقتنعوا بان القاتل الأساسي للديمقراطية اليهودية التي يدّعون بها هو استمرار جوهر نظامهم الأستعماري واستمرار الأحتلال الأحلالي واضطهاد شعبنا الفلسطيني وتغليب التمييز العنصري والهوية الدينية ، وهي اسباب تشكل البيئة المناسبة لنمو الفاشية . ولحين إمكانية قناعة هؤلاء المتظاهرين الذين يشكلون ما يقارب من نصف مجتمعم ضد انقلاب نتنياهو وحكومته الفاشية الدينية بذلك ، سيكون نتنياهو وليفين وبن غفير وسموتريتش ومعسكرهم قد نفذوا مكونات الانقلاب الأخرى للأطاحة بالنخبة السياسية من الصهيونية العلمانية الغربية التي استطاعت السيطرة على مفاصل نظامهم ودولتهم العميقة منذ النشأة التي ارتبطت بقيم ومفاهيم مع الغرب الأستعماري على حساب الشرقيين والمتدينين منهم بحكم نشؤ الصهيونية في رحاب الغرب واستغلالها السياسي للشرقيين وفقراء اليهود وديانتهم انذاك حين تم سلخهم عن مجتمعاتهم وقومياتهم الأصلية ، لابتداع فكرة “الشعب اليهودي والقومية الضطهدة .” كما وسيكون أمام هذا المعسكر الصهيوني الفاشي الديني الفرصة لتنفيذ ما يسمونه “الحسم المبكر” من خلال توسيع الأستيطان وضم مناطق محتلة بشكل متسارع وتهويدها. كما جرى مع القدس حتى في ظل حكومات “يمين علمانية صهيونية” التي ارتكبت الجرائم ايضا ، لكن ذلك سيكون اليوم بشكل متصاعد ومتسارع خوفا من أن هذا الائتلاف الفاشي الديني لن يبقى طويلا بالحكم في وقت تتصاعد الاحتجاجات ويتصاعد الانقسام حتى بمؤسستهم العسكرية وتزايد هجرة الصناعة والمال والأفراد إضافة إلى ضغط الإدارة الأمريكية بهدف التخلص من احزاب الصهيونية الدينية واستبدالها “بغانتس” الذي تحظى شعبيته اليوم بصعود كبير “كمخلص لإسرائيل” ، لاستمرار الدور الوظيفي لإسرائيل كحليف استراتيجي وفق محددات العلاقة التي أشرت لها في مقالي الأسبوع الماضي ، لتنفيذ رؤيتها ومخططاتها بالمنطقة خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية واتساع رقعة خلافاتهم مع الصين وروسيا . حتى الأتحاد الأوروبي الذي أعلن إنه يرى بالاحتجاجات على التشريعات القضائية ما هو إلا تعزيز “للديمقراطية الفاعلة باسرائيل” ، في تجاهل وتغييب لما ستتجه عليه الأمور اثر تلك التشريعات الانقلابية أن كان على استقرار المجتمعات الإسرائيلية وكيفية تصاعد الانقسامات البنيوية فيها ومخاطر حرب أهلية من جهة ، وعلى مدى تصعيد إجراءات الحرب المفتوحة ضد شعبنا الآن ومخاطر نكبة جديدة وإصدار شهادة موت فعلية لحل الدولتين الذي نشأ كخيار دولي بموافقة الاتحاد الاوروبي ، لكن دون رغبة من الغرب بالعمل على متابعته وتحقيقه من جهة اخرى . فالاتحاد الاوروبي رغم اطلاقه تصريحات لفظية ، فانه مستمر بسياسة النفاق والتبعية للولايات المتحدة خاصة اليوم مع صعود اليمين واليمين الشعبوي وحتى الفاشي في اوروبا وتصاعد العنصرية في عدد من دوله أيضا ضد المهاجرين . الآن ، بغض النظر عن ما ستتجه له الأمور ، وقد يكون احتمال انهيار كيانهم القريب غير قائم موضوعيا لأسباب مختلفة من وجه نظري . فإن فرصة استثمارنا نحن لصورة المستعمرة المتمثلة بدولة الأحتلال العنصرية أصبحت أكثر من أي وقت مضى ضرورية وبجرأة رغم وضوحها منذ ٧٥ عاما كمشروع استيطاني دون حدود ودستور اساسي يخدم مصالح قوى الأستعمار ، ومحاولة القضاء على حق شعبنا بتقرير المصير وهويته الوطنية وحقوقه في وطنه التاريخي . هذا التصدع المجتمعي والسياسي في دولة الأحتلال ، يحمل مخاطر جدية لتغيير كل المقاربات والتضاريس الديمغرافية بصورة غير مسبوقة ، تُغلق الباب أمام أي أمل بتسوية مهما كانت طبيعتها وسيكون لذلك آثار وتداعيات كبرى على الإقليم برمته، وعلى واقع وتشكيل حركتنا الوطنية الفلسطينية واطرها وتعبيراتها المختلفة . ان صورة النظام الاستيطاني التوسعي المرتبط بمفهوم الأبرتهايد الذي يسعى لتنفيذ رؤية الدولة اليهودية التوراتية في كل ارض فلسطين التاريخية او لحدود اوسع او اقل حتى ولو كان اليهود هم اقلية فيها ، بدأت تظهر أمام العالم وشعوبه كنظام ثيوقراطي عنصري يطيح بشكل المجتمع الليبرالي الصهيوني ويعزز العنصرية وفق ارادتهم بيهوديتها وقانون قوميتهم بحق أبناء شعبنا اينما كانوا بفلسطين التاريخية ، ويشكل مخاطر أكبر على الأستقرار المفترض بالمنطقة الأوسع وعلى مفهوم السلم العالمي الذي تتلاعب به الولايات المتحدة من جهة اخرى . ان هذه المجريات من الصدع بمفاصل نظامهم السياسي والعسكري واستمراره حتى الآن، رغم وجود الإجماع الصهيوني من كافة احزابهم بخصوص تجاهل بل والتنكر لحقوق شعبنا غير القابلة للتصرف ، بل وتحللهم هم من ما جاء من بنود اتفاقية أوسلو سوى من ما يخدم مصالحهم التوسعية والأمنية والمالية . هي فرصة لنا اليوم للانطلاق باستراتيجية متجددة قائمة على ضرورات الجرأة بتقيم انجازاتنا واخفاقاتنا عبر مسيرة كفاحنا ، لننطلق ببرنامج وطني جامع وبهجوم معاكس يكون ملزما للجميع ويتفق عليه الأمناء العامون في لقاء القاهرة الذي يفترض انعقاده بدعوة من الأخ الرئيس أبو مازن خلال أيام ، كي نعرف أين نحن والى اين نحن ذاهبون رغم تعقيدات المشهد الدولي ومتغيراته التي قد تكون عاملاً ايجابيا في مسار حريتنا . حيث بعد سلسلة لقاءات المصالحة الداخلية الفلسطينية على مدار السنوات الماضية ، والتي كانت كقصص الف ليلة وليلة والتي لم تفضي إلى تنفيذ اي من نتائجها بما يعيد وحدة النظام السياسي وتحقق المصالحة الوطنية المرجوة . تبرز الآن تحديات صعبة من وجهة نظري ، لكنها مسوؤلية وطنية وتاريخية اليوم امام المشاركين باللقاء وامام كل الحركة الوطنية الفلسطينية في هذا الظرف ، حيث فشلت كل المحاولات السابقة في تحقيقها أو على الأقل تذليل جوانب منها لعدد من الاسباب التي باتت معروفة للقاصي والداني . لذلك فاني ارى ضمن ما تراه قطاعات شعبنا الواسعة والتي عبرت عنه بحرص وطني بنداءات متعددة ومتنوعة الأصول خلال الأيام الماضية ، ان هنالك بعض الاستحقاقات الوطنية الضرورية التي يجب تناولها بجرأة دون دفن الروؤس بالرمال وتغليب المصلحة الوطنية على اي مصالح اخرى خارجية او عقائدية او فئوية حتى تفتح آفاق جادة لنجاح لقاء القاهرة المفترض ، يمكن تلخيصها بالأمور التالية والاتفاق على اَليات تنفيذها حتى تفتح آفاق جادة لنجاح وتنفيذ قرارات لقاء القاهرة المفترض ؛ إنهاء تداعيات الأنقسام الحاصل بنتيجة الأستيلاء على السلطة بقوة السلاح في قطاع غزة . * اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية بحكم الإجماع الوطني والأعتراف الدولي بها ممثلا شرعياً وحيداً لشعبنا في كافة أماكن تواجده وانضمام الكل الوطني اليها وتفعيل دورها حتى لا تتسع الهوة بين الشعب والفصائل ، والأتفاق على دورها الكفاحي ومكانتها التاريخية المستهدفة من خلال تعزيز الإجراءات الديمقراطية فيها وتحقيق الأنتخابات المستحقة لكافة المؤسسات والمراجع الوطنية بما فيها الرئاسية والتشريعة وبالمقدمة منها بالقدس اعتماداً على أن الشعب هو مصدر السلطات . * اعتبار وثيقة أعلان الاستقلال التي أعلنها الزعيم الخالد أبو عمار عام ١٩٨٨ بالمجلس الوطني بمثابة العقد السياسي والاجتماعي لشعبنا تُحقق بالضرورة الحريات العامة والخاصة ، كما الواجبات والحقوق للجميع وايضا العدالة والمساواة الاجتماعية والتقدم وفصل السلطات ، يلتزم بها الجميع وبالقانون الاساسي بغض النظر عن نتائج اي انتخابات مستحقة والتي يفترض اجرائها في أقرب وقت . * ولأننا جزء من هذا العالم نتأثر ويجب ان نؤثر به ، أعلان الجميع التمسك بالقرارات والمواثيق والمعاهدات الدولية التي انضممنا اليها ، كما وبالقانون الدولي والانساني والتي تضمن حقوقنا التاريخية والسياسة في وطننا وبالمقدمة منها الحق بتقرير المصير والاستقلال الوطني ومقاومة المُحتل أسوة بكل الشعوب الأخرى بكافة الوسائل ، السياسية والدبلوماسية بالمحافل كافة بما فيها المحاكم الدولية، والاتفاق على برنامج سياسي واحد واستراتيجة مقاومة وطنية واحدة تحافظ على بقاء وصمود شعبنا حتى انهاء الأحتلال الاستيطاني كمهمة أساسية أولى . * التمسك بإعلان الدولة على كافة الأراضي المحتلة عام ٦٧ وبالمقدمة منها القدس العاصمة التي نالت اعتراف ١٤٠ دولة حول العالم واستكمال إجراءات عضويتها الكاملة بالأمم المتحدة ، كما والتمسك بأرض فلسطين التاريخية وطناً لشعبنا لا نملك سواه . تنفيذ كافة مقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير كمرجعية لحكومة وحدة أو توافق وطني وتأكيد مفهوم ودور السلطة الوطنية كمرحلة نحو الاستقلال لتكون تعبير عن الكيانية الفلسطينية المستقلة بالدفاع عن شعبنا ومقدراتنا ، كما وصياغة شكل العلاقة مع الأحتلال على اساس التناقض والصراع مع المُحتل طالما قد تَنكر هو بشكل كامل لكافة الاتفاقيات حيث باتت غير ملزمة لنا ، وذلك بهدف الخروج من مفهوم إدارة الأزمة والحلول الأمنية والاقتصادية التي إدارتها الولايات المتحدة باحتكار احادي لاستدامة الاحتلال وجرائمه وفق مشروع صفقة القرن . وذلك من أجل فرض واقع جديد يدفع العالم للتدخل لحل الصراع بعيدا عن الهيمنة الأمريكية ، والاستعانة بذلك بأصدقاؤنا حول العالم من دول واحزاب تقدمية وشعوب مناصرة للحق والعمل الاستراتيجي معها خاصة في ظروف التحولات الدولية الجارية . استكمال الحوار الوطني الشامل بما يتجاوز دور الفصائل فقط على أهمية مكانتها التاريخية والثورية ، ليشتمل على كافة قطاعات ومؤسسات شعبنا الجماهيرية والأهلية وخاصة قطاع الشباب والأسرى الأبطال حتى وهم خلف قضبان السجون ، حتى تكون المسؤولية وطنية جامعة لمواجهة التحديات وتحديد المسارات بتوسيع قاعدة العمل الوطني دون محاولات تنفيذ او فرض اجندات خارجية ليس لها علاقة بالقرار الوطني ، واعتبار أن الدين لله والوطن للجميع . الان وعلى المدى القريب والبعيد لن يستفيد اي طرف فلسطيني من هذا الانقسام الناتج عن الاستيلاء على السلطة بغزة بقوة السلاح ووصول الاوضاع فيها الى ما هي عليه الان ، لأن دولة الاحتلال في النهاية لن تسمح ببقاء اي طرف فلسطيني يتمتع باي سيادة حقيقية وقوة في الضفة او بغزة، مهما كان اسمها أو توجهاتها ، لذلك ستعمل إسرائيل على ضرب القوى الفلسطينية أينما كان ومحاصرتها لمحاولة تمرير مشاريعها وتُبقي السلطة الوطنية دون سلطة وفق ما اشار له الأخ الرئيس مرارا ، مع استمرار حصار غزة ومحاولات فرض “الدويلة” او الأمارة فيها بدعم من بعض قوى اقليمية خدمة لمشاريعهم ، واقامة دولة المستوطنين في المناطق المصنفة “ج” بالضفة إذ لم نحقق وحدة برنامج وارادة شعبنا وفق ما ينتظر من قرارات اللقاء . ولن ينظر إلينا العالم بعدها كما يجب ان ينظر لشعب يسعى لحريته وحقه بتقرير المصير واستقلاله الوطني وعودته. كاتب فلسطيني

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: لقاء القاهرة

إقرأ أيضاً:

الأسلحة الكيميائية وسر نظام الأسد المظلم الذي تخشاه إسرائيل والغرب

ترك الانهيار المدوي والمفاجئ لنظام بشار الأسد في سوريا العديد من الأسئلة المفتوحة بلا جواب، واحد من هذه الأسئلة يتعلق بمصير ترسانة الأسلحة الكيميائية التي يمتلكها النظام، التي استخدمها ضد شعبه بالفعل في أكثر من مناسبة منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وفشلت الجهود الدولية في تفكيكها بشكل حاسم ونهائي.

فرغم تبنّي مجلس الأمن الدولي قرارا بالإجماع عام 2013 بتدمير مخزون الأسلحة الكيميائية السوري والتخلص منه نهائيا في أعقاب مجزرة الغوطة، التي استخدم فيها نظام الأسد غاز السارين مُخلِّفا أكثر من 1400 قتيل، وإعلان الولايات المتحدة وروسيا إنجاز مهمة التخلص منها نهائيا في وقت لاحق، يُعتقد أن النظام نجح في إخفاء جزء كبير من ترسانته عن المراقبين، وتجديد جزء آخر منها خلال السنوات التالية، وقد ظهرت دلائل على استخدام النظام الأسلحة الكيميائية بعد الإعلان عن تفكيك ترسانته، أبرزها في دوما في إبريل/نيسان 2018 باستخدام الكلور وغاز الأعصاب.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هذه الأسلحة ستكون أشد فتكا من الأسلحة النووية والعالم يتسابق لامتلاكهاlist 2 of 2كيف أخفقت روسيا في دعم بقاء الأسد؟end of list

تُثير هذه الترسانة الكيميائية الكثير من القلق لدى جهات عدة، أبرزها إسرائيل بكل تأكيد. فبحسب ما نشرته صحيفة "هآرتس" في 3 ديسمبر/كانون الأول، تزامنا مع تقدُّم فصائل المعارضة السورية وقبل أيام قليلة من فرار الأسد، كانت هناك مخاوف من إمكانية وصول الأسلحة الكيميائية التي يملكها النظام السوري السابق إلى أيدي فصائل المعارضة السورية المسلحة، ما قد يؤدي إلى تهديدات خطيرة لأمنها. لذلك، لم تمر بضع ساعات على انهيار نظام بشار الأسد رسميا، حتى قصف جيش الاحتلال مركز البحوث العلمية في المربع الأمني بدمشق، حيث تُدار برامج أسلحة كيميائية وصواريخ باليستية، وفقا لما ذكرته هيئة البث الإسرائيلية.

إعلان

في وقت لاحق، قصف سلاح الجو الإسرائيلي مؤخرا مستودعا آخر للأسلحة الكيميائية تابعا لنظام بشار الأسد المُنهار في غرب سوريا، وعموما كانت مستودعات الأسلحة الكيميائية أحد الأهداف الرئيسية لأكبر عملية جوية في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي، التي شاركت خلالها 350 طائرة في تدمير أنظمة أسلحة الجيش السوري المُنهار، بما يشمل أيضا الطائرات المقاتلة والصواريخ الباليستية وأنظمة الدفاع الصاروخي وحتى السفن القتالية.

من جانبها، حرصت إدارة الشؤون السياسية التابعة للمعارضة السورية على طمأنة المجتمع الدولي بشأن موقفها من الأسلحة الكيميائية، متعهدةً بعدم استخدامها مهما كانت الظروف، وهو ما يدفعنا للتساؤل: ما الذي نعرفه حقا عن مخزون نظام بشار الأسد من الأسلحة الكيميائية؟ وكيف تَشكَّل؟ وما أشهر العمليات التي استخدم فيها النظام هذا السلاح في الحرب؟ وقبل ذلك، ما الأسلحة الكيميائية؟ ولماذا تثير كل هذا الرعب؟

أكبر ترسانة في العالم

في عام 1971، بدأت أولى المحاولات السورية لامتلاك السلاح الكيميائي، حين أنشأ عبد الله واثق شهيد، الفيزيائي النووي والمستشار الأول للرئيس السابق حافظ الأسد، مركز البحوث والدراسات العلمية لأغراض الأبحاث الكيميائية، لتبدأ دمشق في أنظمة الحماية من الهجمات الكيميائية بمعاونة الاتحاد السوفياتي، جنبا إلى جنب مع 11 ألف قناع واقٍ حصلت عليها البَلَدان من الصين.

وتشير المصادر الأميركية إلى أن سوريا حصلت على مخزون ضئيل من الأسلحة الكيميائية من مصر عشية حرب أكتوبر عام 1973، بيد أن الجيش السوري لم يستخدم تلك الأسلحة ضد إسرائيل أو ضد خصم آخر في أي وقت، ويبدو أنها كانت مجرد خطة تحوُّط في مواجهة سيناريو الانهيار العسكري الشامل. ومع ذلك، بعد أن فقدت دمشق الحليف المصري في أعقاب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في نهاية السبعينيات (اتفاقية كامب ديفيد)، وبشكل أخص بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 الذي فقدت خلاله سوريا 80 طائرة حربية دفعة واحدة في سهل البقاع، والحرب العراقية الإيرانية التي أضعفت الشراكة بين سوريا والاتحاد السوفياتي بسبب دعم الأخير لإيران في حربها ضد النظام البعثي العراقي، ازدادت عزلة النظام السوري وانكشف ضعفه الإستراتيجي والعسكري، ما وفَّر حوافز إضافية للاستثمار في الأسلحة الكيميائية.

إعلان

تشير التقديرات إلى أن دمشق بدأت فعليا في إنتاج "الكيماوي" في منتصف الثمانينيات، ففي عام 1983 أشارت تقديرات الاستخبارات الوطنية الأميركية لأول مرة إلى وجود منشأة سورية لإنتاج الأسلحة الكيميائية. وكشف إفصاح صادر عن الحكومة البريطانية في عام 2014 أن سوريا حصلت بحلول عام 1986 على مئات الأطنان من المواد الكيميائية الأولية، بما في ذلك "ثلاثي ميثيل الفوسفيت"، و"ثنائي ميثيل الفوسفيت"، و"فلوريد الهيدروجين"، من المملكة المتحدة، وتقنيات أخرى لتطوير عوامل الأعصاب مثل غاز السارين.

وبحلول عام 1990، أشارت وسائل الإعلام والتصريحات الصادرة عن المسؤولين الأميركيين إلى أن سوريا حوَّلت العديد من مصانع الكيماويات الزراعية إلى مرافق لإنتاج السارين. وفي عام 1997، زعمت مصادر أميركية وإسرائيلية أن برنامج الأسلحة الكيميائية السوري بات يتضمن منشآت إنتاج في دمشق وحمص وحلب، ويمكنه إنتاج السارين والخردل، وربما "في إكس" (VX) الذي يُصنَّف واحدا من أكثر الأسلحة الكيميائية فتكا وخطورة.

نتيجة لذلك، حظرت الولايات المتحدة بيع غاز السارين ومركبات الخردل إلى سوريا منذ ثمانينيات القرن العشرين، وتسبَّب ذلك في لجوء دمشق إلى السوق السوداء. مثلا في عام 1996، اتهمت السلطات الروسية الفريق المتقاعد أناتولي كونتسيفيتش بشحن 800 كيلوغرام من المواد الكيميائية الأولية إلى سوريا. ورغم إسقاط هذه التهم في نهاية المطاف، أفادت الصحافة الإسرائيلية أن كونتسيفيتش اعترف لاحقا بنقل مواد أولية لغاز الأعصاب.

من عام 2002 إلى عام 2006، كرَّرت التقارير الصادرة عن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) أن "دمشق تحتفظ بالفعل بمخزون من غاز الأعصاب السارين، لكنها حاولت على ما يبدو تطوير مواد أعصاب أكثر سُمِّية واستمرارية". في عام 2009، أصدرت الاستخبارات المركزية الأميركية تأكيدها أن النظام السوري يملك برنامج أسلحة كيميائية يُمكِّنه من تنفيذ هجمات كيماوية بالطائرات والصواريخ بعيدة المدى وبالمدفعية. وفي يونيو/حزيران عام 2012، أكَّد الجنرال "يائير نافيه"، مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي حينها، أن سوريا تملك "أكبر ترسانة أسلحة كيميائية في العالم طوَّرتها منذ أربعين عاما"، وقال إن من بين الغازات الموجودة في ترسانتها غاز السارين وغاز الأعصاب وغاز الخردل. وفي يوليو/تموز من العام نفسه، جاء أخيرا أول اعتراف رسمي من النظام السوري بامتلاكه أسلحة كيميائية، وهو اعتراف لم يرد إلينا عبر تصريح رسمي لمسؤول حكومي، بل عبر آثاره التي ظهرت على جثث القتلى.

إعلان الكيماوي ضد الشعب

كانت الثورة التي حوَّلها قمع النظام إلى حرب دموية قد اندلعت بحلول ذلك الوقت، وتحوَّلت معها الأسلحة الكيميائية من "مخزونات صامتة" للتحوُّط ضد الخصوم الخارجيين إلى أسلحة مشهرة في وجه المواطنين السوريين. وفي الفترة ما بين أواخر نوفمبر/تشرين الثاني وأوائل ديسمبر/كانون الأول 2012، حصلت وكالات الاستخبارات الغربية على أدلة واضحة على أن النظام السوري كان يجهز الأسلحة الكيميائية للاستخدام، بما في ذلك خلط المواد الكيميائية الأولية وتحميل الأسلحة على مركبات نقل عسكرية خاصة.

لم تكد تمر أيام على تلك التقارير حتى جاء الخبر اليقين، حين استُخدم "الكيماوي" لأول مرة في حمص قبل نهاية عام 2012. وبعد بضعة أشهر، تحديدا في 19 مارس/آذار 2013، ظهرت أدلة على هجوم بالأسلحة الكيميائية في قرية خان العسل في محافظة حلب، مما استدعى تشكيل بعثة لتقصي الحقائق من قِبَل الأمم المتحدة. بيد أن الأسوأ لم يكن قد جاء بعد، ففي صباح يوم 21 أغسطس/آب 2013، ظهرت مقاطع الفيديو حول هجوم الغوطة، وهو الهجوم الكيميائي الأكثر فتكا في الحرب السورية، الذي أجبرت تداعياته نظام الأسد على إدخال فِرَق التفتيش الأممية ثم الرضوح لاتفاق روسي أميركي للتخلص من مخازنه الكيميائية تفاديا لضربة أميركية محتملة.

مجزرة الغوطة التي قامت بها قوات الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية في أغسطس/آب 2013 (الجزيرة)

ووفقا للنتائج الأولية التي أعلنتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فإن الترسانة السورية تضمنت 1000 طن متري من الأسلحة الكيميائية من الفئة الأولى (الأسلحة الكيميائية الصريحة)، و290 طنًّا من المواد الكيميائية من الفئة الثانية (ذات الاستخدام المزدوج)، و1230 نظام توصيل غير معبأ من الفئة الثالثة مثل الصواريخ، وقد دُمِّرت الغالبية العظمى من هذا المخزون خارج سوريا. ولكن في حين رُحِّبَ بتدمير الأسلحة الكيميائية المعلنة في سوريا باعتباره إنجازا كبيرا، ظلَّت الأسئلة قائمة حول إذا ما كان النظام قد أفصح عن مخزوناته كاملة.

إعلان

بادئ ذي بدء، اقتصر دخول الفِرَق إلى مواقع تخزين السلاح الكيميائي التي أعلن عنها النظام، أما المواقع غير المُعلنة فكان على المفتشين تقديم طلب دخول إليها عبر إرفاق مجموعة من الأدلة التي تدعم شكوكهم، أي إن تحركات المفتشين كانت تخضع لشروط النظام، وكان له صلاحية رفض تلك التحركات. في إحدى الحالات، شكَّك المفتشون بأن النظام يمتلك أكثر من 20 طنًّا من غاز الخردل هو حجم ما اعتُرف به رسميا، وعندما ضغطت الأمم المتحدة على النظام، ذكر أنه كان قد أتلف فعلا مئات الأطنان من غاز الخردل قبل بدء عملية التفتيش دون تقديم أدلة على ذلك.

لاحقا، كشفت العيّنات التي أخذتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في موقع الأبحاث العسكرية السورية "المعهد 3000" (في مايو/أيار 2014 ويناير/كانون الثاني 2016) عن وجود بعض المواد الكيميائية الناتجة عن تحليل غاز الأعصاب "في إكس"، كما وجد المفتشون آثارا من كحول "بيناكوليل" في المنشأة، وهو مادة أولية لغاز الأعصاب "سومان" وليس له استخدامات سلمية.

قُطعت هذه الشكوك باليقين حين استأنف النظام هجماته الكيميائية بعد الإعلان عن تفكيك ترسانته. وتشير تقديرات مستقلة إلى وقوع عشرات الهجمات الكيميائية للنظام بعد تفكيك ترسانته رسميا. على سبيل المثال، في الرابع من إبريل/نيسان 2017، ظهرت التقارير حول هجوم بغاز السارين على قرية خان شيخون، 30 ميلا جنوبي إدلب، الذي خلَّف أكثر من 100 قتيل، وهي الحادثة التي عُرفت بمجزرة خان شيخون، ما دفع الولايات المتحدة إلى إطلاق 59 صاروخا من طراز "توماهوك" على قاعدة الشعيرات الجوية، الموقع الذي انطلق منه الهجوم الكيميائي.

لاحقا، استهدف النظام مدينة دوما بريف دمشق عام 2018 بأسطوانات غاز الكلور، مما أسفر عن مقتل 43 شخصا. وردا على هذا الهجوم، شنَّت الولايات المتحدة إلى جانب فرنسا وبريطانيا، في إبريل/نيسان عام 2018، ضربات عسكرية ضد ثلاثة مواقع ذكرت إدارة ترامب حينها أنها كانت جزءا من برنامج الأسلحة الكيميائية السوري، منها موقعان لتخزين الأسلحة الكيميائية في غرب حمص، أحدهما الموقع الأساسي لإنتاج غاز السارين، بينما الموقع الثالث كان في إحدى مناطق دمشق، وذكر مسؤول في البنتاغون حينها أنه مركز لتطوير وإنتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.

إعلان ما السلاح الكيميائي وما خطورته؟

يقودنا هذا الاستعراض إلى حديث مقتضب حول الأسلحة الكيميائية نفسها، ولماذا تُعد مصدرا للرعب. بحسب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، يُعرَّف السلاح الكيميائي بأنه أي مادة كيميائية سامة مُصمَّمة خصوصا لإحداث الوفاة أو غيرها من الأضرار، أو أي مادة أخرى يمكن أن تؤدي بتفاعل كيميائي إضافي إلى تلك المادة السامة، التي يمكن أن تُستخدم مباشرة، أو تُوضع في ذخائر عسكرية.

تنقسم الأسلحة الكيميائية إلى عدة عوامل بحسب استخدامها، هناك مثلا خردل الكبريت الذي يُصنَّف ضمن العوامل المنفّطة، وتظهر تلك العوامل في الحروب على شكل سائل، أو رذاذ، أو بخار، أو غبار، وتدخل إلى الجسم عبر الرئتين والجلد. وغاز الخردل ليس له لون أو رائحة، ولكن عندما يُخلط مع مواد كيميائية أخرى فإنه يصبح بُنّي اللون وله رائحة تشبه رائحة الثوم، وتشمل أعراضه حروقا في الجلد والأغشية المخاطية والعينين، بالإضافة إلى التهابات جلدية ومشكلات في الجهاز التنفسي مثل التهابات القصبة الهوائية والرئتين.

بينما يُعد الكلور ضمن العوامل الخانقة، التي تكون عادةً في شكل غاز وتدخل الجسم عبر الرئتين. عند استنشاقها، تُسبب هذه العوامل تهيُّجا في الأنف والمجرى التنفسي، وقد تؤدي إلى تراكم السوائل في الرئتين مما يسبب الاختناق. يُعد الكلور مادة كيميائية مزدوجة الاستخدام، إذ يُستخدم في العديد من التطبيقات المدنية السلمية المشروعة، لكن يُحظر استخدامه بوصفه سلاحا بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

أما الأسلحة الكيميائية الأكثر خطورة فهي العوامل المؤثرة على الأعصاب مثل "السارين"، و"في إكس". تظهر هذه المواد أيضا في شكل سائل، أو رذاذ، أو بخار، أو غبار، وتخترق الجسم عبر الرئتين والجلد كليهما، وتؤدي إلى تشنجات شديدة، وفقدان السيطرة على الجسم، وشلل العضلات بما في ذلك عضلة القلب والحجاب الحاجز مما قد يؤدي إلى الوفاة.

إعلان

أحد أكثر تلك العوامل استخداما هو غاز السارين، الذي طُوِّر أثناء الحرب العالمية الثانية، واكتسب اسمه من اسم العالِم الألماني الذي طوَّره، ومثله غاز "تابون" وغاز "سيكلوسارين". وتُعد هذه المجموعة من الغازات الطيارة التي تتحول إلى سائل في درجة حرارة غرفة طبيعية، غير أن غاز السارين هو أخفها، والسارين الصافي عندما يكون سائلا يكون عديم اللون والطعم والرائحة.

استخدم نظام الأسد هذه العوامل في هجمات كيميائية مختلفة على مدار السنوات الماضية، لكن التقارير تشير إلى أن المادة الكيميائية السامة الأكثر استخداما هي الكلور. ووفقا لبيانات "بي بي سي"، يُشتبه في استخدام جيش النظام السوري للكلور في 79 هجوما مسجلا. وتُعزى ميزة الكلور -في الهجمات الكيميائية- إلى صعوبة إثبات استخدامه، وبالتالي زيادة إمكانية الإنكار، بسبب سرعة تطاير الكلور، ما يعني تبخّره وتشتته سريعا.

أب يرثي أبناءه بعد مقتلهم على إثر الهجمات الكيميائية التي شنتها قوات الأسد في مدينة الغوطة في أغسطس/آب 2013 (الأوروبية)

تشير شهادات المنشقّين عن مركز الدراسات والبحوث العلمية السوري لصحيفة "لوموند" الفرنسية عام 2020 إلى أن براميل الكلور تُصنع محليا، وأشارت تلك الشهادات إلى كيانات جديدة لم تكن معروفة من قبل، مثل ورشتين لإنتاج البراميل المتفجرة المليئة بالكلور، إحداهما تقع في جمرايا، والأخرى بالقرب من مصياف. ويشير التقرير أيضا إلى آليات تزويد المركز بالمواد الكيميائية، إذ اكتشف المحققون أنه بين عامَيْ 2014-2018، صدّرت 39 دولة -بينها 15 دولة أوروبية- 69 فئة من المنتجات التي يُحتمل خضوعها للعقوبات إلى سوريا، وتضم بصورة أساسية مُركب "أيزوبروبانول"، الذي يُسمح بتسويقه فقط إذا كانت نسبة تركيزه أقل من 95%، لأنه يمكن استخدامه في صنع غاز السارين.

إعلان

وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بيانا في يوم إحياء ذكرى كل ضحايا الحرب الكيميائية، أشارت فيه إلى أن النظام السوري لا يزال يمتلك ترسانة من الأسلحة الكيميائية، مع مخاوف جدّية من احتمال تكرار استخدامها في سوريا. وأشار البيان إلى أن روسيا تساعد النظام السوري في إخفاء مخزوناته من الأسلحة الكيميائية. وقد وثَّقت الشبكة حتى تاريخ 30 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023 ما لا يقل عن 222 هجوما بالأسلحة الكيميائية في سوريا في قاعدة بياناتها، منذ أول استخدام موثق لهذه الأسلحة المحرّمة دوليا في 23 ديسمبر/كانون الأول عام 2012. وقد نفّذت قوات النظام السوري ما مجموعه 217 هجوما من إجمالي تلك الهجمات، بينما نفّذ تنظيم الدولة الهجمات الخمس المتبقية.

أما خطورته، فيُعد السلاح الكيميائي ضمن أخطر الأسلحة فتكا بالبشر على المستوى الجماعي، غير أن حجم الأضرار الناجمة عنه يعتمد بشكل كبير على تركيزه، وهو أمر يختلف من مكان إلى آخر، حيث تزيد المخاطر في الأماكن المغلقة والضيقة، مقارنة بالمساحات الواسعة على سبيل المثال، وفي كل الأحوال يؤدي التعرض لذلك النوع من المواد إلى الوفاة إذا زاد التركيز الذي يتعرَّض له الشخص ومدة التعرُّض على حدٍّ معين.

حقيقة أخرى لا تقل أهمية عن السلاح الكيميائي هي أنه "عشوائي" في اختيار ضحاياه، إذ يمر بين جنبات البيوت والحارات الضيقة، فيقتل مَن يقابل بلا تمييز. وتزداد الأمور سوءا إذا علمنا أن المواد الكيميائية تُحمَل مع الرياح أو المياه إلى مسافات طويلة، ويستمر تأثيرها لمدة يومين تقريبا في البيئة التي أُطلقت بها، في ظل ظروف مناخية متوسطة، ومن أسابيع إلى شهور في ظل ظروف شديدة البرودة.

كل هذا ولم نتحدث بعد عن ذلك القدر من الألم غير المحتمل الذي يعانيه الضحايا قبل الموت. تبدأ أعراض تسمم السارين مثلا بدموع غزيرة، مع ألم واضح ورؤية مشوَّشة، إلى جانب سيلان اللعاب والتعرق المفرط والسعال وضيق الصدر والتنفس السريع والإسهال والغثيان والقيء، مع آلام في البطن وزيادة التبول والارتباك والنعاس والصداع، إلى جانب ذلك يرتفع معدل ضربات القلب ويضطرب ضغط الدم. ومع استمرار التعرض، يفقد الشخص الوعي، وقد تظهر تشنجات وشلل، تنتهي بفشل الجهاز التنفسي، ثم الوفاة.

إعلان

فيما يتسبَّب الكلور في ألم حارق واحمرار وبثور على الجلد، مع شعور بحرقة في الأنف والحلق والعينين، وسعال ساحق، وضيق شديد في الصدر، وصعوبة في التنفس، يعقب ذلك تراكم السوائل في الرئتين، ومع استمرار التعرُّض تكون الوفاة هي النتيجة التالية. كل هذا القدر من الألم ألحقه نظام الأسد بلا رحمة بآلاف الضحايا، الذي كانوا بالنسبة إليه ثمنا مقبولا للاحتفاظ بكرسي السلطة، الذي لم يُخيَّل إليه أنه سيفقده بين طرفة عين وانتباهتها، في اثني عشر يوما فقط.

مقالات مشابهة

  • تقرير صيني: السياسات الأمريكية وراء أزمة البحر الأحمر
  • لقاء موسع لعلماء وخطباء مديريتي الظهار والمشنة لمنافشة المستجدات على الساحتين الوطنية والفلسطينية
  • المطران عطا الله حنا: يجب أن تتوقف الحرب التي يدفع فاتورتها المدنيين الأبرياء
  • الأسلحة الكيميائية وسر نظام الأسد المظلم الذي تخشاه إسرائيل والغرب
  • ما الذي يحدث في المنطقة ؟
  • تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة: استشهاد 10 فلسطينيين وتفاقم الوضع الإنساني
  • من سوريا الأسد إلى سوريا الحرة.. نحو استعادة الهوية الوطنية
  • تصاعد التوتر بين إيران والاحتلال الإسرائيلي وسط تهديدات إيرانية بقرب الرد
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • ما الذي يحدث في المنطقة؟